صفحة الكاتب : عبد الصاحب الناصر

طائر السمّان ومواسم الغربان
عبد الصاحب الناصر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تصور البعض ان تصريح دولة  رئيس وزراء العراق السيد نوري كامل المالكي الاخير جاء قبل موعده كبدء حملة مبكرة في حملة  الدعايات الانتخابية. وهذا كلام غير دقيق اذا توخينا الدقة والحقيقة و الاعتراف بها ، اي بكل الحقيقة ، لان حملة التسقيط و التحضير للإنتخابات قد بدأت بالرجل قبل غيره و منذ اربع سنوات. و كان اللاعبون، كبارا و صغارا، ومن مختلف الجهات السياسية يهيئون لهذا اليوم منذ فشلهم بإقصاء الرجل أو سحب الثقة عنه، بدءً من منابر قلاع دوكان الى قلعة اربيل، ثم الى مدينة النجف الاشرف، و الجهود مستمرة، والأجر على قدر المشقة!! الى يومنا هذا. و كان من اكبر قادتها الدون علاوي وكيلا و ممثلا للدكتور كيخوته بسيوفهم الخشبية و تنقلاتهم بين كل الطواحين الهوائية  من مدينة الصدر الى عين بابا  كركر في كركوك. و لكن هذه هي الحياة الديمقراطية بحسناتها و مساوئها، نقبلها كلها لأن العالم الحر غير المعقد لم يتوصل بعد الى اسلوب يحقق للشعوب مطالبها و يعبر عن اختياراتها غير الاسلوب الديمقراطي أو كما يحلو للبعض تسميتها باللعبة الديمقراطية، إذا  لنلعبها  كما يحلو للبعض.
احب اولا، أن ابسط الامور و ابدأ بما صرح به السيد المالكي. و لفصاحة الرجل وصراحته ذكر كل الحقيقة في هذه الجملة، سأفصلها للذين غابت عنهم،  او سيغيبوها عمداً كعادتهم، و اعتذر في نفس الوقت للأساتذة الواعين و المتعلمين الكرام كونهم ليسوا في خانة من اقصدهم.
صرح الرجل بهذه الجملة التي شلت فخري كريم و كل جلاوزته و طباليه بتركيز حملتهم  في الآونة الاخيرة .
قال المالكي: «إذا أراد الشعب وحققنا الكتلة النيابية الأكبر كدولة قانون داخل التحالف الوطني فسوف أرشح نفسي لولاية ثالثة»
اولا، مقطع (إذا أراد الشعب). هل من يعترض على ارادة الشعوب في اختيار من ترغب به؟ 
ثانيا، مقطع (وحققنا الكتلة النيابية الأكبر كدولة قانون). وهذا تأكيد على التأكيد. اي في حالة فوزهم  كالكتلة النيابية الاكبر. أي مرة أخرى، يؤكد الرجل على شرط اختيار الشعب لهذه الكتلة. إذنْ، لا يوجد اعتراض منطقي ضد هذه الحالة.
ثالثا، مقطع ( كدولة قانون داخل التحالف الوطني). و هذه الجملة تحمل من المعاني الديمقراطية افصحها و احسنها، أي الاعتراف بحق  كتلته ضمن التحالف الوطني اذا جاء كأكبر التحالفات، اي سيكون ترشيحه ضمن التحالف وفقط في حالة كون كتلته دولة القانون اكبر الكتل في هذا التحالف.  ومن المعاني المستترة و بخشوع مهيب هو ان الرجل  سيرشح اولاً مع المرشحين الآخرين ضمن ائتلاف التحالف الوطني و سينجح اذا اختاره كل التحالف الوطني بأسلوب ديمقراطي مفتوح الخيارات. ألي هذا إقرار بحكم الاكثرية ضمن التحالف فيما قاله الرجل؟ ثم ألا يعني أن الرجل مازال ملتزماً بوحدة هذا التحالف؟
