صفحة الكاتب : جمعة عبد الله

استعراض رواية القلعة الخامسة لفاضل العزاوي
جمعة عبد الله

 هي رواية عراقية تدخل في ادب السجون , حيث تدور احداثها وشخوصها , في عالم السجون والمعتقلات العراقية , وما يدور داخل الاسوار والقضبان الحديدية . من انتهاكات صارخة لحقوق الانسان ومسخ المواطنة , وتمزيق كرمته وقيمته الانسانية بشكل بشع غير انساني , بسرد روائي مترابط ومتناسق في اسلوب سلس يجذب القارئ على متابعة احداثها , بتصوير سينمائي رائع , واسلوب مختصر وشيق وشاعري , ومشحون بمختلف الاحاسيس والعواطف , في عالم زاخر بالتناقض , فقد تجد الثوري والفوضوي والرومانسي الحالم والمتردد والخائف من اهوال السجون ومتاعبها . الرواية تتحدث عن شاب من كركوك , اراد ان يتمتع ويتسلى في اجازته في مدينة  بغداد , وجل تفكيره الحصول على عاهرة , , تأخذه الى البيت لينام معها حتى الصباح , في قضاء ليلة سعيدة وممتعة . ولهذا ذهب الى احد المقاهي , التي يتواجد فيها ( القوادين ) على امل الاتفاق باحدهم , ولكن فجأة تداهم الشرطة المقهى , ويجد نفسه محصورا مثل الفأرة بين رجال الشرطة ( تعال ايها الفار البطل ) وقبل ان يتفوه تنهال عليه اللكمات والصفعات , ويحشرونه مع المعتقلين ( لقد عرفته انه واحد منهم ) نطقها احد افراد الشرطة وهو يدفعه بقوة داخل الشاحنة . ويبدأ يشغل ذهنه بالمصيبة التي وقعت على رأسه , وبدأ يقتله التفكير في الايام الاولى في معتقل القلعة , ويتسائل عن فحوى التهمة التي يوصم بها , كم هو معيب ان يتهم بانه ( قواد) يتاجر بالنساء , ولاسيما وان المقهى تتواجد فيه هذه الفئات , وفجأة يجرجر الى غرفة التحقيقات والضربات تنهال عليه بقسوة شديدة ( لقد افسدتم العالم , ولابد ان تدفعوا الثمن ) يصرخ به مامور السجن , ويتسائل داخل نفسه ( هل انا مسؤول حقا عن فساد العالم؟ ) ويقول 

- ولكن ماذا  فعلته حتى استحق الاعتقال؟ 
- ألا تعرف ؟ حسنا ستخبرنا بنفسك 
وتهجم عليه الافكار  المتعبة ( هل اني اكره السلطة ام احبها ؟ لم تكن قضيتي , وانما اعتقلت بالخطأ ) وظل منزويا تداهمه شتى الافكار المتناقضة والبائسة والتعيسة . وابتعد عن معاشرة المعتقلين . وكان يناجي نفسه كلما سمع صرير مفاتيح باب  الزتزانة , ويظن ها هم ادركوا خطأهم باعتقالي , ويستيقظ من غفوته من كلام احد المعتقلين 
-  لسنا وحدنا هنا , ان شعبنا كله يقف الى جانبنا في الليل والنهار , وحتى داخل غرف التعذيب 
- لقد جاؤوا بك مع موزعي المنشورات , هل كنت واحدا منهم؟ 
- كنت جالس في المقهى عندما دخلت الشرطة 
وينتظر ايام على امل يوارده ويقتله في دوامة التفكير , عسى ان يصححوا الخطأ والاجحاف , واية عدالة هذه التي قذفت به الى معتقل سياسي , ولم يدر في خلده ان ناقش امورسياسية او اهتم بها , لانها امور لايستسيغها ولا يحبذها لا من قريب ولا من بعيدا , كانت السياسة بعيدة عنه وهو بعيد عنها بشكل شاسع ولايفقه منها شيئا . وبدأ يراقب عن كثب اعمال ونشاطات المعتقلين , لقد كانوا منكبئين كخلية نحل على ممارسة اعمال مختلفة , من غسل اواني الطعام ,الى تحضير سفرة الاكل , الى اعمال التنظيف , ومنهم من منهمك بالقراءة ومن من يمارس الرياضة داخل الزنزانة , ومنهم من يلعب شطرنج , ومنهم من يحاول ان يتعلم لغات اجنبية , انهم يواصلون حياتهم في السجن , برضى يحسدون عليه. انتبه الى صرير الباب 
