صفحة الكاتب : عدنان عبد الله عدنان

مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ" من اسلام الحديث الى اسلام القرآن "ـ الحلقة السابعة
عدنان عبد الله عدنان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إضاءة: 
[ملاحظة: تتكرر هذه "الإضاءة" في كل الحلقات، من أجل إيضاح خلفية كتابة هذه الحلقات]
في شهر رمضان المبارك لسنة 1434هـ (2013م)، أطل سماحة السيد كمال الحيدري، عبر شاشة قناة الكوثر الفضائية، في لقاءات عديدة، متحدثا عن مشروع قال عنه بانه يهدف الى تصحيح عقائد الشيعة، (أو: قراءة اخرى لها)، وقد تناول ذلك تحت عنوان: " من إسلام الحديث الى اسلام القرآن"، ولابد لي من البيان أولا، بان سماحة السيد، قد عنى بـ"الاسلام"، و "القرآن"، معناهما الاصطلاحي المعهود والمعروف لدى كافة المسلمين، وأما لفظ "الحديث"، فلم يعن به خصوص ما نقل الينا من قول المعصوم فحسب، بل عنى به ما يرادف السنة، ليشمل به كل ما نقل الينا من قول المعصوم وفعله وتقريره، وهو خلاف الاصطلاح، ولكن الامر هين، خصوصا مع احتمال ان سماحته اراد ان يحاكي جورج طرابيشي في عنوان كتابه..
ولا بد لي أيضا من التأكيد، على ان سماحته لم يقصد من مفردة السنة (أو: الحديث)؛ السنة الواقعية، وانما يقصد السنة المنقولة الينا عبر الرواة، والتي قد يعبر عنها بـ"السنة المحكية" أيضا.
وسوف احاول ان اناقش ـ بايجاز ـ بعض ما ذكره سماحته في هذه الحلقات.
 
ملخص الحلقة السابعة:
في البدء، أجاب سماحة السيد الحيدري، في هذه الحلقة، عن تساؤل البعض عن سبب طرح هذه المباحث، على الملأ العام، وليس في الحواضر العلمية المتخصصة، وقال ان السبب في ذلك هو ما نراه من محاولات المتطرفين، من السنة والشيعة، لسرقة الخطاب الاسلامي المعتدل، مع غياب الموقف الرسمي للمؤسسة الدينية في النجف. وأضاف بانه قد فعل ذلك أيضا في الحواضر العلمية، وفي دروسه الخاصة.
ثم تحدث عن موقف أئمة أهل البيت (ع)، من الموروث الروائي المتداول حينذاك، فذكّر بما ورد في الحلقة السابقة، من ان العلماء يقولون بان ما لا يقل عن تسعة أعشار الموروث الروائي الرسمي، موضوع، وأشار الى بعض آفات الحديث.
ثم تحدث عن الموروث الروائي للمعارضة (الشيعة)، وتساءل: عما اذا كان الأئمة (ع) قد قبلوه، أو لم يقبلوه؟
وفي سياق الاجابة على هذا السؤال، تطرق سماحته الى حديث الثقلين، وقال: ان من أهم المعطيات المترتبة على مضمون حديث الثقلين هو أن كل خصوصية أساسية ثبتت في القرآن، لابد وأن تثبت لما هو عدل القرآن، فإذا ثبتت للقرآن: الصفة " أ "، فلابد وأن تثبت للسنة أو العترة: ألصفة " أ "، أيضا، لأنه إذا لم تتصف السنة أو العترة: بالصفة " أ "، فانها ستكون قد افترقت عن القرآن ولم تكن عدلا له، ولم يصدق كلام النبي (ص): " لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"، ومادام ان القرآن لا يأتيه الباطل، ولا اختلاف فيه، فلا بد وان يكون ما هو عدل القرآن كذلك أيضا، فيجب ان لا يكون هناك أي اختلاف أو تكاذب في حديث السنة وحديث العترة.
