صفحة الكاتب : حيدر يعقوب الطائي

نقابة الصحفيين.. نحو دور مؤثر في التنمية السياسية ..
حيدر يعقوب الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  الديمقراطية الناجحة والراسخة كأي تجربة يكتب لها النجاح تعتبر مصدرا للإلهام والاستفادة من معالمها الأصيلة، وماهية السبل التي توفرت لها، والظروف التي أحاطت بعملية صيرورتها وانبثاقها من حيز الرغبة والتخطيط إلى الواقع والتنفيذ. وتأسيسا على هذه البدهية فإن التجارب الديمقراطية الوليدة في عالم اليوم لا يسعها بناء منظومتها الخاصة والنهوض بتجربتها والانطلاق في رحاب تنميتها وترسيخها بنجاح ما لم تستلهم قدرا من دروس التجارب التي سبقتها. وهكذا الحال مع الديمقراطية العراقية التي تمر بمراحل تأسيسها و إرساء قواعد تشكّلها لبناء مؤسساتها وإرساء قيم وتقاليد ضابطة توجه بوصلتها فيما بعد بكل سلاسة و مرونة وديناميكية، لتفتح الطريق سالكا صوب التنمية السياسية وتطوير أدوات العمل والممارسة الديمقراطية. ومن الدروس المهمة في هذا الصدد التي يمكن استقراؤها في التجارب المتقدمة هو أن الممارسات الديمقراطية و تثبيت مفاهيمها يأتي كنتاج لتضافر الجهود بين القطاعات المختلفة السياسية والاقتصادية والمجتمعية والثقافية والإعلامية وغيرها.  ولعل أبرز وجوه الديمقراطية هي تلك الآليات التي تحكم مبادئ أساسية وجوهرية في النظم الديمقراطية التعددية، وأهمها آلية الانتخاب والتمثيل لجمهور الناخبين. مارس العراقيون منذ ما بعد سقوط النظام البائد حقهم في التعبير عن آرائهم السياسية والمشاركة في صناعة النخبة السياسية التي تدير مقاليد الأمور التشريعية والتنفيذية، عبر الممارسة الانتخابية التي أجريت أكثر من مرة. وفي الوقت الذي نقف فيه على عتبة ممارسة جديدة في سياق تداول السلطة، فإن ثمة متغيرات تحكم الوضع العراقي والمجتمع بصورة عامة، تجعل البعض يستشعرون أن الانتخابات المقبلة في البلاد تمثل تحديا من نوع ما، في سياق البتّ بنجاح التجربة واستمرارها بغية استكمال شوط آخر، يعزز النظام الجديد و يرسي ثوابت العملية السياسية في البلاد. ومن هذه التحديات عزوف الكثير من المواطنين عن تحديث سجلاهم الانتخابية لدى المفوضية المستقلة للانتخابات، وهو عزوف له أسبابه المعروفة وغير الخافية، تقف على رأسها مشاعر اليأس والإحباط من تردي الأوضاع الخدمية والأمنية، في وقت كان من المأمول أن تشهد تحسنا مطردا على خلفية تشكيل ثلاث حكومات بعد انتخابات شعبية شهدت مشاركة كبيرة في ظروف بالغة الصعوبة، وبلا شك فإن خيار المقاطعة لا يمثل خيارا عقلانيا متزنا، ولا يمثل كذلك حلا للمشكلات التي يعاني منها المواطنون. إن وعي الحالة الراهنة أمر لا بد منه، وبيان أهمية المشاركة في اختيار النواب للدورة البرلمانية المقبلة هي في صميمها تقرير لمصيرنا ولمستقبل البلاد. وهذا ما يتطلب نشر الوعي بثقافة الانتخاب ومعرفة أن الانتخابات حق للمواطن والمشاركة في عملية الاقتراع مما لا يسوغ التنازل عنه تحت أية ظروف. فتغيير الوضع وفتح آفاق جديدة مشحونة بالأمل يتأتى فقط من خلال تلك المشاركة الفعالة في صياغة واقع مختلف ينفتح على معطيات مختلفة، و يسهم في رسم ملامح جديدة، ولا يأتي خيار المقاطعة والامتناع عن التصويت بأية نتائج تذكر. وانطلاقا من وعي هذه المسؤولية نرى أن ما قامت به نقابة الصحفيين العراقيين و رنقيبها السيد مؤيد اللامي تأتي كواحدة من