رابعا، مقطع (فسوف أرشح نفسي لولاية ثالثة). اي ان الرجل لم يقل سارشح نفسي لرئاسة الوزراء في مجلس النواب بل قال سأرشح نفسي ضمن التحالف الوطني  الذي لو فاز و رشحته كتلة "دولة القانون"  عندها سيرشحه نفسه لهذا المنصب مع بقية المرشحين داخل التحالف الوطني، وان فاز ورشحوه فهنا سيقبل بالترشيح كممثل للتحالف الوطني في مجلس النواب. هذا كل ما قاله الرجل بكل وضوح لا يقبل أي تأويل. فبماذا إذاً تطالبون الرجل بأكثر من هذا ليحصل عليه ليرشح نفسه لمنصب رئيس وزراء العراق في البرلمان العراقي الجديد؟ 
لا اعرف اي اسلوب اكثر صراحة واعترافا والتزاما بالديمقراطية مما تفضل به دولة رئيس الوزراء؟ 
الا اذا قد عقد بعض الناس العزم مسبقا لوضع كل العقبات اللاديمقراطية أمام الرجل. و هذا اسلوب غير ديمقراطي، فلماذا إذنْ يتمنطقون بالديمقراطية، وهم من أشد معارضي الديمقراطية؟
هذه الجملة «إذا أراد الشعب وحققنا الكتلة النيابية الأكبر كدولة قانون داخل التحالف الوطني فسوف أرشح نفسي لولاية ثالثة» على قصرها تحمل تفكيرا مكثفاً وعميقا  وايماناً راسخاً بالديمقراطية لا معظم خصومه من سياسي العراق و من يسعي  لهذا المنصب من منافسيه منذ بداية الدورة النيابية  الحالية وحتى من كتلة التحالف الوطني. و لن اهتم بمن سيتمنطق أو من سيغني خارج اسراب النسور او الصقور كما في اعلاه إن لم يأتي باسباب حقيقة و ديمقراطية يعترض بها ليثبت تهمته بالدكتاتورية. الم ينتخب الشعب الكردي الاستاذ مسعود رئيسا للإقليم للمرة الثالثة؟ 
طيب، سأستشهد و اكرر بعض الاعتراضات والتصريحات السياسية القديمة عن التجربة الديمقراطية و عن الخوف من الدكتاتورية كما يحلو للكثيرين ترديده، مثلا قالوا وسيقولون: وماذا يعرف الشعب العراقي عن الديمقراطية وحرية الانتخاب لنعتمد على اصواتهم؟ او حينما يقولون: ان الشعب العراقي  سيصوت من منطلق طائفي. أو ان الشعب العراقي سيصوت بدون وعي حقيقي لمن سينتخب... إلى آخر هذه الخزعبلات و الادعاءات المضادة للدينقراطية. و اقول للسادة اصحاب هذه ( الحجج!)، هل هذه هي الديمقراطية التي تطالبون بها؟ ألا يعني أنكم وضعتم أنفسكم في موقع تنتقصون من إمكانية الشعب حق اختيار حكامه؟ ألا يعني هذا أنكم تعرفون مسبقاً أنكم مرفوضون من الشعب ولذلك تنتقصون من قدراته في حق الاختيار؟ وفي هذه الحالة، ماذا نصنع بالشعب العراقي إذنْ؟ هل ننقله ليصطاف في سويسرا في فترة الانتخابات و نأتي بالشعب السويسري لينتخب بالنيابة عنه؟ ثم من خولكم بعدم احترام خيار الشعب إن  كنتك حقا مؤمنين بالأسلوب الديمقراطي الذي يعتمد على الانتخاب كتعبير عن ارادة  الناس في حق الاختيار؟ او اليس هذا هو فرض ارادتنا على الشعب وتغييب حقة  في الاختيار بحجة عدم اكتمال وعيه؟  ومن نحن لنتكلم نيابة عن الشعب في هذا الموضوع مع منعه في حق الاخيار؟ ما فرقكم في هذه الحالة عن صدام حسين في فرض إرادته على الشعب بالقوة؟ من منحنا الحق لنقرر نيابة عن الشعب و نتصرف به و كأن الشعب نوع من طيور السمان؟ أنكم في هذه الحلة سلبتم أهم شرط من شروط الديمقراطية. وهذا ما سعى إليه أياد علاوي يوم خطط مع آخرين لتشكيل (المجلس السياسي الأعلى) برئاسته تكون كلمته فوق تصويت البرلمان المنتخب من الشعب، وهذا يعني إلاء الديمقراطية. 
