صفحة الكاتب : محمد السمناوي

لمحة من حياة الامام الحسن المجتبى عليه السلام
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



الحديث عن التأريخ المشرق الوهاج للائمة الأطهار عليهم السلام من اجمل ألوان الحديث ، وان السيرة العطرة المضمخة بالأريج هي من أعذب السير .

وان كلماتهم اجمل وأحلى الكلمات ، حيث كلامهم نور وأمرهم رشد ، ووصيتهم التقوى ، وفعلهم الخير وعادتهم الإحسان ، وسجيتهم الكرم كما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة المنسوبة للإمام الهادي عليه السلام .
فهم القادة العظام ، وأبواب علم النبوة ، وخزان كنوز الوحي ، وحاملي اسرار التنزيل فهم الاسلام الاصيل ، والعالم اليوم يجب ان ينظر الى القيم والفكر والعقيدة الاسلامية من نافذة هذا البيت المقدس المطهر .
وهذه البيوت مقدسة رفعها الله تعالى ، وعظم شأنها ، وقد قال تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) سورة النور 26 .
في هذه البيوت ولد الامام الثاني كريم أهل البيت الامام الحسن بن علي المجتبى عليه السلام .
الحديث في هذه الليلة عن احد الأئمة ، والأنوار الإلهية التي تجلت في العترة الهادية عليهم الآلاف التحية والثناء ، في هذه الليلة نحاول ان نقتبس من نوره قبسات كي نسير اثر مسيرته ونهتدي بهداه .
ولد الامام الحسن عليه السلام في الخامس عشر من شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة على رواية الشيخ المفيد طاب ثراه .
هذا الامام العظيم المظلوم عاش في كنف النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وورث صفاته الخَلقية والخُلقية ، وجميع الإمكانيات الروحية وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلقا وخُلقا ومنطقا وسؤدداً وهدياً .
روى أنس بن مالك : ( لم يكن احد أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن بن علي عليه السلام )
كما روي ان السيدة فاطمة الزهراء كانت اذا رقصت الحسن قالت :
انت شبيه ٌ بابي لست شبيها بعلي
نشأ في ظل الاسرة النبوية ، وتغذى بطباعها وأخلاقها .
ومن الأمور التي ظفر بها الامام الحسن عليه السلام :
اولا : التربية النبوية : كان للنبي ص وآله الدور الكبير والاهتمام به وبأخيه الامام الحسين عليه السلام ، وكانا الأنشودة التي يرددها في كل مناسبة الحسن والحسين إمامان ان قاما ، وان قعدا وهما ريحانتاي من الدنيا ، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب اذ جاء الحسن والحسين عليهما السلام عليهما قميصان احمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله ص وآله من المنبر فحملها ووضعهما بين يديه ، هذا ماذكره الترمذي في سننه .
نعم شخصية الخاتم ص وآله تجسدت في شخص الامام الحسن عليه السلام ، بجميع مقاماتها ماعدا النبوة .
ثانيا : التربية العلوية : الامام علي بن ابي طالب عليه السلام هو الذي وضع لولده الحسن قواعد الأدب ، والخُلق الكريم ، وأصول التربية ، وغذاه بالحكمة ، ورسم له مكارم الأخلاق .
ثالثا : التربية الفاطمية : ولا ننسى ان الام هي المدرسة الاولى فقد غمرته بالعطاء والحنان وغذته بالآداب فهي تفاحة الفردوس والوجود ، وجوهرة القدس .
يقول الأصفهاني :
جوهرة القدس من الكنز الخفي
بدت فأبدت عاليات الأحرف
حج ماشياً الامام الحسن عليه الاسلام خمساً وعشرين حجة على قدميه والنجائب تقاد بين يديه ، وكان اعبد أهل زمانه ، وازهدهم ، وأفضلهم ، وكان اذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى بكى، وكان اصدق الناس لهجة وأفصحهم منطقا ، وكان أكرم أهل زمانه فهو من بيت الكريم والجود وأصول الكرم بحسب تعبير الامام الهادي عليه السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة .
وجاءه أعرابي يريد أن يسأله حاجة ، فقال الإمام لمن حوله : أعطوه ما في الخزينة . فوجد فيها عشرون ألف درهم ، فدفعت إليه قبل أن يسأل . فاندهش الأعرابي وقال : يا مولاي ألاّ تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي ، فأنشأ الإمام يقول :
