أزمة الدرس اللغوي الحديث.. الدكتور عبد القادر المهيري نموذجا
د . عبد القادر لقاح
 توطئة:
 
من القواعد المعمول بها في المنطق أن "الحكم على الشيئ فرع تصوره"، فيتعين على الباحث قبل أن يصدرحكما في موضوع ما أن يكون على بينة من هذا الموضوع، وما نلاحظه في ميدان البحث اللغوي عند كثير من المنتسبين إليه في العالم العربي أن أنظارهم اللغوية تبدو في كثير من الأحيان مضحكة وباعثة على السخرية،لا لشيئ إلا لكون أنظارهم لا تستند إلى فهم صحيح لمباني النظرية النحوية العربية، وهي نظرية متكاملة من الناحية المعرفية والمنطقية،وقد سبق لي أن نبهت الى مغالطات للدكتور ميشال زكريا، وأنا اليوم أنبه إلى مغالطات أخرى صاحبها الدكتور عبدالقادر المهيري، أستاذ العلوم اللغوية بتونس .   
 
- تحرير موضع الإشكال :  
الإشكال الذي وقع فيه الدكتور المهيري هو أنه اعتقد أن صناعة النحو تبنى على ما يقتضيه المعنى، لا على ما يقتضيه البناء اللفظي، وهذا الفهم الخاطئ جره إلى آراء أقل ما يقال عنها أنها تضحك الثكلى ويشيب لها شعر الصبي؛ فهذا ابن الأنباري يقول "هذه صناعة لفظية ،فلا بد من مراعاة اللفظ" ( الإنصاف ج 1ص8).
وهذا ابن جني نبه إلى ضرورة عدم الخلط بين تقدير الاعراب وتفسير المعنى، وفي هذا الشأن يقول "يقول النحويون إن الفاعل رفع والمفعول نصب ،وقد ترى الأمر بضد ذلك،ألا ترانا نقول ضرب زيد ،فنرفعه وإن كان مفعولا به ،ونقول إن زيدا قائم فننصبه وإن كان فاعلا، ونقول "عجبت من قيام زيد فنجره" وإن كان فاعلا (الخصائص ج 1ص185)
ثبت إذن أن صناعة النحو لا تبنى على المعنى وإنما هي صناعة لفظية تحتكم إلى جملة من المباني الكلية، بل إن إقامة النحو على المعنى فيه إفساد لهذه الصناعة كما يقول ابن جني بصريح العبارة "هذا الموضع كثيرا ما يستهوي من يضعف نظره إلى أن يقوده إلى إفساد الصنعة"( الخصائص 1 ص 280).
وهكذا فالفاعل في صناعة النحو ليس هو الفاعل لغة، فهناك فرق بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي، فالفاعل لغة هو الذي يفعل الفعل ولكنه في اصطلاح النحو ليس كذلك،إذ قد يكون المحدث للفعل كقولك قام زيد،وقديتصف بالفعل فقط كقولك مات زيد ،أو سقط الجدار ،وقد ينفى عنه الفعل مثل قولك لم يقم زيد،ولكن الذي يجمع بين هذه الأمثلة أن الفاعل فيها أسند إلى فعل متقدم عليه ولهذا قال ابن آجروم في تعريف الفاعل "هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله"
وقد نبه ابن جني إلى هذا الأمر فقال"وكذلك قولنا "زيد قام" ربما ظن بعضهم أن"زيدا" هنا فاعل في الصيغة ، كما أنه فاعل في المعنى، وكذلك تفسير معنى قولنا" سرني قيام هذا وقعود ذاك بأنه "سرني أن قام هذا وأن قعد ذاك ، ربما اعتقد في هذا وذاك أنهما في موضع رفع لأنهما فاعلان في المعنى " ( الخصائص 1 ص 280 _281).
نخلص مما سبق إلى أن مباني النحو ليست مؤسسة على المعنى، وأن إقامة النحو على المعنى فيه إفساد له كبير.
الآن وقد اتضح المطلب، لننظر في ما يقوله الدكتور عبد القادر المهيري في ضوء ما بسطناه، لنقف عن كثب على هذه الفضيحة العلمية التي لا تغتفر.   
 
 
 
- المهيري وسوء فهمه للمطلب :  
 
 
 
يحاول الدكتور المهيري نقض المبنى الذي تأسس عليه فهم النحاة للعلامات الإعرابية ولكن مسعاه مرجوح وفي غاية الضحالة فيقول في كتابه (نظرات في التراث اللغوي العربي)"فإذا ما تخلينا عن هذا المبدإ واعتبرنا أنه ليس كل فاعل مرفوعا وليس كل مفعول منصوبا وليس كل مضاف إليه مجرورا أمكننا أن نعرب الاسم الوارد في صدر الجملة بالنظر إلى علاقته المعنوية ببقية عناصرها، فهو تارة فاعل مرفوعا كان أو منصوبا(كذا) بإن، وتارة مفعول وتارة مضاف إليه، فالمعنى وحده هو معيار التحليل وحركة آخر الكلمة ليس البتة نتيجة له، وإذا كان لا بد من تعليل هذه الحركة اكتفينا بأن نقول إنها وليدة مرتبة الاسم المعني بالأمر أو نتيجة لبعض الأدوات المتقدمة عليه " (ص 50).
واضح أنه وقع في ما حذر منه ابن الأنباري وابن جني وأفسد بذلك صناعة النحو، فأي نحو هذا الذي يريد تأسيسه على المعنى، وهل غاب عنه أن لكل فن اصطلاحات خاصة، ثم ألا يميز الدكتور المهيري بين المعنى اللغوي للكلمة والمعنى الاصطلاحي؟
والأنكى من هذا أن ينتهي به الأمرإلى جملة من الاقتراحات التي بناها على هذا الأساس الهش،وإليكم اقتراحاته :
يقول " وفيما يلي نقدم جدولا نحلل فيه على الأساس المذكور مختلف النماذج التي يمكن أن يرد حسبها هذا النوع من الجمل:
- الزائر وصل الزائر - فاعل بدئ به مرفوع .
وصل: فعل مطابق لفاعله.
ـــــــــــــــــــ
-إن الزائر وصل الزائر - فاعل بدئ به منصوب.
وصل- فعل مطابق لفاعله.
ــ الزائرون وصلوا الزائرون - فاعل بدئ به مرفوع.
- وصلوا- فعل مطابق لفاعله.
-الزائر حييته الزائر- مفعول بدئ به مرفوع.
- حييت- فعل مسند الى المتكلم
- ضمير رابط بين الفعل والمفعول به المقدم
ـ إن الزائر حييته الزائر- مفعول به بدئ به منصوب بإن.
- حييت - فعل مسند إلى المتكلم.
- ضمير رابط بين الفعل والمفعول به المقدم.
-الزائر سلمت عليه الزائر - مفعول به بدئ به مرفوع
- سلمت- فعل مسند إلى المتكلم.
-على: حرف جر للمتعدي.
- ضمير رابط بين الفعل والمفعول.
ـ الزائرأخذت حقيبته الزائر- مضاف إليه بدئ به مرفوع.
-أخذت: فعل مسند الى المتكلم.
- حقيبة: مفعول به مضاف.
- ضمير رابط بين المضاف والمضاف إليه.
ـ إإن الزائر أخذت حقيبته الزائر- مضاف إليه بدئ به منصوب بإن.
-أخذت: فعل مسند إلى المتكلم.
-حقيبة: مفعول به مضاف. 
- ضمير رابط بين المضاف والمضاف إليه.
 
ا لخلاصة:
 
هذه هي الاقتراحات العجيبة التي تفتقت عنها عبقرية وحيد عصره و فريد زمانه الدكتور المهيري ،فأي نحو هذا الذي يساوي بين المضاف إليه و المفعول والفاعل في الرفع والنصب والجر،فيصبح الفاعل تارة مرفوعا وأخرى منصوبا وأخرى مجرورا،والمضاف إليه كذلك والمفعول به ؟
الواضح أن هذا الشخص لم يفهم المبنى الذي تأسست عليه النظرية النحوية العربية،فأفسد النحو بذلك وينطبق عليه ما قاله ابن جني "هذا الموضع كثيرا ما يستهوي من يضعف نظره إلى أن يقوده إلى إفساد الصنعة"( ابن جني الخصائص 1 ص 280). 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد القادر لقاح

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/13



كتابة تعليق لموضوع : أزمة الدرس اللغوي الحديث.. الدكتور عبد القادر المهيري نموذجا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : أحمد بلكاسم ، في 2014/09/06 .

مجهودك
مشكور مع التحية




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net