 
لا تهمني بعد اليوم الانتقادات اذا لم تكن واقعية ومصحوبة بمقترحات واقعية قابلة للتطبيق ومنسجمة مع الديمقراطية والدستور. كلنا يعرف ان ينتقد ( و بس( ولكن من الصعوبة اثبات إن كنا محقين ام لا  في انتقاداتنا. و في  ضجيج الاعلام المضلل، هل من الحكمة الإصغاء لأشخاص كل همهم التخريب من أمثال: فخري كريم و كاظم حبيب او عدنان حسين ومن لف لفهم من جوقة التخريب؟ لكنني أحترم من ينتقد بناءً ويقدم المقترحات او البدائل الممكنة الأفضل لأنها محاولة تستحق الاحترام. اما النقد من اجل النقد والتضليل وبدون اي مقترحات فهو على اقل تقدير سعي مبرمج لإحباط ارادة الشعب في اصعب ظروفه. و من يقوم بهذا العمل  في فترة الانتخابات انما يضر الشعب ويخذله في اهم ايام مسيرته، وعندما يتصور البعض ان من حقه تسيير الناس حسبما يشتهي انما هذه هي الدكتاتورية بأبشع صورها و ليس الاعتراض على انتخاب الشعب لشخص ضمن الدستور. 
 
و للمقارنة بما يقوم به السيد المالكي مع كل الانتقادات و مقارنته بما لم يقم به الدون علاوي مثلا وهو الذي لم يحضر جلسات مجلس النواب لأكثر من ثلاث جلسات فقط خلال ثلاثة سنوات ونصف والذي يصرف جل اوقاته خارج العراق بمعدل يوم واحد في العراق و خمسة ايام في الخارج، ناهيك عن عدم حضوره جلسات المجلس حتى عند تواجده في العراق، وفي هذه الحالة، كيف لي ان لا انظر للسيد المالكي كرجل يعمل من اجل العراق و انكره  لمجرد مخاوف وهمية من أن في طريقه إلى الدكتاتورية وهم يرددون بأي دليل: " يابه شدوختنه بالمالكي يعني ماكو غيره؟". و لا أريد الدخول معهم في نقاش بيزنطي لتمويه الحديث او لتغير اتجاه الموضوع كما يرغبون، بل اقول لهم و بكل هدوء وكما اكتب دائما: آتونا بما عندكم احسن منه و سننتخبه؟ و ان كان هذا الكلام ظلما بحق الرجل. لكن في الحقيقة ليس لديهم الأفضل إلا اذا جاؤوا بشخص محنط بالشمع من متحف مدام توسوو في لندن.
و لماذا استعملت (طائر السمان) في عنوان مقالتي هذه؟ قمت في سنة 1988 بتصميم مزرعة كبيرة متنوعة الانتاج في المملكة السعودية، و كان جزء من هذا المشروع مزرعة متخصصة  لتربية هذا الطائر الجميل، لم تكن عندي معلومات كافية وكالعادة استعنت بخبير في هذا المجال، وتعلمت منه شيئاً عن اسباب تربية هذا الطائر الجميل، و عرفت انه بالأساس من اجل تغذية الصقور المعروفة في الخليج العربي اولا و من اجل البيض كونه لا يحمل اي ضرر للسمنة لمن عندهم  نسبة كولسترول عالية.  يقوم مربي الصقور و بالاخص الصقور حديثي التفقيس منها لتغذيتها وذلك بربط طائر السمان بخيط او حبل و اطلاقه  ليطير في دائرة الى ان  تلتقطه الصقور.  اي عندما يتنمر القوى الظالم  على رؤس الصغار الضعفاء. و هذا ما يقوم به بعض السياسيين و الكتاب بالقطعة او بالانج المربع لحساب الاجور عندما يستغلون بساطة الناس فيتكلمون عن الديمقراطية و حرية الاختيار و هكذا. كالمثل الذي ذكرته في المقال السابق و الذي تقترح فيه سيدة نائب عن العراقية بطرد اي نائب من مجلس النواب(المنتخب  من الناس) عندما يختلف او يقرر الانفصال عن كتلته لقناعة معينة. أي أن هذه النائب  تقترح بشل الممارسة  الديمقراطية و كأن الكتل واعضاء مجلس النواب يغذون  الصقور الجارحة بدماء الابرياء. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الصاحب الناصر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/10/14



كتابة تعليق لموضوع : طائر السمّان ومواسم الغربان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net