صفحة الكاتب : وجيه عباس

ويسألونك عن الكَسْرَة
وجيه عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

(الى ابن عمي الشهيد مرتضى الحسيني)

------------------------------------

جميع الحضارات التي عرفتها البشرية تشكلت قرب الماء،سوى العراق الذي أسس مملكة الحزن قربه،لاعلاقة للعراقي بالبحر،لهذا حين يرى البحر يتصوره الموت،وحين يبصر السفينة يراها قبرا يسير بأهله،لهذا اختصر العراق سيرته على الماء بعينين تجريان نهرين من دموع:دجلة والفرات،وربما كان هذا السبب الوحيد لديمقراطية مابعد 2003 ان يكون العراق اكبر مستورد لقناني ماء الشرب في العالم برغم وجود نهرين عظيمين لايملكان سوى مزج ملح دموع العراقيين بالماء او حمل الجثث الملقاة فيهما لتكون طعاما لأسماك الله الحسنى التي حرّم بعض الفقهاء اكلها خلال اعوام الديمقراطية الكَشرة!!.

اتساءل:لماذا حين يلتوي دجلة من الجوف وينحني على بطنه من الوجع يسمون القرية التي يمر فيها بالـ(عوجه)!!،وحين يخرج دجلة من قصر ابن(العوجة) في الأعظمية ينكسر ظهره فيسمون القرية التي يمر فيها بالـ(كَسْرَه)!!،بينما يبقى القصر أشبه بغراب ابقع مثل شاهدة قبر أعمى!.

الـ(كَسْرَةُ) مجرورةٌ بالحزن ومكسورة بفتحة بين ارجل كل كلمة تأتي بعد حرف جر حكومي او ميليشياوي وتتعداه بكسر المضاف اليه من باقي المناطق التي شاء قدرها أن تمر بهذه الكسرة ذات قدر مكتوب،لهذا حين تنكسر الأنهار لاتمنح الناس سوى ذائقة الغرق وأسماء حركات الإعْراب،وللأَعْراب حركات سرية لايمكن أن يصحبها سوى الموتى،العرب أعداء الحياة حين يعودون الى الجاهلية التي أخرجهم منها محمد الغريب ص واله وعادوا اليها بفتاوى محمد بن عبد الوهاب!!.

الأنهار العظيمة تورّث الخير،بينما دجلة لم يورّث المنطقة المحصورة بين الأعظمية والوزيرية سوى لعنة المكان،الجغرافيا تصنع الديكتاتوريات كما يصنعها الزمن الرديء،كيف يمكن لفقراء الجنوب أن يتقربوا من قلب بغداد الذي سيقف فوقه ذات زمن مرٍّ قصر رئاسي يذكّر الجنوبيين انهم لايرثون سوى كَسرة الظهر...وكِسْرَة الخبز وكِسرة الحزن،بينما يرث الآخرون قساوة القلب الذي لاتكفيه كل انهار الدنيا ليروّي ظمأه الى الدم!.

روحي الغريبة التي وجدتني ذات ليلة في ستينيات القرن الماضي في بيت على مشارف دجلة في الكَسْرة هي التي أورثتني هذا الحزن الذي أوصلني حد اللامبالاة فأصبحت ابصر كل شيء مقلوبا ابتداءً من العَالَم...وحتى المرأة،لهذا وجدت السخرية طريقها الى روحي،ويوم هجرت الكَسْرة تعرفت على انواع اخرى من الفقر العراقي والحزن العراقي،فآثرت أن أخرج على الناس حاملا...قلمي الساخر.. والساخط ...والساخن مثل قلبي.

الحزين قريب من الله،وأنا على يقين أن الله سيحاسب الجنوبيين حسابا يسيرا لانهم محزونون على طول الخط،ربما وجدوا في كربلاء الحسين ع سببا حقيقيا لبكائهم الذي لاينتهي مثل عويل إمرأة ثكلى،الجنوبيون حينما يفرحون يبكون،وحينما يحزنون يبكون...حتى حينما يتعرون مع نسائهم يبكون حتى كأن الله خلق الجنوبات كلها من التراب والدمع لهذا تجدها منبسطة ومتواضعة مثل فقرهم الذي صبغ وجههم بالحزن واصواتهم بحشرجات الناي.

ليلة الخميس التي مرت على الكَسْرة لاتشبه أخواتها من الليالي،الجامع القديم الذي كان يصلي فيه السيد المرحوم المجتهد علي الحيدري النقي كان على موعد مع بهيمتين يريدان الدخول ليتوضأوا بدم المصلّين في صلاتهم الشيطانية مثل ذاكرتي التي لاتريد أن تنطفيء مثل ذكرى حزينة،كنت طفلا صغيرا واتذكر انني في الرابعة من عمري قبّلت يد السيد علي الحيدري حين خرج لأبي الذي طرق عليه بيته في الكسرة،مازلت اذكر يده اليمنى التي يتوزع عليه النمش وهي بيضاء بضّة مثل مخدة ريش،لكن البهيمتان اللتان شاركتا دجلة في الكَسْرة الأخيرة للفقراء هناك لم يكونا يحملان سوى صدور عامرة بالمتفجرات ليرسلوا أكبر عدد منهم الى مقبرة النجف حيث يرقد المولى علي بن ابي طالب ع منتظرا ضحايا محبته التي وزّعت الموت بين عاشقيه ومحبيه ومريديه،دخل احدهم وهو يحمل سلاحا كاتما للموت فقتل جميع افراد الشرطة الذين يحمون بيت الله لانهم متجمعون في نفس المكان ولاوجود لباب منفرد يشبه الاستعلامات الموجودة في جوامع الاخرين!!،وكأن بيوت الله ستصبح المكان الاثير للمفخخين ليدخلوها مع بضاعة الشيطان الأخيرة،صادف احد المصلين هذا المفخخ فضربه ضربة افقدته وعيه داخل المسجد،وحين خرج المصلون من الجامع كان مرتضى كاظم الحسيني،ابن عمي الشاب الجميل الذي ترك خلفة ستة ايتام خلفه حين خرج من باب الجامع ليحتضن المفخخ الثاني الذي اراد ان يفجر الخارجين،شهود قالوا انه امسك المفخخ واحتضنه بيديه،الا ان البهيمة اصرت على هدية الكَسرة الأخيرة فانفجرت عبوته بوجه مرتضى فمات مع غيره.

الكَسْرة التي لعب فيها مرتضى منذ نعومة اقدامه جاءت به الى بيت الله لتحرقه بالكامل،قيل لي انهم وجدوا صعوبة في ادخال يده اليمنى الى التابوت وكأنها لاتريد وداع الكَسْرة التي ترك فيها دجلة يمر مكسورا قرب بيته القديم وكأنه خجلان مما كسبت يداه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


وجيه عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/19



كتابة تعليق لموضوع : ويسألونك عن الكَسْرَة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net