نحن أناس ٌ نوالنا خضل ُ
يرتع ُفيه الرجاءُ والأمل ُ
تجودُ قبل َ السؤال انفسُنا
خوفاًعلى ماءِ وجْهِ مَن يَسلُ
وحجّ ذات سنة هو وأخوه الإمام الحسين (ع) ، وعبد اللـه بن جعفر ، ففاتتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا ، فرأوا عجوزاً في خباء فاستسقوها فقالت هذه الشويهة ، أحلبوها واستطعموها ، فذبحت لهم شاتها وشوتها ، فلما طعموا قالوا لها : نحن نفر من قريش ، نريد هذا الوجه ، فإذا عدنا فَمُرِّي بنا ، فإنا صانعون بك خيراً . ثم مضت بها الأيام وأضرت بها الحال ، فرحلت حتى وصلت المدينة المنورة . فرآها الحسن (ع) ، فعرفها فقال لها : أتعرفينني ؟. قالت : لا . قال : أنا ضيفك يوم كذا وكذا . فأمر لها بألف شاة وألف دينار ، وبعث بها إلى الحسين (ع) ، فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبد اللـه بن جعفر ، فأعطاها مثل ذلك .
دخل رجل على الامام الحسن عليه السلام قال يابن رسول الله :
لم يبقى لي شيء يباع بدرهم
يكفيك رؤية منظري عن مخبري
الا بقية ماء وجه صنته
كي مايباع وقد وجدتك مشتري
فأكرمه الامام عليه السلام وقال له :
عاجلتنا فأتاك وابل برّنا
طلاً ولو امهلتنا لم نقصر
فخذ القليل وكن كأنك لم تبع
ماصنته وكأننا لم نشتر
كل هذه المكارم والفضائل والمقامات التي كان يتمتع بها الامام المجتبى عليه السلام كان أمامها الكثير من الطعون ، والشبهات التي وضعها علماء البلاط الأموي والعباسي من اجل النيل والتشويه لهذا الامام العظيم ، وهي محاولات لإخفاء هذا النور الالهي المتجلي بسبط الرسول المجتبى عليه السلام .
تعرض الامام الحسن عليه السلام السب والشتم وكان يقابل ذلك بالتسامح وقد ذكر التاريخ ان شاميا تهجم عليه فراح يشتم الامام عليه السلام ويشتم ابوه أمير المؤمنين عليه السلام فوضع أصحابه أيديهم على قرائم سيوفهم حيث ان الامام ابن المدينة وله فيها الكثير من الرواد والمحبين والمخلصين وباشارة بسيطة من الامام لقطعوه بالسيوف ارباً ارباً ، ولكن نفس آلامام الكبيرة ، وبمنطقه الذي هو سلاحه الذين يقاتل به - وهذا هو الفرق بين سلاح المنطق ومنطق السلاح - قال له بوضوع العبارة : ( اذا كنت ضالا ارشدناك او جائعا اطعمناك ، او محتاجا اغنيناك ) ، ومضى يتحدث مع الشامي بهذا الأسلوب الذي يفيض بالعطف والحنان والرحمة الإلهية حتى أذُهل الشامي ، وسيطر عليه الحياء والخجل فاصطحبه الامام الى داره وأكرمه وأحسن اليه فاستيقظ ذلك الشامي من سباته واصطدم بالحقيقة وقال سيدي يابن رسول الله لقد دخلت المدينة وليس على وجه الارض أهل بيت أبغض الي منكم ، وانا الان سأخرج وليس على وجه الارض أحب الي منكم ، اشهد أنكم حجج الله على بريته والله اعلم حيث يجعل رسالته .
وكان هذا الرجل اذا دخل الامام الحسن الى المسجد يبادر ويتشرف بلثم أنامله فالتفت الامام الى أصحابه وقال : هذا ماردت من إصلاحه وتوجيهه فالعنف ليس اسلوبا علاجيا او تربويا .
ورد عن النبي الخاتم ص وآله : ( يا علي لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس ) .
عندما نرجع الى التاريخ ونتصفح في أوراقه ، ونطلع على تأريخ الامام الحسن الزكي عليه السلام نجد ان هناك في تأريخه ملابسات وضغوط ، ولا يوجد هناك تأريخ في تأريخ الأئمة عليهم السلام ملابسات وضغوط بمثل مالاقاه الامام الحسن عليه السلام ؛ فمثلا نجد ان الامام الحسين عليه السلام توجهت له الدولة الأموية فقط وحاولت ان تلغم حياته وتأريخه فقالت ( قتل بسيف جده ) بينما الامام الزكي عليه السلام واجه ضغوطات من مختلف الجوانب في ايام ابيه عليه السلام كانت قد توجهت اليه والى حكام بني العباس حيث كانوا يشهرون بسمعة الامام الحسن عليه السلام حيث كانوا يبحثون عن مبرر لمشروعية دولتهم وحكمهم فكان من تلك التبريرات هو : ( اننا سمحنا واعطينا مجالا واسعا لابناء عمنا الهاشميين ولكنهم لم يستطيعوا ان يسيطروا على الحكم ، وأنهم فاقدون للإدارة وقيادة الأمة بنجاح ).
