صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح176 سورة النحل الشريفة
حيدر الحد راوي


بسم الله الرحمن الرحيم

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ{10}
تبين الاية الكريمة ان الله تعالى خلق المطر وهيأ له الاسباب الطبيعية لهطوله ليتحقق امرين رئيسيين من ذلك :
1-    ( لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ ) : ما يروي الظمأ .
2-    ( وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ) : ينبت الزرع لترعى فيه الدواب , فتكتنز لحما وشحما ويدر حليبها .         
الملاحظ في الاية الكريمة انها ترسل هذا الموضوع ارسالا , ولم تثبت ان الله تعالى هو الخالق والمدبر لكل ذلك , في الواقع لا يحتاج هذا الامر لاثبات ان خلقه وتدبيره من قبله عز وجل , فكل متفكر ومتأمل ذو لب سليم سيتوصل في تفكيره الى خالق حكيم ومبدع ومدبر له , ونسبة ذلك الى النظريات التي تقول بالصدفة باطل .

يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{11}
تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها موضحة بشيء من الايجاز وذكر بعض انواع النبات كمثال ( يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ ) , ثم تعمم ( وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) , بعد ذلك تؤكد ان كل من يتفكر ويتأمل في هذا الخلق والتدبير والابداع تفكرا سليما خاليا من الشوائب سيتوصل بالنتيجة الى خالق مبدع مدبر واحد لهذا الكون ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) , وخصّ المتفكرون هنا لانهم الاكثر توصلا للنتائج الصحيحة والسليمة ! .        

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{12}
تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقاتها , لكنها تنتقل الى جهات اخرى , وتسلط الضوء على اشياء اكبر بعيدة لكنها تمس الحياة العامة مسا مباشرا :
1-    ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ ) : حيث يكون الليل للسبات والراحة , والنهار للعمل وطلب المعاش وقضاء الحوائج .
2-    ( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ) : لا تخفى فوائد ضياء الشمس للانسان والحيوان والنبات , اما القمر ونوره ليلا كسراج ينير الدهماء , وايضا لمعرفة السنين والحساب , وكذلك المد والجزر ... الخ , اما النجوم فلها فوائد كثيرة منها ما كان متاحا في ذلك الزمان حيث كانوا يستدلون بها للسفر ومسير القوافل { وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }النحل16 .  
3-    ( فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) : كل هذه الايات والدلائل على قدرته وتدبيره عز وجل تحتاج الى تعقل بعد تفكر كما في الاية الكريمة السابقة ! .  

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ{13}
تنعطف الاية الكريمة لتضيف ( وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ ) , ما سخره الباري عز وجل لخدمة ونفع ومصالح الانسان من الحيوان والنبات والمعادن وغير ذلك , ( مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ) , يختلف بعضه عن البعض الاخر في اللون والنفع والغرض , ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) , مثل هذه الامور تحتاج الى عظة وعبرة , والمتعظون هم الاكثر استفادة منها لذا خصوا في ختام الاية الكريمة ! .          
ويلاحظ في ختام الايات الكريمة السابقة كان  تفكر و تعقل ثم اخذ العظة منهما ! .
 
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{14}
تنعطف الاية الكريمة لتسلط الضوء على عالم البحار ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ) , حيث انه جل وعلا ذللـه في خدمة الانسان للانتفاع به ركوبا وغوصا والاصطياد :    
1-    ( لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً ) : وهو السمك وكل الحيوان المحللة .
2-    ( وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) : كاللؤلؤ والمرجان , فيتزين بها بني الانسان .
3-    ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ) : حيث ترى السفن تمخر الماء مخرا اي تشقه شقا , وقيل ان المخر هو صوت مسير السفن على الماء .
4-    ( وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ) : في التجارة وسعة الرزق , والسفر لقضاء الحوائج الاخرى .  
5-    ( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) : عساكم تعرفون وتدركون نعمته جل وعلا فتؤدون شكرها .       
يلاحظ ان ختام الاية الكريمة منسجما مع ختام الايات الكريمة السابقة , حيث تفكر وتعقل , ثم تذكر واخذ العظة , ومن ثم الشكر ! .

وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{15}
تنعطف الاية الكريمة لتسلط الضوء على انه جل وعلا ( وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ ) " يتحاشا ويتفادى اكثر المفسرون ان يبينوا معنى ( وَأَلْقَى )" :
1-    ( رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ) : يبين النص المبارك مؤكدا فوائد الجبال الرواسي ( الثوابت ) لديمومة واستقرار الكرة الارضية , جاء في كتاب الخصال ( عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله تبارك وتعالى لما خلق البحار فخرت وزخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الله الفلك فأدارها به وذللّه ثم إن الأرض فخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الله الجبال فاثبتها في ظهرها أوتادا منعها من أن تميد بما عليها فذلت الأرض واستقرت ) .
2-    ( وَأَنْهَاراً ) : الانهار ومصادر المياه العذبة .  
3-    ( وَسُبُلاً ) : طرقا للسفر وغيره .
4-    ( لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) : الى شؤونكم واغراضكم .       
يلاحظ ان ختام الاية الكريمة بـ (  تَهْتَدُونَ ) مرتبط بختام الايات الكريمة السابقة , حيث لا اهتداء ولا هداية من غير تفكر وتعقل وتذكر وشكر , شيء يأتي بعد شيء , موضوعا بعد اخر ! .  

وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ{16}
تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها مبينة امرين :
1-    ( وَعَلامَاتٍ ) : كل ما يستدل به في السفر لمعرفة معالم الطرقات من جبال وسهول وغيره .
2-    ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) : ما يستدل به المسافر ليلا في البحر والبر على الطرق وكذلك في تحديد القبلة .     
( والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنجم هم يهتدون هو الجدي لأنه نجم لا يزول وعليه بناء القبلة وبه يهتدي أهل البر والبحر .
وعن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال ظاهر وباطن الجدي يبني عليه القبلة وبه يهتدي أهل البر والبحر لأنه لا يزول ) ." تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني ".

أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ{17}
تضمنت الاية الكريمة استفهام من نوع خاص ( أَفَمَن يَخْلُقُ ) , هو الله عز وجل , حيث خلق ودبر كل ذلك , ( كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ) , كالاصنام , ( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) , افلا تتعظون بكل هذا فتدركوا فساد وسفاهة رأيكم ! .

وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{18}
تصرح الاية الكريمة ان الانسان لا يستطيع ضبط وحصر واحصاء نعمه جل وعلا مهما اجتهد في ذلك , وعندما لا يستطيع المرء ان يضبط نعمه جل وعلا فأنه يقصر في شكرها , ( إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ ) , يغفر لكم تقصيركم في شكر كل النعم , ( رَّحِيمٌ ) , حيث :     
1-    علم تقصيركم في شكرها ( النعم ) .
2-    لا يقطعها عنكم لتفريطكم فيها .
3-    لا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها .

وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{19}
الاية الكريمة من ايات الوعيد , حيث انه جل وعلا يعلم ما تخفون وما تعلنون من عقائد واعمال واقوال وسيحاسبكم عليها .



 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/12/19



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح176 سورة النحل الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net