هجرة الألباب .و. إختفاء الذباب
باقر العراقي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
باقر العراقي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كنت اتنقل بين غرفتي المنزل والاستقبال ، بعد انطفاء الكهرباء وحلول الرمضاء بدلا عنها ، وإذا بذبابة تترنح على الارض وتحاول الطيران ، وكأن (بف باف ) قد أصابها بمقتل ، عندها تذكرت حكاية أحد التلاميذ في المناطق الجنوبية المحرومة أنذاك (ولازالت كما هي للأسف) ، عندما طلب منه معلمه أن يقرأ الدرس ، كان التلميذ مترددا وخائفا من بطش المعلم حينما يخطأ في القراءة ، وكان موضوع الدرس ( ذباب .....ذباب..... الولد يطرد الذباب ) ، فقال التلميذ وهو يشير بيده الى صورة الذباب والولد في قراءته الخلدونية وكأنه ينوح (ذبان ..... ذبان .....الولد ينش بالذبان .. أهي ..أهي ) وأخذ يبكي وهو يمسح ما تمكن له من عينيه ، وبيدين مضمومتين ، وفم مفتوح معوج ، حتى يخفف العقوبة المنتظرة من معلمه .
ظاهرة اختفاء الذباب هذه الايام والتي لم نعهدها سابقا ، تستحق الاهتمام والدراسة من قبل علماء الاحياء والبيئة في العراق ، وربما لم يلتفت اليها السياسيون والمسؤولون ،لأنهم لم يعتادوا على رؤيتها ، نظرا لعيشهم الرغيد وحصانة منطقتهم الخضراء ، أو لانشغالهم بأمور أخرى ، قد تكون اكثر أهمية ، والأجدر بنا ان نترك هذا الموضوع لمختصيه ، ولا نكون متطفلين على العلماء في بحث هذه الظاهرة ، ولكن .. لدينا حقيقة واحدة على عامة الناس والعلماء الاذعان لها ، هي أن الذباب فقد سبل العيش في بلاد الرافدين ، فقرر الهجرة ، ليس لأنها أصبحت نظيفة وخالية من النفايات ، التي تعتاش عليها ، ولكن هناك اسباب أخرى للهجرة وحالهم فيها حال البشر .
مثلا قبل ايام أكتظت دوائر الجوازات بالمراجعين لغرض السفر الى الخارج ، قبل حلول شهر رمضان المبارك ، لقضاء أيام الصيام في أماكن باردة كإيران وتركيا ولبنان ، وهذا انما يدل على سعة الرزق وتحسن الحال عند بعض الناس ، وإن كانوا قلة ، وهي حالة طبيعية صحية وقد نسميها اعلاميا ، هجرة مؤقتة ، أما التي تؤرقنا وتجعلنا نقضم الشفاه ونتساءل بأستمرار ، فهي هجرة العقول المستمرة أو الهجرة الدائمية للكفاءات ، ( والتي لا يمكن مقارنة تأثيرها على الوطن والمجتمع كما الاخرى ) ، فقد كانت مستفحلة قبل 2003 م وازدادت بشكل متسارع هذه السنوات ، وبالتأكيد هو نفس السبب الذي يجمعهم مع الذباب ، وهو فقدان سبل العيش ، والغريب أن الحكومة بدأت تستورد ممرضين أجانب هنود وغيرهم ، للعمل في المستشفيات ، كما هو الحال في الناصرية ، وخوفنا القادم هو استقدام أطباء أجانب ، وأطباء العراق يملئون المستشفيات العالمية ويحتلون الصدارة فيها على طول خارطة العالم وعرضها وبكل اتجاهاته وقاراته .
عدم حماية العلماء والاوضاع السياسية المتأزمة ..الأزمات السياسية المتراكمة ..المفخخات والتفجيرات اليومية .. تراجع أداء المؤسسات الحكومية ..تسارع وتيرة أخبار الفساد المالي والإداري وإنحسار الشفافية ، قد تكون أسباب وجيهة ، وهناك من الساسة الذين أستلموا السلطة بعد السقوط ، لم يكن أحدهم يحلم حتى بالعودة الى أرض الوطن والعيش كمواطن عادي ، فكيف إذا به يتسلم زمام الأمور ، والسيطرة على ثروات الدولة ومقدرات الناس (والعقول العلمية منهم ) ، وبالتأكيد لو كان هناك تحسن في الوضع العام لعادت العقول أو عدلت عن هجرتها ، ولذلك نرى بأن الامور تسير من سيء الى أسوء .. هجرة الذباب قد لا تضر ، وقد تكون بسبب إرتفاع درجات الحرارة والإحتباس الحراري ، أما هجرة العقول فهي كارثة وطنية .. تضع أمامنا علامات استفهام كثيرة ، نستطيع أن نجيب على المهم منها بقدر معرفتنا بظواهر الامور ، ولكن الاهم نضعه في خانة المسؤول ، إن كان يهتم بأمرها وتلامس احاسيسه الوطنية ، لأن الأمة بلا علماء ، كالجثة الهامدة ، أو كالجسد بلا روح ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat