اعتراضات بين الهراء والتهريج....
عباس بن نخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 من أقوى شواهد بطلان فكرة ما وأتم أدلة تهافتها وفساد حجتها، أن تراها محفوفة بالصخب الإعلامي والمبالغة والتهويل، وما تعمد إليه من خطاب العوام وتلجأ إليه من المغالطة والمصادرة وفنون الخطابة المغوية...
 
إن هذا يعني ـ في واقع الأمر ـ الإفلاس العلمي الذي تعيشه الفكرة، فهو ما يلجئها إلى فنون التزييف وصنوف التدليس وأنواع التحريف! وإلا لجاءت بغير هذا لو كان لديها منه شيئاً.
 
هكذا تخرج الفكرة من البحث العلمي الرصين والنقاش المحترم وتلحق بالسوقية وتدرج في اللغو وتصنف في التهريج. 
 
من هذا المنطلق تحديداً راحت قناة الكوثر في خطة مبرمجة ما زالت توظف لها الضلّال والمنحرفين (ولا سيما كمال الحيدري وحسن الكشميري)، في الاعتراض على مراجعنا العظام، والإشكال على قمم الهرم العلمي للشيعة بأنهم لا يمارسون التبليغ الديني ويعزفون عن الظهور الإعلامي، وينعزلون عن الناس والمجتمع، ولا يقومون بالرد على ما يطرح في الساحة ولا يتصدون للأصوات التي تهاجم التشيع.
 
والأمر في حقيقته وواقعه كمن يعترض على بروفسور في علم الطب، أستاذ كرسي في أرقى الأكاديميات، يلقي محاضراته ودروسه، ويربي الأطباء في أدق وأخطر التخصصات، وينصرف إلى بحوث وابتكارات تسد الثغرات في عالم اكتشاف علل الأمراض وطرق علاجاتها... بأنه لا يمارس الطب كمهنة، فلا يستقبل المرضى ولا يداوي أحداً!
 
ويقوم طبيب مغمور في مستوصف قرية فيتباهى بأنه يعالج من المرضى والحالات أضعاف ما يفعل البروفيسور (فهو إذاً أفاد المجتمع والطب أكثر من ذاك المنغلق على نفسه في مختبراته والقابع في جامعته!)، بل إن مضمداً يحسن تزريق الحقن وتضميد الجروح أفضل منه!
 
لعمري إنها طامة أن نضطر إلى الرد على هذا الهراء وكشف هذا العراء.
 
إن حوزاتنا العلمية المقدسة وفقهاءنا الكرام ومراجعنا العظام يمارسون دورهم ويضطلعون بمسؤولياتهم (في حدود إمكانياتهم وظروف الحرب عليه) على أتم وجه وأكمل صورة، وهي تبدأ باستنباط الأحكام الشرعية، وتحديد الحلال والحرام في حكم الشارع المقدس، ودائرته أوسع نطاقاً من الدورة الفقهية التي تبدأ بالطهارة وتنتهي بالديات، فهي تشمل العقائد والأفكار وسائر ما يحتاجه المكلف من شؤون دينه (وكشاهد عابر، لك أن تتدبر في رأي الفقهاء في قضية وحدة الوجود مثلاً، والتي تبحث في مسألة الأعيان النجسة، وحدود الكفر والغلو).
ولا تنتهي بالتصدي للأمور الحسبية والرعوية للأمة، من القضاء إلى تولي القصر واستيفاء الحقوق الشرعية.
 
حتى تمر بتربية التلاميذ وتنشئة العلماء الذين يغطون جميع حقول المعارف الدينية، ويسدون الثغرات في شتى النطاقات التي تحتاجها الساحة الإيمانية، تصنيفاً وتأليفاً وخطابة وإرشاداً... ما كان وما يزال يشكل الرافد الأول والطريق الاعظم، بل الأوحد، الذي رعى أتباع الطائفة المحقة وحفظ المذهب أمام أعتى الهجمات التي لم تنقطع منذ أكثر من عشرة قرون، سواء من العدو الخارجي أو السفيه الداخلي.
 
إن الفقهاء يربون العلماء والخطباء والكتاب والمبلغين ويبثونهم في الأمة، ليمارس كل دوره. هذا يرقى المنبر ويعظ، وذاك يحيي الشعائر والعزاء ويؤدي حق أهل البيت في نشر فضائلهم ورثاء مصائبهم (وهو من أركان الدين)، وثالث يتصدى لإمامة الجماعة وتثقيف المؤمنين بأحكام الشرع، ورابع ينهض بالاحتجاج للمذهب وينبري لأعداء أهل البيت بالردود العلمية، سواء كتابة أو في برامج تلفزيونية، أو عبر وسائل الاتصالات الحديثة كمواقع الإنترنت. ويمضي الحراك الديني في طريقه القويم، يرعاه الفقيه مشرفاً متيقظاً، فإذا تباطأ شحذه ودفعه، وإذا مال عن الصواب قومه وسدده، وإذا غفل نبهه...
 
هذا هو دور الفقيه الحق في الدين والأمة، ولو ترك مهمته الأصلية هذه (بعد الاستنباط)، أي تربية العلماء الفضلاء والمتخصصين في حقول التفسير والحديث والتاريخ والعقائد والفلسفة والكلام والحكمة، وانخرط في العمل الميداني، وانشغل في الظهور في الفضائيات للرد على كل متردية ونطيحة، وراح يطبب مرضى القرية ويعاين الحالات في عيادة خارجية... لتقوض الدين وسقطت الأمة في مهلكة، ذلك عندما تقف بأسرها أمام تكليف عيني في وجوب الاجتهاد، فليس هناك من يكفيها ذلك!
 
إن تجاهل هذا الأصل العملي المطرد في جميع الحقول العلمية، أي تزعم الأعلم في الفن وانصرافه لشأنه التخصصي البحت، وتوزيع بقية الأدوار على طلبته وتلاميذه... هو من غفلة مريض نفسي استولت عليه العقد، وحيلة مفلس، يتقطع من الحسد، لما تخلف عن مجاراة الفقهاء في علومهم وعطائهم، وعجز عن نقدهم والإشارة إلى عيب حقيقي فيهم، فراح يدلس على العوام، وفي الحقيقة والواقع: ينفث مقولة الشيطان!
 
إنها اعتراضات لا تتجاوز الهراء والتهريج، لكن هوان الدهر وغلبة الباطل جعل أهل الحق يخشون من تأثيرها على المستضعفين من أيتام آل محمد.
 
خادم طلبة الفقهاء/ 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس بن نخي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/19



كتابة تعليق لموضوع : اعتراضات بين الهراء والتهريج....
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net