صفحة الكاتب : اكرم الحكيم

نحو إستراتيجية ناجحة لتحقيق الأمن في العـراق وضمان الأمان للعراقيين(7-7)
اكرم الحكيم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بقلم: أكـرم الحكيـــــم ـ وزير سابق
 
اذا كانت هذه هي ملامح الإستراتيجية الأجنبية، فما هي ملامح الإستراتيجية الأمنية الوطنية؟ أو بكلمة أدقّ: ما هي ملامح الإستراتيجية الأمنية المطلوبة للنظام السياسي الجديد في العراق؟ لأننا لا نشعر بوجود إستراتيجية أمنية وطنية موحّـدة معتمدة من قبل القوى السياسية المشتركة في الحكم حاليا..!! بل ونلمس أحيانا وجود اختلافات جذرية بين تلك القوى فيما يخص هذا الملف، ويمكن التعرّف على ذلك من خلال الكثير من التصريحات ...
 
قبل الجواب على هذا السؤال، لابد من تحديد هوية الأعداء وسعة وعمق جذور الصراع معهم، فضلا عن تحديد عناصر القوة الحقيقية التي تمتلكها القوى الوطنية العراقية ويمتلكها النظام الســــياسي الجديد في العراق..أما هوية الأعداء فيمكن استنتاجها من خلال مراجعة (المحور الحقيقي والأساسي للصراع في العراق في هذه المرحلة): 
 
أعـداء العراق شعبا وحكومة هــم:
*  القوى المحلية والإقليمية والدولية التي لا ترغب في أن يتمتـّع الشعب العراقي بحريته و بحقوقه وبثرواته، ويقرر مصيره من خلال مؤسّسات دستورية تنبثق من خلال انتخابات حرّة ونزيهة وفق مبدأ لكل مواطــن صــوت، وبالتالي لا يودون انبثاق ديمقراطية حقيقية في هذا البلد العربي الغني و المحوري في المنطقة وذو الجذر الحضاري الضارب في عمق التاريخ...
*  القوى الإقليمية والدولية التي لا ترغب في تحقيق الاستقلال الكامل والسيادة التامة للكيان العراقي والتي تخشى أن يستعيد العراق مكانته السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية، خاصة وهو يمتلك العنصر البشري المؤهـّل لذلك وكذلك الثروات الهائلة.
*  القوى والأوساط المحلية والإقليمية والدولية التي فقدت امتيازاتها ومصالحها غير المشروعة  في العراق،عند سقوط النظام البعثي البائد، ولم تتمكـّن أو لم ترغب ببناء منظومة مصالح وامتيازات جديدة متوازنة مع النظام السياسي الجديد، لعدائها الشديد له.
*  القوى الاستعمارية التي تقوم مشاريعها في المنطقة على سياسات جوهرها تدمير منظومة القيم الأخلاقية للشعوب والغزو الفكري، أي محاربة القيم السماوية عامة والإسلام بشكل خاص، وبشكل أخص محاربة منهج أهل البيت (ع) في طرح الإسلام. (وهــو المنهج المعاصر الوحيد المؤهـّل لتقديم الحلول الصحيحة الوسطية لمشكلات الإنسان المعاصر ومشكلات المجتمع الإنساني المعاصر عامة والمجتمع المسلم خاصة وكذلك الحلول السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لأنظمة الحكم المعاصرة، وخاصة في العالمين العربي والإسلامي)، وفي مقدمة تلك القوى الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، واللوبي الدولي الداعم له، لأن في العراق أعرق وجود علمي إسلامي حضاري ومن مصاديقه المعروفة جامعة الحوزة العلمية في النجف الأشرف لعلوم مدرسة أهل البيت (ع)، وكذلك فيه قاعدة شعبية واسعة وراسخة ومؤهـّلة ومرتبطة مصيريا بمرجعيتها الدينية العليا في النجف الأشرف (والمرجعية الدينية العليا الرشيدة هي القيادة الشرعية الوحيدة المؤهـّلة لقيادة سفينة الأمة الى شاطئ الأمان، وهي الحصن الواقي من ألوان الضياع والانحراف)، وفي العراق مراقد ستة من أئمة أهل البيت (ع)، وعدد كبير من قبور ومقامات الأنبياء والأولياء وأئمة المذاهب والصالحين رضوان الله عليهم أجمعين... بمعنى أن قوة الدين وقوة تأثير حركة الأنبياء والأئمة (ع)، وقوة وأصالة أطروحة أهل البيت (ع) الإسلامية موجودة وكامنة في العراق، وهو ما يفسر السياسة الدموية والإستئصالية التي نفـّـذها طيلة ثلاثة عقود ونصف، النظام البعثي البائد (وهو الأداة المعروفة للصهيونية العالمية منذ حوالي نصف قرن)، بحق علماء المسلمين من السنّة والشيعة، وبحق الحوزات العلمية والمرجعية الدينية وقواعدها الشعبية في العراق وتجاه الشعائر الإسلامية والحسينية، وكذلك قتل المئات من الخطباء وعلماء الدين المجاهدين والمفكّرين ووكلاء المراجع العظام (خاصة في الفترة بين عام 1979 وعام 1991 في القرن الميلادي الماضي)،  فضلا عن عشرات الآلاف من قيادات وأعضاء القوى الإسلامية الوطنية العراقية.
هذه هي العناوين العامة لهويات الأعداء، ولا يحتاج الأعـزّاء من النخب السياسية ممّن يقرؤون هذه الدراسة الخاصة، الى تسمية العناوين المباشرة والدقيقة المتمثـّلة بدوائر وأجهزة سياسية وأمنية ومسؤولين كبار في حكومات إقليمية وغربية وعربية ودول مجاورة، لأنـّهم يعرفونهــم جيدا، وهنا نشعر بالحاجة الى التذكير ببعض الملاحظات وهي:
   1ـ قد تنخرط قوى وأوساط وشخصيات ذات نوايا ربما تكون سليمة ومخلصة، في الحركة العامة للأعداء وضمن خطط وسياسات وفعاليات معادية وضارة بالوطن وبمصالح الشعب، و بالتالي تكون أداة رخيصة بيد الأعداء الكبار، وذلك بسبب الجهل و ضعف أو انعدام الوعي السياسي أو الانحراف الفكري والعقائدي أو العصبيات الطائفيه (المذهبية)، وحساب هؤلاء ربما بل يجب أن يكون مختلفا عن حساب أولئك المتآمرين الكبار..
   2ـ من أكبر الأخطاء وأخطرها على الوطن، الاستهانة بقدرات العدو وبإمكاناته ومعلوماته و تطور وتقدم أساليبه وكذلك بعلاقاته ..بالتأكيد ليس مطلوبا منا تخويف الشعب والمبالغة  في الحسابات، ولكن عدم الاستهانة بالعدو يدفعنا الى التحضير الجيد والاستعداد الكافي والتخطيط وفق أسوأ الاحتمالات وكل ذلك ينفعنا ويجنّبنا القصور والتقصير في العمل..
يجب أن لا ننسى بأن رموز وقيادات النظام البعثي البائد، الهاربة من العراق أخذت معها شاحنات كبيرة مليئة بالدولارات إضافة الى حسابات سرية عديدة في البنوك الأجنبية ومنها حسابات عائلة صدام الذي صادر ومنذ السبعينات من القرن الماضي نسبة الخمسة بالمائة  5% من عوائد النفط السنوية (كانت تسمى نسبة كولبنكيان)، وأصبحت تسجّل في البنوك الأجنبية في حساب الطاغية الخاص، فضلا عن مساعدات بملايين الدولارات تأتيهم سنويا وخاصة من بعض مراكز القوى الخليجية، ولابد أن نتذكّر أن الكثير من اولئك الفارين كانوا مسؤولين كبار في أجهزه أمنية ومخابراتية ولديهم كم هائل من المعلومات و خبرات العمل المخابراتي وخبرات خطط الحرب النفسيه المتطوّرة(وهما ركيزتا العمل الإرهابي) ونسجوا خلال فترة حكمهم علاقات متنوعة مع العديد من الجماعات(بضمنها التنظيمات التكفيرية المتطـرّفة التي تأسّست على يد تحالف أمني إقليمي معروف وبهدف محاربة الإتحاد السوفيتي بعدغزوه لأفغانستان ومواجهة الثورة الإيرانية وتشويه الخيار السياسي الإسلامي المعاصر الذي بدأت الشعوب تنفتح عليه بوصفه خيارا مستقبليا جيدا)، ومع مراكز قوى ووسائل إعلام في العالم، وكانت وسيلتهم الى ذلك الأموال وشحنات النفط وامتيازات أخرى, فضلا عن الدعم الذي تقدمه لهم أجهزة مخابرات أجنبية وعربية.(ليس بالضرورة حبـّا لهم بل كرها للنظام السياسي الجديد)، المهم أن الكثير من أولئك الفارين تحولوا الى أدوات منفـّذه لأجهزة ودوائر سياسية وأمنية أقليمية ودولية..                                                                                       3ـ من الخطأ التركيز على الأدوات والواجهات والعناصر المنفـّذه للجرائم الإرهابية (وهــم بالآلاف ويتم تعويضهم كلما تم ألقاء القبض على بعضهم، لأن غالبية هؤلاء هم من المرتزقة الذين يتم شراؤهم بالأموال أو ببعض الامتيازات)، والصحيح كشف الرؤوس والقيادات ومصدّري الأوامر وواضعي الخطط والسياسات، وخاصة المرتبط منها بالدوائر الأجنبية وبأئمة الكفر... وحتى عصابات الجريمة المنظـّمة التي وجدت في العراق ملاذا ومنطلقا آمنا ولو الى حين، فقد أصبحت إحدى أدوات القوى الأجنبية المعادية لخلق الهرج والمرج والتشكيك بقدرات النظام الجديد في العراق..ومنع اكتمال شروط الاستقرار والأمن الاجتماعي، وبالتالي منع اكتمال مقومات الاستقلال والسيادة.
4 ــ دراسة وتحليل نماذج من العمليات الإرهابية التي حصلت خلال السنوات العشر الماضية، من قبيل قتل ممثـل الأمين العام للأمم المتحدة وقتل السيد محمد باقر الحكيم (رض) ورموز سياسية قيادية أخرى وتفجير عتبات مقدسة وقتل المئات من زوار المراقد المقدسة وتفجير عمارات سكنية بمن فيها وتفجير وتدمير محلات كاملة في العاصمة والمدن وتفجير وزارات كاملة واغتيال المئات من المسؤولين والضباط والمدراء والموظفين وتفجير المدارس، بما فيها رياض الأطفال وتفجير الأسواق الشعبية في أوقات الذروة، والقصف العشوائي للمناطق المدنية ووضع وتفجير العبوّات في الشوارع والسيارات والملاعب، واستقدام المئات من الإرهابيين العرب من حملة الأحزمة الناسفة وتوظيفهم في عمليات القتل الجماعي واستخدام أسلوب التفجيرات المزدوجة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا بين المدنيين واحتلال دور العبادة وأخذ رهائن ثم قتلهم بأسلوب وحشي، وذبح عوائل كاملة في عقر دورها...وغير ذلك ممّا يندى لها جبين البشر...
إن أن دراسة وتحليل مثل تلك الجرائم توضح لنا أن أعداء النظام السياسي الجديد لا يتقيـّدون بأية قيم أخلاقية ولا بأية ضوابط ذات صله بقوانين وأعراف الصراعات السياسية والمسلّحة المعروفة في العالم، ولا توقفهم أية حـدود وقيم سواء ما يتعلّق بســعة أو طبيعة الجرائم المستعدّين لارتكابها لبلوغ أهدافهم (وهو يشبه الى حدّ كبير طبيعة السلوك الأجرامي لأجهزة النظام البعثي البائد وأجهزة الكيان الصهيوني)، وهذه الحقيقة يجب أن تترك تأثيرها الواضح على الرؤى والمواقف في الملف الأمني، أي على الأهداف والخطط والبرامج والأدوات والوسائل وحتى على الإعداد النفسي والتربوي للرأي العام المحلي... أننا أمام شبكة واسعة معقـّدة ومدعومة متكوّنة من عناصر محلية وأجنبية  لسياسيين وضباط أمن ومخابرات ومسؤولين سابقين، وأغنياء مترفين جدد (من سراق أموال الشعب العراقي)..حاقدين على الشعب بأجمعه وعلى النظام السياسي الجديد وعلى الكيان الوطني العراقي وعلى المستقبل العراقي.
 