وهنا تساءل سماحته، قائلا: إذا كان الأئمة لا يتناقضون ولا يختلفون، فلابد وان يكون الاختلاف بين الروايات قد وقع بسبب عوامل أخرى، مشيرا الى عدد منها. 
ثم انتقل، بعد ذلك، الى الحديث عن كتاب سُليم بن قيس، مشيرا إشارة سريعة الى مدى اعتباره.
 
وهذا هو رابط الحلقة السابعة من حديث سماحة السيد الحيدري
 
http://www.youtube.com/watch?v=H8YeQBmMLeo
 
 
والذي يهمنا في هذه الحلقة، ثلاث نقاط، من حديث سماحته:
الاولى: كلام سماحته حول المرجعية ودورها في زمن الغيبة الكبرى.
الثانية: كلامه حول سبب حديثه في هذه المواضيع على الملأ العام.
الثالثة: كلامه حول كتاب سُليم.
وسنتناول هذه النقاط تباعا:
أولا: حول المرجعية ودورها في زمن الغيبة الكبرى:ـ
ففي ثنايا حديث سماحة السيد الحيدري، عما اعتبره غياب موقف المؤسسة الدينية عما يقوم به بعض الشيعة، من بث الكراهية أو التكفير، على ما يرى، انتقد بتهكّمٍ وشدة، المراجع في النجف الاشرف، وخاطبهم قائلا:ـ ما دمتم لا تملكون موقفا سياسيا وليس لكم موقف ديني وليس لكم موقف من الشعائر، فما هو دوركم إذن؟ عرفوه لنا لكي لا نتوقع منكم أكثر من ذلك، فنحن نريد أن نتعرف على دور المرجعية في عصر الغيبة الكبرى لكي لا يتوقع الناس منها غير ذلك الدور.
المناقشة:ـ
عندما يتحدث سماحة السيد الحيدري، عن تعدد القراءات والاجتهادات، وهو محق طبعا في حال كونها اجتهادات فعلا، فعليه ان يتقبل قراءة المراجع للفكر وللفقه وللواقع، ويتعاطى معه بكل احترام باعتباره اجتهادا، ولذا كان عليه ان لا يتعامل معهم ومع مواقفهم بسخرية واستهجان، فإذا كان موقف سماحته هذا مقبولا وممدوحا بمقاييس العامة، ويستهويهم كثيرا أو قليلا، فانه بالمقاييس الشرعية والعلمية، ليس كذلك.
ومن هنا، كان عليه ان يحترم اجتهاداتهم وقراءاتهم المختلفة، سواء في تحديد دورهم، أم في تشخيصهم للواقع.
ومن الواضح، ان سماحة السيد يحاول ان يشير من خلال هذه النقطة، الى نطرية ولاية الفقيه، ليقول ان من لا يقول بها، لا شأن له بقضايا الامة؛ كبيرها وصغيرها.. فكما انه لا شأن له بالقضايا السياسية، فانه لا شأن له بالشعائر أيضا!!
أما حديث سماحته، عن عدم وجود موقف للمرجعية، في الدين!!!، والسياسة، والشعائر، فإن كان يعني على مستوى الرأي، فلا أراه أصاب، وإن كان يعني على مستوى الفعل والتنفيذ، فهو مرهون بالسلطة التنفيذية بما فيها من تشكيلات وأجهزة وآليات. 
أما الحديث عن ولاية الامة، وثبوتها للفقيه بصفته فقيها، فهي مسألة اجتهادية، قد تثبت لدى فقيه، ولا تثبت لدى آخر، دون ان يكون رأي أي واحد من الفريقين، هو الصحيح والآخر هو الخطأ، فكلا الموقفين مبرئ للذمة، لكل من المجتهد ومقلديه، ما دام كل موقف منهما، قد استُنبط إستنادا الى آليات الاستنباط المعروفة.