كما الحجاج بن يوسف الثقفي الطاغية والحاكم السفاك والتعطش للدماء هو حاكم ناجح في إدارته للسلطة في نظر بني العباس وحكامهم .
ما اكثر التهم والافتراءات على شخصية الامام الحسن عليه السلام ، وما اكثر الإشاعات التي تعرضت لهذه الشخصية المقدسة التي تعتبر من الشخصيات الإلهية فقد ورد عن الامام علي عليه السلام : ( نحن صنائع الله ، والخلق بعدنا صنائع لنا ) .
ومن تلك التهم والافتراءات قضية ( المُطلاق ) .
فقد وردت روايات فيها بصمات علماء البلاط الأموي بأمر وإشارة من رموز الفتنة والخداع وعلى رأسهم معاوية وعمر بن العاص وأبو هريرة والمغيرة بن شعبه وغيرهم .
فقد وضعوا روايات بانه عليه السلام كان مطلاقا
مع العلم ان الذي وضع قضية كثرة الطلاق هو ابو طالب المكي المعروف بالمدائني في كتابه قرت القلوب ، وعند أهل الحديث والجرح والتعديل والمؤرخين هو ليس من الثقاة وانه وضاع كذاب لا يؤخذ بقوله .
حياة الخلفاء مليئة الزواج وتعدد الزوجات فلماذا سلطت الأضواء على الامام الحسن عليه السلام ، ولم تسلط على غيره .
العلماء والمحققين قالوا ان للإمام الحسن عليه السلام سبعة زوجات لكن على التعاقب اي بعد وفاة الاولى يتزوج الثانية ، وله من الأولاد الذكور اثنا عشر وخمسة من الإناث هذا كل ماترك .
بينما انظر الى الفاجر المغيرة بن شعبة وقد طلق الف امرأة بغية منه في نشر الفساد والدعارة في المجتمعات الاسلامية كما ذكر صاحب السيرة الحلبية .
وقد سمي المغير بالمطلاق فقد عودَّ المغيرة نساؤه على الفاحشة وشرب الخمر ، وبعد ذلك طلقهن بهدف نشر الفساد والرذيلة .
بينما ان اغلب حالات التعدد في الزوجية عند الأئمة عليهم السلام هي حالات إنسانية نبيلة أما الامام عليه السلام يتزوج زوجة شهيد قتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام في احدى الحروب وهكذا .
حتى الذين خطبوا الزهراء ع وقد أجابهم النبي ص وآله ان أمرها بيد السماء هؤلاء حقدوا على ال البيت عليهم السلام ، وقد عانى الامام المجتبى منهم الكثير .
نعم فمن تلك الروايات : ( لا تزوجوا ولدي الحسن فانه فتى مطلاق )
الروايات في هذا الباب كلها ضعيفة السند وساقطة عن الاعتبار بالكذب والخداع الأموي الذي يريد ان ينال من سمعة تلك الرموز المقدسة .
الامام الحسن عليه السلام عاش تلك الأجواء الأليمة والمرة وقد ورث مع ابيه كل شيء حتى ذلك القيح الذي في قلب ابي الحسن علي بن ابي طالب ع
وقد قال : ( قد ملأتم قلبي قيحا )
وقد شاهد بعينه كيفية الاعتداء على بيته وغضب الحق والسلطة وغضب فدك ، وشاهد الكثير ممن لا يجيد الجلوس على منبر جده ص وآله ، ولا يستحق قيادة ورعاية الأغنام فضلا عن قيادة الأمة ورعايتها .
نعم شاهد تلك المشاهد المريرة فمن محنة الى اخرى ، ومن فتنة الى اخرى ، ومن أزمة الى غيرها .
الى ان دس له السم عن طريق زوجه جعدة بن الأشعث بن قيس الخارجي بتخطيط وتدبير من معاوية ، وقد وعدها بالزواج من يزيد الفاجر ابن الطلقاء ، مع بعض عفنة من الدراهم باعت أمامها ونفذت هذا المشروع البائس الذي هز الوجود ، وبكى له كل موجود .
وكان شهادته على رواية الشهيد الاول والكفعمي في اليوم السابع من شهر صفر عام خمسين للهجرة ، وعلى رواية الشيخ المفيد والطوسي في الثامن والعشرين من الشهر .
مامات منهم منهم سيد بفراشه
بل مات مقتولاً بشر قتال
اما بسيف او بسم ناقع
والهفتاه لهم وحسن نكال
فأنا لله وانا اليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب يتقلبون والعاقبة للمتقين .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/12/11



كتابة تعليق لموضوع : لمحة من حياة الامام الحسن المجتبى عليه السلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : نداء السمناوي ، في 2021/09/15 .

سيضل ذكرهم شعاع في طريق الباحثين لمناقبهم


احسنت النشر




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net