أما عناصر قوة النظام السياسي الجديد والدولة العراقية في هذه المرحلة فهي:
 أولاـ إذا كانت القوى والشخصيات الخيـّرة المؤمنة المشاركة في النظام والدولة تعمل في سبيل الله ومن أجل خدمة الشعب وخاصة المحرومين والمظلومين منهم، فهي بالتأكيد سـتحظى بنصرة الله لها، ولا قوة في الأرض ولا في الكون أكبر وأقوى من قوة الله تعالـى.. وعندها سوف لن ترهبها كل قوى الشر والبغي في العالم حتى ولو اجتمعت واتّفقت ضدّهــا... وهذا عنصر قوة حقيقي يقلب كل موازين القوى لصالح القيادات والقواعد الشعبية الوطنية المخلصة والمؤمنة الخادمة للشعب، ولكن بالشرط الذي ذكرناه  
 
ثانياـ  تأييـد ودعــم المرجعية الدينية العليــا في النجف الأشرف (وهي أعلى سلطة دينية ومعنوية فــي العراق)، كما شاهدنا ذلك في أعوام سابقة، بالطبع يستمر ذلك التأييد والدعم للقوى الوطنية الخيّرة والمؤمنة مادامت سائرة في طريق العمل من أجل تحقيق الحرية والاستقلال والسيادة و خدمة الشعب وخاصة المحرومين والمظلومين منهم، ومادامت بعيدة عن التبعية وعن المصالــح الفئوية والشخصية والصراعات الجانبية والفساد... {لتذكير من ينسى من المسؤولين والسياسيين العراقيين: أنه لولا مواقف إستراتيجية للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، اتخذتـّها مبكرا ومنذ سقوط النظام البعثي البائد عام 2003م ، لكان الواقع العراقي أسوأ بأضعاف من الوضع الراهن/ وليس هذا بغريب وجديد على تاريخ المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف التي تصرّفت دوما كقيادة وطنية للأمة وبعيدا عن الحسابات الطائفية الضيّقة. ومن أهم وأبرز تلك المواقف الإستراتيجية ما يلي:
* الاصرار على إجراء الانتخابات العامة الحرة والمباشرة (وفق مبدأ لكل مواطن صوت) بأسرع وقت لانتخاب أعضاء البرلمان وأعضاء لجنة كتابة الدستور الدائم(وكاتب هذه الدراسة أحد أعضائها) وإجراء الاستفتاء الشعبي العام على الدستور ورفض سياسة التعيين المقترحة أمريكيا (من خلال لجان الخمسة عشر عضوا المقترحه آنذاك).
* توجيه الشعب، وخاصة ضحايا النظام البعثي السابق على تجنب القصاص المباشر ممّن ظلموهم وعذّبوهم وشرّدوهم من أجهزة قمع وحزب السلطة البائدة واللجوء الى الآليات القانونية والضوابط الشرعية للقصاص من المجرمين...ولولا ذلك التوجيه لكانت حمّامات دم انتشرت في طول وعرض البلاد نتيجة الظلم الكبير الذي لحق بالملايين من المواطنين العراقيين طيلة خمس وثلاثين عاما.. 
* اعتماد سياسة المقاومة السلمية الجادّة للاحتلال والمطالبة بالحقوق بالاستفادة من القرارات والشرعية الدولية، وبناء المؤسّسات الوطنية الدستورية...واعتبار القيام بأي عمل يؤدي الى تقوية وجود المحتل حرام شرعا، وعدم القبول بالصيغ التي كان يطرحها المحتل لإدارة الحكم، ومنها صيغة تعيين حكام عسكريين أمريكان لإدارة مناطق العراق مع مستشارين عراقيين.. ولولا هذه السياسة لاختلطت الأوراق بعد سقوط النظام البعثي، فلو تم رفع السلاح من قبل القوى الوطنية في تلك المرحلة لاختلطت ورقتهم مع ورقة فلول النظام البعثي الساقط الذين بدأوا بالضغط من أجل استعادة سلطتهم وامتيازاتهم غير المشروعة التي فقدوها عند سقوط سلطة البعث، ومن أجل الضغط على الدوائر الغربية لأجل اقناعها بالعودة للتعامل معهم بوصفهم عملاء مخلصين مستعدين لتنفيذ ما تطلبه تلك الدوائر، كما كانوا دوما يفعلون ذلك لعقود ماضية.. وأيضا كان يمكن أن تختلط ورقة القوى الوطنية لو اعتمدت المقاومة المسلّحة آنذاك مع ورقة سلاح المجموعات التكفيرية المتطرّفة التي جاءت لتحويل العراق الى ساحة تصفية حسابات طائفية مع الأغلبية الشعبية في العراق وذلك لصالح دوائر أمنية خليجية وصهيونية, وأيضا جاءت لتصفية حسابات سياسية مع الإدارة الأمريكية بعد أن أسقطت الأخيرة نظام حكم طالبان الإرهابي المتخلّف...وأيضا كانت تختلط مع ورقة سلاح بعض الدوائر الإقليمية التي أرادت تحويل العراق الى ساحة لتصفية حسابات إقليميه ــ إقليمية وحسابات إقليمية ــ دولية....
 