ولا بد لي هنا من تحديد النقطة المحورية في خلاف العلماء حول نظرية ولاية الفقيه، لكي لا نتيه في متاهات العواطف والمزاجات، فالمسألة علمية صرفة، ولكل فريق أدلته الشرعية التي يراها تامة، ولذا لا يجوز التعاطي معها بروح اخرى، فبعد الانتهاء من ضرورة وجود نظام وولاية (أو:سلطة)، واتفاق الجميع على ذلك، يتمحور حديث العلماء حول صاحب هذه الولاية، وهل ان الولاية يجب ان تنحصر في الفقهاء فقط، أم انها يمكن ان تكون لغيرهم أيضا؟ 
فالذي يقول بولاية الفقيه منهم، لا يرى لغير الفقيه أي ولاية، مهما اُوتي من الفضل واللياقات السياسية والادارية وغيرها، وأما الذي لا يقول بولاية الفقيه منهم، فانه يرى أن الفقيه في مسألة الولاية، شأنه شأن أي واحد من أبناء الامة، والذي يحدد استحقاقه أو عدم استحقاقه للولاية هو مدى كفاءته بما يرتبط بإدارة شؤون الامة من سياسة وادرة وغيرهما، فإن اجتمعت الكفاءة والفقاهة في رجل فهو خير على خير، وإن وجدت الكفاءة في غير الفقيه، فهو أحق بالولاية، ولا يحول عدم الفقاهة بينه وبين هذا الموقع، بشرط ان تكون كل أعماله ومواقفه منضبطة بالضوابط الشرعية، تقليدا. 
فلا يظننّ أحدٌ انّ العلماء الذين لا يقولون بولاية الفقيه، لا يريدون تحكيم الاسلام، ولا يسعون اليه، وانهم يرفضون التصدي للشأن السياسي، وينادون بالفصل بين الدين والسياسة، وانهم من انصار مقولة "ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، فهم برءاء من كل هذا، ولا يختلفون في شيء مع القائلين بولاية الفقيه، الا في عدم حصر الولاية بالفقيه، وارتباطها بالكفاءة، لتشمل الفقيه وغير الفقيه، وليس لقيصر، أو لغير قيصر، من شيء ـ في عقيدتهم ـ ليكون له.
ولا بد من الاشارة أيضا، الى ان عدم القول بولاية الفقيه، لا يعني إلغاء الشأن السياسي أو شأن إدارة الامة، عن حسابات الفقيه تماما، فبالاضافة الى تصديه لما يعرف بالامور الحسبية، فإن للفقيه، في هذا المجال، دورين:ـ 
الاول: تحديد الموقف الشرعي من الحكم والحاكمين، بصفته مرجعاً.
والثاني: التوجيه والتسديد والعمل على التغيير نحو الافضل، بصفته مواطناً.
وعلى كل حال، فسواء كان الفقيه من القائلين بولاية الفقيه أم لم يكن، فإن له قراءته للواقع وتقويمه للظروف، وعلى ضوء ذلك يرسم ستراتيجية تحركاته، فليس كل من يقول بولاية الفقيه يكون ناشطا في كل الأحوال والظروف، وليس كل من لا يقول بولاية الفقيه لا يتحرك في كل الاحوال والظروف، ولنا في نبينا الأكرم (ص) وأئمة أهل البيت(ع) اسوة، فعلى الرغم من ثبوت ولايتهم المطلقة، فان تحركاتهم (السياسية)، كانت محكومة بالظروف. 
