صفحة الكاتب : جاسم المعموري

امتنا تصنع تاريخا يكتبه الله بمداد من زعفران
جاسم المعموري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الى الفنان كاظم الساهر : ( الشعب يريد اسقاط قيصر الفن ) .

عندما اضع راسي على الوسادة كل ليلة , لاستريح من عناء يوم مضى ثقيلا , مليئا بالحزن والدموع والاسى , بصور الدماء والقتلى والجرحى , بصور الارهاب والفساد والظلم , وبصور تلك الوجوه المتعبة الخائفة المحرومة , أشعر بحاجة ماسة الى البكاء , الى الصراخ , ولكن لا استطيع , فيأخذني
الانين من شدة الوجع , وكلما حاولت ان أغمض عيني ينتابني شعور بالتقصير في حق امتي , وأقول لنفسي , كان يجب علي الان ان اكون في ساحات الثورة والحرية , أشد ازر إخواني وأحبتي , عسى ان أتذوق حلاوة النصر معهم أو أموت شهيدا بين أياديهم , فيلفون جسدي براية الثورة , ويرفعونه على رؤوس الأصابع عاليا , ويكبرون وهم يشيعونني ويودعونني الى حيث الحرية الحقيقية , ثم يعودون وقد تزودوا بشحنة جديدة من غضب .
وأشعر بالعار من جهة , وبفخر ما بعده فخر من جهة اخرى , فأما العار الذي يجعلني أخفي هويتي في دار غربتي , واتمنى لو أدفن نفسي حين يسألونني عن وطني , فهو حكام السوء والجريمة والرذيلة , واما الفخر العظيم فهو شباب أمتي الذين رفعوا رؤوسنا  بشجاعتهم وثباتهم وغيرتهم وتحديهم , شباب الثورة الطاهرين الغيارى , فأنا اليوم أمشي رافعا رأسي , أتمنى لو إنني اقول لكل من يصادفني في الطريق انا عربي , انا عربي .
وعندما اضع رأسي على وسادتي منهكا من شدة القلق على امتي , والخوف على مستقبلها وابنائها , ومتعبا من كثرة الرؤى التي اراها عنها وهي تعبد طريقها بدماء أبنائها الزاكية الغزيرة , اتذكر انتفاضتنا في العراق التي تزامنت ذكراها العشرين هذه الايام مع الثورة العربية الحالية , اتذكرها بكل تفاصيلها الدقيقة , كيف بدأت , واين بدأت , وكيف حوصرت , وكيف اغفلتها جميع وسائل الاعلام في العالم , لاسيما الاعلام العربي , وكيف تآمر عليها الحكام العرب , الذين يتساقطون الان واحدا تلو الاخر , وكم قدمت من التضحيات الجسيمة وعشرات الالاف من الشهداء , وكيف أجهضت , وأخذت تلملم جراحها وهي تغادر ساحة المعركة , بعد ان توالت عليها الطعنات من كل جانب , لالشي إلا لأن بعض شعاراتها كان , هيهات منا الذلة , وابدا والله لن ننسى حسيناه , والتطلع الى حكم الشعب , وتلك حقيقة تاريخية لايمكن لاحد ان ينكرها أو ان يحاول تغييرها او تشويهها , فشهودها مازالوا في ريعان شبابهم , وقد بنوا لها في قلوبهم بيتا لاتزعزعه العواصف , ولاتهدمه القواصف , ولاتهزه المخاوف , وذكرا لا تمحيه الدهور , ولا تخفيه الستور , ولا يصيبه الفتور , تتغنى به الاجيال , وتنتعش به الآمال , وتسمو به الافعال .
نعم , لا استطيع ان انام , وكيف يمكن لي ذلك , والله يدعوني والارض والشعب والسلاح ورائحة البارود التي اعشقها وهي تعطر الفضاء في ساحة الثورة , كما يعطر بخور الهند حفل زفاف لعاشقين حبيبين تعانقا امام الملأ ليعلنا حبهما للعالم كله , ورجال أبوا إلا أن ينتصروا أو يموتوا , رجال يرفعون راية الامة عاليا , ويتساقطون في الذود عنها في كل ربوع الوطن من المحيط الى الخليج يدعونني ان اكون معهم , اما انا فأقلب كفي مرة , وأكفكف دموعي بهما أخرى , وأسأل نفسي هل سألحق بركب الكرامة , وسفينة النجاة , هل سألحق بالثوار ؟ , فالامة تولد من جديد , وهي تعاني من ذلك المخاض العسير الصعب العنيد , وتكتب تاريخا لم يكتبه احد من قبلها قط , تاريخا سيكتبه الله لها بمداد من زعفران طاهر في كتاب لايضل ولاينسى , ولايغادر صغيرة ولاكبيرة الا يحصيها , ليظهره لها ولجميع الامم في يوم تبيض فيه وجوه الثائرين اباة الضيم الابرار الميامين , وتسود وجوه الخانعين الخائنين رضاة الذل المستكينين , فلها الحق ان تتباهى امام الامم في ذلك اليوم , نعم ان امتنا اليوم تقود العالم كله الى تاريخ جديد , وحضارة جديدة , ستبدو ملامحها قريبا لاصحاب النظر البعيد من ذوي الالباب . 
 فيا ايها العلماء والكتاب والمثقفون , ألا ايها الفناون والمفكرون والادباء , اننا نعيش في وطن يضج بالظلم من اقصاه الى اقصاه , فارموا كراريسكم واقلامكم في القمامة ان لم تكتبوا بها لثورة شعبكم , تبا لكم ان لم تنصروا امتكم ولو بكلمة , ان لم تكتبوا لها موقفا مشرفا , ألا ترون السيوف وهي تعانق دماء الرجال تتباهى بها , وتغسل بها العار عن جبين امتها , فلم لا تعانق اقلامكم دموع المستضعفين , وتكتب عنهم آلامهم ومعاناتهم , وتحرضهم على النهوض لنيل حقوقهم , فياللعجب عندما نرى الامة كلها في سوح النضال والثورة , وهي تواجه أعتى طواغيت الارض , واكثرهم جهلا وتخلفا , وفسقا وفجورا  , وظلما وجرما , ونرى بعض مثقفينا يكتب شعرغزل , او قصة لاتحرك ضميرا , ولا تردع ظالما , او اغنية في مسرح للرقص والطرب , أيكون الامر مقصودا , حيث تقوم الانظمة الاستبدادية بالترويج لهذا التوجه كي تصرف نظر الناس عن واجباتهم الاساسية .. ؟  سؤال اتوجه به اليكم لعلكم تجيبون .
وان التضامن مع الشعب العربي الابي الثائر الغيور من قبل مثقفي الامة , هو واجب يمليه عليهم العقل والضمير والقلب , ويدفعهم اليه شرفهم وغيرتهم وشجاعتهم , ومن هنا نعرف من هو المثقف الحقيقي , انه الذي يستنهض الامة , ويقود مسيرتها وثورتها , ويكون في صف المواجهة الاول , الذي يتطلب الاستعداد لبذل النفس , فان لم يفعل فذلك لأن فاقد الشيء لايعطيه , وخط المواجهة الاول هذا يمكن ان يكون خطها الفكري والثقافي والاعلامي التعبوي .
ولقد آلمني كثيرا ما سمعته من تصريح للفنان العربي الكبير كاظم الساهر انه قال بانه لايحب الدعوة الى القتل عندما سئل , لم لاينشد للثورة حيث فعل الاخرون , ولا ادري ان كان قد قال او قصد ذلك فعلا ام لا , ولكن أود ان اقول له .. ياللعجب ياكاظم وانت تعلم من يدعو الى القتل , انهم الحكام وليس الثوار , وان قلت ما مصير الشعب بعد الثورة , فاقول لك مهما يكن المصير الذي تؤول اليه , فهو ايضا بسبب سوء تصرف الحكام , وان قلت انك تخاف على حياتك منهم , اقول لك ولم لاتجمع زعامة الفن وشرف الشهادة معا .. لم لا ياكاظم ؟! انا اعلم ان الشهادة تحتاج الى طريق يمهد الوصول اليها , وان الفنان اقرب الناس اليها إن كان فنانا رساليا مؤمنا بالله وبالشعب , وبالحقوق المدنية , كالحرية والكرامة , وتداول السلطة وغيرها .. كم كنت اتمنى ان اراك في ساحة التحرير وانت تنشد لثورة الشعب المصري العربي الاصيل , كم كنت اتمنى لو اراك وانت وسط الجماهير في تونس العز والكرامة , وكم كنت اتمنى ان اسمع اناشيدك تتلى بمكبرات الصوت في ساحات القتال في ليبيا الرجال الأسود الغيارى , او في ساحات شعب اليمن الأبي المقدام الشجاع , وهو يكتب للعرب شرفا لم يكتبوه من قبل , ليغسل بدمه الطاهر عارات الذل والخنوع التي ارادها له الطغاة, كنت اتمنى ان اراك تنشد للبحرين , اكثر شعوب الارض ظلما وقهرا , واستعبادا منذ مئات السنين واكثرهم نضالا وجهادا وتضحية , ولكن الاعلام لايعطيه حقه من التغطية المطلوبة في جميع ثوراته التي خاضها ضد الطغاة .. فأين انت من كل هذا ياقيصر الفن ..؟  وان لم تنشد لأمتك الان فمتى اذا ..؟
وان لم تفعل فانزل فورا عن عرش الفن العربي , واذهب الى حيث شئت , ولا ترنا وجهك ابدا بعد الان ..  ان الجماهير سوف تتظاهر عليك وتهتف " الشعب يريد اسقاط قيصر الفن " وانني اذ ادعوك الى الاعتزال والتنازل عن كرسي الفن العتيد , فلانني اعلم عظيم مسؤليتك اتجاه امتك , ولو كنت فنانا تافها لاقيمة معنوية لك , لما ذكرتك في كلماتي , ولا دعوتك الى الانحياز الى شعبك العربي , وامتك العظيمة , خير الامم وانبل الشعوب , واطيب الاعراق , واوجه رسالتي هذه من خلالك الى كل الفنانين في العالم إن ارادوا ان يصنعوا لانفسهم مجدا لايزول , فلينشدوا الى الشعب العربي وهو يخوض غمار الموت دفاعا عن كل ما يؤمن به كل فنان او كاتب او مفكر او مثقف اوعالم بشرط ان يكون فذا نجيبا شريفا انسانا ومؤمنا .
10 \ 3 \ 2011

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جاسم المعموري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/13



كتابة تعليق لموضوع : امتنا تصنع تاريخا يكتبه الله بمداد من زعفران
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net