صفحة الكاتب : حاتم عباس بصيلة

صورة الشيطان في شعر حسين مردان
حاتم عباس بصيلة
  مردان بقدر ما كان متمردا يتناغم مع الشيطان في روحه المتمردة,إلا انه كان ضحية لظروف شيطانية هي الأخرى ونحن هنا نسلط الضوء عليه
مجاميعه الشعرية ,صور مرعبة 1951 ,الربيع والجوع 1953 ,أغصان الحديد 1961 م ,مقالات في النقد الأدبي 1955م .الأزهار تورق داخل الصاعقة 1972 م.صودر ديوانه من قبل الحكومة وقدمت مؤلفاته إلى المحكمة ثم صدر قرار براءته في
26/7/1950/ ويقال أن له علاقة مع المطربة المثقفة عفيفة اسكندر.
 ولد الشاعر في قضاء طويريج *عام 1927م وكان والده عريفا في شرطة السكك في الخامسة من عمره انتقل مع عائلته إلى قضاء الخالص في قرية جديدة الشط
درس الابتدائية في مدينة بعقوبة,تميز باللغة العربية أكمل المتوسطة وعاش حرمانا ماديا فاشتغل بناءا لمساعدة والده.
قدم إلى بغداد لأداء الخدمة العسكرية ليبيت مشردا في حديقة الملك غازي التقى بشعراء بغداد من خلال المقاهي الأدبية كالزهاوي والشابندر وحسن عجمي عام 1946م فكان معروفا اصدر ديوان قصائد عارية عام 1949م وبعد عام اصدر ديوان اللحن الأسود,وفي عام 1952م حكم عليه بالسجن لمدة سنة
*عندما نقبت عن البيت الذي ولد فيه الشاعر لم يكن سوى خرابة في فرع يؤدي إلى نهر الفرات
اعتنق الفكر الوجودي فترة ثم تركه اثر لقائه بسارتر فلم تعجبه طريقة لقائه بالمعجبين أصبح عضوا لاتحاد الأدباء بعد ثورة 1958م وفي أيامه الأخيرة استقر في بيت لم يكتمل بعد وظل مشتغلا بالصحافة ثم اشتغل معاونا للمدير العام في الإذاعة والتلفزيون فتحسنت أوضاعه المادية لكنه توفي اثر أزمة قلبية يوم 4/10/1972م بعد أن رقد في مدينة الطب.
(العزاوي ,عادل نصيف,حسين مردان,الأعمال الشعرية ,ج1,دار الشؤون الثقافية ,سلسلة وفاء,2009م ص8.)
وقد لفتت نظرنا صورة الشيطان الشعرية التي رسمها بصدق جريء ووصف لم يكن عند أي شاعر في التاريخ على حد علمنا,ولو فهمنا معنى الشيطان أو الشيطنة فن ذلك سيكون مفتاح دراستنا المتواضعة هذه.
فكلمة شاط شياطة قارب الاحتراق واشتاط عليه اشتد غضبه وتشيط احترق وهو منفعل الحركة شديدها واشتاط الحمام طار نشيطا وتشيطن سار متمردا على الصراط المستقيم(المعجم الوسيط, , ب ت, ص502)
إن ذلك مدخل لمعرفة ملامح تلك الصورة الشعرية وتحديدا في ديوان قصائد عارية التي كانت تختزل كل شعره تقريبا وقد فضح الإنسان ليكون صادقا في تمرده الشيطاني!!
لقد اقترن الشيطان بالنار فهو ناري الجسم معتز بهذه النار التي تعلو من وجهة نظره فيها على الإنسان وقد أشار إلى ذلك بشار بن برد:
 
إبليس من نار وآدم طينة
والطين لا يسمو سمو النار
على أن حسين مردان الذي كان يريد الحقيقة العارية كما هو الإنسان كان يكره الأقنعة التي تزور من حقيقة ذلك الجبار المسمى إنسانا ليصور نفسه متمردا على كل شيء بعد أن حرم من كل شيء وقد قيل انه كان ينام في المقابر لذا فان من الطبيعي أن يكون حليفا للشيطان ولكن كيف يكون حليفا للشيطان؟وكيف صور ذلك؟ وما ملامح الصورة الشيطانية في شعره؟ نافثا نار الحقد والبكاء والغباء الممتزج بالألم الحزين اللابس ثوب المارد الجبار؟
وهو مارد وهمي يريد من خلاله التعبير عن القوة تعويضا عن الخيبة الأبدية.
رحلة مع أسماء الشياطين
قبل ان نرحل إلى أعماق موضوعنا المذكور فإننا لابد ان نشير إلى بعض من أسماء الشياطين فمنها مثلا:
الولهان,الأجدع,الأعور,الأجدع شيصبان,ميطرون,شمروس.
ففي هذي الأسماء غرابة في اللفظ من ناحية ومن ناحية أخرى التقاء الألفاظ التي تصدم الأذن بإيقاع ألفاظها في الجرس الصوتي لذا لابد ان نعرف بعض معاني أسماء الشياطين بما يفيدنا في هذه الرحلة فالهفاف اسم لشيطان وظيفته إيذاء الناس وتخويفهم بالظهور لهم في هيئة حيوانات وفي تقديرنا ان ذلك ناتج من الخوف البدائي من الحيوانات المفترسة التي تحولت إلى طواطم معبودة لغرض كف الأذى والشر الذي فيها او اتخاذها سببا لجلب الرزق وما إلى ذلك وهناك شيطان باسم زلمينور وهو الذي يزين لمن في السوق الأفعال في الكذب والقسم الكاذب لمدح بضاعة فاسدة او كاسدة ويبدو ان الشيطان حليف العمل التجاري وتظهر المقولة الفقهية مهمة في هذا المجال وهي : التاجر فاجر حتى يتفقه في دينه !! ويأتي اسم(ولهى) للوسوسة في الصلاة بينما يكون شيطان آخر باسم ابيض الذي كان عمله الوسوسة للأنبياء وهو كلف بإثارة غضبهم!! 
وفي جزع الموت فن المكلف بتزيين خمش الوجه وشق الجيب يكون من وظيفة(ثبر) وقد يكون اسمه مشتقا من الثبور وهو الهلاك في مقابل ذلك فان قول الرسول الكريم(فلتدع العين وليحزن القلب ولكن لا نقول ما يغضب الرب )له دلالة في هذا الأمر كما ان اسما مثل(المور) الذي هو بمعنى الشدة له دلالة المعنى في تحريك الشهوات لدى الرجال والنساء بحيث يدفعهم إلى الزنا.
أما( داسم) فهو اسم لإثارة الفتنة في داخل البيت ويأتي اسم آخر هو مطراش وهو مختص بإشاعة الأخبار الكاذبة وفي ذلك يدخل فن الصحافة والإعلام في الحروب النفسية والميدانية معا.
اما دهار فان اسمه يقترن بوظيفته في إيذاء الناس من خلال النوم وذلك بواسطة الأحلام المرعبة والاحتلام مع النساء الأجنبيات ونعتقد ان هنالك خللا في هذا الاسم إذ اختص الرجال في الاحتلام مع النساء ولم يشر الى النساء في الحالة المعاكسة!!
أما تمريح فهو شيطان مختص بإضاعة وقت الناس وتعويقهم في أداء واجباتهم ومثله مقلاص الذي يزين القمار بين الناس ثم يقوم بإيقاع العداوة بينهم.
ويبقى اسم لاقيس وهي بنت إبليس التي أفسدت قوم لوط ودعت النساء لممارسة السحاق ما يميز هذه الشيطانة في الفعل.
ان اسم الشيطان واحد من أسماء الأفعى وذلك مرتبط بقصة الخطيئة وقد أشارت الآثار القديمة لها منذ آلاف السنين قبل الميلاد حيث وجدت في أختام اسطوانية تجمع بين آدم وحواء والأفعى وتلك الشجرة التي أكلت منها حواء بإغواء الأفعى فالتاريخ يطور نفسه بإعادة إنتاج القصص الخاصة بالخليقة منذ الأزل عن طريق الأثر الفني مثلا ملحمة كلكامش وقد سرقت الأفعى عشبة الخلود بعد الرجوع من الرحلة لقتل الوحش خمبابا مع انكيدو .
اما الشيطان المهم لدينا فانه شيطان الشعر الذي يلفت نظرنا ف موضوعنا الحالي اذ كان ملهما للشعراء حيث كانت العرب تزعم انه ينزل على شعرائها في وادي عبقر المشهور ومنه كانت تسمية العبقرية .
