صفحة الكاتب : د . حامد العطية

ساسة العراق بين اليمين الدستورية بالله وتوقيع ميثاق الشرف
د . حامد العطية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

     غداً أي يوم الخميس الموافق التاسع عشر من أيلول 2013م سينعقد بدعوة من السلطة الحاكمة في العراق اجتماع للتوقيع على ميثاق شرف، يشارك فيه مئات من الشخصيات السياسية والوطنية، ويتضمن الميثاق عدداً من البنود، من أهمها حرمة الدم العراقي والحفاظ على الهوية الوطنية ونبذ الارهاب والتطرف وحماية النسيج الوطني واعتماد مبدأ الحوار في حل المشكلات السياسية.

   كل العراقيين مؤيدون للميثاق، ولكن بعض الساسة رفضوا التوقيع عليه سلفاً، لأنه مكرر ولا جديد فيه، كما يقولون، وهم جميعاً دونوا اسمائهم وتواقيعهم على مواثيق مشابهة في الماضي ولم يلتزموا بمضمونها.

    الغريب أن أحداً من الساسة لم يتذكر ويذكر زملاءه بأنهم تعهدوا بالعمل بكافة بنود الميثاق من قبل، لا لأنهم وقعوا مواثيق سابقة، بل لأن معظمهم أعضاء في البرلمان العراقي ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، وهم جميعاً وقفوا أمام من هو أعظم وأخطر من الشعب العراقي بل من الكون كله، وهو الله رب العالمين، ورددوا يميناً غليظة وفقاً للمادة الخمسين من الدستور العراقي التي تنص على ما يلي: 

    يؤدي عضو مجلس النواب اليمين الدستورية امام المجلس، قبل ان يباشر عمله، بالصيغة الآتية:

 (اُقسم بالله العلي العظيم، أن اؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ واخلاص، وان احافظ على استقلال العراق وسيادته، وارعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وان أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بامانةٍ وحياد، والله على ما اقول شهيد).

 

     كل ما سيرد في الميثاق مشمول صراحة أو ضمنياً في اليمين الدستورية، وكافة أو معظم الموقعين على الميثاق المقترح أقسموا بالله العلي العظيم وأشهدوه على الوفاء بتنفيذه.

   عندما يوقع أعضاء مجلس النواب والحكومة على ميثاق الشرف سيكون ذلك إقراراً ضمنياً منهم بأنهم حنثوا بيمينهم الدستوري، كما أنهم بذلك يبرهنون لنا بأن اليمين بالله بالنسبة لهم مجرد روتين أجوف، ويؤكدون للملأ بأن القسم بالشرف في اعتقادهم أعظم وأخطر وأدعى للتنفيذ من اليمين بالله العلي العظيم، وهي كلها آثام عظيمة.

    إذا كانت أقل التبعات المترتبة على الحنث باليمين الدستورية هي الاستقالة أو الإقالة فما هو عقاب وكفارة الحنث باليمين في القانون والشرع؟ في قانون العقوبات العراقي الحنث باليمين جريمة يعاقب عليها مرتكبها بالحبس (المادة 258) وهي في شرع الله من المعاصي المنهي عنها، والتي يؤاخذ الله بها مقترفها، كما ورد في قوله تعالى: 

 

 (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[المائدة:89 ]

 

     الكفارة كما تبين الآية الكريمة العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين، فإن لم يقدر على واحدة منها فالصوم ثلاثة أيام.

    لكن النائب في البرلمان العراقي يمثل كل ناخبيه على الأقل، فهل يشتركون هؤلاء معه في الكفارة لأنهم أساؤوا الاختيار؟ أم أن عليه أن يكفر عنهم أيضاً؟ أسئلة تحتاج إلى إجابات شرعية، فلو تبين بأنه يتحمل مسؤولية الكفارة عن ناخبيه فسيكون على النائب الذي حصل على نصف مليون صوت كفارة حنث باليمين مضروبة بعدد الأصوات، أي عتق نصف مليون مسترق أو اطعام أو كسوة خمسة ملايين مسكين أو صوم مليون ونصف يوم، أتمنى من كل قلبي أن يحكم الشرع بذلك ليذوق ساسة العراق وبال استهتارهم بالقسم بالله واستخفافهم بالدستور وتهاونهم في أداء مسؤولياتهم أمام ناخبيهم والشعب العراقي المبتلى بهم.

18 أيلول 2013م

(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والاصلاح، ووسيلة كبرى وهي التعلم)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حامد العطية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/20



كتابة تعليق لموضوع : ساسة العراق بين اليمين الدستورية بالله وتوقيع ميثاق الشرف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net