- هل انت عزيز محمود؟
- نعم 
- اذن اسمع, لقد احلنا عريضتك الى الجهات المختصة , ولكن لا تكرر ذلك مرة اخرى 
ها هو الامل يوقد داخل نفسه , عسى ان يخرج من هذا المعتقل . يظل ينتظر شهور والامل بدأ يتقلص في تفكيره , في الخروج من السجن , واكتشف بان العدالة قد لا تكون دائما الى جانب البراءة . همس في اذنه احد السجناء 
- ان الافراج عن اي واحد من المعتقلين يعتبر قضية سياسية , وهذا يشملك انت ايضا 
- ولكن لست سياسيا 
- لايهم ما تعتقد انت , المهم ما يعتقدون هم 
بدأ بالتقرب الى السجناء في زنزانته ويسمع احاديثهم في السياسة والتنظير في شؤون الثورة القادمة 
- ان جريمة واحدة ترتكب , يمكن ان تشوه كل جمال الثورة , اننا نحلم بثورة جميلة . . قالها منعم اقرب صديق سجين له ويثق به ومعجب بثوريته واخلاقه 
- بعد قليل سوف اعرفك على والدتي وشقيقتي سلوى 
راح يغص في التفكير ويردف داخل نفسه , لابد ان سلوى جميلة , فهي طالبة كلية , ترى ماذا لو كسب ودها ؟ لااعتقد سيعترض منعم شقيقها على ذلك , انه شاب رائع , طالما حدثه عن الثورة والسياسية , وماهية الثورة الشاملة التي ينبغي ان تشق طريقها الى السعادة , عبر صحراء من النار 
- تعال , لا تكون خجولا  . . وينظر الى شقيقته سلوى ويطرب نفسه , كم هي جميلة 
- انها سلوى التي حدثتك عنها 
هزت رأسها وقالت بود 
-  لابد انك عزيز , اشعر انني اعرفك تماما , فقد حدثني منعم كثيرا في رسائله 
- هل تشعر بالاسى؟ 
- في البداية كنت حزينا , اما الان فلم اكترث , لقد اعتدت على الحياة الجديدة 
- ينبغي ان تقاوم هذا الشعور 
- ولكن العالم تخلى عنا 
قالت سلوى 
- انك مخطئ تماما , فنحن معكم , نحملكم في قلوبنا , مثلما نحمل العذاب 
وعند انتهى وقت الزيارة همست سلوى في اذنه ( انني معك ) امتلئت اعماقه ببهجة ونور ساطع يدخل قلبه , وراح يناشد روحه ( هل اجد نفسي قريبا من امرأة جميلة , بعد ما اجتزت كل صحاري العالم ) وانزوى في ركن زنزانته , معزولا عن الاخرين , كأنه يعيش في حلم , قد توقدت شموعه , وتكررت الزيارات واللقاءات المنفردة مع سلوى , وتعززت العلاقة 
-  اني احبك , لماذا ترفضين حبي؟ 
- انت تحبني اعرف ذلك , الحب اعمى والمحبون لايطالبون ثمنا لحبهم 
- هل تعرفين , كم انت رائعة؟ 
- مثل قلب غادره الامل , والاحلام والخيالات ,
انتبه من دوامة احلامه 
- اين انت ؟ انهم يريدونك في الادارة 
توقدت اوداجه بالامال والبهجة , هل اقتربت ساعة اللقاء بسلوى ؟ وهل انا استعد للخروج من المعتقل 
- هل انت عزيز محمود؟ 
قالها مامور السجن بلهجة مليئة بالاحتقار , واردف قائلا 
- لقد ذكرت في عريضتك عند دخولك المعتقل , انك شخص غير سياسي , وقد اعتقلت خطأ , إلا ان التقارير التي وصلتنا تؤكد عكس ذلك , فانت لست مجرد سياسي اعتيادي , وانما من المتطرفين جدا 
- هذا مجرد كذب , انهم يكذبون عليك 
- اخرس ايها الكلب , انكم لا تعرفون اي معنى للرحمة 
وتهالت عليه الركلات والصفعات والضربات التي بدأت تنغرس باوجاعها في انحاء جسمه 
- حسنا . نريد منك ان تتعاون معنا , وسوف نطلق سراحك من السجن 
- لكني بريء قبل ان ادخل المعتقل  
جره الشرطي مثل كلب حقير  
- ادخل ايها النذل 
