صفحة الكاتب : د . خليل خلف بشير

نهضة الإمام الحسين امتداد لرسالة جده
د . خليل خلف بشير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله ،والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين محمد الصادق الأمين ،وعلى آله الطيبين الطاهرين ،وبعد : فتلبيةً للدعوة التي وجهت إليّ من لدن بعض أساتذة كلية العلوم الإسلامية – جامعة كربلاء للمشاركة في مؤتمرهم العلمي السنوي الثالث المقام تحت شعار (الحسين نبراس الأحرار) والموسوم ( أثر النهضة الحسينية في الفكر الإنساني ) ،جئتُ مشاركاً ببحثي الموسوم ( نهضة الإمام الحسين امتداد لرسالة جده ) الذي قسّمتُه على عنوانات فرعية هي : ملامح نهضة الحسين (ع) في خطابه ، وعاشوراء من أيام الله ، وأهداف النهضة الحسينية التي لم تُقِسْ بمقياس مادي أو عقلي أو مقياس نتائج التجربة بل هي ثورة ونهضة شاملة تتضمن أبعاداً عقائدية  وروحية واجتماعية وسياسية وتاريخية ،وأبعاداً نفسية ودنيوية وأخروية ،وتتجاوز أبعادها الإطار الإنساني الفطري، وتخترق محددات الزمن ، وتربط الماضي بالحاضر والمستقبل لذا يتربع الإمام الحسين (ع) على قمة هرم الحضارة الإنسانية ،وعلى السفح وبين الشقوق يجثم السقوط بشقيه المادي والدوني فسحقاً لمن رضي بالذل ! لذا نهضة الإمام الحسين (ع) نهضة فريدة من نوعها قد هزّت الشعوب والأمم فكل الثورات التي جاءت بعدها في كل زمان ومكان قد تأثرت بها واقتبست من أنوارها ، ولما كان الإمام الحسين (ع) امتداداً للرسول (ص وآله ) لقوله (ص وآله ) : ( حسين مني وأنا من حسين ) فنهضته امتداد لنهضة النبي الأكرم الذي دعا الإنسانية الى الخير العميم ،ونمّى الأفكار والعقول بالعلوم والمعارف ،وحررها من الجهل والخرافات كما دعا الى بسط الأمن والرخاء بين جميع الشعوب فتتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الإثم والعدوان فجاء ربيب النبي والوصي وتلميذهما ليكمل هذه الرسالة بعد محاولة طمسها من لدن بني أمية لاسيما على يد معاوية ثم ابنه يزيد الخليع .قال تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ – التوبة/32) فنهضته لا تقاس بمقياس مادي أو عقلي  بل هي ثورة ونهضة شاملة تتضمن أبعاداً عقائدية ونفسية وروحية واجتماعية وسياسية وتاريخية ودنيوية وأخروية ،وتتجاوز  الإطار الإسلامي لتصل الى الإطار الإنساني الفطري ،وتخترق محددات الزمن ،وتربط الماضي بالحاضر والمستقبل،ولم يشهر سيفه طلباً لجاه أو طمعاً بسلطان ؛لأنه غني بنفسه عن كل جاه زائف أو سلطان زائل فقد خصه الله تعالى بأرفع مقام وحباه أعلى منزلة على أنه (عليه السلام ) أقدم على نهضته عالماً بمصيره ومأموراً بها ،وأن الله تعالى راض عن نهضته  كما يتبين من خطبته في مكة في قوله : ((  خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلا، فيملآن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفينا أجور الصابرين )) وكان لحركة الإمام ونهضته دور كبير في حركة الأمة بالاتجاه الصحيح إذ بعد عام من ثورته أن المدينة المنورة تثور على يزيد ،وتطرد واليه وجميع الأمويين مما اضطروا الى اللجوء الى الإمام زين العابدين(ع) لحمايتهم ،ولا يتمكن أن يصنع يزيد شيئاً أمام الثورة،وفي السنة الثانية تثور مكة على يزيد فيقوم الأخير بعمل وحشي هو هدم الكعبة بعد محاصرتها مدة من الزمن ، وتتوالى الثورات حتى ظهرت ثورة التوابين، وقد تمكنت من زعزعة الجيش الأموي وطرده من الكوفة ثم تلتها ثورة المختار الثقفي التي أخذت على عاتقها تصفية الكوفة من قتلة الإمام الحسين (ع)،وقد استمر هذا التحرك والرفض في الأمة حتى تمت الإطاحة بالحكم الأموي بعد عدة عقود من الزمن.وقد وصل وعي الأمة ويقظة الضمير فيها وقوة الإرادة لديها الى درجة لم تسمح بقيام الحكم القيصري أو الكسروي مهما تجبر الحاكم واستهتر إذ كان يُواجه في الحالات كلها بالرفض والمطالبة بتطبيق حكم الإسلام وتحقيق العدل في صفوفها.                                                                                 
فقد كانت نهضة الحسين (ع) نذيراً لما بلغ إليه التحريف ،وتنبيهاً الى ضرورة العمل لإصلاح الوضع آنذاك والرجوع به الى طابع الإسلام المحمدي الأصيل لا الإسلام الأموي المحرّف فمذ أريق الدم الزكي على أديم كربلاء استيقظ الناس من غفلتهم ودبّ الوعي وارتفع لواء الإسلام خفاقاً. فمنْ غير الحسين ،وهو ربيب النبوة، يفكر بالإصلاح والتضحية ؛لإنقاذ الإسلام من محنته فقد أقام الدنيا وأقعدها جده المصطفى (ص وآله) لبناء صرح الإسلام ،وكذا أبوه الوصي والساعد الأيمن لتوطيد ذلك ثم أخوه معز المسلمين المجتبى ثم هو الذي كانت صرخته مدوية في دنيا الإسلام الملتوية كما كانت صرخة جده الأولى في دنيا الشرك والأباطيل فكانت صرخة الحسين امتداداً لصرخة جده الصادق الأمين. فلا عجب إن عدّت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) المثل الأعلى بين أخواتها في التاريخ وحازت شهرة وأهميّة عظيمتين، فإنّ الناهض بها ابن رسول الله رمز الحق ومثال الفضيلة، وشأن الحق أن يستمر، وشأن الفضيلة أن تشتهر.                                                     
إن للإمام الحسين (ع) موقعاً رسالياً في صميم حركة الأنبياء والأولياء تميّز به عن سائر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ،وجعل منه حقيقة خالدة وضميراً حياً لكل مظلوم ،وصرخة حق تدوي في وجه الظالمين إلى يوم الدين،وتدل الروايات التي تنقلها لنا أمهات الكتب الحديثية والفرق الإسلامية في حق الإمام الحسين على أن هناك دوراً رسالياً ومقاماً إلهياً خاصاً أراده الله سبحانه وتعالى ورسوله الصادق الأمين لهذا الإمام الوتر لكي يكون ثأر الله القائم حتى يرث الأرض عباد الله الصالحون ،وبه (عليه السلام) وبنهضته المباركة تتكامل شروط الوعي العقائدي للأمة الإسلامية ،وسيتعاظم اندكاكها بالرسالة لتنطلق تحت ولايتهم بإرادة صعبة ثائرة وبعزم أولي العزم نحو إعلاء كلمة الله في الأرض ليكون الدين كله لله وحده لا شريك له .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . خليل خلف بشير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/12/11



كتابة تعليق لموضوع : نهضة الإمام الحسين امتداد لرسالة جده
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net