صفحة الكاتب : السيد يوسف البيومي

السفسطائية: الفرق بين الحق والباطل
السيد يوسف البيومي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

لا بد أن نبين للقارئ ما هي السفسطائية قبل البدء بالكلام عن أي شيء..
فالمدرسة السفسطائية: هي مذهب فكري- فلسفي نشأ في اليونان إبان نهاية القرن السادس وبداية القرن الخامس ق.م في بلاد الإغريق (اليونان حالياً)، بعد انحسار حكم الأوليغارشية (الأقلية) وظهور طبقة حاكمة جديدة ديمقراطية تمثل الشعب، وقد ظهر "السفسطائيون" كممثلين للشعب وحاملين لفكره وحرية منطقه ومذهبه العقلي والتوجه المذكور هذا هو الذي كلفهم كل ما تعرضوا له من هجوم حتى ليصدق القول بأن السفسطائيين كانوا من أوائل المذاهب الفكرية التي تعرضت للتنكيل والنفي والقتل لمجرد كونها تخدم مصلحة الضعفاء والمساكين، فقتل أغلب قادتهم وشرد الباقون، كمثل ما حصل مع هيبياسي، الذي كان من أشهر قادة الديمقراطيين، والذي تعرض فيما بعد للإعدام. وكذلك بروتاجوراس الذي أوكلت إليه مهمة وضع دستور للبلاد الإغريقية إبان الحكم الديمقراطي الجديد، حيث أحرقت كتبه ونفي من أثينا. وغير ذلك "بروديقوس" الذي عذب وحوكم بالإعدام بشرب السم بتهمة افساد عقول الشباب.
فتكون السفسطة: هي حب الجدل أو الجدال لمجرد الجدال، وليس لاقتناع بفكرة أو مبدأ بل رغبة في التضليل والتضليل فقط.
أما الشخص السفسطائي: هو الذى يجادل ويضلل كل شيء وكل حقيقة، و"سفسطائي" كانت تُستعمَل في بداية الأمر للدلالة على صاحب مهنة الكلام، ولم تكن تُستعمَل بمفهومها المنتقص الذي أضحى شائعًا فيما بعد، والذي نحن بصدد بيانه.
ومن المهم التفريق بين فن السفسطة وبين المغالطة: فالمغالطة لا إرادية إذ أن المغالط يقع في اللغط عن غير قصد منه، بينما السفسطة توجد رغبة إرداية للتضليل.
وسوف نضرب مثال عن فن السفسطة:
يقال: العين باصرة، والبئر له عين، فيكون البئر باصر..
فهذا على سبيل المثال ما يراد من السفسطة ليس إلا تضليل العقول..
فإن السفسطائي قد استعمل المشترك اللفظي فقط لكي يدلس الحقيقة، فصحيح أن البئر يسمى بعين ولكن ليس باصر..
وكثيراً من الأحيان قد تستطيع  أن تلزم الطرف الآخر الذي تناقشه من خلال تقديم الأدلة القوية المفحمة التي تؤيد وجهة الحق. فما أن يدرك الطرف الآخر أنه في مأزق ولا يستطيع أن يقرع الدليل بالدليل أو أن يرد عليها أو نفيها بأي حال من الأحوال، فما عليه إلا أن يلجأ إلى فن المغالطة، وهو الهروب من الرد على أي منها، ومحاولة الإفلات بتفريع الحديث إلى موضوع آخر، أو تشويش الموضوع.
ومن يلجأ إلى المغالطة فإن ذلك من أوجه العنف  فقد أُعتبر أخطر أنواع العنف من وجهة نظر الفلاسفة كأمثال أفلاطون وأرسطو في إطار صراعهما ضدّ السفسطائية وكانا من الأوائل الذين حذروا إلى خطورتها على الإنسان ونبّها لها. 
ولم يكن هذا بالأمر العرضي بالنسبة إلى الفلسفة والقائمين عليها، لأنه من صميم هويتها كخطاب لا يتحدّد إلا في اختلافه عن العنف وتناقضه معه وعمله على إنهائه، فقد كانت ولازالت وستكون خطاب العقل في مواجهة العنف. 
 وقد جاء في كتاب: (الفلسفة والواقع).
"يطرح العنف السفسطائي واستعماله على الفلسفة مشكلا على درجة عالية من الخطورة وفي العمق نظرا إلى كون الفلسفة لا تؤسّس لذاتها ولا تفهم نفسها إلا في إطار التعارض مع العنف واستعماله من حيث هي تحديدا إرادة تنشد خطابا كونيّا".
 
ويجب الالتفات إلى أهم نقاط المغالطات التي تتعلّق بالخطاب.
يرصد في هذا النطاق ست مغالطات وهي : الاشتراك، والاشتباه، والتركيب، والتقسيم، والنبرة، وصورة الكلام.
: الأشتراك: أولاً
تقوم هذه المغالطة على بناء المقدّمات في الاستدلال باستغلال ما يوجد من تعددّ  المعاني بالنسبة إلى اللفظ الواحد . فلفظ واجب مثلا يفيد في آن واحد : ما يكون وجوده ضروريا ، وما يجب على الإنسان الالتزام به أخلاقيّا، ولكنّ المغالط يستغلّ هذا الاشتراك ليبني الاستدلال الفاسد.
ثانياً: الاشتباه:
إنّ المقدّمة قضيّة حمليه يتمّ الربط في نطاقها بين ألفاظ ربطا يمكن أن ينجرّ عنه غموض في المعنى فيبقى ملتبسا يفهم على أنحاء مختلفة، وهو ما يتعمدّه المغالط ليبني استدلالات فاسدة لتضليل مجادليه. كأن يقول:
 ـ أليس ما تقول أنّه موجود تقوله عن وجودك.
ـ وبما أنّك تقول إنّ هذا الحجر موجود.
ـ إذن، أنت تقول أنّك حجر.
إنّ الحلّ الذي يمكن اقتراحه لمواجهة المغالطة هو ذات ما قدّمه بالنسبة إلى مغالطة الاشتراك وهو رصد موضع الالتباس في القياس والردّ عليه على نحو مزدوج بالقول: نعم إنّ ما أقوله عن نفسي أنّه موجود هو موجود حقّا, ولكن ليس ما أقول أنّه موجود عموما ينطبق عليّ.
ثالثاً: مغالطة التركيب:
يمكن أن يلجأ المغالط في جداله إلى التركيب بين عدد من القضايا لكل منها معنى محدّد تركيبا يحوّلها إلى قضيّة ملتبسة المعنى فيستغلّ هذا الالتباس للتغليط كأن يقولك
. إذا أمكننا حمل جسم يزن خمسين رطلاً .وإذا أمكننا كذلك حمل جسم ثان له نفس الوزن، وإذا أمكننا حمل جسم ثالث وآخر رابع لهما نفس الوزن. إذن يمكننا حمل ثقل يزن أربع مئة رطل.
إنّ هذه النتيجة راهنت على لبس المعنى فأخذت حمل أجسام متفرّقة على أنّه حمل لثقل واحد، ويكون إبطال ذلك باللجوء إلى التقسيم من خلال تحليل ما ركّبه المجادل وبيان أنّ الأمر يتعلّق بقضايا منفصلة لكل واحدة منها دلالتها الخاصة فيكون الردّ عليه بأنّ حمل أجسام يزن كل واحد منها خمسين رطلا بشكل منفصل لا يعني أنّ الإنسان قادر على حملها جميعا في نفس الوقت.
وهذه عينة من بعض المغالطات التي قد تستعمل لكي يتم التشويش على الذهن، إنّ الايديولوجيا لم تعد بحاجة إلى خطاب تبريريّ يلجأ إلى المغالطة في صيغتها التقليدية من أجل التضليل وتبرير الواقع السائد، لأنّ المغالطة أضحت تتحرّك على مستوى اللاوعي عند أفراد المجتمع وتغالطهم دون أن تتحدّث إليهم. من كثر استعملها من طبقات مختلفة في المجتمع من المثقفين والسياسيين والحكام والمنظرين كل ذلك لكي يدلسوا الحق بالباطل. ومن هنا يكون على كل فرد أن يعي مخاطر هؤلاء وتأثيره على الأفراد وبالتالي على المجتمعات.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد يوسف البيومي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/28



كتابة تعليق لموضوع : السفسطائية: الفرق بين الحق والباطل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net