وهناك أسماء عديدة اختصت بظاهرة الإبداع الشعري حيث تتحكم هذه الشياطين بالذات المبدعة فتفعل فعلها وهي في ذلك تذكرنا بنظرية أفلاطون في الإلهام الذي تنزله ربات الفنون على من تختار من المبدعين.
على ان الباحث يختم هذه الفقرة بطريفة مفادها تحرش شاعر بامرأة قائلا:
ان النساء شياطين خلقنا لنا 
أعوذ بالله من شر الشياطين
فردت عليه في الحال:
ان النساء رياحين خلقن لكم 
وكلكم يشتهي شم الرياحين!!
 
الحرمان والتمرد الشيطاني
اشار الشاعر الى تمرده الشرير في شعره منذ اللحظات الاولى لديوانه قائلا:
ضقت بالأرض والسماء فثوري
يا براكين نقمتي وشروري
ويلاحظ في هذا البيت الإشارة الى البراكين المرتبطة بالنقمة والشر ومحاولة تحطيم العالم بالثورة عليه !! وهو يجد مبررا مقنعا لدى علماء النفس اذ يقول:
يا حياتي ولم اجد في حياتي
غير حزن يذيب حزن الصخور
ما حياتي وفجر عمري ولى
وكوت صفرة الذبول زهوري
فهو يجد عذرا لثورته وضيقه بالأرض داعيا لها وثورة البراكين هنا ليس هدفها التدمير الأبدي إنما هو منطق الطبيعة لإعادة التوازن لكنه يجده تدميرا سلبيا للوجود رغم انه مظهر من مظاهر الوجود فلا يتشهى حتى القبلات بقوله:
يا ليالي لم أعد أتشهى
كل ثغر مضمخ بالعطور
وتنتقض روح الشاعر المتمردة التي تخالف روح الشيطان في أصلها بقدر غضبها وكرهها للوجود
 
كرهت روحي الوجود وملت
عشرة الأرض من خلال الفجور
أنا من جف كأسه في يديه
وهو مازال ظامئا للخمور
يا ليالي لم أكن غير خط
اسود اللون في جبين الدهور
وإذا افترضنا ان الشيطان المفترض هو الشاعر ذاته فاننا نستطيع أن نقول انه شيطان ليس برضاه انما هو شيطان مفروض على الوجود الخاذل له بل هو ملاك خذله الوجود فانقلب على عقبيه لذا برع في وصف ذاته فهو خط اسود في جبين الدهور واللون الأسود واحد من بقايا مخلفات النار الحارقة لكل شيء وذلك يتلاءم وطبيعة الصورة الشيطانية الخالية من الأمل من هذا الوجود تؤكد ذلك قرائن صوره كما فيله قوله:
ضقت بالأرض يا سماء فصبي
جرعة الموت في دمي المسعور 
فهو يدعو الى الموت خلاصا من بعد ان يصب جرعة الموت في د مسعور والسعار يكون متعطشا الى الافتراس الشهواني لحياة يسعى لتدميرها في معانيه مؤكدا على انه لعنة جاءت الى الحياة وستذهب لعنة للقبور.
ولعل خذلان الشاعر في الحب خاصة في حياته المبكرة أقوى الأسباب التي جعلته يكره العالم فيقول:
مسني الحب فانقلبت ملاكا
مفعم الروح والرضا والحبور
وجفتني التي عشقت فماتت
جذوة الخير والمنى في ضميري 
وهذا الحب المخذول يصدم الفكر في طرح تساؤلات الشاعر الفلسفية ذات الشك الكبير.
ان يكن في السماء رب عظيم
وقدير يدري بما في الصدور
فلماذا نرى التقي شقيا
ونعيم الوجود للشرير
يا ليالي باطل كل شيء
ليس غير الفراغ غير القشور
هذا الشاعر يصطف مع الشيطان في الاعتراض على قسمة الوجود ويشكك بالإله وعدالته ويخلص الى القول ببطلان كل شيء معاكسا لقوله تعالى (ربنا ما خلقت هذا باطلا ) بل يشير الى سطحية كل شيء وعدم معناه.
لهذه التبريرات فان الشاعر يعقد صلحا مع الشيطان أو وثاقا بقوله:
إبليس والكأس والماخور أصحابي
نذرت للشبق المحموم أعصابي
من كل ريانة الثديين ضامرة
تجيد فهم الهوى بالظفر والناب!