 
ثانيا: حول سبب الحديث عن هذه المواضيع، وطرحها على الملأ العام:ـ
وحول سبب حديثه عن هذه المواضيع، قال سماحته، رأيت أن الخطاب "السني" المتشنج الذي يقوم على التكفير والإقصاء والكراهية، يحاول ان يسرق الخطاب السني المعتدل الذي عهدناه من مدرسة الأزهر وما يناظر الأزهر، وتحول إلى خطاب يدعو إلى القتل والذبح، هذا أولا، وأما ثانيا، ففي قبال هذه الظاهرة والحالة، التي لها مناشئ أموية، ظهر رد فعل من بعض المنتسبين إلى الواقع الشيعي، وبدلا من أن يعالجوا هذه الظاهرة بالحكمة والموعظة الحسنة، بدأوا يغذونها، فأوجدوا قنوات وفضائيات ومنابر وخطباء أيضا تقوم على نفس المنطق، منطق الكراهية والتكفير والإقصاء واللعن والشتم والاحتقار.
وقد بدأت الخطورة عندما أخذ هذا الخطاب "الشيعي" المتشنج يغذي العقل الشيعي العام، وحاول أصحابه أن يسوّقوه كأنّه هو الخطاب الشيعي الرسمي، كما فعل الخطاب الأول السني ذلك، إذ حاولوا أن يسوّقوا خطابهم على أنه رأي أهل السنة.
وهنا تأتي النقطة الثالثة، وهي غياب الموقف الرسمي للمؤسسة الدينية في النجف، وهنا تكمن الخطورة، فلو  ان المؤسسة الدينية متمثلة برموزها ومرجعياتها كانت قد اتخذت موقفا رسميا وبينت اصول الخطاب الشيعي وقواعده ورؤيته ومنهجه، لما كنت أرى أي خطر يهدد العقل الشيعي العام، ولكنْ في ظل غياب الموقف الرسمي من المؤسسة الدينية في النجف الاشرف، وبقطع النظر عن سبب ذلك، فان هذا الخطاب المتشنج التكفيري بدأ، كما أتصور، ينفذ إلى العقل الشيعي العام، وهنا تكمن الخطورة. 
وأضاف سماحته، وفي ضمن هذه المعطيات ألتي أشرتُ إليها، وجدتُ من الضروري أن أقول كلمتي، ولو للتاريخ، فأردت أن أقف عند تلك الروايات والنصوص الروائية التي يستند إليها هذا الخطاب التشنجي والفتنوي والتكفيري القائم على الكراهية، لأرى هل أن هذه الروايات مقبولة من قبل الأئمة أو أنها مرفوضة؟ 
وحول سبب طرح هذه المواضيع على الملأ العام، وعدم طرحها، في الحواضر العلمية، قال سماحته: قد فعلت ذلك في الحواضر العلمية وفي دروسي الخاصة، ولكن لما كان خطاب التشنج والفتنة يصل الى الملأ العام، لابد أن يكون العلاج على الملأ العام أيضا، ولكن بمنهج علمي، لنرى هل ان هذه الروايات التي يستند إليه هؤلاء في خطابهم التشنجي، هو خطاب يرتضيه القرآن أو لا يرتضيه؟ وهل يرتضيه النبي وأئمة أهل البيت أو لا؟ 
ومن هنا وجدت أنّ مسؤوليتي الشرعية والتاريخية، تدفعني الى أنْ أرجع إلى مناشئ هذا التطرف، وعندما راجعتُ وجدتُ أنّ منشأه هو إسلام الحديث، ولكن إسلام أي حديث؟!، انه إسلام الحديث الأموي، وليس إسلام الحديث النبوي المحمدي الأصيل، ولذا فانني أقولها صريحة؛ ان كثيرا من إسلام الحديث هذا هو إسلام حديث أموي، ومن هنا أقول لابد من عزل إسلام الحديث الأموي، والعمل على تنقية إسلام الحديث النبوي منه، وعند التحقيق سنجد أنه ما من تطرف وما من إقصاء وتكفير وبغض وكراهية إلا ومنشأه أعداء الإسلام والمسلمين (السنة والشيعة معا).
