صفحة الكاتب : السيد علوي البلادي البحراني

الحلقة الخامسة من سلسلة شواهد تحقيق الفقهاء والمحدثين للروايات والأحاديث
السيد علوي البلادي البحراني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
متابعة سرد الشواهد:-
ما معنى (حديث صحيح) و (حديث ضعيف) ؟
 
الشاهد الحادي عشر:-
قسم العلماء الحديث لأقسام أربعة وهي الصحيح ، والحسن ، والموثق ، والضعيف ، اهتماما منهم بأمر الحديث ، وحتى توضع موازين القبول والرفض ، تبين معايير الاعتماد وعدمه ، فيؤخذ بالسليم ، ويترك السقيم.
فما هو معنى (حديث صحيح) او ( حديث ضعيف) ؟
الجواب: لعل اول ما يتبادر في ذهن السامع خصوصا عند غير اهل الاختصاص ان المراد بالصحيح هو الخبر الصادر من المعصوم عليه السلام ، أي (الصادق) وان المراد بالخبر الضعيف هو الخبر الكاذب غير المطابق للواقع ، فالصحة تعني مطابقة الخبر للواقع فتكون مرادفة للصدق ، والضعف يعني الكذب وعدم مطابقة الخبر للواقع ، فيكون مرادفا للكذب ، فكما ان الخبر المطابق للواقع صدق ، والمخالف للواقع كذب ، كذلك الروايات والاخبار يسمى الصادق منها صحيحا ، ويسمى الكاذب منها ضعيفا.
ولعل هذا هو الشائع في الاستعمال في الحوادث اليومية والوقائع المنقولة ، فيقولون هذا الخبر صحيح أي صادق ، وذاك غير صحيح أي كاذب.
وكأن هذا التصور الساذج وراء الدعوة التي اطلقها بعض المثقفين لتنقيح التراث ، وحذف الروايات الضعيفة من كتب الحديث ، وان تؤلف كتب حديث نقية من الكذب ، خالية من التزوير والوضع ، سليمة من الاختلاق والدس ، فيكون لنا (صحيح الكافي) على غرار (صحيح البخاري) ، و (صحيح التهذيب) على غرار (صحيح مسلم) وهكذا ، وغني عن البيان ان الحديث الضعيف اذا كان بمعنى الموضوع والمكذوب فحري بنا تطهير تراثنا منه ، وكما قال الشاعر:
لا تربط الجرباء عند سليمة ----- حذرا على تلك السليمة تجرب.
ولا اقل من ان الحيث الضعيف ان لم يكن فاسدا فهو خالي من الفائدة ، وضمه في كتب الحديث الى الحديث الصحيح كضم الحجر الى  الانسان كما يقال.
الا ان هذا الاقتراح الكبير قائم على خطأ كبير في فهم معنى الصحيح والضعيف ، فالاقتراح الكبير تولد من خطأ كبير ، فليس المراد بالحديث الصحيح ما طابق الواقع وكان صادقا ، كما انه ليس المراد بالضعيف الحديث الموضوع والكاذب ، فهناك فرق كبير بين الصحيح والصادق ، وكذا فرق كبير بين الضعيف والكاذب.
واذا لم يكن الصدق معنى الصحيح ، ولم يكن الكذب معنى الضعيف ، فما هو المراد اذن ، وما هو المعنى الصحيح للصحيح ، وما هو المعنى السليم للضعيف؟
الجواب:
الحديث الصحيح او الرواية الصحيحة او الخبر الصحيح بحسب الاصطلاح هو (ما رواه العدل الامامي عن العدل الامامي ، وهكذا متصلا بالمعصوم عليه السلام) راجع نهاية الدراية للسيد حسن الصدر.
لتبسيط الاصطلاح وتوضيحه أقول: المراد بالخبر الصحيح هو الخبر الذي يرويه من يعتقد بالعقيدة الامامية الاثنا عشرية ويكون عادلا مستقيما في جادة الشريعة ، ويرويه بدوره عن امامي عادل مثله ، وهكذا الى ان ينتهي الى المعصوم عليه السلام.
ومثاله ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة.
فهذا الحديث صحيح السند ، وقد تبين مما عرضناه ، ان المراد من صحة الحديث صحة السند ان الطريق سليم ، وان سلسلة الرواة إماميون ثقاة عدول يعتمد على نقلهم ، فالصحة والاعتبار راجعة للسند ، وليس للمتن ونفس الخبر المنقول.
فقد يكون الخبر صحيحا سندا ولكنه كاذب متنا ، لماذا؟
لان الصادق قد يكذب ، ولان الصادق قد يشتبه ويخطأ ، وبحسب الاعم الاغلب فانه لا سبيل لنا للعلم بان الخبر مطابق للواقع وانه صادق ، كما لا سبيل للعلم بانه كاذب وموضوع ، الا في حدود معينة ، بين الفقهاء موارد عديدة منها في ابحاثهم.
ملاحظة: نسب للقدماء من أمثال الكليني والصدوق والمفيد واضرابهم ، ان لهم اصطلاح آخر في الصحيح وهو الخبر المعتبر الذي يعتمد عليه ويعمل به ، رواه امامي عدل ، او رواه منحرف العقيدة لكنه ثقة ، او حفت بالخبر قرائن تولد الوثوق به بغض النظر عن نفس سلسلة السند ، ومهما يكن من حال فان الصحيح عندهم أيضا لا يعني انه صادق مائة بالمائة بالضرورة ، لاحتمال الكذب والخطأ والاشتباه ، فاعتباره حجة والعمل عليه ، لا يساوق الجزم بصدقه ومطابقته للواقع.
