صفحة الكاتب : السيد حيدر العذاري

مع السنة في لقاءات وحوارات .. ( الحلقة الأولى )
السيد حيدر العذاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



في عام 2009م كنتُ في لبنان, وقد اقترح علي الأستاذ الحاج جواد عواضة - مدير العلاقات العامة في معهد الرسول الأكرم(ص) ـ أن ألتقي بصاحب الفضيلة الشيخ ماهر حمود-دام سؤدده-وهو أحد كبار علماء السنّة في دولة لبنان.
وافقتُ على مقترحه, وتمّ تحديد موعد اللّقاء, وانطلقنا يوم   _15 نيسان 2009م _ من بيروت باتجاه مدينة صيدا ، حيث محل إقامة الشيخ حمود.
استقبلنا الشيخ بحفاوة بالغة, وصدر رحب, ووجه مستبشر, ورحّب بنا أيّما ترحيب. جلست معه وتبادلنا السؤال عن الأحوال والمآل...
وقلت: في نفسي من المناسب أن أتحدّث عن الوحدة الإسلاميّة وضرورتها بالنسبة إلى المسلمين اليوم بمذاهبهم كافة ,لاسيما أن الشيخ من روادها ومن دعاتها..
فقلت: إني اعتقد أن مفهوم الوحدة بين فرق المسلمين ومذاهبهم لا تعني أن يرسل المصلّي السنّي يده في صلاته!
وليس المطلوب أن يضع المصلّي الشيعي يده اليمنى فوق اليسرى أثناء صلاته, ونقول : أن الوحدة الإسلاميّة تقتضي أن نتوحد في ذلك. وليس الوحدة أن نتفق على يوم العيد مثلاً.. أو نتوحد في الزي أو...أو..
بل الوحدة- فيما أفهم- أن يحدّد المسلمون عدوّهم المشترك الذي يعمل الليل مع النهار من أجل إضعاف المسلمين وإبعادهم عن تعاليم دينهم ومنهاج شريعتهم.. وبعد تشخيص العدو يُتخذ القرار الحازم والموقف الموحد لمواجهة خطط العدو وتحركاته..
وأن يتوحّد على منهجيّةٍ متكاملةٍ تكون من شأنها خلق نهضةٍ شاملةٍ على المستوى الاقتصادي والسياسي والإعلامي والفكري وغيرها وأن يتعاونوا بجدٍ وإجتهادٍ من أجل السير قُدماً لتحقيق هذا الهدف..
وافقني الشيخ على ذلك؛ ثم قلتُ له: نحن ـ الشيعة ـ نعاني من عدم معرفة الآخر لنا! والجهل المركب تجاهنا!
وأنتم لم تقرأوا الشيعة كما هم, بل قرأتمونا كما يحب مبغضونا أن يصفونا. لذلك نجد بعض خطابات السنّة مغايرة للحقيقة، ومخالفة لواقع الشيعة والتشيع, ولا يزال الشيعة في نظر البعض منكم في قفص الإتهام مع ما نملك من أدلة وبيّنات وشهود تدعم معتقداتنا وأفكارنا.
وعليه: نحن ندعو لقراءة الشيعة قراءة تحقيق وبحث وتتبع واستقصاء وتمعّن وتعقّل.. وسيجد الباحث ضخامة المذهب وما يمتلكه من إرثٍ فكري وعلمي ومعنوي وفقهي مصدره الرسول والأئمّة من آله-صلوات الله عليهم أجمعين- ولا يمكن للآخر إلغاؤه أو تجاهله.
فقال الشيخ: صحيح ولكن الوحدة الإسلاميّة تقتضي صدق الطرفين- سنة وشيعة- وأنتم الشيعة تقولون بالتقية وهي خلاف الصدق!
وأنتَ تدعو إلى معرفة الشيعة وحينما نقرأ عنكم نجدكم تسبون الصحابة! صحابة رسول الله-ص-!
وتقول أن لدى الشيعة إرثاً علمياً وفكرياً ضخماً جداً وأجدُ أن ثقافة الشيعة القرآنية قليلة ، ولا يحفظون القرآن!.
فقلتُ:- ذكرتم الآن ثلاث قضايا مهمة- كانت ولا زالت من التهم التي توجه ضد الشيعة-وهي: (التقية-سب الصحابة-ثقافة القرآن وحفظه) ودعني أبيّن لكم ما يجب أن يبيّن.
أولاً: ( التقيّة )
إن التقيّة مبدأ قرآني, ذكرها القرآن وأقرّها للإنسان المكره, الخائف على نفسه, أو ماله, أو عرضه كمنهج خلاص وطريق وقاية، قال تعالى: ((مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)). النحل:106
لاحظ أن الآية تجيز للمسلم أن يتظاهر بالكفر كُرهاً لأنّه يخشى على نفسه من بطش الأعداء, ويجاريهم ولكنّ قلبه مطمئنٌ بالإيمان- كما هو واضح من الاستثناء-وهذه رخصة واضحة..