 
المناقشة:ـ
كان على سماحة السيد ان يكون أكثر حذرا واحتياطا، في اخراج من ينتهج نهج اللعن مثلا، عن الواقع الشيعي، فيُحْجِم عن وصفهم بـ "المنتسبين الى الواقع الشيعي"، وإلا فسيضع نفسه في نفس خانتهم، وسيصبح على نفس منهجهم في الاقصاء والتكفير، فإن كان يزعم بان له حجة في ذلك، فانهم يزعمون أيضا ان لهم أدلة وحججا. 
فمع قبولنا لمبرر سماحته، في طرح هذه المواضيع، على الملأ العام، فاننا لا نستطيع ان نفهم، اسلوبه الحاد وتهكمه المستمر، بآراء غيره من فطاحل العلماء، كما اننا لا نستطيع ان نفهم طرحه للموضوع بالشكل الذي طرحه فيه، فقد أضاع سماحته وقته ووقت متابعيه، في ما لا جدوى فيه، فكل ما وصل اليه سماحته من هذه الحلقات، هو ان في موروثنا موضوعات واسرائيليات، ولا بد من وضع معايير علمية في تنقيته، ولكن مثل هذه النتيجة ليست بجديدة، ولا يحتاج إثباتها الى ما بذله سماحته من جهد وأنفق عليها من وقت، ولذا فالسؤال الكبير هنا، هو: لماذا أتعب سماحته نفسه، وأجهد متابعيه، في ما لا ينفع في تحقيق وخدمة ما ذكره من هدف، فهل هناك من هدف أعمق وأخفى؟
نعم، فالجميع يعرفون ان في تراثنا اسرائيليات، ولذا فلو ان سماحة السيد، انطلق من هذه المعلومة العامة والبسيطة والواضحة، وسلط عليها شعاعا بسيطا من الضوء كمقدمة لموضوعه، ثم جاءنا بالروايات التي يستند عليها بعض الشيعة، في اللعن والتكفير وبث الكراهية، كما يقول، وأثبت بانها من الاسرائيليات أو الموضوعات أو "الامويات"، وانها مما تسرب الى الموروث الروائي الشيعي، بسبب منهج العلماء السائد في التعاطي مع الموروث الروائي، لكان قد وصل الى هدفه الذي ذكره، بأيسر طريق، ولكان قد حقق مبتغاه الذي ادعاه، بأبسط اسلوب ودون أي عناء، وقد كان مجموع أوقات حلقات برنامجه كافيا لاستعراض ما يكفي من الأمثلة لإثبات ما أراد إثباته، لو كان قادرا على ذلك.
فلماذا عدل سماحته، عن هذا الطريق القصير والمباشر والمنتج، ليختار طريقا طويلا وملتويا وعقيما؟
بل حتى ان ما جاء به سماحته من أمثلة، إثباتا لضعف المنهج السائد في حماية الموروث الشيعي من الاختراق، لم يكن صالحا لإثبات مدعاه هذا، ولم يكن يصب في خدمة هدفه المعلن، فعلى الرغم من ان امثلته تلك لم تكن ذات شأن في إثبات عدم فاعلية منهج العلماء في صيانة الموروث الروائي من الاختراق، فانها أيضا لم تكن في سياق هدفه الذي أعلن عنه في هذه الحلقة، فما علاقة رواية نزلت في سبب نزول آية، بمنهج التكفير وبث الكراهية، (وقد ناقشنا صلاحية ذكره لها كمثال في الحلقة الخامسة)، وما علاقة زواج ابناء نبي الله آدم عليه السلام، من أخواتهم، أو من الملائكة أو من الجن، أو غير ذلك، بمنهج التكفير والكراهية، إضافة الى انها لا تنفع أبدا في إبطال منهج العلماء في اعتبار الروايات (وستأتي مناقشتنا له بشأنها في الحلقة التاسعة، إن شاء الله تعالى).
