صفحة الكاتب : كفاح محمود كريم

من يبني العراق!؟
كفاح محمود كريم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 
     لقد تطرقنا في مقالات سابقة إلى عمليات ترييف المدن وغمرها بالقرى وضياع هويتيهما معا او مسخهما من خلال تلك الهجرات الكبيرة المنظمة منها وغير المنظمة ( العراق وعملية ترييف المدن 1-2 )*، مما أدى الى تقليص حجم القرى وتخلفها تدريجيا قياسا لما كانت عليه حتى قبل نصف قرن من الآن فيما يتعلق بدورات الإنتاج، وتضخم سرطاني مشوه في معظم المدن العراقية ابتداء من العاصمة وحتى المحافظات التي تم استحداثها منذ تولي النظام السابق مقاليد الحكم بانقلابه عام 1968م، مع الأخذ بالاعتبار ان العملية كانت قد بدأت قبل هذا التاريخ بكثير الا انهم أي جماعة النظام السابق تفوقوا على الجميع في التغيير الديموغرافي للبيئة العراقية على خلفية عرقية او مذهبية كما حصل في كثير من مدن البلاد.

    لقد بدأت عمليات الاستيطان والمناقلة السكانية لغرض التوطين او التغيير القومي او المذهبي مع قيام الدولة العراقية، تحت مختلف التسميات وفي كل الحقب التي حكمت فيها الانظمة السياسية، بدءً من النظام الملكي وعمليات التوطين التي شملت البدو في اماكن مختارة بدقة ولأغراض سياسية قبل ان تكون اجتماعية او حضارية، وانتهاءً بالعمليات الكبرى التي شملت كثير من مدن شمال البلاد وشرقها وغربها، والتي تميزت بنقل أعداد كبيرة جدا من سكان جنوب ووسط البلاد الى شمالها كما حصل في كركوك والموصل وديالى، وبشكل واضح وبمظلة قانونية صريحة كانت تستوجب نقل كل الوثائق بما فيها وثائق النفوس او تغيير القومية وما الى ذلك من قوانين عنصرية ادت الى افراغ كثير من القرى وخلق حلقات بائسة حول المدن التي ضمت تلك المجاميع من السكان.

    ولم تتوقف هذه العمليات الى هذا الحد بل شنت الانظمة المتعاقبة حملات منظمة لإفراغ الريف في كوردستان العراق وفي الجنوب ايضا، حتى وصلت ذروتها فيما اطلق عليه بـ ( الأنفال ) وهي مجموعة معارك كبيرة استخدمت أسلوب الأرض المحروقة في كل كوردستان، وتسببت في تغييب ما يقرب من ربع مليون إنسان وتدمير خمسة آلاف قرية بما فيها من بساتين ومزارع وينابيع وشلالات ومدارس ومساجد وكنائس، وكذا الحال في الجنوب حيث تم تدمير وحرق ملايين من أشجار النخيل وتنشيف الاهوار التي كانت واحدة من أقدم المستوطنات البشرية والمسطحات المائية في العالم وتشريد او تغييب سكانها، تحت مظلة فلسفة غريبة عجيبة اعتمدها النظام السابق وهي من بنات أفكار رئيسه وفحواها إن الطبيعة تشجع الإنسان على التمرد، وضرب على ذلك مثالا حول الجبال والبيشمه ركه وغابات النخيل والاهوار حول المقاومة التي كانت تنطلق منهما، ولأجل ذلك عمد الى إزالة ملايين من أشجار النخيل وجفف أقدم اهوار الطبيعة في الجنوب وربما فكر ايضا بغباء في إزالة جبال كوردستان!؟

   لقد أفرزت هذه العمليات وما رافقها من حروب قاسية في الداخل والخارج، خللا كبيرا في البنية الإنتاجية للبيئة العراقية التي كانت تغطي الحاجة المحلية في كثير من الاحتياجات الغذائية، حيث تصدر القرية الى أسواق المدن كل منتجاتها الزراعية والحيوانية بما يوصل البلاد إلى الاكتفاء الذاتي في اللحوم البيضاء والحمراء،  إضافة إلى الحبوب والألبان والبيض ومعظم أنواع الخضراوات والفواكه، وخلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من عمليات الإبادة الكاملة لبيئة كوردستان وبنيتها التحتية البشرية والإنتاجية، ومن ثم حرب الكويت وعمليات إبادة الجنوب وتجفيف مياهه واهواره وتدمير بيئته الإنتاجية، تحولت البلاد إلى خرابة كبرى تممتها الأمم المتحدة بحصار ظالم على الشعب قبل الحكومة، مما شجع النظام إلى استكمال حلقاته الأخيرة في تحويل ومسخ المجتمعات العراقية إلى نظام القطيع المستهلك المستكين، ومنحه شهادة بذلك من خلال نظام البطاقة التموينية التي تسببت تدريجيا في إنتاج ملايين العاطلين والاتكاليين والكسالى.

      لقد مضت السنوات العشر الأخيرة بعد سقوط النظام جارفة معها معظم الآمال في إعادة الاعمار والبناء لتعج الشماعات  بمبررات الفشل والتقهقر الذي حصل خلالها، مضت بملياراتها التي ناطحت 700 مليار دولار وهي غارقة في الفساد والإفساد والمشاريع الوهمية واستيراد كل ما كان ينتجه العراق، بما فيه الوقود والطاقة، ناهيك عن كل أنواع الخضراوات والحبوب واللحوم والألبسة، حتى تحولت البلاد إلى اكبر مستورد في العالم يضم اكبر شعب يتقاضى معاشات وتقاعدات لأعمال لا تستحق بضعة سنتات أو فلاسين كما يقولون، دولة من افشل دول العالم بعد الصومال، حسبما جاء في تقييمات منظمة الشفافية العالمية مؤخرا، دولة تدعي الديمقراطية وهي تمارس أبشع أنواع الدكتاتوريات من الأسرة والمدرسة إلى الشرطي والمدير وصولا إلى الوزير والرئيس، وفي خضم هذه العجقة المخزية وبعد فشل السنوات العشر الماضية من حكم معارضي الدكتاتورية، هل سينجح القادمون الجدد في انتخابات 2014 من تأسيس نظام جديد يعيد الحياة إلى البلاد، ويمنح الريف العراقي هويته الإنتاجية كما كانت في حقبة الستينات والخمسينات من القرن الماضي، أم إنهم سينافسون أسلافهم في  التطاحن والاختلاس والفساد والإفساد لكي يحيلوا العراق إلى حفنة تراب كما قال سيدهم الذي علمهم سحر السياسة والكراسي!؟
     وأخيرا بعد أن توالت على حكم العراق كل أصناف الطبقات السياسية ملكية كانت أم جمهورية، يمينية أو يسارية، دكتاتورية أم ديمقراطية، يبقى السؤال المر عبر الأجيال من يبني العراق؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقال ( العراق وعملية ترييف المدن ) بجزأيه منشور في العديد من الصحف والمواقع الالكترونية.

 
 
 

 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كفاح محمود كريم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/12/18



كتابة تعليق لموضوع : من يبني العراق!؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net