فلولا الموقف الحكيم الواعي للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، لاختلطت كل تلك الأوراق ومعها ورقة بعض العمليات المسلّحة المفتعلة والمجهولة المصدر والتي يتم استثمارها لاحقا، كدليل على عدم استقرار الأوضاع الأمنية وعلى عجز الحكومة الوطنية، وبالتالي ضرورة بقاء القوات الأجنبية في البلاد..!! ويمكن تخيـّل حالة الحيرة لدى الرأي العام العراقي آنذاك... بالطبع كان يمكن للمرجعية الدينية إذا ما أقتضى الأمـر أن تغير موقفها هذا وتدعو الى استخدام كل أنواع المقاومة ضد العدو بما فيها المقاومة المسـلّحة كما حصل في ثورة العشرين التي ساهمت في تأسيس الدولة العراقية المعاصرة، متى ما اقتضت الظروف والمصالح الوطنية والدينية العليا ذلك... كما إن المرجعية العليا لو لم تكن بتلك الصرامة في تحريم كل ما من شأنه تقوية وجود المحتل، لكنـّـا نشاهد تأسيس ونمو طابورا خامسا للسفارة وللقوات الأمريكية من أبناء الوطن أما بسبب قلة وعيهم أو بسبب المغريات، ولكن الموقف الشرعي الواضح والقاطع مثّل الرادع الحازم أمامهم، خاصة عندما يصدر عن المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف ...
 