والذي يمكن ان يخرج به المتابع من انطباع، هو ان سماحة السيد قد قدم أقوى ما لديه من أمثلة، ولو كان لديه ما هو أقوى منها وأدل، لما تردد في الاتيان به، والاسراع بذكره، لأنه بصدد تفنيد منهج قد أصّله فطاحل العلماء، وكرّسه في الواقع العلمي أجيال الفقهاء، والمنهج الراسخ لا يتزعزع بمثال هزيل، ولا يهتز بصراخ أو عويل، فلا يتسرب اليه الشك بمجرد التشكيك، ولا تتغير القناعة به بمجرد التوهين، فهو يحتاج الى امثلة محكمة صادمة، ويهفو الى حجج متقنة حاسمة، فمع عدمها لا طمع في التشكيك به، فضلا عن القناعة ببطلانه، ولذا فان عدم ايراد مثل هذه الامثلة والحجج دليل على عدم وجودها لدى سماحته، وأما الشحن العاطفي، ووصفه بعض الامور بانها "اموية" أو غير ذلك، من أجل التنفير منها، فلن ينفع سماحته في شيء.  
ولو أتى سماحته بالحجة المقنعة، والأدلة القاطعة، لأصاب الأهداف الثلاثة التي ابتغاها، وهي: إثبات ان ما يعتمد عليه التكفيريون، حسب وصفه، من روايات انما هو من الاسرائيليات أو الموضوعات، و إثبات عدم فاعلية منهج العلماء في التعاطي مع الموروث الروائي، وتطهيره من دنس الاسرائيليات والموضوعات، وإثبات صلاحية منهجه المدعى في التعاطي مع الموروث الروائي، وفاعليته في تنقية الموروث. 
وحيث انه لم يفعل، فهو عاجز إذن، وبذلك يكون قد أخفق في الخروج من عهدة ما أسماه بالمسؤولية الشرعية و التاريخية. 
 
ثالثا: حول كتاب سليم بن قيس:ـ
وفي سياق حديث سماحته، عن عوامل اختلاف الحديث المروي عن الرسول (ص)، أو عن الأئمة (ع)، نقل عن الكافي رواية، عن أمير المؤمنين (ع)، تنسب ذلك الاختلاف الى اختلاف الرواة في النقل، وتصنفهم الى اربعة أصناف، ولكون الرواية جاءت عن سُليم بن قيس عن أمير المؤمنين (ع)، انتقل سماحته الى الحديث حول كتاب سليم بن قيس. 
وقال: أقول الخطيب المنبري الذي يريد أن ينقل هذه الروايات من هذا الكتاب، لابد أن يتثبت إما أن يقول كتاب سليم صحيح السند ويمكن الاعتماد عليه فليقم دليله، وإما أن لا يثبت ويعتمد كلام الشيخ المفيد، الذي يقول أنه فيه كذب وتدليس وفاسد وينبغي للمتدين أن لا يعتمد عليه، وحينئذ لا تسقط هذه الرواية فقط، بل ان كل الروايات التي نقلها الكليني والصدوق والطوسي وغيرهم، تكون مشكوكة، ومن هنا تعرفون ماذا فعل بنا إسلام الحديث؟
وهكذا ربط سماحته، بين هذه الرواية وبين كتاب سليم، وربط صحتها بصحته، فقال: إن كان كتاب سليم معتبرا فهذا الحديث معتبر وإن لم يكن معتبرا فهذه الرواية محل تأمل.
 
وفي جواب له على سؤال أحد المتصلين، قال سماحته:" ليس من حقّ الخطباء وأهل المنبر وأصحاب القنوات الفضائية أن يتكلموا ويقرؤوا الرواية من الكتب لأن هذا خارج عن اختصاصهم.".
