صفحة الكاتب : رشيد السراي

الرسول الخاتم بين قراءتين القراءة التاريخية والقراءة العقائدية
رشيد السراي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



للرسول محمد (ص) تاريخ وشخصية قراءات متعددة تبعاً للجهة المنظورة في شخصيته وتبعاً لثقافة القارئ. فهناك من يقرأ محمد (ص) كرجل دولة، وهناك من يقرأه كمفكر وهناك من يقرأه كمصلح، وغير ذلك.
ولا نبحث في كلامنا عن زاوية معينة في القراءة بل نبحث عن مصدر القراءة والتقييم، لذا وضعنا مقارنة بين قراءتين: وهما القراءة التاريخية، والقراءة العقائدية. وسنوضح كلاً منهما.

القراءة التاريخية:
ونقصد بها قراءة الرسول (ص) عبر ما ورد من معلومات تاريخية عنه كأي شخصية من الماضي يتم قراءتها وفق مصادر الماضي. وهكذا نوع من القراءة له شروط  للإنتاج وعليه مؤاخذات.
ومن شروط الانتاج بحسب تصورنا لأي قراءة تاريخية وليس بخصوص شخصية الرسول (ص) فقط:
1-اعتماد المصادر الصحيحة:
وكون المصدر صحيحاً أو أقرب للصحة أمر مهم في الاعتمادية. ومن مؤشرات الصحة قرب تاريخ تدوين الكتاب من الحدث محل البحث، وكذلك اختصاص المؤلف وحياديته نقلاً وتحليلاً، كون النسخة أصلية، وغير ذلك.
2-أخذ التعارض بين المصادر بنظر الاعتبار:
فلا يمكن القبول بنص -واحداً أو متعدداً- دون البحث عما يُعارضه أو يفصل إجماله أو يوضح الغامض فيه.
3-التفريق بين نقل المعلومة والرأي:
يحدث الكثير من الخلط بين نقل المعلومة ورأي الناقل وتحليله فلكل منهما قيمته المختلفة وينبغي التمييز بينهما.

4-مراعاة وضع الناقل وفكرة وولاءاته بل حتى أوضاعه النفسية مما قد يكون له أثر في النقل أو التحليل، مع البحث عن الناقل والكاتب الحيادي.
والحيادية أمر ممكن التحقق ولها مؤشراتها وعلاماتها، وكمثال الباحث الحيادي هو الذي لا يُهمل معلومة حتى لو كانت تُخالف رؤيته المسبقة أو ما يتمنى إثباته، وهو الذي ينقل من المصادر بدقة دون تحريف أو استقطاع متعمد. وهو الذي يخضع للنتيجة بغض النظر عن مطابقتها لفكرته المسبقة أم لا.

أيُ إهمالٍ فيما ذكرناه ينتج صورة تاريخية مشوهة، وقصة حدث قد لا يكون قد وقع أو قد يكون وقع بصورة مختلفة كلياً عما تم روايته. ونتائج ذلك وخيمة بلا شك.
وما ذكرناه شروطاً وتأثير لا يختص في القراءة التاريخية لما يتعلق بالرسول (ص) فقط.
وهذا الإهمال قد يصل تأثيره حتى إلى من يعتقد برسالة الرسول (ص) وبخاتميته إذا ما اسقط نتائج القراءة التاريخية الفاقدة للشروط على تصوره عن الرسول دون مراعاة ضوابط الاعتقاد بالرسالة والخاتمية فتتغير صورة ذلك الاعتقاد ويظهر بصورة مشوهة تكون مورداً للإساءة والتشويه من قبل آخرين.

ومع مراعاة ما ذكرنا من شروط يمكن الوصول لقراءة معقولة لكنها تبقى -إذا ما افترضنا المراعاة- أسيرة فقر المعلومة التاريخية وأسيرة قيود صياغة الناقل، فتبقى الكثير من الفراغات غير المملوءة فتكون ساحة للتحليل ولطرح الاشكالات.

القراءة التاريخية( ) قد تكون المورد الوحيد لمن ينظر للرسول (ص) بغض النظر عن رسالته وخاتميتها لكونه لا يعتقد بهما، ولكن من يعتقد بالرسالة والخاتمية والبناء الاعتقادي الذي انتجهما وما يترتب عليهما لا يمكن له الاكتفاء بهذه القراءة.

القراءة العقائدية:
ما نقصده بالقراءة العقائدية هو اعتماد الثابت العقائدي المستند للدليل في تقييم المواقف التاريخية وبيان صحتها وملئ الفراغات وإجابة التساؤلات.
بصورة تفصيلية: إن محمد (ص) رسول بل وخاتم الرسل عند من يعتقد بذلك، وهذا الاعتقاد نتاج دليلي متسلسل افرزته جملة من العناصر رائدها العقل، فهذا الثابت (الرسولية والخاتمية) المثبت بالدليل له-وفقاً للدليل أيضاً- ضوابط وأسس يمكن من خلالها رسم قراءة عقائدية لا يمكن التنازل عنها قِبال المعلومة التاريخية التي تحدثنا عنها سابقاً.

القراءة العقائدية ليست قراءة اسطورية أو خيالية ولا قراءة يتم صنعها لملء الفراغات أو تحسين الصورة، وإنما هي عملية اسقاط للثابت على المتزلزل، بعبارة أوضح تقييم المشكول به-المعلومة التاريخية- عبر الثابت الصحة-العقيدة المثبتة بالدليل ولوازمها-.
وهذه الطريقة في التقييم نستخدمها في حياتنا اليومية، وسنضرب لذلك أمثلة بسيطة: كما في قولنا لمن ينقل لنا فعل غريب-غير تام أركان التصديق- عن شخص لا نتوقع منه ذلك بأنه غير معقول ولا يكن أن يصدر منه، وكما في تقييم الاستاذ لأحد طلبته دون اختبار بناءً على تصوراته المسبقة عنه، وغير ذلك.
ولكن للقراءة العقائدية( )-كما اسميناها- شروط وأسس، فيجب أن يكون التصور المسبق مثبت بالدليل كما قلنا سابقاً، ويجب تحديد حدود التصور بدقة(فوق ما تقولون ودون الخالق)( )، ويجب أن لا يختلط علينا المصداق فنحاول إدخال من لا يحق له الدخول، ويجب إفراغ الوسع في البحث والمقارنة.

وعبر القراءة العقائدية نستطيع الوصول إلى التصور الصحيح للمواقف وتقييمها، ونستطيع استنتاج ما يمكن ملء فراغ القراءة التاريخية به، وتقييم تلك القراءة، كما نستطيع الإجابة على الكثير من الشبهات وتصحيح الكثير من التصورات الخاطئة والمشوهة.


والحمد لله رب العالمين

 
  -محاضرة ألقيت في البيت الثقافي في مدينة الشطرة بتاريخ 31/12/2013م  الموافق 27 صفر 1435هـ.
  -النص المنقول أو المدون ليس هو المصدر الوحيد للمعلومة التاريخية فهناك مصادر أخرى تصلح لمعارضته أو تعضيده، كالآثار ، والبحوث النفسية ، وبحوث الجينات الوراثية والسلالات وغير ذلك.
  -أو قراءة مواقف الشخص من خلال تصورنا المسبق لشخصيته وثوابته.
  -جزء من رواية عن أهل البيت عليهم السلام تصف حدود ما مسموح به في وصفهم والكلام عنهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رشيد السراي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/02



كتابة تعليق لموضوع : الرسول الخاتم بين قراءتين القراءة التاريخية والقراءة العقائدية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net