لقد ارتبط الشاعر مع إبليس في مفردات مع الروح الشيطانية مثل الماخور ,الشبق المحموم ,والشبق
هو الجنس في ذروة الانفعال الحسي وارتباطه بصفة من صفات النار في كلمة المحموم وصورة المرأة الحسية فهي ريانة الثديين ضامرة ولا تجيد الحب إلا بالظفر والناب في افتراس شهوي مدمر ساحق لمعنى الحب الروحي .
ويستكمل الشاعر تصوير روحه الشيطانية وهو يتعامل مع الجنس عاكسا مرضه النفسي السادي وهو لذة تعذيب الآخرين خاصة إذا يمثل الأنثى التي كانت علاقته بها تمثل عقدة مبكرة في حياته بالقول:
وقع السياط على أردافها نغم
يفجر الهول في أعراقها السود 
ومع هذه الشهوة العمياء الا انه يقطع هذا الانفعال الدموي في التعامل مع الجسد المكتنز برموز الأنوثة بتساؤله :
تكاد ترتجف الجدران صارخة 
إذا تعرت أهذا الجسم للدود!!
وهو يرثي الجمال الآيل إلى الفناء ليفزعه المصير الأسود بموت الجمال لذلك يحاول أن يعب قدر الإمكان من الشهوات.
دم ونار وأشلاء ممزقة 
وأضلع صاخبات تشتكي التعبا
هذا هو الحب جرح غائر ويد
خبيرة وصراع يعلك العصبا 
ولا شك في تأكيد الصورة الشيطانية المرتبطة بالدم الشهوي ففي داخله وحش ينتبه ويستفز بالجنس الذي هو رد فعل على الموت والفناء لذا كان وثابا لممارسته !!
وتنبه الوحش الذي في داخلي 
لما رنوت لساقها المتجرد
ودنوت منها في خطى مغلولة 
تتفجر الشهوات في قلبي الصدي
وتلاحظ مفردات مثل الوحش والخطى المغلولة والشهوات و(تتفجر) والكبد الصدي فانها جميعا تشير الى صخب شيطاني مفجر للشهوات لعطش جنسي في أعماقه وقد أثاره ساق متجرد ولعله فاق شعراء العرب جميعا في هذا الوصف الذي لا ندري أين كان عنه شاعر مثل نزار قباني الذي عاش تخمة العواطف الجنسية بينما يقول حسين مردان :
وتساقطت نظراتي النشوى على 
شقين علقتا بلحن اسود !!
وتجمعت محمومة في نقطة
ملمومة حمراء في أعلى الثدي
فضحكت مكتئبا وزمجر غاضبا 
إبليس يلعن طهرها وترددي!!
وتأتي مفردات شيطانية واضحة كالنشوى ومحمومة ونقطة ملمومة ,حمراء لتكل الصورة الشيطانية الغاضبة باستمرار وكان الشاعر قد صرح تصريحا عجيبا مؤكدا على شيطانية موقفه من الحياة التي عاشها بقوله:
قد رضعت الفجور من ثدي أمي
وترعرعت في ظلام الرذيله
**
لم أزل عبد شهوتي ومجوني
فكلي كل ما تبقى لديا
فالفجور مرتبط بالليل وقد رضع الشاعر الفجور من ثدي أمه (أي وصف عجيب وجريء) واقترن ذلك مع الليل فالرذيلة تنتعش في الليل ونجد الصورة الحسية الشهوية بدعوته لأن تأكل كل ما تبقى لديه!!.
ويصل به الأمر إلى احتراف الرذيلة التي تذكرنا بروحية أبي نواس بل يفوقه في كثير من الأحيان بقوله:
اني عهدتك بالوصال كريمة
فهبي جمالك ساعة لصديقي
وهو في ذلك يماثل الشيطان في ان يكون قوادا للشهوات !! وفي قصيدة سافرت يصور الشاعر حرمانه الحسي بقوله:
سافرت
سافرت ومرت بقلبي 
ألف ذكرى غضيضة الألوان 
شعرها 
نهدها الصغير المندى
وارتعاشات صدرها الريان
****
وتراءت لي غرفة
كل شيء كان فيها معطر الأضواء
شالها 
والوسائد الزرق دنيا 
من خيالات عالم مخمور
وهي عريانة لفجر نضير
تتغنى بكل لحن مثير
والورود الحمراء في الكأس ترنو
نحونا في تهتك وفجور
وهنا تظهر صورة للعري وقد شده عريها كالفجر النضير والورود الحمراء المماثلة للشهوة الحمراء واقتران ذلك بالكأس والتهتك والفجور انه لا ينسى حتى في حرمانه ان تكون الأجواء شيطانية لذة وخمور وعري ولحن وورود وحمراء وانحراف للأمومة في عالم البغاء
 
وابتسامات أمه وهو يلهو
بمفاتين أمه بسرور!!