 
المناقشة:ـ
لابد من التنبيه أولا، بان سماحة السيد اعتبر ان الرواية التي قرأها من الكافي، والمروية عن سليم بن قيس، (وكذا كل ما رواه الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي وغيرهما عن سليم)، منقولة عن كتاب سليم، وربط بين صحتها وصحة الكتاب، فقال:" إن كان كتاب سليم معتبرا فالحديث معتبر، وإن لم يكن معتبرا فهذه الرواية محل تأمل"،  غير ان هذا وهمٌ من سماحته، وذلك لأنه ليس كل ما روي عن سليم كان منقولا ومأخوذا من كتابه، فلسليم أحاديث رويت عنه من غير كتابه، وإن كانت مطابقة لما في كتابه، ولتكن هذه الرواية منها، فقد قال الإمام الخوئي (قده): في معجمه / ج9 ص236:" ودعوى أن ما في الكافي، رواية عن كتاب سليم أيضا، دعوى بلا بيّنة وتخرّص على الغيب، بل الظاهر أن لسليم أحاديث من غير كتابه.".
وكما أخطأ سماحة السيد في اعتقاده بان كل ما روي عن سليم في سائر المصادر، منقول عن كتابه، فانه أخطأ أيضا عندما حاول ان يلغي كل ما في كتاب سليم، (وبالتالي كل ما روي عنه)، بناءا على رأي الشيخ المفيد، فالشيخ المفيد لم يقل ذلك، وقد صرح ان كتاب سليم فيه ما هو صحيح وما هو فاسد، فقال: "فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه، ولا يعول على جملته والتقليد لرواته، وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد." 
فالشيخ المفيد يقول على المتدين ان يجتنب العمل بكل ما فيه، فلا يعمل بكل ما فيه، وانما يعمل ببعض ما فيه، لأن فيه ما هو صحيح وما هو فاسد، ولا بد ان يكون العمل بذلك البعض الصحيح بعد تمييزه عن الفاسد.
ولكن الذي يبدو لي ان سماحة السيد فهم من قوله "ان يجتنب العمل بكل ما فيه": "ان يجتنب كل مافيه من روايات، فلا يعمل بأي شيء منها"، وهو غير صحيح.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإذا كان الشيخ المفيد يردّ بعض روايات الكتاب، فان هناك من يقبله كله، فتقديم قول الشيخ المفيد على غيره، ليس أرجح من تقديم قول الآخرين على قوله، علما بان هناك من يشكك بنسبة كتاب تصحيح الاعتقاد الى الشيخ المفيد، فيرد على سماحة السيد ما يرد على المعتمدين على كتاب سليم، فيقال له عليك ان تثبت نسبة كتاب تصحيح الاعتقاد الى الشيخ المفيد قبل ان تستند اليه في شيء. 
ثم ان سماحة السيد تعرض لمدى اعتبار كتاب سليم وصحته، تفصيلا، في الحلقة التاسعة من أحاديثه، ولذا فاننا سوف نتناول هذه النقطة هناك بتفصيل أكثر، إن شاء الله تعالى.
أما عن توجيه كلامه الى الخطباء واصحاب المنابر، فهو خروج عن الموضوع، لأن الموضوع يدور حول منهج الفقهاء والمراجع في التعاطي مع الموروث الروائي، فما علاقة المنبريين بذلك؟  
ولذا فانني لا أرى ما يدعو سماحته الى الاكثار من خطابهم في أحايثه، الا إذا كان يريد ان يطعن بمنهج العلماء من خلال ذلك، فيوحي للمتلقي، بان ما يفعله الخطباء والمنبريون وأصحاب المواكب، وغيرهم من غير المجتهدين، هو بعض ثمار  وتطبيقات ونتائج منهج العلماء في التعاطي مع الموروث الروائي، وأن منهجه المقترح سوف يقطع دابر هذه الظاهرة !!!
وهو كلام مؤثر جدا على عموم الناس وعواطفهم، ولكنه دون أي وزن علمي!!! فهل ان هذا أحد أهداف حديث سماحته؟!
adnan5851@yahoo.com 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان عبد الله عدنان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/10/16



كتابة تعليق لموضوع : مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ" من اسلام الحديث الى اسلام القرآن "ـ الحلقة السابعة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net