بين خطبة السيدة الزهراء (عليها السلام) في المسجد الحرام....وخطبة إبنتها السيدة زينب (عليها السلام) في مجلس يزيد
دعاء إبراهيم حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المناسبة:
السيدة الزهراء (عليها السلام) خرجن لنلقي الخطبة إثر الأحداث المريرة التي شهدتها الساحة الإسلاميه بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل قضية اغتصاب الخلافة و الإعتداء على حق أمير المؤمنين (عليه السلام) وغصب فدك منها والهجوم على دارها وغير ذلك من الأحداث الأليمة . رأت الزهراء أن الواجب يفرض عليها أن تقف مع الحق وتقول كلمة الحق أمام جموع المهاجرين والأنصار.
أما زينب (عليها السلام) فلقد ألقت خطبتها المشهورة في مجلس يزيد (لعنه الله) اثر ما رأت منه . يقرع ثنايا الحسين (عليه السلام) بقضيبه و يستهزئ بآل بيت رسول الله وسط جموع الحاضرين من أهل الشام.ورثت من أمها الآلام والمحن فتوقيت الخطبتين بعد استشهاد عزيزين على قلوبهما , اغتصاب خلافة, هجوم على الخيام, وسلب كل شيء. زينب سليلة النبوة كان لزاماً عليها أن تبرهن للعالم أجمع حقيقة الطاغي يزيد.
بيان المظلومية كسبب لإلقاء الخطبة:
غصب فدك, غصب الخلافة, الإعتداء على أمير المؤمنين , الهجوم على الدار.
استهزاء يزيد و أسلوبه الاستفزازي,  شماتته في أهل البيت (عليهم السلام), حادثة كربلاء الأليمة.
المكان:
المسجد النبوي
مجلس يزيد (الجامع الأموي)
مكان الخطبتين حدد نوعية الخطاب, كيف؟
خطبة الزهراء عليها السلام كانت في المسجد الحرام , محل ذكر الله و خطب رسول الله (صلى الله عليه و آله ) حيث كان ينشر مفاهيم الاسلام , فكانت خطبتها عليها السلام تتمحور حول ذكر الله و ابراز المفاهيم الاسلامية.
خطبة السيدة زينب عليها السلام كانت في مجلس يزيد , حيث تكون مجالس اللهو و المديح للطاغية, فكانت خطبتها بالتذكير بعذاب الله و تقرع وتزجر الطاغية لتبين للناس مدى انحطاط قدره.

لمن وجهت السيدتان الجليلتان  الخطاب؟
الزهراء وجهت خطابها لأبو بكر و المهاجرين والأنصار.
السيدة ز ينب وجهت خطابها ليزيد , و أهل الشام.

الخصوصية للخطبتين:
المتتبع لتاريخ هاتين السيدتين الجليلتين سيرى واضحاً وجليلا أنهما نشأتا في بيت الطهر والعفاف , فهذه فاطمة تكلم الرجل الأعمى من وراء الباب واضعة حجابها على رأسها, لم يشهد التاريخ لها خطباً أمام حشد من الرجال قبل خطبة فدك. و هذه زينب يمشي ورائها فتية بني هاشم لكي لا يرى أحداً ظلها, و لم يدون التاريخ ايضاً خطباً لها أمام رجال  قبل واقعة كربلاء.
إذاً الأحداث التي مرت بها كلتيهما استوجبت واستدعت أن تقفا وتلقيا خطبتيهما , لإلقاء الحجة على الناس, و ليوقظوا فيهم الضمير الانساني الميت.
الحجاب:
هنا يبرز مدى التزام العترة الطاهرة بالحجاب و الستر والعفاف , وكيف أن الطاغية قد هتك حرمة رسول الله (صلى الله عليه و آله).
كان من المفترض لزينب (عليها السلام)أن تكون بمقدار ما كانت عليه أمها من الحجاب لكنها سلام الله عليها قد سلبت ذلك غصبا و عدوانا. فلعن الله ظالميكم أهل البيت.
فاطمة (سلام الله عليها) لما أرادت أن تلقي خطبتها:
لاثت خمارها على رأسها
اشتملت جلبابها
أقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها (الخدر)
نطأ ذيولها
ماتخرم مشيتها مشية رسول الله
نيطت دونها ملاءة.
لكن ما حال زينب (روحي فداها) سيدة الخدر والعفاف في مجلس يزيد؟
زينب أسيرة, في قولها : يا أبن الطلقاء تخديرك لنسائك و إمائك وسوقك بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد هتكت ستورهن و اصحلت اصواتهن , مكتئبات تجري بهن الأباعر ويحدو بهن الأعادي من بلد إلى بلد لا يراقبن و لا يؤوين , يتشوفهن القريب والبعيد, وليس معهن ولي من رجالهن.