وفي قصيدة الليل والغليون 
يقول الشاعر:
يا صورة الشيطان 
في معبد الكفران
أودى بي الحرمان
في صدرك الغض
فالمرأة هنا صورة للشيطان وهي قاتلة بالشهوة والحب كما في قوله:
من قصيدة (عبر)(ص49)
تمتص روحي من فمي قبلة
صفراء تنطق بالغرام الفاجر
ودعي شياطين الرذيلة حولنا
تعوي بأغنية المحب الداعر
وفي قصيدة للطين يصرح الشاعر بمعتقده الشهواني ....
ماالحب إلا شهوة فلتبعدي
أم الزنا فمك المدنس من فمي
وتجردي لأراك جسما ناعما
بلظى الفجور يضج مثل جهنم
ولا يرى في الشرف إلا اختلاقات
ما الطهر ما الشرف الرفيع وما التقى
غير اختلاقات الزمان الأقدم
فاستهتري يابنت آدم كلنا
في الأصل للطين المدنس ننتمي
ومما يلفت النظر إلى حد التصريح بشكل مباشر ان الشاعر يعرف انه كان شيطانا وقد توضح ذلك في قصيدة ميلاد شيطان.
ولت في ليلة رعناء باركها
رب الجحيم فلم يعلم بها الله!
فجئت في صورة الشيطان فارتعدت
على شفاه عذارى الحب أواه!!
***
قد كنت ازعم أني مثلكم بشر
لو لم يكن جدكم في الأصل حيوانا
مجموعة من جراثيم مشوهة
تدب في جنبات الأرض ألوانا
ولقد يتحسس الناقد الرؤيا العميقة لهذا الشاعر الشيطاني في التعبير عن الحرب الجرثومية بطريقة شعرية في المقطع السابق الذي ذكرناه
وفي الوقت الذي يهجو فيه الناس والقيم وما إلى ذلك فنه يبدأ بهجاء نفسه في قصيدة النشيد الحقير.
هكذا خلقت وحشا حقيرا
فتغنيت بالنشيد الحقير
وتبعت الشيطان في كل درب
حاملا فوق راحتي مصيري
انه يذكرنا بالحطيئة الذي هجا نفسه وكان بذيئا هجاءا فالتمس ذات يوم إنسانا يهجوه فلم يجده وضاق عليه فانشأ يقول:
أبت شفتاي اليوم الا تكلما
بشر فما ادري لمن أنا قائله
حتى إذا رأى وجهه في المرآة في الحوض أكمله بالقول:
أرى لي وجها شوه الله خلقه
فقبح من وجه وقبح حامله
(الامالي في الأدب الإسلامي ابتسام مرهون الصفار,وزارة التعليم العالي والبحث العلمي/ ب ت ص95 )
وعلى الرغم من الروح الشيطانية التي يتميز بها فانه يصل الى مرحلة رائعة في الوصف المتجسد بتصوير أجواء الشهوة ففي قصيدة نهاية قبلة يقول الشاعر:
يا قبلة لما تزل نارها
تموج أغواري بها الثائره
أخذتها من شفتي غادة
أديبة فنانة شاعره
فانتفضت أعضاؤها لذة
وتمتمت في لهجة فاتره
أواه لو طالت ولم يبتعد
ثغرك من ثغري للآخره
فانطلق الشيطان من كهفه
يصفر لحن الشهوة العارمه
وابتسم الإثم على مخدع
معطر بالوردة الحالمه
ترف في أرجائها نغمة
مسحورة أصداؤها آثمه
وتصرخ النار على صدره
مشوقة للمهج القادمه
فمزقت أثوابها فجأة
عن جسد كالفضة الطاهره
واضطجعت كأنها صورة
إطارها وسائد عاطره
وتكرر نفس الشيء في قصيدة راقصة إلا انه يصور الفناء لهذا الجمال المشتهى من شاعر شيطاني !! يحس بفناء الجمال بمرارة واسى غير طبيعيين.