* وبالرغم من القاعدة الشعبية المليونية للتيار الإسلامي في العراق والواضحة للمراقبين في المناسبات الدينية والسياسية، والتضحيات الهائلة التي قدمها أبناؤه في فترة حكم النظام البعثي البائد، والحضور القوي والفاعل للقوى الوطنية الإسلامية العراقية في النظام السياسي الجديد وفي المجتمع وبمختلف المستويات ..والعدد الكافي الذي يمتلكه ذلك التيار من الكوادر السياسية والعسكرية والفكرية والإدارية المؤهّلة ...بالرغم من كل ذلك، لم تدفع المرجعية الدينية العليا الأوضاع والأحداث صوب بناء نظام الحكم الإسلامي، سواء وفق نظرية ولاية الفقيه (التي لها أدله فقهيه مقنعة للكثير من الفقهاء والمطبـّقة في ايران)، أو وفق النظريات الإسلامية الأخرى لنظام الحكم ... ولكنها أي المرجعية شــدّدت على ضرورة احترام النظام للإسلام ولكل القيم السماوية الصحيحة، وعدم تشريع أو أقرار ما يتعارض مع الإسلام.
* كما منعت توجيهات المرجعية الدينيه العليا، أتباع أهل البيت (ع) في العراق، من الاستجابة للاستفزازات الطائفية والإنجرار الى حرب أهلية مذهبية، بالرغم من بشاعة بعض الجرائم و  الاستفزازات مثل قتل زوار مراقد أئمة أهل البيت (ع) وتفجير العتبات المقدسة في سامراء وجريمة جسر الأئمة في الكاظمية، والتطهير الطائفي لبعض محلات العاصمة بغداد..واغتيال المئات من الكفاءات العلمية والضباط والتجار على أساس طائفي...فلولا احترام الجماهير لمقام وتوجيهات المرجعية الدينية العليا، لكانت كل واحدة من تلك الجرائم الإرهابية الموجّهة لأتباع أهل البيت باعثا لاندلاع حروب أهلية طائفية طويلة ومدمّـرة للوطن ...وهناك مواقف أخرى  معروفة....
 
ثالثاـ تأييد ودعم قواعد شعبية واسعة (مليونية) من أقصى الشمال وحتى أبعد نقطة في الجنوب، وهي الشريحة المتضـرّرة في عهد النظام البعثي البائد، وتتكوّن من ملايين العراقيين من العرب والكرد والتركمان والآشوريين والشبك والأيزديين ومن المسلمين (سنّة وشيعة) والمسيحيين والصابئة، ومـــن القوى الإسلامية واليسارية والليبرالية والقومية والمستقلين ...هذه القاعدة الشعبية المليونية تفاعلت إيجابيا وبقوة مع حدث سقوط الصنم في بغداد في نيسان 2003 م ليس حبّا للأمريكان أو قناعة بمبررات الاجتياح والعسكري التي روّجت لها دوائر سياسية وإعلامية (وقـدّمـت حكومات عربية معروفة طالما اتّهمت العراقيين لاحقا بموالاة الاحتلال تسهيلات لوجستية لذلك الاجتياح)، وإنما للظلم الكبير الذي وقع عليها على يد النظام البعثي البائد، نقول تفاعلت إيجابيا وأبدت استعدادها الكبير والمستمر لدعم النظام السياسي الجديد، بالرغم من اخفاقاته المتكررة، ورأينا كيف تخرج تلك الملايين المظلومة للمشاركة في الانتخابات وإعطاء الرأي للمسؤولين الحاليين والسابقين بالرغم من سوء الخدمات ومظاهر الفساد المتنامية وتفاقم الصراعات الجانبية بين أبناء الصـف الواحد، وبالرغم من العمليات الإرهابية التي تستهدفهم يوميا، وعنصر القوة هذا لا تتمتــّع به الكثير من أنظمة الحكم في عالمنا العربي، وتواجد هــذه الملايين في ساحة الصراع هو الذي أفشل الكثير من المؤامرات الخطيرة وفي الحقيقة أن عمليات القتل الجماعي العشوائية في مناطق العراق المختلفة التي ينفـّذها الإرهابيون بواسطة السيارات المفخـّخة وحملة الأحزمة الناسفة والعبوات والقصف من بعيد وغيرها..إنما تستهدف تخويف وأبعاد تلك الملايين عن ساحة الصراع، وعندئذ يسهل  تنفيذ الانقلابات والمؤامرات... وبالطبع يجب أن ينتبه الحكام، إلا إن لصبر تلك الملايين حــدود كما تقول تجارب الشعوب...
 
 رابعاـ عنصر القوة الرابع يتمثـّل بكوادر الحركة الوطنية العراقية (بجناحها السياسي و العسكري) الذين واجهوا النظام البعثي القمعي البائد لأكثر من ثلاثة عقود ونصف، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر أن تعرف القيادات الحالية قيمته وأهميته وضرورة أن يأخذ دوره المناسب... الآلاف من هذه الكوادر العراقية المخلصة امتلكت ونتيجة النضال الطويل والصعب ضد النظام البعثي البائد، خبرات جيدة سياسية وعسكرية وأمنية وأدارية وتنظيمية وثقافية وإعلامية، ويمكن القول وبدون مبالغة أنه لولا هذه الكوادر المجرّبة لكانت مهمة النهوض بأعباء الدولة بعد سقوط النظام البعثي شبه مســتحيلة .. وإضافة الى تلك الكوادر التي جاء بعضها من المنفى، هناك جاليات عراقية كبيرة العدد في العديد من دول العالم لها مواقف أيجابية وداعمة للنظام السياسي الجديد وللقوى الوطنية المشاركة فيه، وهذا أيضا عامل قوة ...للأسف لم يتم استثماره بالشكل المناسب.
 
خامساـ عنصر القوة الخامس الذي ربما لا ينتبه اليه الكثيرون، هو أن في أسس وركائز النظام الجديد في العراق عناصر قوة واستقرار لأنه تأسّـس على أسس قابلة للتطوّر بمرور الزمن وبالتقيد بالدستور (القابل للتعديل والتطوير وفق آليات حدّدها نفس الدستور)، واحترام آليات التداول السلمي للسلطة المذكورة في الدستور أيضا، ليصبح نظاما دستوريا مستقرا وقويا... وهو العنصر الذي لم يكن متوفّرا في عهد النظام البعثي البائد، وليس متوفّرا في أغلب الدول العربية والإسلامية. من عاش تجربة المشاركة في المستوى القيادي للسلطة التشريعية (البرلمان) والسلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) والسلطة القضائية، يعلم حق العلم بأن نظاما ديمقراطيا حقيقيا يتم بناؤه في العراق بالرغم من الخلافات والأزمات التي تبدو مستعصية ومزمنة والوسائل الإعلامية التي تمتلك السلطة ومعارضيها نفس الفرص  في ايصال آرائهم الى الرأي العام العراقي، والتي هي في الواقع أدلّـة على امتلاك النظام السياسي الجديد لخصائص أنظمة الحكم الديمقراطية، فلا يمكن بروز مثل تلك الظواهر في اي نظام قمعي دكتاتوري، لأن الدكتاتور يملك من السلطة المركزية ومن أدوات القمع ما يمكنه من القضاء على مخالفيه ومعارضيه في يوم واحد...ولكن انتصار الدكتاتور هو في الواقع هزيمة للشعب وللدولة ...نعم على البعض ان لا ينسى عامل الزمن المطلوب لكي تصل القوى السياسية والرأي العام الى الدرجة المطلوبة من النضج في استخدام الآليات الديمقراطية، وهو ما حصل في كل التجارب الديمقراطية المتقدمة كما في اوربا والتي احتاج بعضها الى عقود طويلة من الزمن لكي يصل الى الوضع الراهن الذي نراه فيها (إضافة الى التخلّص من نفوذ وتدخـّلات القوى الخارجية) .
 
أن مشكلة القيادة الحاكمة اليوم في العراق، أنها لم توظّف بعض عناصر القوة التي يمتلكها النظام السياسي الجديد في صراعها مع أعداء النظام وفي مسيرتها لإعادة البناء والإعمار وإدارة 
الحكم والأزمات، والأمر المحزن أن بعض المسؤولين لا يعرفون حتى بعض عناصر قوة نظامهم السياسي ... مما يؤدي الى هدر طاقات شعبية هائلة وطاقات نوعية لكوادر وطنية مجرّبة، في مسيرة مواجهة الأعداء والبناء..ويستغل البعض من شياطين الأنس ذلك، للإيحاء بنقص قدراتنا الوطنية وضرورة الاستعانة بقدرات قوى الاحتلال وإطالة وجودها على أرض الوطن بعناوين مختلفة ومخادعة. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط الحلقات السابقة

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اكرم الحكيم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/30



كتابة تعليق لموضوع : نحو إستراتيجية ناجحة لتحقيق الأمن في العـراق وضمان الأمان للعراقيين(7-7)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net