صفحة الكاتب : صالح الطائي

من قواعد الدين البقاء للأصلح
صالح الطائي

قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم مخاطبا نبيه صالح (ع): {يا صالح قد كنت فينا مرجوا} واسم صالح مأخوذ من الصلح والصلاح. والصلح هو التراضي بعد خلاف، أما الصلاح فهو كما يقول الراغب الأصفهاني في المفردات: "ضد الفساد، وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال" أي بأفعال الإنسان صالحها وفاسدها. ومن هنا وصف الله المؤمنين بالصالحين {فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} هؤلاء المؤمنون هم الذين يرجون لقاء الله فوضع الله لهم شرط العمل الصالح ليكون ميزان أعمالهم {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} وقبالة ذلك ادخر الله لهم أجرا كبيرا {من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم} ووعدهم بأن يكونوا هم الآمنون يوم الفزع {من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم} لأنه سبحانه كفر عن سيئاتهم {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عن سيئاته} والتكفير عن سيئاتهم سيدخلهم الجنة خالدين فيها {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات} فهم أصحابها {والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة} لأن الله سبحانه وعدهم بالنجاء والنجاة {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} وهذا هو جزاء الحسنى {وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى} وجزاء السيئة النار.

 

إن الصلح يختص بإزالة النفار من زعل وتباعد وتكاره بين الناس، قال تعالى: {أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} وقال: {فأصلحوا بينهما} ومثله قوله سبحانه: {فأصلحوا بين أخويكم} وفي قواميس اللغة: صالح الشخصَ سالمه وصافاه ، خلاف خاصمه.

ولأن الإصلاح كله من إصلاح البال {وأصلح بالهم} إلى إصلاح الأعمال: {يصلح لكم أعمالكم} هو من عند الله سبحانه وتعالى نجد دعوات الأنبياء تتكرر: {وأصلح لي في ذريتي} لأن الذرية الصالحة هي التي تصلح الكون والمجتمعات. ولأن الله سبحانه وتعالى يتحرى في جميع أفعاله الصلاح رحمة بالعباد فإنه يحب الصالحين ويبارك بهم ويصلح أعمالهم {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} ولكنه سبحانه {لا يصلح عمل المفسدين} لأن المفسد يضاد الله في فعله، ومنه قوله تعالى: {قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} 

 

قبالة الصلاح استخدم الخطاب القرآني مفردات مثل: السيئة، الفساد، لتدل على الضد النوعي، قال تعالى: {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} وقال في موضع آخر: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} وفي هؤلاء المفسدين من يدعو الله أن يهديه إلى الصلاح ولكنه لم يثبت بعد الهداية {دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} وفيهم أيضا من خلط بين الصلاح والفساد {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا}. ولقد نهى الله عن الفساد لأنه سبحانه لا يحبه ولا يحب المفسدين {ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين}

 

نلحظ مما تقدم أن الخطاب القرآني يؤكد على بقاء الأصلح وليس الأقوى لأنه لا يشترط بالقوي أن يكون صالحا أما الصالح فهو قوي بعقيدته وإيمانه وهو ما تحقق عبر العصور وإلى يومنا الحاضر. وهذه إشارة عظيمة في مدلولها ولذا وعاها الذين سرقوا من الإسلام بعض قواعده ووظفوها لخدمة تخصصاتهم العلمية وادعوا أنها قواعد من صنعهم يفخرون بها على غيرهم، ومنها قاعدة البقاء للأصلح. 

ومما تقدم من أقوال وآيات نفهم أيضا مقصدا مهما وهو أن الله سبحانه وتعالى يقول: إن البقاء للأصلح، وهو مضمون الآية: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} أي يبقى. ولكن المتأخرين قالوا شططا بأن (البقاء للأصلح) قاعدة من وضع الفيلسوف وعالم الاجتماع الإنكليزي  (هربرت سبنسر) وأن (داروين) استعارها منه وأنشأ بموجبها نظريته الشهيرة (أصل الأنواع وفق الاختيار الطبيعي) ليؤكد من خلالها أن البقاء ليس للأقوى بل للأصلح لأن كثيرا من الكائنات التي هي أقوى كثيرا من غيرها ومن الإنسان بالذات مثل الديناصورات انقرضت بالرغم من قوتها؛ بينما بقي الإنسان الضعيف حتى ملأ وجه الأرض وبقيت معه الخراف والطيور ومخلوقات ضعيفة أخرى لم يكن متوقعا لها البقاء في عالم المنافسة الشرس الذي عاشت فيه.

 

أما البقاء فهو في جوهره وفيما يفهم من الآيات القرآنية والخطاب القرآني يتحقق من خلال مقدرة الكائن على التكيف مع متغيرات ما يحيط به، فالإنسان تكيف مع المتغيرات العقدية فآمن بالرسل ونال فرصة البقاء في الخلد؛ ومن لم يؤمن بالرسالات آمن بقدراته العلمية التي حصنته من تأثير المتغيرات فنال فرصة البقاء في الدنيا.

جدلية الصراع بين الصلاح والفساد وجدت مع الإنسان الأول واستمرت باستمراريته وستبقى بعد فنائه لأنها ستكون الميزان المعياري الذي تقاس به الأعمال يوم الحساب، أما تعريف الصلاح والفساد فيختلف من شعب إلى آخر ومن عقيدة إلى أخرى تبعا للموروث العقدي والتاريخي، ولكن الصلاح والفساد حتى في هذه الحال يخضعان إلى مؤثرات قوية كثيرة تحدث فيهما تحولات جذرية تصل أحيانا إلى حد التناقض مع الأصل الأول، ولذا نجد في واقعنا المعاصر للصلاح أكثر من معنى ومن زاوية وللفساد مثلها، بل ونجد خلطا بين الاثنين يفقدهما خصوصيتهما فالحاكم الفاسد في بلد ما نجده حاكما صالحا في بلد آخر لمجرد أن رؤى الأول لا تتفق مع توجهات أصحاب القرار بينما تتفق رؤى الثاني مع رؤاهم، بمعنى أن هناك خدعة كبيرة تمارس ضد عقولنا مستغلة قناعاتنا وثوابتنا لتحدث في تفكيرنا فعلتها التي تدمر طمأنينته وتشوه انسيابيته، وما ذاك إلا لأن القوى العظمى تريد سرقة خصوصياتنا وتسييرنا وفق سياسة القطيع المطيع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/11



كتابة تعليق لموضوع : من قواعد الدين البقاء للأصلح
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net