كما أن هناك آيات أخر تشير إلى مفهوم التقيّة منها قوله تعالى:
((وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)).غافر:27
لاحظ-يكتم إيمانه-كتمان الإيمان لمصلحة تقتضي ذلك هو التقيّة بعينه..
وقوله تعالى: ((لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)).آل عمران:28
فالآية الكريمة تحرّم اتخاذ الكافر وليّاً من دون المؤمنين إلّا إذا كان موقفه هذا يوجب الضرر والخسارة عليه وعلى المؤمنين لاحظ الاستثناء: (إلا أن تتقوا منهم تقاة). ودرأ المفسدة مقدّم على جلب المصلحة..
ثمّ إن التقيّة مارسها الصحابة الكرام فهذا عمّار بن ياسر حينما قام المشركون بتعذيبه مع أمّه وأبيه وأجبروهم على الكفر وقد مات ياسر وزوجته سميّه تحت التعذيب وأظهر عمّار بلسانه ما أرادوا ووصل الخبر إلى النبي(ص)قال: (كلّا إن عماراً مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه وأختلط الأيمان بلحمه ودمه).
وجاء عمار إلى النبيّ(ص)باكياً, فقال له الرسول:-
(ما وراءك؟ فقال: شرّ يا رسول الله, ما تركت حتى نلتُ منك! وذكرتُ آلهتهم بخير.. فجعل النبي(ص)يمسح عينيه ويقول له: إن عادوا لك فعُد لهم بما قلت). الطبري:ج14,ص122
 وأنتم أعلم بهذه الواقعة من غيركم!
ثم قلتُ له:- ها أنذا أمامك باسمي وزيّي الشيعي وجواز سفري ومستمسكاتي وغيرها كما هي هي لماذا؟؟؟
فسكت الشيخ!
فقلتُ: لأنّني لا أخشى على نفسي ولا مالي ولا ديني ولا عرضي ولا ... ولكن حينما تكون حياتي أو أموالي أوعقيدتي أو عرضي في خطر فأنا أكتم ما يوجب سخط المقابل وإثارته كي أنجو بنفسي أو ما يتعلق بها...
إذن التقيّة لها مورد استثنائي محدود, تمارس بل تجب في حالات خاصة ومحددة، يشخصها المسلم حينما تحيط به المخاطر المذكورة لدفع ضررها، ودفع الضرر واجب.. وقد أقرها القرآن وعمل بها الصحابة, وليس هي الكذب, الكذب مذموم على كل حال..
هنا تبسّم الشيخ وأكتفى بإبتسامته!
ثانياً:( سب الصحابة )
أما بالنسبة إلى (السب) فاعلم أن الشيعة لا تسب أحداً سواء كان من الصحابة أو غيرهم وقد ورد النهي الشديد من قبل أئمّتنا_سلام الله عليهم_ عن سبّ أيّ شخصٍ أو فئة.راجع البحار:ج5,ص343
لكنّنا في الحقيقة نلعن من لعنه الله ورسوله وأوصياؤه وملائكته, واستحقوا بفعل أعمالهم الشنيعة لعنة الدنيا والآخرة.
وهنا فرق كبير بين (السب واللعن).
السب صفةٌ رذيلةٌ, بينما اللعن مبدأ قرآني أكدَ عليه القرآن وأمرنا بفعله في أكثر من ثلاثين مورداً, وقسّم من يستحق اللّعن إلى فئاتٍ منهم:
الكفار-سواء اليهود أو النصارى أو غيرهم- والذين يكتمون ما أنزل الله من الحق ومن يكذّب بالحق, والظالمون، والارتداد، ومن يتعمّد قتل المؤمن، وهذا التاريخ بين يديك انظر ماذا جرى على أهل بيت النبوة وموضع الرسالة!
إقرأ ما جرى في كربلاء وبأي ذنبٍ قتلَ الحسين بن علي تلك القتلة الفضيعة؟ وهكذا أولاده وذريته بل كل من كان على خطه ونهجه..
وهكذا من ينقض عهود الله ومن يرمي المحصّنات والذين يؤذون الله ورسوله..
فهذه الفئات وجودات خارجية مشخّصة استحقت اللّعن والطرد والبرآءة منهم ومن أعمالهم الخبيثة وأنّهم وأعمالهم وخطهم ليس من الدين في شيء..
قال الشيخ: صحيح ولا أشك أن معاوية بن أبي سفيان نتيجة ما قام به من أعمال حرّفت دين الله يستحق اللّعن!
والله يا سيّد:- أنا اعتبر نفسي أغوص في أعماق بحار عقائد الشيعة أكثر من ثلاثين سنة, وأحيط بها, وأنا أدافع عن الشيعة والتشيع عبر اللّقاءات والمؤتمرات والندوات والفضائيّات ولكنّني لا أعلم أن هناك فرقاً بين السبّ واللّعن!!!
وأنت الآن أثرت عندي موضوعاً جديداً سأضعه على طاولة البحث والمتابعة, وأعدك بتأليف كتاب حول هذا الموضوع المهم.
فقلتُ له: يا فضيلة الشيخ أنت عالم معروف وصاحب فضل ودراية, وإمام جمعة وجماعة, ولا تعلم بوجود فرق بين السبّ واللّعن وأن الشيعة تلعن من يستحق اللّعن امتثالاً لأمر القرآن فكيف بالإنسان المسلم الاعتيادي؟
كيف بمن يسمع عن الشيعة ما يسمع, ويأخذ ما يسمع أخذ المسلّمات! ألم أقل لك إن مدرسة أهل البيت(ع) وشيعتهم بحاجة إلى قراءة صحيحة من قبل السنّة ليتعرّفوا على الحقائق الناصعة في هذا المذهب؟
فقال: لا شك في ذلك..
ثالثاً:( الثقافة القرآنية )
أما بالنسبة إلى المحور الثالث الذي تفضلتم به وهو أن الشيعة لا يحفظـون القرآن, وثقافـتهم القرآنية قليلـة..
  فأقول: لو سلّمنا جدلاً أن شيعة أهل البيتلا يحفظون القرآن ولا يحيطون بعلومه وأحكامه وأسراره! فهذا ليس من باب الزهد في هذا الكتاب العزيز أو عدم اهتمام لعظمته حاشا! بل أن الشيعة كما تعلمون مرّوا بظروفٍ قاسيةٍ وصعبةٍ عبر التاريخ ,وبمراحل ملئها القهر والحصار والاضطهاد والقتل والتشريد من الحكومات الظالمة التي تعاقبت على حكم البلاد لاسيما البلاد التي يتواجد فيها الشيعة بكثافة, فهذه الأنظمة تحارب الشيعة سراً وعلناً وتحارب حملة القرآن منهم ,وأجواء كهذه لا يمكن لأبناء المذهب أن يتعلّموا القرآن أو يحفظوه أو يتدارسوه, ومع ذلك فإنّ الشيعة جاهدت وناضلت من أجل القرآن والشريعة وهذا جلي لمن راجع التاريخ ..
فهذه حكومة البعث في العراق كانت تجرّم كل شاب يمسك القرآن بيده ويُحكم بالإعدام كل من يريد أن يتعلّم القرآن أو يعلّمه. فحلقات الحفظ والتلاوة والأحكام والتجويد كلّها محظورة وممنوعة ومدانة في عراق البعث وزمرته!
فكيف لشبابنا أن يتعلّموا القرآن أو يحفظوه في مثل هذا الجو البوليسي المرعب المشحون بالخوف والقلق؟
وفي مثل هذا الجو هل يمكن للكاتب أن يكتب أو للقارئ أن يقرأ؟ ومع ذلك فعلماء الشيعة وفقهاؤهم كتبوا التفاسير وألّفوا الكتب وأقاموا المدارس حيث يجعل الله لهم مخرجاً بين الحين والآخر..
والعراق اليوم يشهد حركة قرآنيّة عالية حيث حلقات تفسير القرآن وعلومه في معاهده الدينيّـة وحوزاته العلميّـة وانعقدت العديد من الندوات والمؤتمرات المتخصصـة في هذا المجال.
بالإضافة إلى صدور مجلات محكمة تعنى بالمعارف القرآنية وسمح للجامعات العراقية سواء الرسمية أو الأهلية بفتح أقسام وفروع متخصصة بالقرآن  وعلومه ...
وهناك فرق أيها الشيخ الجليل بين حافظ القرآن والمحافظ عليه! فعندكم الآلاف ممّن يحفظ القرآن وعندنا الآلاف ممّن يحافظ عليه والآن نحن كذلك نمتلك الآلاف ممّن يحفظ القرآن.
هنا تبسم الشيخ...
ثم عاتبته على تصريحاته الإعلامية عن المقبورين قصي وعدي نجلي الطاغية الهالك صدام ونعتهما بالشهداء!

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد حيدر العذاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/09



كتابة تعليق لموضوع : مع السنة في لقاءات وحوارات .. ( الحلقة الأولى )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : باسم الموسوي ، في 2014/01/09 .

دائما الرقي ديدنكم..السيد العذاري




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net