النهار يخيط بحرير أنفاسه نعش الشفق...
وخيول الليل تجرّ أحصنة الأصيل نحو صحارى الغياب..
والسَّمر...!
يتّخذ زينته اشتهاءً للقمر....يسرّح شعره أمام مرآة النهار قبل ان تتهشّم...وحسناوات المساء تجمّل وجه البدر كي يُشرق استعدادا لحكايا ألف ليلة وليلة.
منخورة عظام النوم في هدأة السُّهاد ..مجوّفة أحداق النُعاس ، قَدْ هَدّ الكرى حيلة السُّبات..وقَدّ قميص الغفوة الأنيق، وقت أغراه بوجبةٍ من نجماتٍ وأرق.
وقصداً...!
تتسلل كلثوم من تحت دخان الليل كجنيّة من رماد .. تَرشي حرّاس القلق كي يغسلوا جبين الكون بماء اليقظة.. وزلزال صوتها يهزّ طبقات الليل ، ويصبّ في أوردة السكون سموم الأرق ،فتتتالى على الروح موجات الهيام، والجوى يقلّبنا بين أصابعه لهفة وحنين.
و...عمداً..
تتأنّق هديلاً فوق أعشاش الروح..وتتنعّم أهازيج شوقٍ تتلو أعراف الغرام على سكّان الليل..تصهل حوريات الشجن في صدرها بـ "أقبل الليل ".." أقبل الليل يا حبيبي"..
أقبل الليل..!
أقبل؛فانشقّ صدر الوله فيّ عن كارثة اشتياقٍ ومصيبة ذكرى..
وسيّدة الغرام ما انفكّت تقضم حلوى اتزاني قطعة قطعة.. ومشعوذة الأوهام تتحالف معها ،تقاتل جيوش صبري..تخطّ بسبابة التوق وثيقة الضياع..فيغدو كل كل شيء تائه في بهو اندلاقاتها،ولا شيء يبدو غير ليل محشوّ بالتَوق بالحب بالحنين بالذكرى بالضياع بالأرق..
و..أرتحلُ أنا..!
أرتحل عبر سلالم الدُجى اليه، افتّش عنه في خوابي الليل الذي أقبل ،فلربما كان في ضواحيه نجمة، أو في اتساعه شهاباً ،أو في سَمَرهِ بدرا.. والحلم يوشوش ليَ أنّ ما بعد خطوتين من ضياءٍ سيكون اللقاء.
فـ أنتظر..و..أنتظر..
ويَجلدني عمى الليل ..
وتزّفني كلثوم للصَّبر وليمة صمود ،ويؤرجحني النغم على خيوط الأمل وحبال الكلام..ومنديل لهفتي يبتلّ ويبتلّ ويغرق بالمزيد من العرق ،وجسد الليل يتضخّم ويتضخّم..يرفع سبّابته متوعدا بالتلاشي ،والنجمات تلملم شملها ، والبدر يستعدّ للسفر ..
وأنا ..!
لا زلت أتوسّلُ الليل أن يدُلّني عليه، والى البدر أن يأخذني اليه.. أناديه علّه يأتيني وهماً أو حلما ،طائرا أو فراشاً مبثوثاً في سَماوات روحي..أو كُحلاً من آثار الليل معلّقاً في أحداق فرحي...
وتراهنني الساعات..!
ويكبر اللحن..والشوق أكبر..
وأنا أحتسي في الهزيع الأخير من صحوتي مخلوط الأشجان ، وأتجرّع مدامع قلبي ،وأرشي الانتظار كي ينتظر..
وتبقى أمنية اللقاء معلّقة في كفّ الليل الذي يمضي، وفي طبقات صوتها الذي يضمحلّ..والقلق يحصد سوسناتي الغضّة ،وسيّد الروح ما زال في حلبات المجهول يلهو، وخلف أسوار الغياب يُقيم.
فــ أووواه يا ليلي أنا...!
وحنانيكِ سيدة السَّمر..!
وآهٍ من ليلٍ قد أقبل بارداً في صوتكِ...
وما جدواه إن أقبل هذا الليل أو أدبر...؟!
ما جدواه.. والغائب الحاضر يصبغ متعمّدا ثوب اللقاء بألوان السَّواد..ويرسمني بمداد التجاهل خيالاً من سراب ، ويكتبني غريبة قد انشقّت من ضباب؟!
فليتَ سيّد الروح يجيء قبل أن يرحل الليل بالحبّ..بالوهج بالجمال، بالشباب...
ليتهُ يجيء قبل التلاشي ، قبل أن يرحل الحب والعمر والشباب.
ليتَهُ يا ليل..
ليت...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat