صفحة الكاتب : محمد السمناوي

الآثار المعنوية في المشي لزيارة الامام الحسين(عليه السلام) القسم الأول
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن من الحقائق الفلسفية هي أن حقيقة الوجود تعني الكمال ، وإن حقيقة الكمال تتجسد في النفس الإنسانية ، وإن أعلى درجات هذه النفس تتجسد في نفس المعصوم نبيا ً كان أو إماما ً ، ولأجل ذلك جعل الله (عز وجل) لهذه النفس سُّـلمْ للتكامل تسعى له النفس الإنسانية . هناك بعض الأجواء والحرارة الإيمانية التي يشعر بها السائر مشيا ً على قدميه إلى كربلاء الامام الحسين (عليه السلام)الذي هو درب الحق نحو طريق الولاية لأهل بيت النبوة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) والتي تؤيدها الروايات والنصوص وإنها حقا ً يصح أن نسميها لذائذ نورانية . 
فمن تلك اللذائذ : 
1-الاثر القلبي : إنك تشعر بالفرحة لأنك تسير نحو الكمال ، والكمال هو السعادة والفرحة في القلب واللذة في طاعة الإمام (عليه السلام) التي هي طاعة لله تعالى.
2-الاثرالولائي : إنك تشعر بذلك الارتباط مع الحسين (عليه السلام) ويكون الإنشداد الولائي له والارتباط به ارتباطا أخلاقيا ً وعقائديا ً وفكريا ً ، بل ذلك الارتباط الذي هو حقا ً ارتباطا ً إلهيا ً ، لأن المعصوم (عليه السلام) هو الدال إلى الله وإلى مرضاته.
ورد في زيارة الجامعة الكبيرة : ((السلام على الدعاة ِ إلى الله ِ والأدلاء على مرضاة الله)).(1)
3-اثر لتقوية الإرادة : إن الذي يكون ضعيفا ً في الإرادة في التصميم والانطلاقة ِ إلى عالم الملكوت (2) ، فإن في المشي إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وطريق الحق سوف تـُـقـَوي إرادة وتصميم طالب ُ الحق والحقيقة,وان كل الافعال والاعمال في عالم الوجود مبنية على الارادة , ومن اوضح معاني الارادة هي الحركة المعنوية القلبية نحو الله سبحانه وتعالى وجعلها خاضعة لارادة الحق سبحانه , فالفرد الحسيني يجب ان تكون ارادته ارادة الهية وقد ذكر الشيخ الرئيس في الاشارات كلمات نعرض عن ذكره .(3)
4- اثر الالفة والمحبة : إن هذا الشعور الذي يعتري المؤمنين وهم سائرون مشيا ً على الأقدام تتمنى أن ينتقل هذا الشعور بالمحبة إلى المجتمع عموما ً ، وأن تحب أن الخير يصيب الناس جميعا ً و لا تفكر فقط في نفسك وإنيتكَ ، حيث نجد الزائر الملتفت يطلب من الله تعالى بقلبهِ إن لم يتلفظ بلسانهِ هو أن يطهرهُ من الأنانية الذاتية التي تعتبر هي الداء الخطير والمهلك في الدار الآخرة. يقول حافظ (4) : 
بيني وبينك إنـّي ينازعني فارفع بلطفك إنيتي من البين ِ(5)
بخلاف ما يرددهُ الطغاة والمستبدون المتكبرون وعشاق الأنانية بشعر أستاذ ألأنانيين :
جربتُ ألفَ عبادةٍ وعبادة فرأيت أفضلها عبادة ُ ذاتي(6)
الإنسان الحسيني لا يحب الأنا ولا يقبل بها ، ويستحيل على الشيعي المخلص للحسين (عليه السلام) أن يفكر بأن يكون أنانيا ً ، بل يحارب جميع مظاهر الأنانية وحب الذات . لأن الأنانية تعتبر من أخلاق بني أمية . وكل من يتخلق بأخلاق ِ الأمويين فهو أموي الأخلاق ، وكـل مـن يـتـخـلـق بـهـذه الأخلاق فـهـو مفتقر ومـحـتـاج إلـى خُـلـُـق الامام الحسين (عليه السلام ) وعـلـى رأس هــؤلاء الـظـالـمــون هـم الأمويون . 
وإلى هذا المعنى يشير آية الله الجوادي الآملي دام تأييده بقوله: ((الإنسان الحسيني لا يظلم ولا يقبل الظلم وعندما يحاول بعض الناس بأن يظلم أو يقبل بالظلم فذلك بسبب افتقارهم لِخُـلـُـق الامام الحسين (عليه السلام ) في أنفسهم ويستحيل على الشيعي الحسيني المخلص لمنهج الامام الحسين (عليه السلام) أن يفكر بأن يظلم أو يقبل الظلم ، الشخص الظالم هو أموي والشخص الذي يقبل الظلم أموي أيضا ً.
 
لأن هؤلاء الأشخاص هم الذين يظلمون عند الاستطاعة ، وإلا فسيقبلون بالظلم.قال تعالى : ((يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)) (7).
فالشخص الظالم يكون في صف الأمويين ، فإذا أردنا أن نعرف طريقنا هل نشعر بالرغبة في الظلم والتسلط أو قبول الظلم أولا ؟ فلو رأينا الميل إلى هذه الخصلة القبيحة في أنفسنا فيجب أن نعيد النظر في أخلاقنا)) (8) انتهى.
فالألفة والمحبة والإيثار والتسامح والعدالة جميع هذه المظاهر الأخلاقية نأخذها من نهج الامام الحسين (عليه السلام) بينما الطرف الآخر من بني أمية الذين هم حُمَّال راية الظلم والشرك يشجعون وينشرون الظلم والفساد وجميع مظاهر الانحراف مثل الغدر ,ونكث البيعة ,وجحود الولاية الحقة ,والانكار للمنزلة ,والرفعة التي جعلها الله تعالى لهم صلوات الله عليهم اجمعين ,والتقرب الى الفراعنة بالبراءة منهم ,والإعراض عنهم وغير ذلك وقد وردت هذه المظاهر السلبية في النفس البشرية في العديد من الزيارات التي هي خلاصة عقائد الطائفة الحقة منها ماورد في زيارة الجامعة لائمة المؤمنين في وصف الخط المعادي لاهل بيت الرحمة عليهم الاف التحية والثناء وقد ذكرها المحدث المجلسي طاب ثراه في البحار : (يا سادتي يا آل رسول الله إني بكم أتقرب
إلى الله جل وعلا، بالخلاف على الذين غدروا بكم، ونكثوا بيعتكم، وجحدوا ولايتكم،
وأنكروا منزلتكم وخلعوا ربقة طاعتكم، وهجروا أسباب مودتكم، وتقربوا إلى فراعنتهم
بالبراءة منكم، والاعراض عنكم، ومنعوكم من إقامة الحدود، واستئصال الجحود، وشعب
الصدع، ولم الشعث، وسد الخلل، وتثقيف الاود، وإمضاء الاحكام وتهذيب الاسلام، وقمع
الاثام، وأرهجوا عليكم نقع الحروب والفتن، وأنحوا عليكم سيوف الاحقاد، وهتكوا منكم
الستور وابتاعوا بخمسكم الخمور، وصرفوا صدقات المساكين إلى المضحكين والساخرين.
وذلك بما طرقت لهم الفسقة الغواة، والحسدة البغاة، أهل النكث والغدر والخلاف
والمكر، والقلوب المنتنة من قذر الشرك، والاجساد المشحنة من درن الكفر، أضبوا على
النفاق، وأكبوا على علائق الشقاق)(9)
5- النجاة من الهلاك :
إن الذي يسير إلى كربلاء الامام الحسين (عليه السلام) يشعر بأنه سائر ومتجه نحو النجاة والخلاص من الهلاك والخسران المادي والمعنوي ، ورد في زيارة الجامعة الكبيرة : ((من أتاكم نجا ومَن لم يأتكم هلك ، إلى الله تدعون ، وعليه تدلـّون وبه تؤمنون وله تسلمون وبأمره تعملون وإلى سبيله ترشدون)) (10).
6- انشراح الصدر :
الذي يقصد الامام الحسين (عليه السلام) بإخلاص ونية صادقة يشعر بذلك الإنشراح الذي في الصدر والراحة والطمأنينة والاستقرار والرقة القلبية والعين الباكية اثر انكسار القلب (11) من خشية الله تعالى ولوعة من أجل مصيبة الامام الحسين (عليه السلام) وكل هذه المظاهر هي عبارة عن صحة وعلاج من جميع الأمراض المعنوية وبلسم لجميع الجروح والأسقام ، وإنها حياة للقلوب ، كيف لا يحيى قلب الماشي على قدميه وهو يقوم بعملية الاحترام لمنازل الأولياء لله وأحباؤه ونوره الساطع وبرهانه الواضح.
اللهم اشرح صدور زوار الامام الحسين (عليه السلام) بحق المعنى الذي يحمله سلطان عالم البررخ الامام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهما السلام) .
اللهم أرزقنا النصر على ذاتنا في عاشوراء الذات وتلبية نداء الامام الحسين (عليه السلام) : ((ألا ّ من ناصر ٍ ينصرنا)).هذا النداء الذي يتكرر مع تكرر الانفاس في اعماق الانسانية ضد القوى الشهوية والحيوانية الحاملة للجبلة النفسية الاموية.
7- العبادة : إن في المشي روحانية عبادة الحج والصوم ، فكما إن جميع الناس يشتركون في تعظيم الشعائر الإلهية في موسم الحج (12) وصيام شهر رمضان فمنهم الفقير والغني ، العالِم والمتعلم ، الرجل والمرأة وهكذا في المشي إلى العتبات المقدسة فإن جميع الطبقات الإجتماعية على سواسية في هذا الطريق الصعودي والارتقاء بسلالم التقوى والكمال سيرا ً تجاه العبودية والقرب من الولاية لأهل البيت (صلوات الله عليهم اجمعين ) فيعتبر السير إلى كربلاء هو باب من أبواب السير تجاه العبودية وتحقيق العبادة الكاملة التي هي الغاية القصوى في إيجاد الخليقة.
المصادر 
 