ثم التفت الشرطي الى المعتقلين وقال بلهجة مصنعة بالرقة 
- احذره فقد وشى بكم , ولسوف ينادون على بعضكم للتحقيق معهم 
- انه يكذب . انه يكذب 
وتعالت عليه الصرخات الغاضبة , ورفسات والضربات الموجعة وقبل ان يفقد وعيه تناهى الى سمعه 
- هذا كلب مدسوس . الموت للخونة 
عاد الى وعيه ورشده , ليجد نفسه مربوطا على سرير المستشفى وكأن كل اعضاءه انتزعت عنه , وبدأ يفكر وهو في صرعات الموت ( لقد كنت دائما بدون قضية , اما الان فقد اصبحت لي قضية , ينبغي ان ادافع عنها لانها الامتحان الوحيد لتبرير وجودي , لقد اصبحت عندي قضية منذ اللحظة التي حاصروني بها , وكنت اشعر انني سمكة يابسة فوق مسطح رملي ) فتح عينه الى المضمد واقفا امامه وقال 
- لقد اوشكت على الموت . ينبغي ان تفكر في نفسك وفي المستقبل 
اخذوه عنوة الى غرفة التحقيق وبدأت دورة التعذيب تنهش روحه من جديد 
- لقد ضربوك , أليس كذلك؟ من هم؟ 
- لااعرف احد 
- انهم يتهمونك بانك فوضوي , لماذا اردت ان تحرض المعتقلين على الاضراب 
-  لم احرض احدا . اني بريء 
ابتسم المحقق وقال بخبث 
 - حسنا , هل تؤيدنا؟ 
- وهل ينبغي ان اويكم حتى اكون بريئا؟ 
- بالطبع 
 لاذ بالصمت , ولكنهم تدافعوا عليه لنهش جسمه المريض , حتى شعر ان الغرفة تدور والضياء يختفي ويحل الظلام 
- سنعيدك مرة اخرى اليهم , لايوجد عقاب افضل من ذلك 
وبدأت المساومات بالتعاون معهم مع وعد باطلاق سراحه , كان يلوذ بالصمت المقهور 
- انه رجل خطير , لقد قلت لكم قبل ذلك 
- انه يستحق حتى الموت 
- قل شيئا . اعترف . ستموت 
وحين ربطوه من كتفيه بالمروحة اوشك ان يغيب عن الوعي 
- ها لنداعب جسده بجمرة سكائرنا 
- ألا تخشى النار ايها البطل؟ 
عندما استيقظ وعاد له وعيه , وجد نفسه ممددا على الفراش وتحيط به وجوه كثيرة , انها تبتسم له . نفس الوجوه الغاضبة التي كانت تقف عند رأسه لتسحقه بالاحذية , احس برغبة جامحة في البكاء 
- لقد ارتكبنا معك خطأ فضيع . لقد كذب علينا الشرطي 
وبدأ مع الايام والشهور تعود له عافيته وصحته , وبدأت العلاقات الحميمة والودودة  تنهال عليه , بعدما ازال سؤ الفهم والظن , وفي يوم من الايام سأل عن سلوى , بعدما اخذ من جديد تعود الى فكره وعقله , اين هي ؟ لماذا اختفت فجأة ؟ وقد كفت عن المجيء وانقطعت عن كتابة الرسائل 
- لماذا انقطعت سلوى عن زيارتنا؟ 
ويتلقف الرد الصاعق , بانها خطبت وتستعد قريبا على الزواج , وتمر الايام والشهور والاحلام تتقلص وتنتفي , وينطفيء الامل في الخروج من المعتقل , ويتعود على حياة السجن 
- لقد قررنا ان نسلمك قيادة المعتقل , فانت مناضل حقيقي . ارجو ان لا ترفض 
تردد قليلا ثم اردف قائلا 
- حسنا , ساحاول لقد تعلمت الكثير منكم , أليس كذلك؟ 
ومرة وقف في وجه مامور السجن وقال بلهجة افتخار 
-  اجل لقد حاولت ان اخدعكم , ولكن لابد من نهاية من اعلن هويتي . انني منهم 
يرد عليه مامور السجن 
- هذا افضل , افضل بكثير , فنحن لا نحب من لاهوية له , لاننا لا نعرف كيف نتعامل معه 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة عبد الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/03



كتابة تعليق لموضوع : استعراض رواية القلعة الخامسة لفاضل العزاوي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net