صفحة الكاتب : مصطفى منيغ

الذاكرة أقوى من المذكرة
مصطفى منيغ
نحن ماذا وماذا نحن 10 – من 10
الإطلالة على الماضي من شرفة الحاضر ، إعلان عن تصادم الذاكرة بالذكريات خطير ، سببه قلم بين أنامل كاتب نزيه يسارع إفراغ حبره عن الأولى مادامت الرؤى واضحة تحث على تحليل ما جرى انطلاقا من مخزون الثانية  الكبير ، يغريه التزحلق على ما تبقى من بياض أوراق تمتص من مروره البطيء أو السريع ما ينأى بها عن التمزق أو التبدد المرير ، المبعد التاريخ عن وقائع جولة حق مقامة ردا على جانب كلما احترمناه كجار زاد في تعامله معنا بأسلوب تحقير ، كأن ميدان استرجاع ما يخصنا شرعا وقانونا  ولجناه خيفة وتحت جناحي الظلام وليس تكبيرا يشق عنان الفضاء في عرس مَسِيرِ كل ما فيه أخضر ، على الصمود أقدر، النسوة زغردن فرحا له والرجال رجل واحد اقسم على تحرير جنوب وطنه لن يتراجع عن ذلك أو يتقهقر .
 
كنتُ في الجزائر العاصمة اشتغل منتجا بالإذاعة والتلفزة الجزائرية (21 شارع الشهداء) باجرة محددة في أربعين دينار للدقيقة مسجلة واحدة (في مرحلة كان الدينار يقارب قيمة الدرهم المصرفية) هذا يعني أنني مقيم متمكن من العيش الرغيد، والاطمئنان الأكيد، واستعداد الفكر على إبداع متجدد ، يُُقابَلُ باستحسان الرسميين الجزائريين كعامة الجمهور الجزائري المجاهد. وسط إخوة وأخوات وحَّدهم حب المغرب واحترام اختياراته ، الشيء الذي حمسني لتأليف مسلسلات ثلاث ( الشيطان – الحقيبة السوداء – السنبلة الحمراء) لقت نجاحا فاق تصوراتي في الأقصى وأدخلني مكانة المقبولة إنتاجهم دون تقييم أو مراجعة لجنة الترخيص وكان فيها الشيخ الدحاوي اللغوي المتمكن من اللغة العربية تمكن سيبويه نفسه الذي جمعتني وإياه ساعات من النقاش الرفيع المستوى الواسع الآفاق بفحواه المنعش للفكر وبدرره العلمية مغذي . أحيانا اقضي بعض الوقت مع أدباء أجلاء مستمعا لأحاديثهم الشيقة البعيدة ما تكون علن السياسة ، بخاصة تلك المرتبطة بين ذاع صيتهم عبر العالم الغربي وشرفوا الجزائر بالمكانة التي وصلوها معتمدين على أنفسهم اعتمادا كليا ومنهم الكاتب الشهير كاتب ياسين مؤلف العديد من الروايات والمسرحيات ذات المستوي العالمي الذي اعترفت به فرنسا اعترافا تاريخيا أسال العديد من الحبر لدى فرنسيين من جل المنابر الإعلامية الكبرى كالصغرى تماما عن إتقانه لغة موليير وجان حاك روسو وفيكتور هيجو وجورج صاند وغيرهم اتقانا لم يرقى إليه سوى نفر قليل من أجانب عن فرنسا جذورا وجنسية ، وكنت مدفوعا بإحساس غريب يدفعني لاقتناء كتب من تأليف هؤلاء لازداد اقتناعا بقراءتها أن للجزائر أبناء يخدمونها في مجالات ظلت مغيبة عنا نحن جيرانها كالأدب عموما بأصنافه المتعددة ، وخاصة المسرح الذي اكتشفت صراحة أن مسرحيات كاتب ياسين تقارب  ما كتبه وليام شكسبير من حيث جودة الكتابة وتوظيف الأفكار لإبراز مكامن الخير والشر بتعبير يجعل الممثل الممزوجة حركته أداة لتبليغها كهدف يساعد في توعية الناس على فهم الحياة بكواليسها قبل واجهاتها الظاهرة كشاهد على الواقع المعاش زمنا ومكانا حسب الموضوعات المضبوطة القائم على معالجة أحداثها المسرح بكل مكوناته البشرية والمادية المستغل حتى جمادها اجتهادا في الإخراج رغم ضيق مساحة الخشبة ، لقد تعمقت في استقراء مسرحيات هذا الكاتب العبقري ومنها " محمد خذ حقيبتك " المترجمة حاليا لعدة لغات ، ولم أفهم سر اهتمامي بالرجل إلا ساعة التقائي به تلك الأمسية الرائعة حيث جاء باحثا عني في اذاعة شارع لا روش التي كان مسؤولا عن قسم التمثيل فيها صديقي العزيز المحترم " احمد بولعواد" وكنت لحظتها في نقاش مع الأستاذ الكيتاري التونسي الجنسية  المكلف من طرف الإدارة رسميا بإخراج  مسلسل "الحقيقة" بعد النجاح المنقطع النظير الذي حظي به مسلسل "الشيطان" ، الذي جمعني والرئيس هواري بومدين في موقف لا زال مضمونه منبع فخر لي سأتناول الحديث عنه بالمزيد من التركيز لاحقا ، طبعا الأخ الكيتاري معروف بإتقان عمله لدرجة إثبات نفسه نجما في فن الإخراج داخل تلك المؤسسة الضخمة التي اعتمد عليها الرئيس المذكور في تبليغ عمق ثوراته الثلاث ، الثقافية والاقتصادية والفلاحة ، ولطالما تتبعت نقاشات مرطونية تجمع الإبراهيمي وزير الإعلام السابق وعبد الرحمان شريط المدير العام للإذاعة والتلفزة الجزائرية سابقا وبعض الشخصيات المهنية ذات الارتباط بالحقل الأمني  للخروج بتقنية إعلامية توضح المراد توضيحه وتوصل الأفكار لعقول تترسخ فيها دون حدوث ما يجعلها تفر منها أو يعتريها جمود أو انزواء أو عياء . تركت كل ذلك ورافقت "كاتب ياسين" إلى حيث يريد وما هي إلا ساعة وسيارته "بيجو" الفرنسية الصنع قديمة حتى وقفا ليدعوني للدخول إلى بيته الذي وجدته خاليا من أي مظهر للرخاء أو الثراء بل عاديا وأقل من العادي يناسب شكل ملبسه الغالبة عليه لمسة هندام رفاق الحزب الشيوعي الماواوي(مثله تماما) المتعصب لمحاربة الامبريالية مهما كان شكلها ، وهناك ونحن نتذوق ما بقي له من مسحوق بن محمص في الديار الفرنسية محضر مشروبه بالطريقة الجزائرية المميزة فاجأت كاتب ياسين بسؤاله عن الدافع أو السبب الذي جعله يبحث عني بالاسم في تلك المؤسس ، نظر إلي وابتسامة خفيفة معروف بها لا تفارق شفتيه وقال:
 