المصادر:
 
1-بحار الانوارج99: 128
2-إن العالم الملكوتي هو الذي لا يُحدَّدْ بزمان ٍ بل لا يتسع له زمان ، وموقعه خارج نطاق الزمان. 
3-شرح الاشارات :ج3, 378 الشيخ الرئيس إمام الحكماء أبوحسين بن عبداللَّه بن حسن بن عليّ، المعروف بابن سينا. من نوابغ البشريّة. ولد سنة (370 ه)، وتوفّي في همدان سنة (428 ه). طلب العلم في بخارى، وحفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره. تتلمّذ عند أبي عبداللَّه النامقي في المنطق والهندسة والنجوم ففاق اُستاذه في هذه العلوم. ثم سعى في تحصيل علوم الطبّ وماوراء المادّة. ثمّ اطّلع على مؤلّفات الفارابي، وأخذ في تحصيل الفلسفة....
من كتبه: القانون في الطبّ، والشفاء والإشارات في الفلسفة
4-هو خواجه شمس الدين محمد بن بهاء الدّين حافظ شيرازي) شاعر فارسي ولد ما بين سنتي (1310-1337) ميلادي حوالي (727-792 هجري) في شيراز، فارس و هو من أشهر الشعراء الايرانيين وسمي بالحافظ لأنه كان حافظا للقران الكريم
5-وينسب هذا البيت ايضا الى الحلاج : 
بيني وبينكَ إنِّـيٌّ ينازعُني فارحم بلطفِكَ إنِّـيَّ منَ العدمِ
والحلاج هو ( الحسين بن منصور ) ولد في سنة 244 ه = 857 م تقريبا 
وتوفي سنة (309 ه) = (922 م). ومسقط رأسه الطور في الشمال الشرقي من البيضاء , في مقاطعة فارس بايران .
6-البيت من قصيدة لنزار القباني بعنوان الرسم بالكلمات وقد رد عليه احد الشعراء المتدينين بقوله:
يا عابدَ الذاتِ المريضةِ قل لنا هل كافَأَتْك وأنت في الأمواتِ؟
الى ان يقول ..
الرسم بالكلمات اورثك العمى يا من تجيد الرسم بالكلمات 
7- الإسراء :71
8- الحماسة والعرفان :234 
9-بحار الانوار:ج99 ,165 والمزار محمد بن المشهدي :ج1 , 263
10_بحار الانوار:ج97: 344
11-كل شيء يكسر تقل قيمته وكلما تحطم اكثر من شدة الكسر يصبح لا عوض له ولا قيمة إلا القلب فكلما انكسر اكثر ازدادت قيمته اكثر وخصوصا على مصاب الامام الحسين عليه السلام .
12-كما أن هناك بحرا ً بشريا ً يطوف ويجري حول بيت الله الحرام فإن البحر البشري الحسيني يجري ويطوف حول ضريح سيد الشهداء (أبي عبد الله الحسين(عليه السلام).

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/04



كتابة تعليق لموضوع : الآثار المعنوية في المشي لزيارة الامام الحسين(عليه السلام) القسم الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net