الحالات التي تعبر عن ضرورات المرحلة في التعاطي مع قضية هامة و في مرحلة مفصلية بالغة التعقيد. فكما اشرنا في بداية المقال أن ترسيخ الديمقراطية عمل تضامني وينتج عن حالة تكاتف واعية وجهود متضافرة بين المؤسسات والهيئات و النقابات والجمعيات المختلفة الحكومية والمدنية، ولهذا فالتعاون الحالي بين نقابة الصحفيين والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والذي تم تأطيره بمذكرة تفاهم بين الجانبين يمثل واحدة من الحالات المشجعة و التي تفتح الأبواب لمزيد من التفاؤل بمستقبل الترسيخ الحقيقي للديمقراطية العراقية وتنميتها. ويشكل هذا التعاون أحد الأوجه المطلوبة في تعزيز النظام التعددي وضمان حرية التعبير للمواطنين جميعا. وبموجب هذا التفاهم دعت النقابة الزملاء الصحفيين إلى تحديث سجلاتهم في مقرها، كخطوة وبادرة لافتة لتشجيع الناخب العراقي على التصويت والمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وقد عالجت مذكرة التفاهم نقاطا هامة أبرزها إيجاد آلية محددة ستناقش فيما بعد لإدلاء الصحفيين بأصواتهم يوم الاقتراع، على أن أهم النقاط تلك التي أشير إليها من كون أن مهمة الصحفي لا تقتصر على نقل الخبر وحسب، بل رصد مجريات العملية الانتخابية وتحديد السلبيات والايجابيات التي ترافقها، ما يرتقي بعمل الصحفيين إلى كونهم يمثلون السلطة الرابعة التي تأخذ على عاتقها المشاركة الفعلية في العمل الرقابي، وتوجيه الرأي العام، و أن يكون لهم صوت مؤثر في الأحداث من خلال  تقييمهم لها و الرصد الدقيق المهني والمحايد الذي سيكون له أثره البالغ في إنجاح هذه الممارسة الديمقراطية والعرس الوطني الكبير. إن دور الإعلام في بناء الديمقراطية دور كبير ومؤثر، لا ديمقراطية ناجحة من غير دعم الصحافة والإعلام، وبقدر ما تتسم  السلطة الرابعة بالحرص والمهنية ونزاهة القصد، والبعد عن الأغراض السياسية والانحياز الأيديولوجي، فإنها ستكون خير معين لبناء أسس متينة ورصينة للديمقراطية ونظامها، وإشاعة وترسيخ الحريات ومشاركة المواطنين. ومن هنا لا يسعنا سوى أن نحيي الوقفة الوطنية لنقابة الصحفيين ورئيسها الأستاذ مؤيد اللامي، وجهوده المخلصة في تعزيز دور الأسرة الإعلامية والصحفية في توطيد بناء العراق الجديد على أساس الحرية وإعلاء القيم الأساسية التي على رأسها أن يكون الشعب مصدر السلطة ومانح الشرعية لها، ولا نشك أن احتلال النقابة لدور الداعم بإخلاص للمفوضية المستقلة للانتخابات سيكون نقلة مهمة ترسّخ من النهج الديمقراطي، و بادرة جدير بالمؤسسات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني أن تحذو خذوها في سبيل إنجاح الانتخابات المقبلة على اعتبار أنها واحدة من أهم مفاصل العمل الديمقراطي، ولحساسية الظروف الراهنة التي تمنحها أهمية مضاعفة كي يتقرر شكل الدولة وتتوطد عملية بنائها واستكمال إنجازها والنهوض بالتنمية الشاملة لكل القطاعات الأمنية والخدمية والاقتصادية والاجتماعية، وهو نهوض منوط بالاستقرار السياسي الذي لا يمكن توفيره إلا من خلال الممارسة الانتخابية والمشاركة الواسعة فيها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر يعقوب الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/12/15



كتابة تعليق لموضوع : نقابة الصحفيين.. نحو دور مؤثر في التنمية السياسية ..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net