ثم تمسين حفنة من رماد
في مهب الرياح والإعصار
تفتق الذكريات في كل ساع
ألف جرح في قلبك الغدار
ثم ماذا لاشيء غير بقايا
نتن مسكر ونعش كئيب
يرقص الدود حوله ويدوي
لعنة القبر في عويل رهيب
في قصيدة العروق الزرق نجد الغضب الشيطاني مازجا الإغراء باللعنة
وتثير في دمي اللظى لك هزة
هي هزة الإغراء في ردفيك
يا مدفن الارجاس إني شاعر
مضنى فضميني إلى نهديك
فبقدر الرغبة الجنسية الجامحة فانه يصف المرأة(بمدفن الارجاس) وهذا الوصف يكاد يكون طبيعيا عندما تكون البيئة ماخورا والنوم في المقابر المظلمة!!
يقول الشاعر:
فاقتربي نامي على أضلعي
ولتملئي بالسم احشائيه!!
عبدت في صدرك ثوراته
وفي لماك القبل الكاويه
والحب في فلسفتي ضمة
قاسية تزهق انفاسيه!!
***
كم مرة تبت ولكنني
سرعان ماعدت لكفراني
بي رغبة للشر لاترتوي
يحدو بها للفتك حرماني
وددت لو استطيع في لحظة
تحطيم هذا العالم الفاني!!
ان هذا العذاب نفسه عذاب الشهوة ينعكس على عذاب الروح كما في قصيدة عواء
يا أخت روحي والهوى
نار تأجج في الدماء
فلام تخفي ما بنا 
خلف ابتسامات الرياء
قصيدة ملك ص45 
وهمت بالكأس افني في قرارتها
ما خلف الدهر من عمري وأيامي
لهوت حتى مللت اللهو فابتعدي
عني فما عدت أهوى غير آلامي
قصيدة (عبادة القبح)(ص56)
مجنونة النظرات ما عانقتها
إلا سرت نار الجحيم بأعظمي
***
كم مدنف صرعته حلقة غادة
حسناء مثل البدر بين الأنجم
فشكى وناح ولم يكن لشكاته
شكوى يرق لها فؤاد المجرم
****
واختفى ذلك الملاك وثارت
نزعات واستيقظ الشيطان!!
ومضى ينحر الفضيلة حقدا
فهي في مذبح الزنا قربان!!
مثلما جئت سوف اذهب لغزا
يحتويه الغموض والكتمان!! ص (58)
----- ملامح الشيطان في شعره-------
1- التصفير:
فانطلق الشيطان من كهفه
يصفر لحن الشهوة العارمه
2- التشهي
ماالحب إلا شهوة فلتبعدي
3- الدنس
ام الزنا فمك المدنس من فمي
4- الفجور الإعلان عن الرذيلة بصراحة تامة
5- الاستهتار
6- الاقتران بالحيوان
وتنبه الوحش الذي في داخلي
لما رنوت لساقها المتجرد
7- هجاء القيم والأعراف
8- الحقارة
هكذا خلقت وحشا حقيرا
فتغنيت بالنشيد الحقير
9- الاقتران بالنار
10- التغني بالإثم والاستهتار بالآخرة
11- الخديعة ذكر ألفاظها ومنها المخدع المكان الذي يخدع فيه الإنسان امرأة كان أم رجلا في الاتصال الجنسي 
12- التغني باللذة الحسية ووصف العري
13- الإشارة إلى السحر
14- ذكر اللعنات
15- الهجاء الجنسي
يا مدفن الارجاس إني شاعر
مضنى فضميني إلى نهديك
16- التمرد الفوضوي
17- عدم الندم
كم مرة تبت ولكنني
سرعان ما عدت لكفراني
18- الرغبة في الشر
بي رغبة للشر لا ترتوي
يحدو بها للفتك حرماني
19- اقتران المرأة بصورة الشيطان
يا صورة الشيطان
في معبد الكفران
 
20- وصف الخيانة الزوجية وخيانة المرأة لأمومتها
وابتسامات أمه وهو يلهو
بمفاتين أمه بسرور
21- اقتران الصورة الشيطانية باللون الأصفر والأحمر والعواء والدعارة
22- الهيام بالكأس
23- وهمت بالكأس افني في قرارتها
ما خلف الدهر من عمري وأيامي
24- اللهو
لهوت حتى مللت اللهو فابتعدي
عني فما عدت أهوى غير آلامي
25- الجنون وهو ستر العقل فالشاعر الشيطان لا يحده العقل
26- رثاء الروح الملائكية 
27- نحر الفضيلة
ومضى ينحر الفضيلة حقدا
فهو في مذبح الزنا قربان
28- عدم الإيمان بالغيب
مثلما جئت سوف اذهب لغزا
يحتويه الغموض والكتمان
29- امتزاج الشهوة مع عذاب الروح معا
30- الشك ففي التساؤلات الشيطانية
ان يكن في السماء رب عظيم
وقدير يدري بما في الصدور
فلماذا نرى التقي شقيا
ونعيم الوجود للشرير
يا ليالي باطل كل شيء
ليس غير الفراغ غير القشور
31- القوادة
إني عهدتك بالوصال كريمة
فهبي جمالك ساعة لصديقي
32- الظلامية
ولدت في ليلة رعناء باركها 
رب الجحيم فلم يعلم بها الله
33- التحالف مع الشيطان
إبليس والكأس والماخور أصحابي
نذرت للشبق المحموم أعصابي
34- السادية الجنسية
وقع السياط على أردافها نغم
يفجر الهول في أعراقها السود
 
 
 
 
حكمه الشيطانية في مقدمات قصائده الشعرية
1- ثق انك لا تفضلني على الرغم من قذارتي إلا بشيء واحد وهو إني أحيا عاريا بينما تحيا ساترا ذاتك بألف قناع.
2- أنا لم أر بركانا يتفجر مثلما يتفجر به صدر امرأة
3- للحب طعم واحد ولكن كل امرأة أسلوب في الحب في اللذة الكبرى ليست في الحب نفسه ولكنها في الاسلوب.(وهو يذكرنا بالشاعر بيرون الذي يقول:أواه ليت للنساء جميعا ثغر واحد إذن لقبلته واسترحت 
4- لن أحب إلا المرأة التي تحتقر الرجال وتسجد تحت قدمي
(والعظيم العظيم تضعفه أنثى
فينقاد كالحقير الحقير!! 
5- الحرية كلمة عجيبة لا يفهم معناها إلا الحيوان
6- لا تعبد المرأة إلا الرجل الذي يخضعها لشهوته بالقوة
7- في المرأة جمال خفي غير جمال التقاطيع والقوام جمال الشهوة المرعب
8- هذه هي الحياة غرفة دافئة وجسد عار وزجاجة خمر وحفنة من الحشيش
9- القلب الذي يسكنه الشيطان لا تقربه الملائكة
10- أكثر ما ابغض في المرأة تصنع الوقار والتظاهر بالرزانة
11- المرأة القبيحة ارق شعورا وأرهف إحساسا واشد إخلاصا من المرأة الجميلة
12- لن يرتفع الفنان إلى القمة إلا من خلال الحضيض
 
 
 
أسباب الشيطنة
ان أول ما يلفت نظرنا في هذا الأمر هو الفقر والحرمان فهما من أهم أسباب الحقد على العالم والتمرد عليه منذ الطفولة حتى آخر لحظة ودع الشاعر فيها الحياة ويذكرنا ذلك بقول الإمام علي (ع) (لو كان الفقر رجلا لقابلته بحد السيف)
ويكرنا ذلك ايضا بقيدة أين حقي للشاعر محمد صالح بحر العلوم حيث يقول:
وفتاة تكنس الحي ولا تملك من دنياه شبرا
تتمنى الموت كي تملك بعد الموت قبرا
واذا الحفار ففوق القبر يدعو
اين حقي؟
ما لهذي وسواها غير ميدان الدعاره
لتبيح العرض في أرذل أسواق التجاره
وإذا بالدين يرميها ثمانين حجاره!!
وإذا الزاني هو القاضي ويدعو
أين حقي
لذلك كان التمرد الكبير على الشرائع والقوانين والاعراف وراح يكره الاقنعة والتستر الذي يخفي الحقيقة الشريرة فلا عجب من كل ما صوره بشجاعة من اجل قول الحقيقة وذلك يثير اعجابنا
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حاتم عباس بصيلة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/11/16



كتابة تعليق لموضوع : صورة الشيطان في شعر حسين مردان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net