صفحة الكاتب : مير ئاكره يي

هل الأناجيل كلام الشياطين ...!؟
مير ئاكره يي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لقد نشرنا فيما مضى عددا من المقالات المستدلَّة حول التناقضات الفَجَّة الموجودة  في مختلف الأناجيل ، ومن خلالها نفسها ، وبالإستناد عليها جملة فجملة ، عبارة فعبارة ..

على هذا الأساس النقدي والتحقيقي والعلمي سوف أستمر في نشر سلسلة أخرى من المقالات حول تناقضات الأناجيل ، وهي أكثر من أن تُحصى ، لأنها بالحقيقة خزَّان متناقضات ومتهافتات من الكلام الذي يناقض بعضه بعضا ، ويتعارض بعضه مع البعض الآخر . وفي هذا الأمر المعقَّد جدا لم يتمكن الراقعون على آمتداد التاريخ كله من ترقيع الرقعات ، إذ كلما رقعوا جانبا إهترأت جوانب أخرى ، وبدت شقوق أخرى ، ومساحات أخرى فتوسَّع الخرق والخروقات والشقوق المهترءة أساسا على الراقعين بمساحات خيالية . لهذا لم يتمكن الكثير من كبار المهتمين بالشأن الأناجيلي إلاّ أن يُقِرُّوا بالتناقضات فيها ، وبالتحريفات المعمولة عليها بإستمرار ، لكن هيهات لهم ، وأنَّى لهم من ذلك ، لأنه كيف تستقر سفينة مخرومة وسط عواصف تتقاذفها الأمواج من كل جانب من جوانبها ..؟ 

لهذا أخذ البعض بجهل ، أو تجاهل على القرآن الكريم بعض ماورد فيه من الأقوال عن الشيطان ، أو فرعون ، أو عن مشركين وطغاة وغيرهم  ، فزعموا ماتستريح لهم أنفسهم وما آستقرَّتْ عليها من سجيَّة معروفة عندهم ، لأن الذي يَلُمُّ بأصول الثقافة والكتابة لايقول مثل هذا الكلام الخاطيء علميا والفاقد للمستوى في نفس الوقت ، فالقرآن مع أنه كلام الله تعالى ، لكنه يضرب الأمثال ويأتي بالأقوال على ألسنة هؤلاء للذكرى والتذكير والعبرة والعظة ، أو للدلالة والإستدلال والبرهنة على موضوع وحدث ما . 

وفي هذا الشأن لايوجد كتاب في العالم يخلو من ذلك ، مثلا إن الأناجيل كلها طافحة بكلام الشيطان والطغاة وأبناء الأفاعي بعتبير المسيح نفسه وغيرهم  ، لكن بما أنَّ الكراهية والبغضاء والحقد قد ران على قلوب هؤلاء وأصدأها أصبحوا يحيدون حتى عن بدهيات الأمور المسلَّمة بها في ميدان النقد العلمي والتحقيق الموضوعي المؤسس على الأمانة والمصداقية . لهذا إن الكاتب ، أو الباحث ، أو العالم الجاد والأمين والموضوعي هو الذي يقوم بنقد ما يمكن نقده في دينه ، أو مذهبه ، أو فلسفته ، أو عقيدته قبل أن يقوم بنقد دين ومذهب آخر ، أو قبل أن يقدم على نقد فلسفة وعقيدة أخرى ، فالذي لايفعل هذا فإن كل مايكتبه مرفوض من ناحية النقد العلمي ، والسبب هو مناقضته للمنهجية العلمية النقدية ، ثم هذا يدل على مدى الكراهية الكبيرة المتمركزة في نفسه تجاه الآخر ، وهذا ما لايتفق وحسب ، بل يتصادم مع المنهج العلمي النقدي ، ومع الأمانة العلمية  ، ومع الناس في ذات الوقت . 

كلام وكلمات الشيطان في الأناجيل : 

1-/ قال إبليس في إنجيل متى : [ إن كنتَ آبنَ الله ، فَمُرْ أن تصير هذه الحجارة أرغفة ] ينظر كتاب [ الكتاب المقدس ] ، التوزيع : المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، دار المشرق ش . م . م . بيروت / لبنان ، الطبعة السادسة ، 1988 ، إنجيل متى ، ص 43 . 

هنا أريد – مؤقتا – أن أتكلم بمنطق الأناجيل ، وبالمنطق الآخر المعروف في الغرب  لأقول : اذا كان المسيح ربا ، أو إبن [ الآب ] (!) بالتعبير الأناجيلي وله كل هذه القدرات الخارقة والمعجزات الوفيرة بالكثرة التي ليست لها أيَّ أثر وحقيقة إلاّ بالنقل الحكاياتي الأناجيلي ، إذن ، فلماذا لم يقهر المسيح الشيطان ويدحض حُجَّته ويرجعه خائبا خاسرا من حيث أتى . وذلك بأن يجعل من تلكم الحجارة أرغفة ، أليست الخوارق والمعجزات وفق الأناجيل كانت قوة ذاتية من عند المسيح كما شرب الماء عندنا ، فلماذا عجز المسيح كل العجز عن تحقيق ما سأله اللعين ..؟ 

2-/ قال إبليس للمسيح في إنجيل متى : [ إنْ كنتَ آبنَ الله فآلق بنفسك الى الأسفل ، لأنه مكتوب : يوصي ملائكته بك ، فعلى أيديهم يحملونك ، لئلاّ تصطدم بحجر رجلك ] ، هنا أيضا يعجز المسيح الأناجيلي أن يحقق معجزة ، فرد على اللعين عاجزا : [ فقال له يسوع : مكتوب أيضا : لاتُجرِّبَنَّ الربَّ إلهك ، ثم مضى به إبليس الى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك الدنيا ومجدها ، وقال له : أعطيك هذا كله إنْ جثوتَ لي ساجدا ، فقال له يسوع : إذهب ، ياشيطان ، لأنه مكتوب : للربِّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد . ثم تركه إبليس ، واذا بملائكة قد دنوا منه وأخذوا يخدمونه ] ينظر المصدر ودار النشر والجمعيات والتوزيع والطبعة والسنة والمكان والإنجيل ، ص 43 – 44 . 

كما قلنا آنفا لقد بقي المسيح الأناجيلي عاجزا أشدَّ العجز من تحقيق المعجزة كما أراد منه الشيطان ، وكما تحدَّاه ، وهي رمي نفسه من أعلى الجبل . كان على المسيح أن يفعل ذلك كمعجزة أخرى لتضاف الى سائر معجزاته ، وفي الزيادة خير وبركة كما يقال أولا ، وثانيا لتكذيب الشيطان ، لكنه لم يفعل ، لأنه خاف على نفسه من الهلاك وتقطيع الأوصال إنْ رمى بنفسه من على جبل شاهق ! . 

أما الجملة الأكثر دهشة وغرابة وعجبا وخطأً هو  مثلما ورد في الإنجيل المذكور : [ وأراه جميع ممالك الدنيا ] ، أي بعدما أخذ الشيطان المسيح الى : [ جبل عال جدا ] ، فهل حقا يستطيع الإنسان أن يرى جميع ممالك العالم وبلدانه بمجرَّد أن صعد الى [ جبل عال جدا ] ، والعجيب أن كاتب الإنجيل كان عليه أن يكتب : [ الى أعلى جبل ] لا أن يكتب [ الى جبل عال جدا ] ، فالأعلى أعلى من [ عال جدا ] بكثير ، لكن كاتب الإنجيل المسكين هكذا كان مقدار علمه وثقافته ، لأنه لو كان عالما ومطَّلِعا على الأرض جغرافيا لَمَا أورد الجملة المذكورة في الإنجيل أصلا ولكتب مكانها التالي : [ ثم مضى به إبليس الى أعلى جبل وأراه الكثير من الأماكن والمساحات الواسعة من الأراضي ] . لابل كان عليه أن لا يكتب مثل هذه العبارات بأيِّ شكل من الأشكال ، حيث هي طعن للمسيح التي صَوَّرت قدرة لامتناهية للشيطان ، وبالمقابل مسيحا ضعيفا عاجزا عن المقابلة والتحدى .  كما يرى القاريء الكريم فإن هذه الجملة التي آستدركتها أنا للإنجيل هي الصحيح على المستوى العلمي والجغرافي والمنطقي . لهذا أقترح بأن يتم حذف العبارة الأولية المذكورة في إنجيل متى وغيره من الأناجيل وصياغتها بالنحو الذي كتبته حتى يكون مطابقا للحقائق العلمية والجغرافية ..! 

وجاء عن نفس الموضوع أيضا في إنجيل لوقا : [ فصعد به إبليس وأراه جميع ممالك الأرض في لحظة من الزمن ] ينظر نفس الكتاب ودار النشر والجمعيات والتوزيع والطبعة والسنة والمكان ، إنجيل لوقا ، ص 202  ، هنا يبدأ التساؤل المثير ، وهو : كيف ان الشيطان تمكَّن من أن يُرِيَ المسيح [ جميع ممالك الأرض في لحظة من الزمن ] ؟ ، لأن هذه القدرة المافوق خارقة يعجز الشيطان أن يفعلها ، أوأن يقوم بها ، فالذي بإمكانه أن يطوي الزمان والمكان في لحظة واحدة هو خالقهما فقط ، حيث هو الله سبحانه الخالق القوي المقتدر والقادر على كل شيء . يبدو بحسب الأناجيل أن اللعين له قوة خارقة جدا ، لذا بقي المسيح الأناجيلي عاجزا كل العجز من أن يأتي بمعجزة خارقة أقوى من قدرة اللعين كي يَكُبَّه على وجهه ذليلا محسورا . لهذا آكتفى المسيح الأناجيلي بالرد على اللعين بذكر الكليات من الكلام عاجزا من أن يأتي بربع معجزة خارقة ..! 

3-/ أمر الأناجيل التناقضية – كما قلنا – لاينتهي وأحد الأسباب هو كيف رأينا أن إبليس اللعين في العبارات المذكورة يتحدَّى المسيح تحدِّيا وراء التحدِّي ، وله القدرة ما فوق الخارقة نراه في مقطع إنجيلي آخر ضعيفا ومستسلما لايقوى على شيء على الإطلاق . لذا نقرأ معا هذه العبارات المشحونة بالمبالغة والتضخيم والتناقض : 

[ طرد الشيطان عن رجل : ووصلوا الى الشاطيء الآخر من البحر الى ناحية الجراسيين . وما إن نزل من السفينة حتى تلقَّاه رجل فيه روح نجس قد خرج من القبور وكان يقيم في القبور ولايقدر أحد أن يضبطه حتى بسلسلة ، فكثيرا ما رُبِطَ بالقيود والسلاسل فقطَّع السلاسل وكسَّرَ القيود . ولم يكن أحد يَقْوَى على قمعه . وكان طِوال الليل والنهار في القبور والجبال ، يصيحُ ويُرَضِّضُ جسمه بالحجارة . فلما رأى يسوع عن بعد أسرع اليه وسجد له وصاح بأعلى صوته : ما لي ولك ، يايسوعَ آبنَ الله العليِّ ؟ أستحلفك بالله لاتُعذِّبني ، لأن يسوع قال له : أيها الروح النجس ، أخرج من الرجل ] ينظر نفس الكتاب ودار النشر والجمعيات والتوزيع والطبعة والسنة والمكان ، إنجيل لوقا ، ص 140 . 

في بداية هذه الحكاية الأسطورية ، العنوان هو : [ طرد الشيطان عن رجل ] ، لكننا حينما قرأنا النص لم نجد للشيطان مكانا في جسم الرجل ، بل كان [ روحا نجسة ] حَلَّت في جسم ذلك الرجل المسكين ، لأن الشيطان شيء والرح شيء آخر ، وهذا ما لم يتنبَّه اليه كاتب الإنجيل وجهله تماما ، ثم من ناحية أخرى إن الشيطان ، أو الروج النجسة لاتَحُلُّ ولا تدخل جسم أيَّ إنسان على الإطلاق ، لأن ذلك مخالف لقدرة الله تعالى وإرادته ومشيئته ، حيث هو سبحانه فقط المؤثِّر سلبا ، أو إيجابا في مخلوقاته كافة ، وفي العالمين والكون كله ولا يشاركه في هذه الإرادة أيَّ كائن آخر أبدا ، ومن ناحية ثالثة يكون ضرر الشيطان للإنسان بالإيحاء النفسي والوسوسة النفسية فقط لا الضرر المباشر سواء كان بالحلول في جسم الانسان ، أو غيره . 

كما رأينا فإن الإنجيل قد سلك طور التضخيم والمبالغة والخرافة في أمر ذلك الرجل المجنون المسكين ، حيث صوَّره بأنه كان يمتلك قدرة وقوة جسمية خيالية ، إذ كان الرجل المجنون بحسب خرافة الإنجيل كان يُحَطِّم ويُكَسِّرُ السلاسل والقيود الحديدية ، أو انه كان في الجبال ليلا ونهارا ، أو انه كان يرضِّضُ جسمه بالأحجار ، فمن أين كان له بالطعام والشراب  ، أو من كان يداويه من كثرة ما كسرت أعضاء من جسمه حينما كان يضربه بالحجارة  ؟ . إن الانسان اذا كسر عضو واحد من أعضاء جسمه تشُلُّ قدرته وتنهار قواه فيصبح عاجزا الى حد كبير ، فكيف اذا ما رَضَّض إنسان ما جسمه بالحجارة ليلا ونهارا ...؟ 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مير ئاكره يي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/29



كتابة تعليق لموضوع : هل الأناجيل كلام الشياطين ...!؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net