ما هو الخبر الضعيف؟ الجواب: الخبر الضعيف هو  الخبر الذي يكون احد افراد سلسلة سنده او اكثر ، مجهول الحال ، او مجروحا ومتهما بتهمة تخدش اعتباره وتسقط وثاقته ، كأن يوصف بانه ضعيف في الحديث ، او يقال: بانه وضاع او كذاب ونحو ذلك.
ولكن هل الخبر الضعيف كاذب ومختلق ومدسوس؟
الجواب: لا نعرف ان كان الخبر الضعيف صادقا او كاذبا ، فقد يكون صادقا حيث ان الكاذب قد يصدق ، مضافا الى ان الراوي المجهول قد يكون عادلا ، لا يكذب ، ولكنا لا نعرف حاله ، ولا اطلاع لنا على امره ، فلذلك يدخل في الحديث الضعيف الخبر الذي يكون احد افراد سلسلة سنده مجهولا ، وربما كان هذا المجهول صديقا عند الله.
الخلاصة:-
الحديث الصحيح قد يكون صادقا ، وقد يكون كاذبا ، والحديث الضعيف أيضا قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا.
لعلك تسأل اذن ما هو الفرق اذا كان كل منهما يحتمل الصدق والكذب؟
الجواب: ان الحديث الصحيح حجة ويعمل به الفقيه ضمن شروط معينة ، والخبر الضعيف لا يعمل به الا في حالات خاصة.
 قد تسال مرة أخرى وتقول: حيرتنا يا سيد كيف يعمل الفقيه بالخبر الصحيح أحيانا ويتركه أحيانا أخرى؟ وكذلك يعمل الفقيه بالخبر الضعيف أحيانا ويهمله أحيانا أخرى؟
لم نعد نفهم الفرق بينهما ، فما هي فائدة تقسيم الحديث للصحيح والضعيف؟ هلا أوضحت لنا ما يزيح الغمامة ويكشف الابهام؟
الجواب: تفصيل ذلك يحتاج لدراسات عميقة مفصلة قام بها الفقهاء والمحققون وهي مشروحة في كتب الاختصاص ، ولكن على سبيل الايجاز وإعطاء صورة مصغرة عن ذلك أقول:
الحديث الصحيح كقاعدة أولية يعمل به الا في حالات خاصة يسقط ولا يعمل به ، ومن تلك الحالات ان يكون للخبر الصحيح خبر آخر صحيح السند ايضا معارض للحديث الأول فيسقط الخبران بسبب المعارضة بينهما.
ومن تلك الحالات ان يدل الخبر الصحيح السند على معنى باطل عقلا ، ومخالف للعقيدة الحقة ، ومن تلك الحالات ان يدل الخبر على امر مستحيل عقلا ولا يمكن تصديقه لتكذيب العلم الحديث له مثلا ، وسنعرض لبعض الأمثلة في بعض الحلقات القامة بإذن الله تعالى.
واما الخبر الضعيف فالقاعدة الأولية فيه انه متروك ولا يعمل به ، الا في حالات استثنائية ، منها على سبيل المثال ان يكون الخبر رغم ضعف سنده ، معتضدا بعدة اخبار أخرى وان كانت هي الاخرى ضعيفة الاسناد أيضا ، الا ان تعددها وكثرتها قد تولد وثوقا ، او يقينا بصدور الحديث فيؤخذ به رغم ضعف السند.
وهكذا نخلص الى ان الخبر الضعيف ليس فاقدا لأي قيمة علمية ، ولا مجردا من احتمال الصدق والمطابقة للواقع ، كما ان هناك امرا اخر في غاية الأهمية ، وهو ان مناهج التصحيح والتضعيف مختلف فيها ، وهي أمور اجتهادية ، فكم من حديث ضعيف عند فقيه صحيح عند فقيه آخر ، وكم من حديث صحيح عند مجتهد ضعيف عند مجتهد آخر ، بل كثيرا ما يكون الحديث صحيحا عند فقيه ثم يغير مبناه فيصبح ضعيفا ، كما يحدث العكس كما لا يخفى على الممارس المطلع على حدائق العلماء الناضرة ، وبساتينهم الفاخرة ، فكل من شم عبق تلك الازهار ، وجاس خلال الديار ، وارتشف من رحيق ذلك الزلال ، استنارت بصيرته بما ذكرنا ، وطابت سريرته بما اوضحنا من تلك الدرر الغوالي ، وجواهر الكلام واللآلي.
اذا عرفت ما تلوناه عليك يستبين لك سخف المطالبة بتنقيح التراث ، وحذف الاحاديث الضعيفة من الموسوعات فذلك ناشئ من قلة التأمل والتدبر ، ومنبثق من التسرع والتعجل ، ودعوة لتحكيم نظر واحد مما يكون اشبه بإغلاق باب الاجتهاد ، وتفريطا لتراث ضخم ومهم فقسم الاحاديث الضعيفة ليست من باب ضم الحجر للإنسان حتى يكون فاقدا للفائدة ، فضلا عن ان يكون من قبيل ضم الفاسد للسليم.
سنطرح مزيدا من التوضيحات في الحلقات المقبلة بأذن الله تعالى ، والحمد لله رب العالمين.
http://beladey.blogspot.com.au/2013/08/blog-post_24.html

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد علوي البلادي البحراني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/04



كتابة تعليق لموضوع : الحلقة الخامسة من سلسلة شواهد تحقيق الفقهاء والمحدثين للروايات والأحاديث
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net