مضامين الخطبتين:
كلتاهما كان الابتداء بالحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله.
فاطمة تعرف بنفسها فتقول والصلاة على رسول الله أبي.. اعلموا إني فاطمة و أبي محمد... زينب كذلك تسلم على جدها رسول الله فتقول والصلاة والسلام على جدي سيد المرسلين.
تبرز هنا أهمية وجوب الحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسوله الكريم كمقدمة للخطاب, ثم تأتي نقطة مهمة هي التعريف بالنفس لكي يكون الحديث حجة على الحاضرين.

في خطبة فدك:
السيدة الزهراء (عليها السلام):
1.    حددت موقفها من الأحداث الطارئة والحادثة بعد وفاة النبي.
2.    اختصرت في خطبتها. أصول العقيدة بركنيها الأساسين: التوحيد والنبوة.
3.    أسرار التشريعات الإسلامية وحكمها وخصائصها.
4.    الواقع بعد وفاة الرسول وكيف انحرف عن خط الاستقامة والمسار الذي خطه الله ورسوله.
5.    دخلت في قضية ارثها من رسول الله و استحقاقها فدك, بينت المظلومية التي جرت عليها.
6.    برز الاستدلال القرآني في كثير من كلمات الخطبة مثل:
(فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
(انما يخشى الله من عباده العلماء)
(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)
(أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله لقوم يوقنون)
(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ)
(يرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)
( وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ)
(وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ )
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
 (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)
(وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون )
(اعملوا على مكانتكم إنا عاملون و وانتظروا إنا منتظرون)  }

السيدة زينب (عليها السلام):
1.    ردود مباشرة على ما تفوه به الفاسق يزيد.
2.    الاستدلال بآيات قرآنية:
(ثم كان عاقبة الذين اساءوا السوء أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون)
(ولا تحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب أليم)
(ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)
(بئس للظالمين بدلا)
(شر مكانا و أضعف جندا)
(ألا لعنة الله على الظالمين)
3.    بيان المظلومية , الثواب والعقاب.
4.    الدعاء على الظالمين.

تشابه الأساليب البلاغية في مضمون الخطبتين:
فاطمة (روحي فداها ) تقول: فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر, نقبة الخف, باقية العار موسومة بغضب الجبار وشنار الأبد.
زينب عقيلة الطالبين تقول: و لا يرحض عنك عارها وشنارها, وفي خطابها لأهل الكوفة تقول: فلقد ذهبتم بعارها وشنارها, ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً.

عدم الاعتراف بخلافة من يوجه له الخطاب بشكل صريح:
-    فالزهراء (عليها السلام) تقول: يا أبن أبي قحافة.
-    و زينب (عليها السلام) تقول: أظننت يا يزيد.

انتظار الوعد الإلهي يوم القيامة:
الزهراء (عليها السلام): فدونكها محظومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله) والموعد القيامة, وعند الساعة يحشر المبطلون و لا ينفعكم ما قلتم إذ تندمون, ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون  من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم.
زينب (عليها السلام): فلا يستفزنك الفرح بقتلهم و حسبك بالله ولياً وحاكماً و برسول الله خصما و بجبرائيل ظهيراً, وسيعلم من بؤاك ومكنك من رقاب المسلمين أن بئس الظالمين بدلاً و أشر مكاناً و أظل سبيلا.


التأثير الذي تركته الخطبتين في الحاضرين:
عندما خطبت الزهراء (عليها السلام) خطبتها إبتدأت بأنة أجهش لها القوم بالبكاء فارتج المجلس . ثم أمهلت هنيئة حتى اذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم أكملت كلامها.
اعترف الموجه له الخطاب بمكانتها و عظم شأنها.
عندما خطبت السيدة زينب (عليها السلام) خطبتها في مجلس يزيد , ارتج لها المجلس و أبكت كل من كان حاضرا.
طاغوت زمانه يزيد كانت تحت هول المفاجأة من أن تبكمه إمرأة جاء بها أسيرة في مجلسه, فاكتفى بقول: يا صيحة تحمد من صوائح, ما أهون النوح على النوائح.

 

الموضوع السابق أزمة شرف مهني في وسائل الإعلام العروبي /جريدة الشرق الأوسط نموذجاً

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat