صفحة الكاتب : د . مظفر الشريفي

قراءة نقدية لبعض أفكار السيد كمال الحيدري عن المرجعية
د . مظفر الشريفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم

 تبنى السيد كمال منهجاً في الاستدلال بالروايات سماه المنهج المضموني أو منهج تجميع القرائن، فقد قال: {يوجد منهجان في قبول الرواية -بحثي في الفروع في الفقه الأصغر لا في الفقه الأكبر- (1) أعزائي يوجد منهجان في هذا المجال:
المنهج الأول: وهو المنهج السندي بمعنى أنّ الرواية إذا كانت صحيحة يعمل بها, وإذا لم تكن صحيحة فلا قيمة لها. هذا هو المنهج الأول.
المنهج الثاني: وهو الذي اصطلحت عليه بالمنهج المضموني أو بعبارة أدق بمنهج جمع القرائن, يعني أننا نحاول أن نجمع مجموعة القرائن المحيطة بتلك المسألة خصوصاً في مثل هذه المسائل مثل الخمس مثلاً, أن نجمع القرائن لنرى إن الرواية هذه صحيحة يعني يمكن أن تكون صادرة أو لا يمكن, طبعاً وصحة السند يعد من القرائن يعني الصحة له قسط من الثمن.. لا أريد أن أنفيها مطلقاً}(2).
    ولو كان منهجه في الدرس علمياً فقط لم يكن من داعٍ للرد، ولكن السلبيات الحافة ببحثه من مبالغات وتشنيعات ونسبة الأقوال غير الصحيحة إلى العلماء وبعض الآراء المفتقرة إلى الدليل هي التي أحوجت لهذا الرد.
 
    وأولها: ما ذكره في الكلام أعلاه، حيث قال إن المنهج السندي له حدان: الرواية الصحيحة، والعمل عليها. والرواية غير الصحيحة، والتي لا قيمة لها عند أصحاب المنهج السندي كما يسميهم. ولا بد أنه يعني بالرواية الصحيحة الرواية المعتبرة السند سواء كانت صحيحة أو حسنة أو موثقة -على الاصطلاح المتداول- وغير الصحيحة يعني بها الضعيفة السند بأنواعها كالمرسلة والموقوفة والضعيفة من حيث وجود المجاهيل والضعاف في سندها. وهنا إهمال لرأي العلماء الذين يُعَوِّلون على السند ويقولون بجبر سند الرواية الضعيفة بعمل المشهور ووهن المعتبرة بإعراض المشهور. كما يوجد خلل في تشخيص رأي عموم أصحاب منهج الاعتماد على السند، فإن الرواية المعتبرة سنداً عندهم إذا خالفت الكتاب الكريم أو السنة الواضحة أو العقل القطعي فلا يُعمل بها، فليس المدار عندهم صحة الرواية وعدمها فقط كما أشار هنا وكما صرّح في درسه بقوله: {ما هو المنهج السندي؟ يعلم الأعزة وقفنا عنده مفصلاً فيما سبق, قلنا: هو الذي يجعل الملاك التام في قبول الرواية وعدم قبولها صحة السند وعدم صحة السند, هذا الذي وقف عنده كثيراً سيدنا الأستاذ السيّد الخوئي قدس سره, وتبعه على ذلك بعض تلامذته كسيدنا الشهيد قدس سره}(3)، ولكن هذه النسبة لهذين العلمين وغيرهما غير صحيحة، فقد قال السيد الخوئي رحمه الله: {مضافا الى انه ورد الأمر من الأئمة عليهم السلام بالرجوع الى الكتاب عند تعارض الخبرين، بل مطلقا}(4)، وقال: {لما دل على طرح الخبر المخالف للكتاب والسنة، والمراد بالسنة كل خبر مقطوع الصدور لا خصوص النبوي كما هو ظاهر}(5)، فالرواية الصحيحة إذا خالفت الكتاب الكريم والسنة المطهرة تُطرح، وليس الملاك التام هو صحة السند وعدمه. 
 
    وثانياً: قال السيد كمال: {المنهج الدلالي يوجد فيه تصريح من أئمة أهل البيت وهي روايات العرض, فإنّ روايات العرض على الكتاب من الواضح أنّها ليست بصدد تصحيح النصوص من خلال المنهج السندي كما سيتضح, وإنما هي بصدد تصحيح النصوص من خلال المنهج الدلالي والمضموني، وهذا بخلافه في المنهج السندي, فإن المنهج السندي لا يوجد فيه تصريح من الأئمة, نعم أن الأعلام ببركة السيرة العقلائية استدلوا على صحة المنهج السندي. وإلا أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) لا يوجد هناك رواياتٌ واضحةٌ تقول بأن الطريق لتصحيح الرواية إنما يمر, نعم توجد روايات ولكن يوجد فيها هذا التصريح الذي يوجد في المنهج الدلالي هذا مختص بهذا المنهج}(6). وقال: {لو كان المراد من الموافقة وعدم المخالفة الموافقة الحرفية التفصيلية للزم إلغاء دور السنة, والتالي باطل لأن السنة لها دورٌ وأن السنة ما هي؟ حجةٌ وأنها مبينة للشريعة كما أن القرآن مبين للشريعة إذن فالمقدم مثله. إذن لا يمكن أن يراد من الموافقة وعدم المخالفة الموافقة ماذا؟ الموافقة التفصيلية وعدم المخالفة التفصيلية}(7)، ثم قال: {ليس العرض بأن نجد موافقاً له تفصيلاً أو أن لا يخالفه تفصيلاً، أن يكون موافقاً مع الروح العامة التي تحكم كل معارف القرآن, وان لا يكون مخالفاً للروح العامة التي تحكم كل معارف الإسلام}.
 
    وهنا عدة نقاط:
1- ذكر أن لا تصريح من الأئمة عليهم السلام حول المنهج السندي، ودليل العلماء هو السيرة العقلائية، ولكن حين نراجع أدلة الحاجة إلى علم الرجال والاعتماد على السند نجد ما أرجعوا دلالته إلى الأئمة عليهم السلام، فقد قال الشيخ جعفر سبحاني أدام الله ظله الوارف : {إنَّ الأخبار العلاجيّة تأمر بالرّجوع إلى صفات الرّاوي، من الأعدليّة والأفقهيّة، حتّى يرتفع التعارض بين الخبرين بترجيح أحدهما على الآخر في ضوء هذه الصفات. ومن المعلوم أنّ إحراز هذه الصفات في الرواة لا يحصل إلا بالمراجعة إلى « علم الرجال »}(8)، وأشار إلى روايات تأمر بترجيح أحد الخبرين على الآخر بصفات الراوي أيضاً، يقف عليها من راجع الباب التاسع من أبواب صفات القاضي من الوسائل (ج 18، كتاب القضاء) كما ذكر. بل قال السيد عبد الأعلى السبزواري رضوان الله عليه: {قد صرّح صاحب الوسائل في خاتمته بتواتر الأخبار في حجية خبر الثقة. وهو حق لأن مَن راجع الباب السابع والثامن والتاسع من كتاب قضاء الوسائل يعلم بتواتر الأخبار إجمالاً، الدالة على اعتباره بطرق مختلفة وأنحاء شتى. فتارة بالإرجاع إلى الرواة والعلماء. وأخرى بإرجاع بعض أصحابهم عليهم السلام إلى بعض آخر منهم. وثالثة: بالإرجاع إلى كتب بني فضال. ورابعة: بالأخذ بما وافق الكتاب. وخامسة: علاج المتعارضين بالأخبار العلاجية. وسادسة: بالترغيب إلى الحديث وضبطه إلى غير ذلك.
    ومن مجموعها يستفاد استفادة قطعية أن اعتبار خبر الموثوق به كان مفروغاً عنه لدى المعصومين عليهم السلام وأنهم يرغّبون الناس عليه ويُقطع برضائهم بذلك، بل يُستفاد منها نهاية اهتمام الأئمة بنشر أحاديثهم بأي وجه اتفق، ومن أي شخص كان بعد ثبوت أصل الوثوق بالصدق}(9)، فما دامت الأخبار متواترة بحجية خبر الواحد كيف يقال أن لا تصريح من الأئمة عليهم السلام حول صحة المنهج السندي القائم على حجية خبر الواحد؟. 
2- إن الاعتماد على السند مستند إلى الأدلة الأربعة أي الكتاب الكريم والسنة الشريفة والعقل والإجماع كما ذكر العلماء، فقد قال السيد الخوئي رضوان الله عليه : {قد ثبت بالأدلة الأربعة حرمة العمل بالظن، وأنه لا يجوز نسبة حكم إلى الله سبحانه ما لم يثبت ذلك بدليل قطعي، أو بما ينتهي إلى الدليل القطعي، وناهيك في ذلك قوله سبحانه: ﴿آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُون﴾(10). دلت الآية المباركة على أن كل ما لم يثبت فيه إذن من الله تعالى، فنسبته إليه افتراء عليه سبحانه، كما ثبت بتلك الأدلة أن الظن بنفسه لا يكون منجزا للواقع، ولا معذرا عن مخالفته في ما نتجز بمنجز، ويكفي في ذلك قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم﴾(11)، وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾(12). وأما الروايات الناهية عن العمل بغير العلم: فهي فوق حد الاحصاء، ففي صحيح أبي بصير: {قال: قلت لأبي عبد الله  عليه السلام: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها؟ فقال: لا، أما أنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله}(13). ثم إنه لا ريب في أن العقل لا طريق له إلى إثبات الأحكام الشرعية لعدم إحاطته بالجهات الواقعية الداعية إلى جعل الأحكام الشرعية. نعم يمكن ذلك في موارد قليلة، وهي إدراك العقل الملازمة بين حكم شرعي وحكم آخر، كإدراكه الملازمة بين النهي عن عبادة: كالصوم يومي العيدين وفساده. وأما الكتاب العزيز: فهو غير متكفل ببيان جميع الأحكام، ولا بخصوصيات ما تكفل ببيانه من العبادات، كالصلاة والصوم والحج والزكاة فلم يتعرض لبيان الأجزاء والشرائط والموانع. وأما الاجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام : فهو نادر الوجود. وأما غير الكاشف عن قوله عليه السلام، فهو لا يكون حجة لأنه غير خارج عن حدود الظن غير المعتبر. والمتحصل: أن استنباط الحكم الشرعي في الغالب لا يكون إلا من الروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم. والاستدلال بها على ثبوت حكم شرعي يتوقف على إثبات أمرين: الأول: إثبات حجية خبر الواحد، فإنا إذا لم نقل بحجيته، إنتهى الأمر إلى الالتزام بانسداد باب العلم والعلمي. ونتيجة ذلك هو التنزل في مرحلة الامتثال إلى الامتثال الظني، أو القول بحجية الظن في هذا الحال، على ما ذهب إليه بعضهم. الثاني: إثبات حجية ظواهر الروايات بالإضافة إلينا أيضا، فإنا إذا قلنا باختصاصها بمن قصد بالإفهام، وإنهم المخاطبون فقط، لم يكن الاستدلال بها على ثبوت حكم من الأحكام أصلا. وهذان الأمران قد أشبعنا الكلام فيهما في مباحثنا الأصولية. ولكن ذكرنا أن كل خبر عن معصوم لا يكون حجة، وإنما الحجة هو خصوص خبر الثقة أو الحسن. ومن الظاهر أن تشخيص ذلك لا يكون إلا بمراجعة علم الرجال ومعرفة أحوالهم وتمييز الثقة والحسن عن الضعيف}(14)، وقال الشيخ السبحاني: {قد ثبت في علم الأُصول حرمة العمل بغير العلم، بالأدلّة الأربعة، وقد خرج عن ذلك الأصل قول الثقة، ومن الواضح انّ إحراز الصغرى ـ أي كون الراوي ثقة أو لا ـ يتوقّف على الرجوع إلى علم الرجال المتكفّل لبيان أحوال الرواة من الوثاقة وغيرها}(15). وبالتالي فالقول بعدم وجود تصريح من الأئمة عليهم السلام حول المنهج السندي يحتاج لتوضيح.
3- يقول إن الأئمة عليهم السلام قد صرحوا بالمنهج الدلالي والمضموني، وعزا هذا إلى روايات العرض على الكتاب الكريم. وهذا متوقف على تمامية دلالة نصوص العرض على المدّعَى، والتي لا بدّ من أن نتماشى معه في الغض عن سندها. وقد فصل السيد الشهيد الصدر قدس الله نفسه الكلام حول هذه الروايات وقسمها إلى ثلاث مجاميع(16):
    المجموعة الأولى: ما ورد بلسان الاستنكار والتحاشي عن صدور ما يخالف الكتاب من المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام، من قبيل ما عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : {ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف}(17). 
    والمجموعة الثانية: ما دل على إناطة العمل بالرواية بأن يكون موافقا مع الكتاب وعليه شاهد منه من قبيل رواية ابن أبي يعفور قال: {سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به قال إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلا فالذي جاءكم به أولى به}(18)، وقال رحمه الله عنها: {ومضمونها نفسه لا يوافق الكتاب الكريم، بل يخالفه بناء على دلالة الكتاب وغيره من الأدلة القطعية على حجية خبر الثقة فيلزم من حجيتها عدم حجيتها}(19). 
    والمجموعة الثالثة: ما دل على نفي الحجية عما يخالف الكتاب الكريم من قبيل ما عن أبي عبد الله  عليه السلام: {الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه}(20).
    ولكن أين الدلالة في هذه الروايات بأصنافها على أن المناط هو المنهج المضموني كما يسميه السيد كمال؟ فهي:
‌أ- لا تنافي أدلة الاعتماد على السند ووثاقة الرواة.
‌ب- إن تم ما يُدّعى فسيمكن حينئذ ترويج روايات الوضّاعين إذا كان ما وضعوه موافقاً للكتاب الكريم، بل قال السيد الشهيد: {إذ الكذب عليهم عليهم السلام عادة لا يكون بما يخالف النصوص القرآنية كما هو واضح}(21).
‌ج- ويمكن أيضاً القول بغير علم أو حجة بسبب الاستناد إلى أشخاص لم تثبت حجية نقلهم بحجة الموافقة للكتاب، وهذا يخالف القرآن الكريم نفسه، فقد قال تعالى ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم﴾ .
‌د- ما مصير الروايات الكثيرة التي لا مسند لها من الكتاب الكريم؟ كيف يمكن إيجاد موافقتها له كتفاصيل أحكام الصلاة وباقي العبادات والمعاملات؟، بل إن الكثير من الأحكام الشرعية لا بيان لها من الكتاب الكريم كما أشار العلماء، ومنهم السيد الخوئي رحمه اللهتعالى بكلامه: {وأما الكتاب العزيز: فهو غير متكفل ببيان جميع الأحكام، ولا بخصوصيات ما تكفل ببيانه من العبادات، كالصلاة والصوم والحج والزكاة فلم يتعرض لبيان الأجزاء والشرائط والموانع}(22). 
ه-  لا بد من وجود أحكام ليست في القرآن الكريم كي تتميز السُّنة (وهذا أشار له السيد كمال أيضاً في كلامه أعلاه)، ومن الواضح أن وظيفة السُّنة ليست بيان وشرح ما موجود في القرآن الكريم فقط وخاصة على القول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد شرّع بعض الأحكام كالركعة الثالثة والرابعة في الصلاة(23). ولكن ما تبناه السيد كمال هو ما أسماه الموافقة مع الروح العامة التي تحكم كل معارف القرآن وعدم المخالفة لها. وسيأتي نقاشه بإذن الله سبحانه. بل إن دلالة أحاديث المجموعة الأولى -على تصنيف السيد الشهيد- لا تشمل ما لم يُذكر في القرآن الكريم مما لا يوافقه كما ذكر في ص254: {ان ظاهر عدم الموافقة عدمها بنحو السالبة بانتفاء المحمول لا السالبة بانتفاء الموضوع التي تحصل بعدم تطرق القرآن للمضمون رأسا}، وشرحه الشيخ باقر الإيرواني أدام الله إفاضاته بقوله: {أي يستفاد منها انّ الخبر إذا كان مضمونه في القرآن الكريم ولم يكن موافقا له فهو زخرف، ولا يستفاد منها انّ الخبر إذا لم يكن موافقا للقرآن الكريم من جهة عدم وجود مضمونه فيه فهو زخرف}(24). 
    إذن لا دلالة في روايات العرض على الاعتماد كلياً على العرض على الكتاب الكريم. بل يلزم الاعتماد على الأسانيد ومتابعة أحوال الرواة كما هو مدلول القرآن الكريم والسنة المطهرة كما مرّ بيانه أعلاه من أقوال الأعلام. ولا يعني هذا ترك أحاديث العرض على الكتاب بل العرض يشمل مورد التعارض وعدمه كما أشار السيد الخوئي في كلامه السابق بقوله: {ورد الأمر من الأئمة عليهم السلام بالرجوع إلى الكتاب عند تعارض الخبرين، بل مطلقا}.
4- لو قيل بأن السيد كمال يقر بأهمية السند ويوافق ما ورد في النقطة السابقة حول تميز السنة المطهرة في إظهار بعض الأحكام، وإن ما تبناه هو الموافقة مع الروح العامة التي تحكم كل معارف القرآن, وعدم المخالفة لها. فيقال حينئذ أن هذا لا يفي بمعرفة جميع الأحكام الشرعية، فهنالك تفاصيل كثيرة لا يمكن معرفتها مما يسميه الروح العامة، وهذا ينطبق على مختلف المعارف الفقهية والعقائدية والتفسيرية والأخلاقية، وإنما تُعرَف من السنة فحسب، وهذا يتطلب معرفة الأسانيد ووثاقة الرواة والاعتماد عليها. وكمثال على هذا فإن من حق الإنسان أن يوصي بمقدار الثلث من أمواله، ويذهب الباقي إلى الورثة إن لم يكن عليه دَين. وهذه النسبة مهمة في الحياة الاجتماعية ولا يمكن تحديدها مما يسمى بالروح العامة. وهكذا الكثير من التحديدات الشرعية كمسافة قصر الصلاة ومقادير الديات وغيرها. كما إن الفقهاء الذين اتبعوا ما يسمى المنهج السندي لم يهجروا هذه الروح ولم يقدموا الروايات عليها إذا كانت دلالة الروح العامة يقينية. فهذا السيد الخوئي طيّب الله ثراه قد استشهد في حكمه بجواز الهجوم الابتدائي في زمن الغيبة بما يُسمى الروح العامة لمعارف القرآن الكريم بقوله: {ومن الطبيعي أن تخصيص هذا الحكم بزمان موقت وهو زمان الحضور لا ينسجم مع اهتمام القرآن وأمره به من دون توقيت في ضمن نصوصه الكثيرة}(25)، كما استشهد أعلى الله مقامه بها أيضاً في فتواه بعَدِّ إنكار المعاد موجباً للكفر مطلقاً بقوله: {و"منها": الاعتراف بالمعاد وإن أهمله فقهائنا (قدهم) إلا أنا لا نرى لإهمال اعتباره وجها كيف وقد قرن الإيمان به بالإيمان بالله سبحانه في غير واحد من الموارد -على ما ببالي- كما في قوله عز من قائل: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِر﴾، وقوله: ﴿إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِر﴾ وقوله: ﴿مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِر﴾ وقوله: ﴿مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِر﴾ إلى غير ذلك من الآيات ولا مناص معها من اعتبار الإقرار بالمعاد على وجه الموضوعية في تحقق الإسلام}(26). وعليه فلا داعٍ لتضخيم الأمر والتشنيع على الفقهاء واتهامهم بأنهم يعتبرون الملاك التام لقبول الرواية وعدمه هو السند فقط لأن هذا الاتهام غير صحيح، ولأن ما يدعيه من دلالة روايات العرض على مدعاه غير تام، ولأن الطرفين يُقِرّان بأهمية السند وعرض الروايات على القرآن الكريم حتى لو لم يكن تعارض بينها، وإنْ تَطَرّفَ السيد كمال بتجويزه الاعتماد على روايات أعداء أهل البيت عليهم السلام توسعة منه لما يسميه المنهج المضموني كما سيأتي تصريحه بهذا إن شاء الله تعالى.
 
    وثالثاً: انتقد في تسجيل صوتي معنون بـ "الفرق بين رؤية السيد الخوئي والحيدري الى الاحاديث"(27) العلامة المجلسي صاحب البحار من حيث أنه يضعف كثيرا من روايات الكافي، وحين يأتي الشيخ إلى الزيارة الجامعة وغيرها يقول هذه من أهم الزيارات لأن مضامينها عالية. ثم يخاطب الشيخ المجلسي رضوان الله عليه بقوله: {عجيب أنت منهجك سندي لو مضموني؟ شنو مضامينها عالية ثم ماذا؟ خوب تبين فد واحد فيلسوف عارف ينشئ لك هذه الرواية شنو ثم ماذا؟}، ولكن هل غفل السيد كمال عن الإيراد الذي يقول أن المجلسي إخباري، والإخباريون يعتقدون بصحة الكتب الأربعة، وأن تضعيفه لبعض الروايات كان وفق الاصطلاح الأصولي الدارج. ويضاف إلى هذا أن العلامة المجلسي رحمه الله قد قال في مقدمة شرحه للكافي: {وابتدأت بكتاب الكافي للشيخ الصدوق ثقة الإسلام مقبول طوائف الأنام، ممدوح الخاص والعام، محمد بن يعقوب الكليني ـ حشره الله مع الأئمة الكرام ـ لأنه كان أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها}(28)، وقال أيضاً: {والحق عندي فيه: إن وجود الخبر في أمثال تلك الأصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به، لكن لا بد من الرجوع إلى الأسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض، فإن كون جميعها معتبراً لا ينافي كون بعضها أقوى، وأما جزم بعض المجازفين بكون جميع الكافي معروضاً على القائم عليه السلام، لكونه في بلد السفراء فلا يخفى ما فيه على ذي لب، نعم عدم إنكار القائم وآبائه -صلوات الله عليه وعليهم- عليه وعلى امثاله في تأليفاتهم ورواياتهم مما يورث الظن المتاخم للعلم بكونهم: راضين بفعلهم ومجوزين للعمل باخبارهم}.
    
    والأهم من هذا كله بل هو أمر جوهري فيما يدّعيه السيد كمال من التعرف على الروح العامة للقرآن الكريم وعموم معارف الإسلام، وهو لزوم أن يكون الفقيه مستأنساً بدرجة عالية بالكتاب العظيم وكلام المعصومين عليهم السلام وأساليبهم ومذاقهم في طرح المعارف وبما يتميز به كل معصوم منهم عليهم السلام عن الآخر بالكلام وطريقة إلقاء المعارف وبما يتميز به كلامهم عن كلام غيرهم من الناس. وعلى هذا فيمكن لهكذا فقيه عارف بالمعارف الدينية وبعمق أن يميز الكلام الوارد إن كان للمعصومين عليهم السلام أو لغيرهم لشدة أنسه بكلامهم عليهم السلام ولكبير فراسته إذا كان ما يقولونه متضمناً لمعارف متميزة لا أن يجيبوا مثلاً على مسألة بسيطة بكلمات قصيرة يصعب معها التمييز أو يتعذر. 
    وإذا عرفنا هذا فيتبين مدلول كلامه: {[إذن إذا تبين أن] فيلسوف عارف يُنشئ لك هذه الرواية ثم ماذا ؟!}. بينما يقول العالم المستأنس بكلام أهل العصمة عليهم أفضل الصلاة والسلام (أي الشيخ المجلسي) إن مضامينها عالية. وبين القولين فرق كبير، فذاك السيد يستسهل أن يخترع ما يسميه بالفيلسوف العارف مثل كلام المعصومين عليهم السلام المتضمن لمعارف عالية كالزيارة الجامعة، وهذا الشيخ يعلم أن غيرهم عليهم السلام يعجز عن الإتيان بمثل كلامهم ولو كان ما كان. وبالتالي فالروح العامة التي يقول بها السيد كمال لا تنفع في تمييز كلامهم عليهم السلام عن كلام الفيلسوف العارف، وخاصة أنه عبر بعبارة مؤسفة: {شنو ثم ماذا}. وكأنه أنزل قدرهم حاشاهم صلوات الله عليهم إلى قدر فيلسوف عارف، أو كأنّ منبع علمهم كمنبع علم الفيلسوف العارف!. وبالتالي فأيُّ روح هذه التي يدعي فهمها ما دام فيلسوف عارف يستطيع أن يتكلم بمثل كلام آل محمد صلى الله عليه وآله؟، وكيف تبقى لكلامهم عليهم السلام خصوصية في منهجه؟، وما الضمانة حينئذ في المنهج المضموني الذي يقول به ما دام الفيلسوف العارف يتمكن من الإتيان بمثل مضامين كلام أهل البيت عليهم السلام، لا سيما وهو يجحد أهمية المنهج السندي الذي يحمي الأحاديث من دس الوضاعين وكذب المغرضين. أي كيف سيميز النص الشرعي إذا ما كان هنالك فيلسوف عارف قد دسّ كلاماً له بين كلام أهل البيت عليهم السلام أو دسّ الوضاعون كلامه بين كلامهم عليهم السلام، بل الأدهى من هذا كله أن السيد كمال يصرح أن منهج النبي والعارف واحد، أي إنه جعل منهجية الوحي النبوي والكشف الذي يدّعيه العارف واحدة(29). فالنتيجة كيف سيتم التمييز بين كلام المعصوم عليه السلام وكلام العارف إذا كان كشف العارف بمستوى الوحي ومنهج علمه نفس منهج علم النبي صلى الله عليه وآله.   
 
    رابعاً: ما ذكره خلال درسه: {والمنهج الثاني(30) الذي هو مبنى جملة من الأعلام المتقدمين كالسيد المرتضى وابن زهرة وابن البراج وابن إدريس الحلي وجملة من الأعلام السابقين. نعم, عند المتأخرين بدأ المنهج السندي. وهنا لابد أن أشير للإخوة أن اختلاف المنهج أيضاً كان تابع للزمان والمكان, يعني أولئك الذين كانوا قريبي العهد بالأئمة صار منهجهم جمع القرائن لأن القرائن كانت بأيديهم, لكن فقهائنا شيئاً فشيئاً عندما ابتعدوا عن العصور القريبة من الأئمة وجدوا بأن جمع القرائن ممكن أو غير ممكن؟ فرفعوا اليد عن ذلك المبنى وذلك الاتجاه واتجهوا إلى مسألة الصحة والضعف}(31)، ولكن إذا كان منهج قدماء الأصحاب كما يقول هو المنهج المضموني بالمعنى الذي يقوله، وعدل عنه المتأخرون إلى المنهج السندي ووجدوا أن منهج جمع القرائن غير ممكن فهذا دليل صحة المنهج السندي. لأن غير الممكن لا يتعلق به التكليف، ولأن المتأخرين هم أعلم من القدماء باتفاق العلماء لتطور العلوم التي يتوقف عليها الاجتهاد ولتراكم الخبرة. ويتضح مما يذكره سماحة الشيخ جعفر سبحاني في كتابه "دروس موجزة في علمي الرجال والدراية" أن القدماء كانوا يعتمدون على الصحة والضعف وليس كما ينفيه السيد كمال عنهم، وكانوا يهتمون لوثاقة الراوي أي يهتمون للسند ويضمون إليه قرائن أخرى، وليس اعتمادهم على المضمون فقط. كما إن الاعتبار وعدمه عندهم لا يعني صدور الرواية وعدمها. بل وليس منهجهم منهج جمع القرائن بالمعنى الذي يقوله. فقد قال سماحة الشيخ: {اصطلح المتأخّرون من أصحابنا على تقسيم خبر الواحد باعتبار رواته إلى الأقسام الأربعة المشهورة وهي: 1. الصحيح، 2. الحسن، 3. الموثّق، 4. الضعيف. فصارت أُصول الحديث رُباعية بعد ما كانت ثنائيّة. 
    أمّا التقسيم الثنائي الرائج بين القدماء، فقد كان يدور مدار كون الحديث معتبراً أو غير معتبر. فما أيّدته القرائن الداخلية كوثاقة الراوي، أو الخارجية كوجوده في أُصول معتبرة معروف الانتساب إلى جماعة، فهو صحيح، أي معتبر يجوز الاستناد إليه; والفاقد لكلتا المزيّتين غير صحيح بمعنى انّه غير معتبر لا يمكن الركون إليه وإن أمكن أن يكون صادراً عنهم. 
    ثمّ إنّ القرائن الخارجية التي كانت تجعل الخبر عندهم صحيحاً تتلّخص فيما يلي: 
1. وجود الخبر في كثير من الأُصول الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة. 
2. تكرّره في أصل أو أصلين منها، فصاعداً بطرق مختلفة. 
3. وجود الرواية في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم، كزرارة ومحمد بن مسلم. 
4. اندراجه في الكتب التي عُرضت على أحد الأئمّة، فأثنوا على مؤلّفيها، ككتاب عبيد اللّه الحلبي الذي عرض على الصادق عليه السلام، وكتاب يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان، فقد عرض كتابيهما على الإمام العسكري عليه السلام. 
5. أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم، الوثوقُ بها والاعتمادُ عليها; سواء أكان مؤلّفوها من الفرقة الناجية، ككتاب الصلاة لحريز بن عبد اللّه السجستاني، وكتب ابني سعيد وعلي بن مهزيار ؛ أو من غير الإمامية، ككتاب حفص بن غياث القاضي، وحسين بن عبيد اللّه السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري. 
    فأصبح الصحيح ما أيّدته القرائن، وغير الصحيح ما لا تؤيّده القرائن. 
    والذي حدا بالمتأخّرين إلى العدول عن مصطلح القدماء وتبديل التقسيم الثنائي إلى الرباعي، هو انّه لمّا طالت المدّة بينهم وبين الصدر السالف، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأُصول المعتمدة، لتسلّط حكّام الجور والضلال والخوف من إظهارها واستنساخها، وانضمّ إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأُصول، في الكتب المشهورة في هذا الزمان (الكتب الأربعة) فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأُصول المعتمدة، بالمأخوذة من غير المعتمدة، واشتبهت المتكرّرة في كتب الأُصول بغير المتكرّرة، وخفي عليهم -قدّس اللّه أسرارهم- كثير من تلك الأُمور التي كانت سببَ وثوق القدماء بكثير من الأحاديث، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه ممّا لا يركن إليه، فاحتاجوا إلى قانون تتميّز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها والموثوق بها عمّا سواها. 
    قال صاحب المعالم: إنّ القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعاً، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالّة على صدق الخبر وإن اشتمل طريقه على ضعف، فلم يكن للصحيح كثير مزيّة توجب له التميّز باصطلاح أو غيره، فلمّا اندرست تلك الآثار، واستقلّت الأسانيد بالأخبار، اضطر المتأخّرون إلى تمييز الخالي من الريب فاصطلحوا على ما قدّمنا بيانه، ولايكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمان العلاّمة إلاّ من جهة السيد جمال الدين ابن طاووس ;.(32)
    فقرروا لنا ذلك الاصطلاح الجديد، وقرّبوا إلينا البعيد، ووصفوا الأحاديث الواردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحة والحسن والتوثيق.(33)
     وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخّرين ـ كما عرفت ـ هو السيد جمال الدين بن طاووس (المتوفّى عام 673 ه) وتبعه تلميذاه العلامّة الحلّي، وابن داود. وما اشتهر في الألسن، من نسبة ابتكار هذا التقسيم إلى العلاّمة الحلي لا أساس له}(34). 
 
    وخامساً: ما رتبه السيد كمال على كلامه الآنف الذكر، فقال: {أن هؤلاء عندما صار مبناهم صحة السند وضعف السند, طيب وجدوا أن الرواية الصحيحة أيضاً لا تفيد إلا ظنا, من هنا وقعوا في إشكالية كيف يجمعون بين حجية الظن وبين قوله تعالى: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ فوجدت عشرات الكلمات والنظريات لمحاولة التخلص من هذا التناقض ومن هذه المعضلة ووجدت النظريات المتعددة في هذا المجال ووجدت عندنا أبحاث مفصلة في كلمات الأصوليين في حجية خبر الواحد وشرائط حجية الخبر الواحد وهذا لا تجده في كلمات السابقين سببه أن منهج أولئك في قبول الرواية كان يختلف عن منهجنا أو منهج المتأخرين أو المعاصرين أو الفقهاء ما بعد ذيك العصور عن منهج السابقين}. وقال: {وإنما المنهج الذي نقبله هو المنهج القائم على جمع القرائن, وهو المنهج المعروف والمشهور بين علماء الإمامية قديماً وحديثاً. يعني: قبل ورود هذا الاصطلاح في كتب أعلام فقهائنا كالعلامة وبعد ذلك, وبعد ورود هذا الاصطلاح المنهج القائم هو منهج جمع القرائن}(35)، وقال حول المنهج السندي: {واطمأنوا هذا من آثار التأثر بالمنهج السني بل بالمنهج الأموي وعندي شواهد على ذلك في محله.}(36) ، ثم قال: {أنا أقول بأن هذه الأبحاث من أين بدأت؟ إلى قبل العلامة نحن لا يوجد عندنا هذا التقسيم, العلامة عندما دخل إلى أبحاث ابن تيمية وغير أبحاث ابن تيمية, ابن تيمية كان باني على هذه فاضطر أن يقسم}. وقال: {أنا معتقد أن الشيخ الطوسي وغيره كان منهجهم ما أقوله أنا وهو أنه أولاً: التثبت من أن هذا المضمون صادر أو ليس بصادر؟ مو النظر إلى السند أنه صحيح أو ليس بصحيح}(37).
    
    وهنا عدة نقاط:
1- إن ما يسميهم "السابقين" لم يكن منهجهم جميعاً الحصول على الاطمئنان حتى يُشكل على المتأخرين بأن منهجهم لا يفيد إلا الظن المنهي عنه، فقد قال شيخ الطائفة الطوسي رضوان الله عليه (وهو من المتقدمين، وتوفي سنة 460ه): {فأما ما اخترته من المذهب فهو: أن خبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة، وكان ذلك مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن واحد من الأئمة عليهم السلام، وكان ممن لا يطعن في روايته، ويكون سديدا في نقله، ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر، لأنه إن كانت هناك قرينة تدل على صحة ذلك، كان الاعتبار بالقرينة، وكان ذلك موجبا للعلم - ونحن نذكر القرائن فيما بعد - جاز العمل به. والَّذي يدل على ذلك: إجماع الفرقة المحقة، فإني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه، حتى أن واحدا منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف، أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه، سكتوا وسلموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله، وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده من الأئمة عليهم السلام، ومن زمن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام الَّذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته، فلو لا أن العمل بهذه الأخبار كان جائزاً لما أجمعوا على ذلك ولأنكروه، لأن إجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو}(38).
2- قال الشيخ علي كني الأملي(39): {ومنها: أنّ سيرة العلماء قديماً وحديثاً على تدوين كتب الرجال وتنقيحها وتحصيلها بالاشتراء والاستكتاب، وعلى مطالعتها والرجوع إليها في معرفة أحوال الرواة، والعمل بها في الاعتداد برجالٍ، والطعن في آخرين، والتوقّف في طائفة ثالثة، حتّى أنّ كثيراً منهم كانت له مهارة في هذا العلم، كالصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم من مشايخ الحديث، بل ربّما أمكن أن يقال: اهتمام المتقدّمين فيه كان أزيد من المتأخّرين، وأيّ عاقل يرضى بكون ذلك كلّه لغواً مكروهاً أو حراماً! فليس إلا للافتقار إليه. بل ربّما يظهر من عدم ارتكابهم مثل ما ذكر بالنسبة إلى سائر ما يتوقّف عليه الفقه: أنّ الافتقار إليه أشدّ وأعظم، ولعلّه كذلك بعد سهولة أكثر ذلك في حقّهم وفي زمانهم دون الرجال، كيف! وبه يعرف ما به الحجّة في حقّهم عن غيرها، ومنه يحصل الاطمئنان أو الظنّ المستقرّ بما استفيد من الأحكام عن الأخبار. وحيث إنّ المفصّل في الافتقار النافي له على الإطلاق شاذٌّ نادر بل غير معلوم القائل ظهر أنّ الافتقار على الإطلاق.
وبتقرير آخر: أنّ ما سمعت منهم خصوصاً بعد ملاحظة ما في كتب الاُصول من الاتّفاق على اشتراطه في الاجتهاد يكشف قطعيّاً عن بنائهم على الافتقار إليه واشتراطه في الاستنباط، وعن رضا المعصوم (ع) بذلك، وهل ينقص هذا من الإجماعات المتكرّرة في كلماتهم؟ فأمّا مخالفة مَنْ مرّ فلا تقدح فيه؛ لوضوح فساد شبهاتهم كما يأتي، ولسبقهم بالإجماع والسيرة ولحوقهم عنه.
ومنها: أنّ سيرة الرواة والمحدّثين إلى زمن تأليف الكتب الأربعة بل إلى تأليف الثلاثة المتأخّرة -الوافي والوسائل والبحار- على الالتزام بذكر جميع رجال الأسانيد، حتّى أنّ أحداً لو أسقطهم أو بعضهم في مقام، أشار إليهم في مقام آخر، كما في الفقيه والتهذيبين، مع التصريح بأنّه للتحرّز عن لزوم الإرسال والقطع والرفع المنافية للاعتبار، ومن المعلوم أنّ ذلك كلّه لأن يعرفهم الراجع إلى كتبهم ويجتهد في أحوالهم على حسب مقدوره، فيميّز الموثوق به الجائز أخذ الرواية منه عن غيره، وإلّا لزم اللغويّة، فيُعلم الافتقار والكشف عن الاشتراط كما في ثاني تقريري الوجه السابق، فلو كان بناؤهم على اعتبار ما فيها من غير ملاحظة أحوال الرواة للأخذ من الاُصول الأربعمائة أو غيره من قرائن الاعتبار أو القطع بالصدور، لكان تطويل الكتب بذكر الجميع لغواً مكروهاً أو مُحرَّماً، وقد مرّ بطلان نفي الافتقار في الجملة، فثبت الافتقار المطلق.
ويؤيّد هذا التزام مَنْ تأخَّر بالرجوع إلى الرجال، وتوصيف بعض الأخبار بالصحّة والوثوق والاعتبار وتضعيف بعض آخر، وعدم اكتفاء بعضهم بتوصيف غيره وإن كان أعرف منه بالرجال، بل الخلاف بينهم في كثير من التصحيحات والتضعيفات واضح معلوم للمراجِع إلى كتبهم. وكون الصحّة عند القدماء أعمّ مطلقاً أو من وجه من الصحّة عند المتأخّرين لاينافي ما سمعت، وإنّما ينافيه لو ثبت أنّ أسباب الصحّة عندهم مأخوذة من غير الرجال، ولم يثبت، بل الثابت - بملاحظة ما أشرنا إليه - خلافه}(40).
3- لو كان منهجهم الحصول على الاطمئنان فلأن أحد أسباب حصول الاطمئنان هو الوثوق بالرواة، أي الاعتماد على السند، وإن كانت طريقتهم في التوثيق تختلف. وقد اعترف بهذا الإخباري البارز محمد أمين الإسترآبادي بقوله: {أنّه كثيراً ما نقطع بالقرائن الحالية والمقالية بأنّ الراوي كان ثقة في الرواية لم يرض بالافتراء ولا برواية ما لم يكن بيّناً واضحاً عنده وإن كان فاسد المذهب أو فاسقاً بجوارحه، وهذا النوع من القرينة وافرة في أحاديث كتب أصحابنا}(41).
4- حينما يُشكِل السيد كمال على من يعتمد حجية خبر الواحد وهم أعاظم علمائنا على مر العصور، والقول بهذا هو المشهور بينهم كما قال الشيخ الأنصاري: {ومن جملة الظنون الخارجة بالخصوص عن أصالة حرمة العمل بغير العلم: خبر الواحد -في الجملة- عند المشهور، بل كاد أن يكون إجماعا}(42)، وبعضهم ادعى الاجماع على هذا كما مرّ من شيخ الطائفة، فنسأل السيد كمال: إذا لم يرِد للرواية شاهد من الكتاب الكريم أو من السنة القطعية ولا يوجد فيها قول مشهور ثابت الحجية فما العمل؟ وكيف تحرز الاطمئنان كي تتخلص مما تسميه الاشكالية التي وقع بها الفقهاء ولا تقع أنت فيها؟.
5- قد تبين مما تقدم الخطأ في ادعاءه بأن المنهج المضموني هو المشهور بين علماء الإمامية قديماً وحديثاً.
6- إن كلامه بأن علمائنا قد تأثروا بالمنهج الأموي في تقسيم الأحاديث وأن العلامة الحلي رضوان الله عليه قد ابتدع المنهج السندي وطريقة تقسيم الأحاديث المعمول بها بعده وأنه أخذها من ابن تيمية، فهذا كلام غريب لأن ابن تيمية لم يكن مبتدعاً للمنهج السندي عند القوم حتى يحصر التأثر به، بل كان هذا المنهج موجوداً عندهم قبل ابن تيمية، والعلامة الحلي كان مطلعاً على كتبهم. كما إن علمائنا السابقين كانوا أيضاً مطلعين على كتبهم فلماذا تأثر العلامة دون غيره؟ ولأن ابن تيمية هو الذي ردّ على العلامة وليس العكس حتى يقول السيد كمال: {العلامة عندما دخل إلى أبحاث ابن تيمية وغير أبحاث ابن تيمية, ابن تيمية كان باني على هذه فاضطر أن يقسم}، ولأن هنالك أسباب موضوعية ذُكرت أعلاه اضطرت علمائنا إلى اتباع هذه المنهجية العلمية التي أيدها زعماء الطائفة الذين جاءوا بعد العلامة. وقد نقلنا كلام الشيخ صاحب المعالم رحمه الله بأن السيد ابن طاووس هو من ابتدأ هذا التقسيم، وذكرنا كلام الشيخ السبحاني بعده: {وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخّرين ـ كما عرفت ـ هو السيد جمال الدين بن طاووس (المتوفّى عام 673 ه) وتبعه تلميذاه العلامّة الحلّي، وابن داود. وما اشتهر في الألسن، من نسبة ابتكار هذا التقسيم إلى العلاّمة الحلي لا أساس له}، وعليه فهل إن السيد ابن طاووس تأثر بأحد من الأمويين أيضاً. ولا ندري إلى أي مدى سيصل السيد كمال في بخس حق علمائنا والافتراء عليهم، عافاه الله وألهمه الإنصاف.  
 
    وسادساً: قال: {أن المنهج السندي يدور مدار أن الرواية حجة أو أن الرواية ليست بحجة, وهذا بخلاف منهج جمع القرائن فإنه يدور مدار صدور الرواية عن المعصوم وعدم صدورها، وكم فرق بين النتيجتين, الحجية لا تلازم الصدور, كما أن عدم الحجية لا تلازم عدم الصدور, ولكنه في منهج جمع القرائن نحن لا نبحث عن الحجية وعدمها، ماذا تنفع الحجية وعدمها؟ وإنما الذي نبحث عنه أن هذه الرواية بحسب مجموعة القرائن صادرة أو ليست صادرة؟}(43)، وهذا كلام عجيب، فقد مرّ أعلاه قوله نفسه أن القرائن كانت بأيدي القدماء, لكن فقهائنا شيئاً فشيئاً عندما ابتعدوا عن العصور القريبة من الأئمة عليهم السلام وجدوا بأن جمع القرائن غير ممكن، ومرّ تفصيل سبب ابتعاد علمائنا عن هذا المنهج من كلام الشيخ السبحاني والشيخ حسن صاحب المعالم رحمه الله. وبالتالي فمِن الواضح أن العمل بمنهج القرائن غير ممكن إذا كان القصد منه حصول الاطمئنان لأنه لا يحصل إلا في موارد قليلة لا تفي بالحاجة، أي لا يمكن التعويل على أن هذا القول صادر من الأئمة عليهم السلام أوْ لا، لعدم إمكانية هذا أصلاً. ولا يبقى سبيل إلا اعتماد حجية خير الواحد. أي إن ما يقوله السيد كمال خلاف الإمكان كما أقرّ هو بذلك. أما كلامه "ماذا تنفع الحجية وعدمها؟" فهو كما ترى.
 
    سابعاً: حين تعرض السيد كمال لرواية عمر بن حنظلة (المسماة بالمقبولة) أتى بالعَجَب، والرواية هي: {قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا، وإن كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِه﴾(44).
قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران [إلى] من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فانما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.
قلت: فإن كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟
قال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى مايحكم به الآخر، قال: قلت: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر؟ قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه، وإنما الأمور ثلاثة: أمر بيِّن رشده فيتبع، وأمر بيِّن غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حلال بيِّن وحرام بيِّن وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.
قلت: فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد.
فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا.
قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.
قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان ذلك فارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات}(45)، وقال السيد كمال: {إذن المدار لا أقل في مورد تعارض الأحاديث الآن بهذا القدر, لا أقل في مورد تعارض الحديثين منهج أهل البيت هو المنهج السندي أو المنهج المتني؟ كلاهما ثقة إذن من حيث البحث السندي فيوجد إشكال أو لا يوجد إشكال؟ يقول الإمام لا تنظر إلى البحث السندي أنظر إلى البحث الدلالي والمضموني والمتني فخذ به إن وافق, فخذ به يعني من حيث السند؟ لا لا, فخذ به من حيث المضمون, سواء كان السند ثقة أم لم يكن ثقة}(46)، ولا أعلم كيف استفاد هذا من الرواية، والإمام عليه السلام يؤكد فيها في المرحلة الأولى على الوثاقة بقوله: {ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فانما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله}، بل أعلى درجات الوثاقة أي العدالة بقرينة جعل الإمام عليه السلام له حاكماً وعدم قبول حكمه على حد الشرك بالله. وفي المرحلة الثانية يقول صلوات الله عليه: {الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما}، والسيد كمال يقول لا فرق إذا كان السند ثقة أوْ لا. بل لعل دلالة الرواية الشريفة على صحة المنهج السندي أوضح، لأن الإمام عليه السلام في المراحل الأولى يؤكد على صفات الراوي والحاكم، وبعد حصول التعارض ينتقل سلام الله عليه إلى المتن والمرجحات فيه.
 
    ثامناً: نَقَل في درسه الآنف الذكر روايتين عن كتاب "بحار الأنوار" إحداهما تقول: {عن أحدهما عليهما السلام قال: لا تكذبوا بحديث آتاكم مرجئي ولا قدري ولا خارجي نسبه إلينا فإنكم لا تدرون لعله شئ من الحق فتكذبوا الله عزّ وجلّ فوق عرشه}(47)، والأخرى: {عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: أما والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالا وأمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله ولم يقبله قلبه اشمأز منه وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، وإلينا أسند فيكون بذلك خارجا من ولايتنا}(48). وقال في تعليقه على الروايتين: {طيب هذه من أوضح مصاديق الضعيفة السند, يعني لو كنا نحن والمنهج السندي بمجرد أن جاءنا من خارجي لابد من إسقاطه}، ثم قال: {كل رواية أولاً: لابد من عرضها على كتاب الله سواء جاءت من موالي أو جاءت من غير موالي, سواء جاءت من محب أو جاءت من خارجي, سواء جاءت من قدري أو من غير قدري, سواء جاءت من مرجئي أو من غير مرجئي}. ولا زال هذا الرجل يأتي بالغرائب، فالإمام عليه السلام لو صحت الرواية عنه قال: {لا تكذبوا بحديث أتاكم}، ولم يقل "يلزم عليكم قبوله"، ونفس الأمر يجري على الرواية الثانية، فالفقهاء حين يُخضعون الرواية للتمحيص السندي ويرفضونها لا يعني أنهم يكذبون صدورها وإنما ينفون حجيتها تبعاً لما استدلوا به من الكتاب والسنة. ولو بذل السيد كمال جهداً أكبر ونظر إلى كل الصفحة 186 من ج2 من البحار لوجد الرواية التالية: {عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى حصن عباده بآيتين من كتابه: أن لا يقولوا حتى يعلموا، ولا يردوا ما لم يعلموا. إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَق﴾(49). وقال: ﴿بَل كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه﴾(50)}، فعلماؤنا قد عملوا بهذه الرواية وأمثالها حين لم يقولوا ما لا يعلمون. ولا يقول عاقل إن قول الخارجي مما يحتج الله به ويورث العلم مطلقاً، وإنما يحتمل قوله الصدق رغم عدم حجيته. 
    وحين ينتقد السيد كمال المنهج السندي بهذا الأسلوب فهو يعني عدم حجيته مطلقاً، وهذا يناقض تصريحه بأنه لا يغمض عنه كلياً(51). 
 
    تاسعاً: ثم قال بعد إيراده الروايتين المذكورتين أعلاه: {يعني ما الفرق أن الرواية وردت في البحار وضعيفة وعرضناها على كتاب ربنا. تقبل أو لا تقبل على هذا الأساس؟ نعم, تقبل, طيب افترضوا أيضاً رواية ضعيفة وردت في كتب القوم: في صحيح البخاري، في صحيح مسلم، في مسند أحمد، في.. هذا فضلاً إذا كانت صحيحة على مبانيهم، هذه تعطي نقطة إضافية لابد من بحث هذه المسائل, سواء كنا في باب العقائد أو كنا في باب الفروع, فلا, على هذا المنهج, فلا يكون الفحص تاماً وكاملاً إلا بالإحاطة بكل تراث المسلمين سواء كانوا موافقين أو مخالفين}. وقال: {تعلمون أننا بعد أن أسقطنا مسألة المنهج السندي وأننا لا نقبله بالضرورة أن يكون منهج سندي حرفي ينفتح لنا الباب لجمع القرائن لا على مستوى الروايات الواردة عن طرقنا في كتبنا وإنما نتحول إلى مصادر الآخرين وإلى الكتب الحديثية التي وردت عن الآخرين, هذه المصادر أيضاً معينٌ جيد ومنبعٌ جيد لجمع القرائن, لا يتبادر إلى الذهن لابدَّ أن نسقطها عن الاعتبار, واطمأنوا أن منهج علمائنا القدماء أو الأقدمين أو لا أقل قبل أربعة قرون، خمسة قرون كان هذا هو المنهج, ولذا أنتم تجدون في كتبهم أنهم كانوا يستندون إلى كلمات الآخرين, ينقلون روايات ماذا؟ روايات الآخرين, مع الأسف الشديد أنه في هذا القرن أو القرنين الأخيرين لأسباب متعددة أدّى ذلك إلى انكفاء الحوزات العلمية على نفسها وعدم التواصل مع الفكر الآخر}(52). وقال: {أئمة أهل البيت أعطوا ضوابط واضحة لصدور السند وعدم صدور السند. قال اعرضوها على كتاب ربنا فإن وجدتم عليه شاهدا أو شاهدان فقلناه وإلا لم نقله. يعني أن تجد له شواهد في كتاب الله. يَبْنَ رسول الله لم نجد له شواهد في الكتاب ماذا نفعل؟ يقول فإن وجدتم له شاهداً في كلام رسول الله. عجيب يعني نروح نستقرئ كل كلمات رسول الله؟ يقول نعم. [أليس] كلام رسول الله في أوساطنا قليل؟ يقول الحمد لله تراث المسلمين مملوء بتراث رسول الله. ونحن قلنا أساساً نحن لا ندور مدار السند حتى تقول الرجال هناك ضعاف وإنما ننظر إلى المتن. نروح ننظر هذه المتون والمضامين موجودة، خصوصا إذا تلك المضامين موجودة عندنا أيضا. هذه قرائن تجمع يشد بعضها بعضا ويقوي بعضها بعضا ويؤكد بعضها بعضا}(53).
    وقد قرأنا مقبولة عمر بن حنظلة والتدقيق الوارد فيها فيما يتعلق بمخالفة الآخرين وقول الإمام  عليه السلام: {ما خالف العامة ففيه الرشاد}. والسيد كمال يقول إن الأئمة أرشدونا إلى كتب القوم وأن نأخذ منها، ونَسَبَ هذا لعلمائنا وأنهم كانوا يعتمدون على الأحاديث المروية في كتب القوم رغم أن هؤلاء الأكابر يروون عن أئمتهم عليهم السلام ويقولون في كتبهم أن الرشاد في المخالفة فضلاً عن المؤالفة وفضلاً عن الأخذ منهم، ويجعلون المخالفة من المرجحات حين التعارض تبعاً لأئمتهم عليهم السلام. والسيد كمال يجعل موافقتهم من المرجحات، بل ترقّى إلى ما هو أبلغ من الموافقة معهم فجوّز الأخذ منهم والاعتماد على البخاري ومسلم الّذَين تعمدا ترك أحاديث أئمة الهدى عليهم السلام وأقلا الروايات عنهم، بل لم يرويا عن بعضهم صلوات الله عليهم نهائياً أو رَوَيا ما يشينهم حاشاهم عليهم السلام. بل ينسب السيد كمال إلى الأئمة عليهم السلام أنهم يأمروننا بالأخذ بروايات الخوارج ولم يستثنِ منهم أحداً كعمران بن حطان المادح لعبد الرحمن بن ملجم عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وهنا نكتة من المفيد التعرض لها وهي أن السيد كمال قد فسر ما نسبه للأئمة عليهم السلام "فإن وجدتم له شاهدا في كلام رسول الله" من أن تراث المسلمين مملوء بتراث رسول الله صلى الله عليه وآله، لكن هذا متوقف على اثبات أنه كلام النبي صلى الله عليه وآله حقاً. ودون اثباته خرط القتاد إلا القليل.
 
    عاشراً: قال السيد كمال: {الآن في فضائل بعض الصحابة حاصل التواتر واقعاً ضمن الموازين أو لم يكن حاصلاً التواتر؟ بلي يوجد تواتر, ولكن اعرضه على كتاب ربنا, اعرضه على موازين أخرى, ثابتة أو غير ثابتة, إذن ما يهمنا أن السند أخبار آحاد أو أخبار متواترة وهذه الأخبار الآحاد صحيح السند أو ضعيفة السند. ثم قال: لأنه في التواتر ينظر إلى صحة السند وضعف السند أو لا ينظر؟ لا ينظر, فإذا حصل التواتر في كتبهم فحجة أو ليس بحجة؟ يكون حجة, هذا هو من نتائج المنهج السندي, واقعاً الآن ما ذكر لبعض الصحابة من الفضائل إن لم يكن أكثر مما ذكر من علي فليس أقل مما ذكر لعلي, أنتم ماذا تفعلون؟ بعض الفضائل التي ذكرت لأمهات المؤمنين موجودة في أهم الكتب التي لا توجد نظائر لها ما ذكر للزهراء عليها السلام, ماذا تفعلون؟ إذا كنتم أنتم والسند فالسند هذه ماذا؟ تقولون في تحصيل التواتر ينظر إلى الصحة أو لا ينظر؟ لا ينظر, جمع القرائن, هذه تجمع القرائن. إذن الطريق من أين يمر؟ يمر من خلال المنهج المتني والمنهج الدلالي}(54)، ولكن إن لاحظنا تعريف الحديث المتواتر لعلمنا مقدار الخطأ الذي وقع به والكلام الغريب الذي أتى به. فقد قال السيد الشهيد رحمه الله: {الخبر المتواتر من وسائل الاثبات الوجداني للدليل الشرعي وقد عرف في المنطق بأنه اخبار جماعة كثيرين يمتنع تواطؤهم على الكذب}(55)، وعليه فكيف يمتنع كذب من يروي فضائل لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله تفوق فضائل أمير المؤمنين عليه السلام؟. وهل يمكن لأحد أن يأتينا بشاهد واحد اعتمد فيه علماؤنا على هكذا تواتر مزعوم حتى يُدّعى أن هذا من سلبيات المنهج السندي. وإذا أراد السيد كمال التشكيك بالتواتر في إفادته القطع بصدور الرواية عن المعصوم عليه السلام فأي قرينة تفوقه يريد اعتمادها كي تورث له الاطمئنان بالصدور حسب منهجه المضموني؟ وهل يريد الاكتفاء بالكشف لأن له نفس منهجية الوحي كما قال(56)؟. 
 
    إحدى عشرة: قال في درسه: {أنه على المنهج السندي اطمأنوا سبعين بالمائة ثمانين بالمائة إذا لم يكن أكثر لأن هذه تسجل أخشى كذا, سوف تضيع ثمانين سبعين بالمائة من معارفنا الدينية والتاريخية والسلوكية, لأنه عندما ترجع إليها في النتيجة روايات صحيحة السند أو ضعيفة السند؟ ولذا تجد أمثال كتب عظيمة وشريفة وجليلة مثل تحف العقول صارت في سلة المهملات, الآن هل يعتمد أحد على ما ورد في تحف العقول لابن شعبه, لماذا؟ لأنه باعتبار أن الكتاب لا سند له, أما إذا صار المبنى مبنى جمع القرائن, هذه قرائن في هذا الكتاب}(57)، وقوله هذا لا يلائم ظاهراً ما قاله في الدرس نفسه: {يوجد منهجان في قبول الرواية -بحثي في الفروع في الفقه الأصغر لا في الفقه الأكبر-}، ويعني بالفقه الأصغر فقه الأحكام والحلال والحرام، ثم ذكر المنهجين السندي والمضموني. وهنا اتهم أصحاب المنهج السندي بأنهم ضيعوا نسبة عالية من المعارف الدينية والتاريخية والأخلاقية، وبالتالي ما دام بحثهم متعلقاً بروايات الأحكام الشرعية وبحثه هو أيضاً كما يقول حول الأمر نفسه فلماذا عمم الاتهام ليشمل مختلف المعارف الدينية وغير الدينية كالتاريخية؟ ولا نعلم هذه النسب المرتفعة التي يطلقها بين الحين والآخر، فكيف تضيع نسبة 80٪ من المعارف؟ طبعاً كلامه غير صحيح، فالفقهاء الذين اعتمدوا المنهج السندي بمعناه الصحيح عندهم لا بالمعنى الذي ينسبه لهم تنوعت ابداعاتهم في مختلف المعارف الدينية وتسلطوا على مختلف المسائل وأغنوا الفقه وباقي المعارف بعلومهم، والسيد كمال اعترف بهذا في رده المرئي على التسجيل الصوتي(58) في الدقيقة 48.30 منه بقوله: {الحق والإنصاف لا بد أن يقال. أمثال السيد الإمام، أمثال السيد الخوئي، أمثال السيد محمد باقر الصدر، هذه الطبقة، أمثال أعلام كبار في حوزة قم.. عندما تنظر إلى تراثهم تجد أن التراث كما يشتمل على الفقه ويشتمل على الأصول ويشتمل على الرجال، يشتمل على التفسير، يشتمل على العقائد}. أما كتاب تحف العقول فإن علمائنا أجلّ من أن يضعوا مثل هذا الكتاب الشريف في سلة المهملات كما عبّر مع الأسف، وقد اهتموا به واستشهدوا برواياته، ولكنه ليس كتاب فقه حتى يستندوا إليه في الأحكام الشرعية، كما إنه بلا أسانيد كما ذكر مؤلفه رضوان الله عليه في ص3: {وأسقطت الأسانيد تخفيفا وإيجازا، وإن كان أكثره لي سماعاً، ولأن أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها، ولم أجمع ذلك للمنكر المخالف بل ألفته للمسلم للأئمة، العارف بحقهم، الراضي بقولهم، الراد إليهم. وهذه المعاني أكثر من أن يحيط بها حصر وأوسع من أن يقع عليها حظر. وفيما ذكرناه مقنع لمن كان له قلب، وكاف لمن كان له لب}. فبعض الروايات الواردة فيه والمتعلقة بالفقه لا تصلح للاستدلال لأنها بلا أسانيد فلا حجية فيها بمفردها كما حققه العلماء في محله وكما بان مما تقدم من كلام الأجلّة. ثم كيف نجمع بين كلامه هذا وقوله: {أنا ليس مبنايّ إذا قال شخص قبل ألف سنة صحيح فأنا مقلد له إلى آخر عمري لا ليس هكذا, قال صحيح لنفسه قال. وإذا قال ضعيف فكل ما ورد منه في المعارف في الفقه في التاريخ في الأخلاق في السلوك كله أضعه في سلة المهملات لماذا؟ لأن النجاشي قال عن فلان ضعيف, هذا منطق جداً واقعاً أنا اعتبره منطق فيه نتائج خطيرة أصلاً مدمرة لمعارفنا الدينية}(59)؟، فكيف يريد من الفقهاء أن يعتبروا صحة كناب تحف العقول أو غيره.
 
 
 
المنهج السندي والافتراء على السيد الخوئي والسيد الصدر رضوان الله عليهما
 
    أولاً: قال السيد كمال: {وذكرنا بأنَّ هذا المنهج السندي بالمعنى الحرفي، بالمعنى الرياضي، بالمعنى الدقّي له إنَّما قام به السيّد الخوئي قدس سره وتبعه بعض تلامذته(60) وإلا المشهور بين أعلامنا هو ما كان عليه أعلامنا ما قبل العلامة والمحقق وهو أن ينظر إلى جمع القرائن أن الرواية واردة صادرة أو ليست صادرة؟ أما صحيح أو ليس بصحيح, هذا تدمير لفقهنا}(61)، وقال: {يعني عبروا أنه هذا أفضل من يمثل هذا الاتجاه هو السيّد الخوئي قدس سره وجملة من أعلام تلامذته, وهو أنه ماذا؟ أنه لا يوجد عندنا فرق أن الرواية واردة في الكافي أو واردة في المستدرك يوجد فرقٌ بينهما على مبنى السيّد الخوئي؟ أبداً, يقول واردة في الكافي واردة في المستدرك واردة في أي مكان, فيها سند صحيح نقبله ما فيها مدرك صحيح لا نقبل, لا يفرق بينها. هذا مبنى الكافي؟ لا ليس مبنى الكافي, مبنى الطوسي؟ لا ليس مبنى الطوسي, مبنى الصدوق؟ لا ليس مبنى الصدوق, مبنى جملة من الأعلام المعاصرين؟ لا ليس مبناهم هذا, أما مبنى من؟ مبنى السيّد الخوئي هذا. فنجد لها فإن لم نجد لها معارض عملنا بها. التفت جيداً. لم يكن لها معارضٌ عملنا بها نحتاج في هذه الحالة أن نعرضها على كتاب الله ربنا أو لا نحتاج؟ نقول: أبداً لا نحتاج, لا حاجة, رواية صحيحة السند معتبرة إذن نعمل بها}(62). 
    وهنا عدة نقاط:
1- تبين مما تقدم أن منهج السيد الخوئي ليس منهجاً سندياً بالمعنى الرياضي. بل قال طيّب الله ثراه : {قد ثبت بالأدلة الأربعة حرمة العمل بالظن، وأنه لا يجوز نسبة حكم إلى الله سبحانه ما لم يثبت ذلك بدليل قطعي، أو بما ينتهي إلى الدليل القطعي}(63)، وقال: {مضافا الى انه ورد الأمر من الأئمة عليهم السلام بالرجوع الى الكتاب عند تعارض الخبرين، بل مطلقا}(64) ، وقال: {لما دل على طرح الخبر المخالف للكتاب والسنة، والمراد بالسنة كل خبر مقطوع الصدور لا خصوص النبوي كما هو ظاهر}(65)، وبهذا يتبين الافتراء في اتهامه رحمه الله بأن مبناه هو إن لم يجد للرواية معارض عمل بها ولا يعرضها على كتاب الله تعالى، حيث إن مبناه كما ذكر آنفاً هو العرض مطلقاً على الكتاب سواء وُجدت رواية معارضة أوْ لا.
2- إن منهج السيد الخوئي وتلامذته كالسيد الشهيد محمد باقر الصدر منهج علمي مستند إلى الكتاب والسنة وليس منهجاً تدميرياً كما يصوره السيد كمال المتناقض في كلامه والذي يعدُّهما مرّة من العارفين بمختلف معارف الدين ومرّة أخرى يجعل منهجهما مدمراً ومفسداً للكثير من المعارف، بل لأكثرها كما ذكر سابقاً نسبة ال 80٪ . وتارة يعدُّ السيدَ الشهيد ذا منهج مثل منهجه هو لأنه يقول بالولاية العامة للفقيه وبالتالي فإن منهجه صحيح يشمل كل معارف الدين، وتارة أخرى يجعله لا يفهم طريقة الأئمة عليهم السلام في تنويعهم لطريقة إلقاء المعارف كما في درسه "مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (85)". ولو كان منهجهما قدس الله نفسيهما تدميرياً ويلغي 80٪ من المعارف لما رأينا هذا المقدار من المعارف الذي أخرجاه كالتفسير والعلوم القرآنية والأبحاث العقائدية والفلسفية والمنطقية والفقهية والأصولية والرجالية والتاريخية. ولو كان المنهج السندي الذي اتبعاه كما يرسمه السيد كمال بأنه منهج قائم على أساس وثاقة الرواة فقط ويلغي أكثر المعارف الدينية لَما قال السيد الشهيد في مقدمة فتاواه الواضحة حول مصدر فتاواه فيها، ص107: {وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنة}. أي إنه اكتفى في فتاواه التي تُعنى بمختلف تفاصيل الحياة بما استنبطه من الكتاب والسنة وفق منهجه السندي، وإن منهجه يفي يكل ما يتعلق بالدين ولا يلغي المعارف الدينية. 
3- لو كان مبنى السيد الخوئي وتلامذته(66) متميزاً عن مبنى غيره من العلماء الذين عدّدهم السيد كمال أعلاه فهذا لا يعني أي سلبية في نهجه، بل يعني أنه مجتهد صِرف يعمل وفق ما يكون حجة عليه أي الكتاب والسنة. وأقوال العلماء محترمة لديه لكنها ليست حجة. 
 
    ثانياً: قال السيد كمال(67): {هذا منهج التصحيح السندي الذي أوجده السيّد الخوئي وإن كان مفيداً من جهات ولكنه أفسد كثيراً من معارفنا من جهات أخرى, طبعاً هذا المنهج هو الذي ابتدعه الألباني من المعاصرين من الوهابيين, وإلا هذا ليس منهج الأزهريين أبداً يكون في علمكم, هؤلاء الوهابيين هذه من بدعهم المعاصرة في علم الحديث أنه أي رواية جاؤوا قالوا أنه إذا كانت صحيحة السند نقبل ضعيفة السند يرمى بها عرض الجدار}، ثم قال: {من قبيل أنه ما قبل السيّد الخوئي الكتب الأربعة ماذا كانت؟ أصول مسلمة لا يناقش فيها أحد إلاَّ نادراً جداً نادر, ولكن أساساً كان يعتقدون حتّى لو كان السند الضعيف ولكن وردت في هذه الكتب المتعددة فيدل على ماذا من جمع القرائن؟ أن السند قطعي, لا أقل مطمئن به, إلى أن جئنا إلى زمن (معجم رجال الحديث) فصار عندنا صحيح الكافي وضعيفه, وصحيح التهذيب وضعيفه, وجاء بعض من هؤلاء الذين ما يدرون على أي أساس يتحركون قالوا بأنه ثلثي الكافي ضعيف السند, ولا يعلم مثل هؤلاء الناس يقطعون ويقتلعون الجذور التي قامت عليها مدرسة أهل البيت. لأنه بينكم وبين الله نحن كم من معارفنا مأخوذة من الكافي ومن الكتب الأصلية ومن كتب الصدوق و.. ومن البصائر وغير ذلك, إذا صار بناء أن نطبق عليها هذا المنهج الذي يقوله السيّد الخوئي أنت تتصور ألفين رواية في علم الإمام في البصائر كم يبقى منها؟ ما أدري عشرة بالمائة عشرين بالمائة ما أدري كم رواية}. 
    ويجري على هذا الكلام ما يجري على كلامه السابق من المبالغة بنسبة تضييع المعارف التي يتسبب بها المنهج السندي حسب زعمه. وقد بان مما سبق الخلل في نسبة هذه التهمة إلى السيد الخوئي، فالسيد كمال قال إن العلامة الحلي هو من ابتدع هذا التقسيم للأحاديث أي طريقة المنهج السندي. وتبعه على هذا الأكابر من علمائنا، ثم يقول إن السيد الخوئي هو صاحب هذه البدعة المشابهة لبدعة الوهابية، وقال أيضاً إن العلامة المجلسي صاحب البحار ضعّف كثيرا من روايات الكافي، وهنا يقول إن العلماء قبل السيد الخوئي كانول يعتبرون الكافي أصولاً مسلمة إلا النادر. وقد أطلق فيما سبق تهمة تأثر العلامة الحلي بابن تيمية. أي إن منهج هؤلاء الأكابر مشابه للمنهج الأموي أو متأثر به وقالها صريحاً: {واطمأنوا هذا من آثار التأثر بالمنهج السني بل بالمنهج الأموي}(68). أي إنه يعيب عليهم هذا، وهو نفسه يقول أن الأئمة قد أرجعونا إلى الأحاديث النبوية المبثوثة في كتب المخالفين، ولم يفرق بين كتب أعداء آل محمد صلى الله عليه وآله كالأمويين وكتب غيرهم من أتباع مدرسة الخلفاء ولا بين الخوارج وغيرهم. فيا ليته استقر على مبنى غير متناقض وتجرّد عن اتهام علمائنا بهذه التهم المؤسفة حتى نفهم مبانيه إن كانت له مباني مستقرة أصلاً.
 
    ثالثاً: قال السيد كمال: {السيد الخوئي قال بأنه ندخل إلى الوسائل، أوّل [ما نأخذ] رواية، نأخذ الشيخ الطوسي في الرجال، [نراه ماذا يقول] عن السند؟ قال ثقة ثقة ثقة حسن حسن حسن، عدل عدل عدل عدل. إذن خُذ الرواية و[اذهب] اعمل بها، ولكن بإضافة علم الأصول، أكثر من هذا ما تحتاج. إقرأ علم الأصول، يعني اقرأ دورة أصولية عند السيد الخوئي واقرأ علم الرجال [كذلك] عند السيد الخوئي، فإنت [ماذا] تصير؟ تقول لي سيدنا معقولة هذا؟ والله [ليس أنا الذي أقول هو يقول]، تعالوا معنا إلى التنقيح الجزء الأول ص24 يقول: (مبادئ الاجتهاد)، يعني كيف تكون مجتهدا (يتوقف الاجتهاد على معرفة اللغة) [لكن] اللغة العربية هذه [ليس] يتوقف باعتبار أنه أساسا إذا ما يعرف لغة عربية [فهي] سالبة بانتفاء الموضوع هو [كيف يقدر] (69).. يقول: (وأمّا علم المنطق فلا توقف للاجتهاد عليه أصلاً) لماذا؟ لأنه يقول يعرفه كل عاقل حتى الصبيان. فإذن تبين هذا ابن سينا [ماذا كان] مولاي؟ يقول علم منطق [نحن لا نحتاج] تقول [إذن] هذا ابن سينا و[شَغَل] نفسه.. يقول بابا عاطل باطل كان (مع الضحك) لأنه المنطق يعرفه حتى الصبيان. [فلأقرأ لك] العبارة يقول: (مما يعرفه كل عاقل حتى الصبيان، لأنك إذا عرضت على أيّ عاقل قولك: هذا حيوان، وبعض الحيوان موذ، لم يتردد في أنه لا ينتج أن هذا الحيوان موذ. وعلى الجملة المنطق إنما يحتوي على مجرد اصطلاحات علمية لا تمسها حاجة المجتهد بوجه، إذ ليس العلم به ممّا له دخل في الاجتهاد البتة) هذا [ارمه جانباً]. [إذن ماذا] نحتاج؟ يقول: (والّذي يوقفك على هذا، ملاحظة أحوال الرواة) [انظروا] استدلال السيد الخوئي، عَلَم من أعلام مدرسة أهل البيت يقول ما الدليل على أنه لا نحتاج إلى المنطق؟ يقول: (والّذي يوقفك على هذا، ملاحظة أحوال الرواة وأصحاب الأئمة (عليهم أفضل الصّلاة) لأنهم كانوا يستنبطون الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة من غير أن يتعلموا علم المنطق ويطّلعوا على مصطلحاته الحديثة) [هؤلاء] ما أدري كانوا [قارئين] علم الأصول [عند] السيد الخوئي [أم كانوا] يستنبطون من غير علم الأصول أيضاً. إذا أنت تريد تستدل بحال الرواة –جزاك الله خيرا- أَرَحتنا من أصولك ومن رجالك أيضاً. وإذا تقول لا، ذاك الزمان شي وهذا الزمان [إذن لماذا] بالمنطق [ليس بهذا] الشكل. والله واقعاً الإنسان يستغرب جداً، يستدل بحال الرواة أنه ما كانوا يحتاجون إلى المنطق. [إذن] سؤال: [هل] ثبت أنه واحد من الرواة كان يقرأ علم الأصول؟ يعني ثبت زرارة كان قاري دورة أصولية 18 سنة. [إذن] سيدنا اذا كان حال الرواة هو الملاك إذن بعد من أين تقول: (والعمدة فيما يتوقف عليه الاجتهاد علمان، علم الأصول) من أين؟ (والثاني علم الرجال). [إذن] بينك وبين الله [هل] عُهد من أحد من الرواة كان يقرأ علم الرجال؟ بعد مولانا [ماذا] يحتاج؟ تفسير يحتاجون؟ أبدا. عقائد يحتاج؟ يقول أبدا. تاريخ يحتاج؟ يقول أبدا. إقرأ أصول ورجال عندي تصير مجتهدا.
    تعال إلى ص26: (والمتحصّل: أن علم الرجال من أهم ما يتوقف عليه رحى الاستنباط والاجتهاد) ولكن عند الإمامية [أم] عندك؟ عندك وإلا المحقق الهمداني [ماذا قال]؟ قال: فقد استرحنا من علم الرجال. ولذا هو [أيضاً] عبارته صريحة، قال: ومن قال بمبنى المحقق الهمداني فقد استراح من علم الرجال لعدم مساس الحاجة إلى معرفة أحوال الرواة.
    إذن المبنى الذي يقوله السيد الخوئي مختصر في جملتين: كل الذي تحتاجه إليه من مبادئ الاجتهاد كي تكون مجتهداً في استنباط الأحكام الشرعية (قلنا ما زاد عن ذلك [ليس] بحثهم أصلا) إلى علم الأصول بالمعنى الذي هو يقوله وإلى علم الرجال بالمعنى الذي هو يقوله.
    نحن لا نوافق على هذا المنهج أصلا، وإنما أول خطوة لا بد أن نأتي إلى المضمون لا إلى السند، هذا المضمون صحيح أو ليس بصحيح؟ هذا المضمون صادر أو ليس بصادر؟ كيف نتثبت من صدوره وعدم صدوره؟}(70). 
    
    وهنا عدة نقاط:
1- إن أسلوب السخرية والاستهزاء والصراخ بغضب في مخاطبة العلماء وردِّ كلامهم يعيب المتكلم به قبل أن يعيب المردود كلامه لو كان الرد حقاً فضلاً عن أن يكون باطلاً.
2- قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(71)، وقال جلّ شأنه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾(72). فهل يحسب أن من يُحمِّل كلام العلماء فوق ما يتحمله أو أن يفتري عليهم أو أن يسيء الأدب معهم أن لا يتعرض للمسائلة أمام الله تعالى؟
3- إن تصوير طريقة استنباط السيد الخوئي رضوان الله عليه للأحكام الشرعية بهذه الصورة الساذجة أعلاه لا يمكنها النيل من عظمة السيد العلمية وتورعه في الاستنباط، ويعرف كذبها كل من له حظ من العلم واطّلع على أبحاثه قدس الله نفسه الزكية ، وإنما تعكس استغفال السيد كمال لمستمعي درسه واستهانته بهم.
4- حينما استعرضَ مبادئ الاجتهاد عند السيد الخوئي بتر الكلام وضحك على ما يقوله مرجع الشيعة وأستاذ مراجعهم وفقهائهم، فقال: {يقول: مبادئ الاجتهاد، يعني كيف تكون مجتهدا: (يتوقف الاجتهاد على معرفة اللغة) خوب اللغة العربية هذه مو يتوقف باعتبار أنه أساسا إذا ميعرف لغة عربية خو سالبة بانتفاء الموضوع هو شلون يگدر؟}. أي إنه جعل كلام السيد الخوئي من باب توضيح الواضحات وبتر كلامه. ونص كلامه رحمه الله هو: {يتوقف الاجتهاد على معرفة اللغة العربية، لوضوح أن جملة من الأحكام الشرعية وإن لم يتوقف معرفتها على معرفة اللّغة كوجوب مقدمة الواجب وغيره من موارد الأحكام العقلية الاستلزامية، إلا أنه لا شبهة في أن أكثر الأحكام يستفاد من الكتاب والسنة وهما عربيان، فلا مناص من معرفة اللّغة العربية في استنباطها منهما حتى إذا كان المستنبط عربي اللّسان، لأن العربي لا يحيط بجميع اللغة العربية وإنما يعرف شطراً منها فلا بدّ في معرفة البقية من مراجعة اللّغة. ولا نقصد بذلك أن اللغوي يعتبر قوله في الشريعة المقدسة كيف ولم يقم دليل على حجيته، وإنما نريد أن نقول إن الرجوع إلى اللّغة من الأسباب المشرفة للفقيه على القطع بالمعنى الظاهر فيه اللّفظ ولا أقل من حصول الاطمئنان بالظهور وإن لم يثبت أنه معناه الحقيقي بقوله، وذلك لأن الفقيه إنما يدور مدار الظهور ولا يهمّه كون المعنى حقيقة أو مجازاً. ثمّ إن بهذا الملاك الّذي أحوجنا إلى معرفة اللّغة العربية نحتاج إلى معرفة قواعدها لأنها أيضاً مما يتوقف عليه الاجتهاد وذلك كمعرفة أحكام الفاعل والمفعول، لضرورة أن فهم المعنى يتوقف على معرفتها. نعم، لا يتوقف الاجتهاد على معرفة ما لا دخالة له في استفادة الأحكام من أدلتها، وذلك كمعرفة الفارق بين البدل وعطف البيان وغير ذلك مما يحتوي عليه الكتب المؤلفة في الأدب}(73). والفرق واضح بين ما أراد السيد الخوئي بيانه وبين ما قصده السيد كمال حينما لم يكمل كلام السيد المرحوم. وإن كان الرجل يحب السخرية والضحك فليضحك أيضاً إن استطاع من كلام السيد الخميني رضوان الله عليه عن مبادئ الاجتهاد والمقارب لكلام السيد الخوئي: {الوقوف على القواعد العربية ومعرفة مفرداتها، على حد يتوقف عليه فهم الكتاب والسنة، ولا يحصل ذلك الا بمزاولتها وممارستها على نحو يقف على قواعدها ومفرداتها، والكنايات والاستعارات التي تختص بالكتاب والسنة، وسائر الخصوصيات التي لا مناص للفقيه عنها}(74)، أو من كلامه عن مقدمات الاجتهاد: {منها: العلم بفنون العلوم العربية بمقدار يحتاج إليه في فهم الكتاب والسنة، فكثيرا ما يقع المحصل في خلاف الواقع، لأجل القصور في فهم اللغة وخصوصيات كلام العرب لدى المحاورات، فلابد له من التدبر في محاورات أهل اللسان، وتحصيل علم اللغة وسائر العلوم العربية بالمقدار المحتاج إليه}(75)، أو فليضحك على كلام العلامة الحلي رحمه الله: {ولا بد أن يكون عالما بشرايط الحد والبرهان والنحو واللغة والتصريف}(76)، أو على الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي رضوان الله عليه: {ومبادئه، وهي: ما منه دليله، أعني: الكلام، والأصول، والعربية}(77).
5- فيما يتعلق برأي السيد الخوئي قدس الله نفسه بالمنطق من حيث توقف الاجتهاد عليه وعدمه بتر السيد كمال النص أيضاً وحمّله ما لا يتحمل. ولننقل كلام السيد الخوئي حول المنطق كاملاً، فقال رحمه الله: {وأمّا علم المنطق فلا توقف للاجتهاد عليه أصلاً، لأن المهم في المنطق إنما هو بيان ما له دخالة في الاستنتاج من الأقيسة والأشكال كاعتبار كلّية الكبرى وكون الصغرى موجبة في الشكل، مع أن الشروط الّتي لها دخل في الاستنتاج مما يعرفه كل عاقل حتى الصبيان، لأنك إذا عرضت على أيّ عاقل قولك: هذا حيوان، وبعض الحيوان موذ، لم يتردد في أنه لا ينتج أن هذا الحيوان موذ. وعلى الجملة المنطق إنما يحتوي على مجرد اصطلاحات علمية لا تمسها حاجة المجتهد بوجه، إذ ليس العلم به ممّا له دخل في الاجتهاد بعد معرفة الاُمور المعتبرة في الاستنتاج بالطبع. والّذي يوقفك على هذا، ملاحظة أحوال الرواة وأصحاب الأئمة (عليهم أفضل الصّلاة) لأنهم كانوا يستنبطون الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة من غير أن يتعلموا علم المنطق ويطّلعوا على مصطلحاته الحديثة}(78)، فهو لم ينفِ أهمية المنطق على الإطلاق، إنما نفى توقف الاجتهاد عليه. وبالتالي تبقى تأليفات علماء المنطق محترمة ونافعة لما يحتاجها من العلوم كالفلسفة، ورأي السيد الخوئي هذا مقارب لرأي السيد الخميني رحمه الله حول مقدمات الاجتهاد: {2- تمييز المعاني العرفية الدارجة بين الناس على اختلافهم، من المعاني العقلية الدقيقة، التي لا يقف عليها الا ثلة قليلة فان الكتاب والسنة وردا في مستوى الافهام المعمولة والمعاني الدارجة بين عامة الطبقات، لا أقول إن كل ما بين الدفتين الكتاب والسنة وارد على هذا النمط، لان ذلك مجازفة في القول فإنك ترى ان الكتاب إذا اخذ البحث عن المعارف الإلهية والمطالب العقلية يأتي بما هو أعلى عن مستوى الافهام العادية، بحيث لا يقف على مغزاها الا من صرف أعمارا في ذلك المضمار بل أقول انما ورد فيهما لأجل بيان الأحكام الشرعية، والوظائف العملية، ورد في موقف الافهام الرائجة، والمعاني البسيطة التي تقف على حقيقتها، كل واحد من الناس. ولأجل ذلك يجب على الفقيه، الانس بالمحاورات العرفية، وفهم الموضوعات الدارجة بينهم، والتجنب عن المسائل العقلية الفلسفية في فهم المعاني العرفية، والمطالب السوقية، فقد وقفنا على أخطاء كثيرة من الأعاظم صدرت من تلك الناحية. 3- معرفة الاشكال الأربعة، وشرائط انتاجها، وتمييز عقيمها عن منتجها، ويدخل في ذلك معرفة العكس المستوى، وعكس النقيص مما يتوقف عليه الاستنباط في بعض المقامات وغيرها من المباحث الرائجة منه في غالب المحاورات، نعم لا يجب الوقوف علي تفاصيل الشرطيات والاقترانيات، واشباههما مما لا وقوف لتحصيل الحكم الشرعي عليه}(79). وقد علق بعد هذا الشيخ السبحاني كاتب تقريرات السيد الخميني هذه بقوله: {الظاهر أن الاستدلال الفقهي لا يتوقف على معرفة صناعة المنطق أصلاً، وإن الفطرة السليمة والذوق الفقهي غني عن ذلك، والشاهد عليه هذه الكتب المدونة الفقهية إلى أعصارنا فإنك لا تجد فقيها فحلاً يستدل على حكم شرعي بهذه القواعد الصناعية، اللهم نادراً، ولعله لصوغ ما أدركه بالذوق الفقهي في قالب الصناعة}. وقال الشيخ الفيض الكاشاني رحمه الله: {وأما الاصطلاحات المنطقية فليس إلى تعلمها مزيد حاجة ولذلك لم يذكره القدماء وذلك لأن الفكر والاستدلال غريزتان للإنسان إذ لا شك ان كل مكلف عاقل له قوة فكرية يرتب بها المعلومات وينتقل بها إلى المجهولات وان لم يعلم كيفية الترتيب والانتقالات كما يشاهد في بدو الحال من الأطفال فكما ان صاحب الباصرة يدرك المحسوسات وان لم يعلم كيفية الإحساس هل هو خروج الشعاع أو انطباع الصورة في الجليدية أو غير ذلك كذلك صاحب القوة الفكرية يتفكر ويستدل وان لم يعلم كيفية الفكر والاستدلال. وبالجملة نسبة علم المنطق إلى الفكر كنسبة العروض إلى الشعر بعينه، فكما إن الإنسان إذا كان له قوة شعرية وطبيعة موزونة ينشد الشعر ويميز بين صحيحه وفاسده وان لم يتعلم العروض فكذلك من كان له قوة فكرية يتفكر ويستدل ويميز بين صحيح الأمر وفاسده وان لم يتعلم المنطق، واحتمال الخطأ مشترك بين العالم والجاهل وكذا سببه الذي هو الغفلة وعدم بذل الطاقة، وكما يحصل التمييز من المنطق كذلك قد يحصل من المعلم المنبه فان كثيرا ما يغلط الإنسان في فكره فإذا عرضه على غيره ينبهه ويشير إليه بوضع خطائه ولو نفع المنطق في العصمة عن الخطأ لكان أهله أعلم الناس وأصوبهم في المذهب ولم يقع الخطأ منهم أصلا وليس كذلك كما هو معلوم}(80).
6- حينما ذكر السيد الخوئي أن أصحاب الأئمة عليهم السلام والرواة لم يستخدموا المنطق ومصطلحاته الحديثة فهو مدرك للفرق بينه وبين علم الأصول. فالذي يحوجنا إلى المنطق هو نفسه ما يحوجهم، فطريقة التفكير الصحيحة التي تمثل المنطق والتي احتاجوها في استنباط الحكم الشرعي هي نفسها ما يحتاجه فقيه زماننا سواء وُضع علم مستقل لهذه الطريقة الصحيحة في التفكير أي علم المنطق بمصطلحاته الخاصة أم لم يوضع. أما الإشكال على السيد المرحوم بأنه كان يلزمه أن يستشهد بحال أصحاب الأئمة عليهم السلام في علم الأصول أيضاً وكذلك علم الرجال فهو إشكال في غير محله لأن علم الأصول ليس كعلم المنطق من حيث توقف استنباط الحكم الشرعي عليه. كما إنه كان موجوداً في ذاك الزمان وليس منعدماً كما ذكر السيد الشهيد الصدر رحمه الله: {وهذا لا يعني طبعاً أن بذور التفكير الأصولي لم توجد لدى فقهاء أصحاب الأئمة بل قد وجدت هذه البذور منذ أيام الصادقين عليهما السلام على المستوى المناسب لتلك المرحلة، ومن الشواهد التاريخية على ذلك ما ترويه كتب الحديث من أسئلة ترتبط بجملة من العناصر المشتركة في عملية الاستنباط وجّهها عدد من الرواه إلى الإمام الصادق وغيره من الأئمة عليهم السلام وتلقوا جوابا منهم، فإن تلك الأسئلة تكشف عن وجود بذرة التفكير الأصولي عندهم. ويعزز ذلك أن بعض أصحاب الأئمة ألفوا رسائل في بعض المسائل الأصولية كهشام بن الحكم من أصحاب الإمام الصادق الذي روي أنه ألف رسالة في الألفاظ}(81). وهذا ما أكده السيد كمال نفسه(82) : {طبعاً وإن كان زمن الباقر والصادق نحتاج أيضاً ولكن الحاجة أقل، لأنه يستطيع أن يرى الإمام في المدينة ويسأله عن أي شيء، وإلا روايات التعارض الواردة وعلاج الروايات المتعارضة والروايات العلاجية صدرت هذه في عهد الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام، يعني أصحاب الأئمة كانوا مبتلين بالروايات المتعارضة فاحتاجوا إلى العلاج}. أما علم الرجال فقد بان مما سبق أن الحاجة كانت قائمة إليه حتى في زمان الأئمة عليهم السلام. وإلا فهل يُعقل أن الناس كانوا يصدِّقون كل من يروي عن أهل البيت عليهم السلام بدون التوثق منه؟ إضافة إلى الروايات التي يُفهم منها الحاجة لهذا العلم كما مرّ بيانه.
7- استخدم السيد كمال مغالطة في قوله: {والمتحصّل: أن علم الرجال من أهم ما يتوقف عليه رحى الاستنباط والاجتهاد) ولكن عند الإمامية لو عندك؟ عندك وإلا المحقق الهمداني شنو گال؟ گال: فقد استرحنا من علم الرجال}. فكلام الهمداني رحمه الله يمثل رأيه الشخصي أيضاً ولا يمثل رأي الإمامية. والمسألة ما دامت محل خلاف بين الأعلام فلا يمكن القول برأي ما أنه رأي الإمامية، كما إن السيد الخوئي رحمه الله لم يدّعِ أن رأيه يمثل رأي الإمامية بل هي مسألة اجتهادية يعتقد أن رأيه فيها هو الحق كسائر المسائل التي يجتهد فيها الفقهاء.
    
    رابعاً: ثم قال في التسجيل الآنف الذكر: {وعلى هذا الأساس تجدون أن نهج البلاغة هُجر في حوزاتنا العلمية. (وأبدى تألمه) وقال: أهم نص من كلمات مطمَئَنة صادرة من فم إمام الكلام أمير المؤمنين. ولكن لأن المنهج منهج سندي [ماذا] صار نهج البلاغة عندنا؟ تدرون أين نقرأه؟ عند الموتى، نقرأ خطبة الموت صح [أم ليس بصح]؟ [هل] وجدت أحداً –هذا التنقيح أمامكم وغير التنقيح وغيرها- يستدل بكلمة من كلمات أمير المؤمنين في نهج البلاغة أو لا يستدل؟ بعد [ماذا]؟ وهكذا انتهت عندنا زبور آل محمد (وقالها بصوت حزين هادئ) انتهت الصحيفة السجادية. [لماذا] انتهت الصحيفة السجادية؟. بينكم وبين الله أنتم طلبة فضلاء لا يقل بعضكم عن 20 و25 و15 سنة في الحوزة. إلى الآن كم صفحة من الصحيفة السجادية إلا دعاء مكارم الأخلاق لا بد [أنكم قرأتموه] بمفاتيح الجنان وإلا ما عندهم شغل به مع إن التركيز الوارد في كتبنا عن الصحيفة السجادية لا يعادله شيء. لماذا صار مهجورًا في حوزاتنا؟ مهجوراً علمياً. [ما السبب]؟. هذا المنهج السندي الذي أُسس له على غفلة من فكر الإمامية. طبعا ليكن في علم الأعزاء أنا ليس ضد المنهج السندي ولكن أقول ليس هو الملاك والعلة التامة للقبول والرفض. [آتي إلى] السند، [وهو] واحد من الأمارات للقبول وعدم القبول. وهكذا أعزائي، روايات التاريخ ذهبت أدراج الرياح عندنا وروايات الأخلاق وروايات السيرة وروايات التفسير وروايات القصص وروايات المواعظ، كلها صارت في سلة إهمال الحوزات العلمية. سببه هذا المنهج السندي الذي في اعتقادي أُسس على غير أساس علمي دقيق يمكن الدفاع عنه}. وكيف عرف أن نهج البلاغة صادر كله عن أمير المؤمنين عليه السلام وخاصة الكلمات القصار التي لا يتسنى في بعض الأحيان تمييز بلاغتها وأسلوب كلام الأمير عليه السلام لقصرها أو التي تُنسب أيضاً إلى غيره سلام الله عليه. وما المانع على مبناه أن يأتي فيلسوف عارف بمثل كلام نهج البلاغة ما دام منهج النبي والعارف واحداً في تلقي معارف حقائق العالمَ كما يدعي مع الأسف(83).
    ومقتضى اطمئنانه بأن نهج البلاغة صادر كله عن أمير المؤمنين عليه السلام أن عندنا كتاب صحيح كالقرآن الكريم أوكما ينسبه القوم إلى كتابيهم البخاري ومسلم. 
    وهلا كفّ هذا الرجل عن الافتراء على حوزاتنا العلمية وعلمائها الكرام كما ادّعى هجران نهج البلاغة فيها. فمن الواضح أنه لم يُهجر وإنما احتف بكثير الاهتمام من علمائنا، ولكنه كتابُ خُطَب وحِكَم وليس كتاب أحكام شرعية، ورواياته مرسلة لا تصلح للاستدلال في الأحكام الشرعية عند مثل السيد الخوئي رضوان الله عليه. ولا داعٍ لإبداء التألم وكأن العلماء قد اقترفوا جُرماً باعتمادهم منهجاً يرونه الأصح والمُعذر أمام الله تعالى وقامت عليه الأدلة من الكتاب الكريم والسنة الشريفة والعقل. والسيد الخوئي في غير الفقه قد نهل من معين نهج البلاغة -كما في تفسير البيان- ونَقَل عنه، وقال رحمه الله: {وكفى بالقرآن دليلاً على كَونه وحياً إلهيّاً، أنّه المدرسة الوحيدة التي تخرّج منها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي يفتخر بفَهْم كلماته كلُ عالِمٍ نِحرير، وينهل مِن بحار عِلمه كلّ محقّق متبحّر. وهذه خُطَبه في نهج البلاغة، فإنه حينما يوجّه كلامه فيها إلى موضوع لا يدع فيه مقالاً لقائل، حتّى لَيَخال مَن لا معرفة له بسيرته أنّه قد قضى عمره في تحقيق ذلك الموضوع والبحث عنه، فممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المعارف والعلوم متّصلة بالوحي، ومُقتبَسة مِن أنواره ؛ لأنّ مَن يعرف تاريخ جزيرة العرب -ولا سيّما الحجاز- لا يخطر بباله أنْ تكون هذه العلوم قد أُخذتْ عن غير منبع الوحي. ولَنِعْم ما قيل في وَصْف نهج البلاغة: (أنّه دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين)} (84). أما الصحيفة السجادية فهي معتبرة السند واستدل بها العلماء كالسيد الخوئي أعلى الله مقامه الذي قال: {ومن البديهي أن الصحيفة وصلت إلينا بسند معتبر عن الامام الرابع عليه وعلى آبائه ألف تحية وسلام}(85). وعليه فإن كلام السيد كمال لا أساس له من الصحة، ويضاف إلى هذا أن الصحيفة السجادية كتاب دعاء وليس كتاب أحكام شرعية. وإذا كان هو أو طلابه الذين ينتقدهم لا يقرأون الصحيفة فهذا ليس ذنب غيرهم. أما كلامه بأن المنهج السندي قد أسس على غفلة من فكر الإمامية فقد أُجيبَ على هذا الاتهام فيما سبق من الكلام، وتبين أن لا غفلة اعترت فكر الإمامية ولا كبار علماء الإمامية حين عملوا بهذا النهج. وإنما استندوا فيه إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وأوصيائه سلام الله عليهم. أما المأساة التي استعرضها بقوله: {روايات التاريخ ذهبت أدراج الرياح عندنا وروايات الأخلاق وروايات السيرة وروايات التفسير وروايات القصص وروايات المواعظ، كلها صارت في سلة إهمال الحوزات العلمية. سببه هذا المنهج السندي الذي في اعتقادي أسس على غير أساس علمي دقيق يمكن الدفاع عنه}، فقد بان جوابها أيضاً مما تقدم، ولا أساس لما يدعيه حول سلة المهملات الحوزوية، وكأننا بلا معرفة للتاريخ والسيرة والتفسير والأخلاق كي تنطبق علينا اتهامات الأعداء. وننصحه أن لا يلقي بكل النقائص في جانب الحوزة لأن هذا كذب وفيه تضعيف للمذهب الحق الذي يلزم أن يدافع عنه بلا توهين له من أي باب.
 
الهوامش
1) ويعني بالفقه الأصغر فقه الحلال والحرام، والفقه الأكبر فقه مختلف معارف الدين كالعقائد والتفسير إضافة إلى الحلال والحرام.
2) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (156).
3) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (216).
4) مصباح الأصول، ج2، ص123.
5) نفس المصدر، ص141.
6) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (94).
7) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (96).
8) كليات في علم الرجال، ص25.
9) تهذيب الأصول، ج2، ص111.
10) سورة يونس، الآية 59.
11) سورة الإسراء، الآية 36.
12) سورة يونس، الآية 36.
13) الكافي، ج1، ص56.
14) مقدمة "معجم رجال الحديث"، ص19.
15) دروس موجزة في علمي الرجال والدراية، ص13.
16) دروس في علم الأصول، ج3، ص254 . 
17) الكافي، ج1، ص69.
18) الكافي، ج1، ص69.
19) دروس في علم الأصول، ج3، ص255.
20) وسائل الشيعة، ج27، ص119.
21) بحوث في علم الأصول، ج4، ص288.
22) معجم رجال الحديث، ج1، ص20.
23) كما في الكافي، ج3، ص273 عن الإمام الباقر عليه السلام : {وفوّض الى محمد صلى الله عليه وآله فزاد النبي صلى الله عليه وآله في الصلاة سبع ركعات هي سنة}.
24) الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني، ج4، ص419.
25) منهاج الصالحين، ج1، ص363.
26) التنقيح في شرح العروة الثقى، ج2، ص59.
27) على الرابط: http://www.youtube.com/watch?v=8Qy2mrckT1E
28) مرآة العقول، ص3.
29) وكلامه هذا موجود على الرابط المعنون "كمال الحيدري العارف كالنبي يوحى إليه": (http://www.youtube.com/watch?v=penFYIvpJII)، وقال فيه: {الأنبياء لكي يتعرفوا على حقائق هذا العالم ما هو طريقهم؟ طريقهم الوحي لا طريقهم العقل ولا طريقهم النقل ولا طريقهم التجربة}، ثم قال: {العارف يدعي أنه أيضا تنكشف له حقائق هذا العالم بنفس هذا الطريق الذي ينكشف للنبي. لا يسمى وحيا، ولكن نفس الآلية نفس المنهج}، ثم قال: {الفرق بين النبي وبين العارف المنهج واحد، ولكن الفرق أنه النبي لا يخطئ بخلاف العارف قد يصيب وقد يخطئ}. فنلاحظ أنه أقر ما يدعيه العارف، إضافة إلى أن منهجية السيد كمال العرفانية تقتضي الالتزام بهذا. 
30) يعني منهجه المضموني.
31) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (156).
32) الحسن بن زين الدين العاملي: منتقى الجمان: 1 / 13.
33) مشرق الشمسين: 3 ـ 4.
34) تحت عنوان: "الدرس الثلاثون - أُصول الحديث".
35) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (216).
36) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (156).
37) التسجيل الصوتي المعنون "الفرق بين رؤية السيد الخوئي والحيدري الى الاحاديث"، على الرابط: http://www.youtube.com/watch?v=8Qy2mrckT1E
38) عدة الأصول، ج1، ص126 وما بعدها.
39) المجاز بالاجتهاد من قبل صاحب الجواهر على ما يُنقل عن السيد حسن الصدر في التكملة. 
40) توضيح المقال في علم الرجال، ص41.
41) الفوائد المدنية، ص177.
42) فرائد الأصول، ج1، ص237.
43) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (156).
44) سورة النساء، الآية 60.
45) الكافي، ج1، ص67.
46) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (94).
47) ج2، ص187-188.
48) ج2، ص186.
49) سورة الأعراف، الآية 169.
50) سورة يونس، الآية 39.
51) حينما قال كما مرّ علينا في بداية هذا الفصل: {وصحة السند يعد من القرائن يعني الصحة له قسط من الثمن.. لا أريد أن أنفيها مطلقاً}.
52) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (218).
53) في الدقيقة 9 من التسجيل الصوتي المعنون "الفرق بين رؤية السيد الخوئي والحيدري الى الاحاديث"، على الرابط:  http://www.youtube.com/watch?v=8Qy2mrckT1E 
54) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (96).
55) الحلقة الثانية من الأصول، ص121.
56) راجع الفقرة السالفة: "ثالثاً".
57) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (156).
58) على الرابط: http://www.youtube.com/watch?v=VPYo25K1dQo بعنوان: "الرد الكامل للسيد كمال الحيدري حول التسجيل الصوتي".
59) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (156).
60) كالسيد الشهيد الصدر الذي يعتبره السيد كمال ذا منهج سندي كما ذُكر سابقاً حيث قال في درسه مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (216) أن منهج السيد الشهيد سندي كمنهج السيد الخوئي.
61) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (217).
62) دروس خارج الأصول- تعارض الأدلة (5).
63) مقدمة "معجم رجال الحديث"، ص19.
64) مصباح الأصول، ج2، ص123.
65) المصدر نفسه، ص141.
66) كالسيد محمد باقر الصدر رحمه الله والسيد محمد الصدر رحمه الله وغيرهما.
67) دروس خارج الأصول- تعارض الأدلة (46).
68) مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (156).
69) وضَحك السيد كمال هنا.
70) التسجيل الصوتي المعنون "الفرق بين رؤية السيد الخوئي والحيدري الى الاحاديث".
71) سورة البقرة، الآية 284.
72) سورة الزلزلة، الآية 8.
73) الاجتهاد والتقليد من التنقيح في شرح العروة الوثقى، ص24.
74) تهذيب الأصول - تقرير بحث السيد الخميني، للسبحاني، ج3، ص138-139.
75) الاجتهاد والتقليد، ص9.
76) مبادئ الوصول، ص243.
77) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ج1، ص40-41.
78) الاجتهاد والتقليد من التنقيح في شرح العروة الوثقى، ص25.
79) تهذيب الأصول، ج3، ص138-139.
80) الأصول الأصيلة، ص156 – 158.
81) دروس في علم الأصول-الحلقة الأولى، ص44.
82) دروس خارج الأصول-المحاضرة 3.
83) على الرابط المعنون "كمال الحيدري العارف كالنبي يوحى إليه": http://www.youtube.com/watch?v=penFYIvpJII
84) البيان في تفسير القرآن، ص77.
85) مصباح الفقاهة، ج‏1، ص336.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مظفر الشريفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/14



كتابة تعليق لموضوع : قراءة نقدية لبعض أفكار السيد كمال الحيدري عن المرجعية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 3)


• (1) - كتب : زائر ، في 2013/09/14 .

احسنت على هذا الرد سيدنا

• (2) - كتب : أبو الصاحب ، في 2013/09/14 .

هذا البحث هو الفصل الخامس من كتاب "قراءة نقدية" وليس الكتاب كله

• (3) - كتب : ابو الحسن ، في 2013/09/14 .

السيد ابي الصاحب الشريفي المحترم
وهل يستاهل كمال الحيدري كل هذا الجهد من جنابك لكي ترد عليه
الى الاخوه الذين يكلفون نفسهم مشقه وعناء الرد على  كمال الحيدري الذي باع دينه بدنياه وبثمن بخس كل ما رددتم عليه كلما ازداد سفاهه وتهجم
اتركوه فانه قد انتحر واتمنى ان لا تعطوه اي قيمه لان طروحاته فاسده ولا قيمه لها






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net