- دون شك سمعت بالمسيرة الخضراء التي يريد بها الحسن الثاني الاستيلاء على الصحراء الغربية ، والتحركات الملازمة لذاك العمل الغير مقبول وعلى جميع الجبهات ومنها الأخطر ، الجبهة الإعلامية . اختصارا أريدك معي في المشروع الذي حملني اياه الرفيق "المعزوزي" وزير العمل المكلف بدوره من طرف الرئيس بومدين . لقد استمعت كغيري لجزء من مسلسلك"الشيطان"وسألت إن كنت حقيقة أنت الكاتب أم غيرك ، وجاء من خبَّرني حتى بالمدة التي استغرقتها في تحضيره ليصبح جاهزا للبث ، وكذا الكيفية التي أردت أن يشتغل بها المخرج بحرص يقيم للجزيات حسابا يزكي نجاح العمل ككل . طريقتك في التعامل شدت من اثق فيهم إلى التفكير في الاستفادة من مميزاتك بل استغلالها فيما نحن "دولة الجزائر" عازمون القيام به من مسيرة إعلامية فنية ضخمة موجهة إلى الرأي العام الجزائري ثم الصحراوي ثم العربي فالدولي . لن أختلف معك عن التعويض المالي ، ولا عن الشروط التي قد تضعها للشروع في العمل معنا . المعذرة أستاذ مصطفى منيغ إن أطلت في حديثي إليك ، ولولا أهمية الموضوع لاقتصرت على جملتين ، أهلا بك في الجزائر بلدك  ، ومبروك عليك نجاح مسلسل " الشيطان" . قبل أن أجيب كاتب ياسين ، تمعنت فيه جيدا لاحتفظ بأدق قسمات وجهه فقد احتاج لرسمها بالكلمات الدالة على شخصية هذا الرجل الذي لم أقابل في حياتي من يكره المغرب مثله. لم يدم ما خطر ببالي غير دقائق نزلت فيها إلى تلك الآونة بعد تحليق مع قدرة الاختيار الصعب الشديد الحساسية فالرجل له أتباع من رئاسة الحكومة وكلمة نافذة وطموح ليظهر بمظهر الزعيم المساهم في نظام هواري بومدين المخطط لإفشال مسيرة خضراء رغب المغرب بها استرجاع أقاليمه الجنوبية الصحراوية دون إراقة دماء .
 
 ردي فاجأ كاتب ياسين وخرج من اللقاء مشدوها فاقدا لشيء اسمه الاحتياط واجب ، جعلته يحس أنني ربما قبلت بما عرضه علي إن اطلعت على العمل كمشروع وكنت طرفا أساسيا في تنفيذه خطوة خطوة رفقة المسؤولين الرسميين عليه . طبعا وافق وبذلك حكم على نفسه بانقلاب السحر على الساحر وبدموع الهواري بومدين تنهمر من عينين  اشتاقتا لها لصلابة جأش الرجل والتحكم في مشاعره لدرجة أبهرت من حوله .
 
أردت أن اختم هذا المقال وبهذا الشكل وعلى هذا المستوى القابل للاسترسال لو أردت ، لأصل إلى كلمة أوجهها لبعض المسؤولين المتمادين في عدم الإصغاء الجيد لمن ضحوا أكثر منهم بمراحل وشرفوا الشعب المغربي العظيم بما أظهروه من حكمة وبراعة دفاعا عن الكرامة والوحدة الترابية ، وأتحدي إن كانت الدولة  (وهم الأقرب إليها تدبيرا ونفوذا) قد منحتني أي شيء ، بالمقابل أترفع عن نشر وثيقة رسمية صادرة عن هذه الدولة تشهد للمسمى مصطفى منيغ أنه قدَّمَ خدمات حيوية لقضية الصحراء المسترجعة .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى منيغ
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/22



كتابة تعليق لموضوع : الذاكرة أقوى من المذكرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net