صفحة الكاتب : الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)

المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء: ح3 - موقف المرجعية الدينية من الاحتلال
الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 المؤهلاّت التي أهلّت الإمام الحكيم للمرجعية العامة

أقول أن الذي أهّل الإمام الحكيم لمرجعية المسلمين في الفتيا هو (مستمسك العروة الوثقى) الذي لا يعرف قيمته إلاّ اهله من اصحاب الاختصاص. وهو باختصاره وايجازه يعتبر متناً للفقه الاستدلالي, كما ان الشرائع والتبصرة والعروة الوثقى تعتبر متونا لفقه الفتوى. والمتمرسون في الفقه يقرأون في اشاراته وتأملاته وكلماته جهوداً علمية طويلة, وتأملات ونظرات فقهية نافذة وثاقبة, قائمة على خبرة علمية طويلة, وفهم واستيعاب لكلمات المتقدمين والمتأخرين من الفقهاء واستقامة على الخط الفقهي الأصيل, الذي كان يعبر عنه الإمام الخميني رحمه الله بـ(الفقه الجواهري)
ومهما يقرأ الانسان مستمسك العروة الوثقى يزداد احتراماً وتقديراً للجهد العلمي الذي بذله الإمام الحكيم في هذا الكتاب على اختصاره وايجازه.
ولكن كيف العمل مع الذين لا يعرفون قيمة هذا التراث الفقهي الكبير, والموقع العلمي الرفيع لصاحبه, ولا يبصرون غير مافيات البلاط الملكي, وهو أقصى حد لرؤيتهم.
ان الذي نصب الإمام الحكيم لمرجعية الفتيا وإمامة المسلمين هو (مستمسك العروة الوثقى) وجهاده, وتقواه, وورعه وتاريخه وعقله ووعيه ويقظته وصبره, وليس البلاط الايراني.

الموقع الفقهي الرفيع للإمام الخوئي(رحمه الله):
وأن الذي أهّلَ الإمام الخوئي رحمه الله لمرجعية الفتيا العامة بعد وفاة الإمام الحكيم هو العدد الغفير من فقهاء البلاد في العراق وايران ولبنان والهند وباكستان وبلاد الخليج الذين تخرجوا من مدرسته ودروسه في الفقه والأصول والرجال (الجرح والتعديل) وقد كان درسه حافلاً في حوزة النجف بالفضلاء والعلماء والمجتهدين.
وكان يومئذ درسا الإمام الخميني والإمام الخوئي رحمهما الله في النجف أوسع الدروس وأجمعها لفضلاء الحوزة وعلمائها. وكان كثير من فضلاء الحوزة يحضرون الدرسين معاً وكان لكل منهما مذاقه الفقهي ومسلكه في الاجتهاد ومنهجيته في فهم الروايات والجمع بينها.
ومهما يكن من امر فقد خلّف الإمام الخوئي رحمه الله من بعده تراثا واسعا في الفقه والاصول والرجال يناهز خمساً وسبعين مجلداً, وهو مما خصه الله تعالى به من رزق.
وقد قدّر الله تعالى ان يكون عدد كبير من طلابه المتخرجين من دروسه من مراجع التقليد واساتذة الدراسات الفقهية العليا في حياته وبعد وفاته منهم الشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد السيستاني والشيخ الوحيد الخراساني والشيخ اسحق الفياض والسيد محمد الروحاني والسيد صادق الروحاني والشيخ جواد التبريزي والسيد الكوكبي والشهيد الشيخ مرتضى البروجردي والشهيد الشيخ محمد علي الغروي.
ولا اعرف فقيهاً وفقه الله في تربية جيل من كبار الفقهاء واساتذة الدراسات العليا في الفقه والاصول مثل الإمام الخوئي(رضوان الله عليه). وهذا رزق خصه الله تعالى... وقد شهد جملة من تلامذته بأعلميته بعد وفاة الإمام الحكيم رحمه الله.
ومن أولئك الشهيد السعيد الإمام السيد محمد باقر الصدر رحمه الله.
أقول إن الذي أهل الإمام الخوئي لمرجعيّة الفتيا العامة هو هذا الجهد العلمي العظيم في الفقه والاصول والرجال... وهذا العدد الغفير من الفقهاء والمجتهدين الذين تخرجوا من دروسه وليس مافيات البلاط الملكي في ايران, ولا (مالم تؤيده لنا انكلتره) كما يقول هذا الكاتب من دون تقوى ولا خشية من الله, ولا حياء من الجمهور الواسع الذي كان يقلده رحمه الله ويضع فيه ثقته, ولا تزال الثقة باقية بعد وفاته.

عمى الالوان
ان المسألة تدخل في عمى الالوان, فهناك من الناس من يرى بعض الالوان دون بعض والأمر كذلك في بصائر العقول والقلوب... فهناك من الناس من يرى مافيات البلاط الملكي وانكلتره, وبريمر وزلماي خليل زاده ولكن لا يرى يد الله تعالى في رعاية هذه الطائفة المنتمية الى مذهب أهل البيت عليهم السلام وتسديده تعالى لهم, ولا يرى هذا التاريخ الحافل بالجهاد والتقوى والميراث العلمي العظيم في الفقه والاصول والرجال, والمدرسة الفقهية الكبيرة التي خرجّت الالاف من العلماء والفضلاء المنتشرين في البلاد والمئات من الفقهاء والمجتهدين.
اليس في هذا التاريخ الناصع, والتراث الفقهي العظيم كلّه سبباً كافيا لرجوع جمهور شيعة أهل البيت عليهم السلام إليه بالتقليد, حتى تلجأ الى تفسير ذلك بالمافيات الوهمية للبلاط الايراني والتخطيط الانكليزي؟
المرجعية الدينية بعد وفاة الإمام الخوئي رحمه الله
يقول هذا الكاتب في كتابه (جولة في دهاليز مظلمة):
وقلت له (أي لصاحبه الذي صاحبه في السفر): ان الامور تدار من وراء النقاب. ففي القديم كان بلاط الشاه في ايران هو الذي يعطي الضوء الاخضر اما في المرحلة الحاضرة. فهناك جهات مخابراتية اقليمية ودولية, تلعب دورها في المشهد السياسي, وآخر حلقة في هذا تصنيف حاكم العراق المدني (بريمر وزلماي خليل زاده)(ص205).
يتصرف الكاتب هنا طبقاً لمنهجه العشوائي غير العلمي وغير الشرعي في تسقيط قيمة المؤسسة الدينية, ويدعي ان الامريكان لعبوا دوراً مؤثراً في تحديد مسارات المرجعية.
وليس عند الكاتب شيء جديد في التسقيط والتشهير غير ادواته التي يستخدمها دائماً, وقد عرفنا قيمتها الشرعية والعلمية, فلا نتوقف عندها.
ولكن هناك سؤالاً سمعناه من أكثر من شخص, ولابد ان نتوقف عندهُ وقفه قصيرة.
لقد دخل الامريكان العراق محتلين, والعراق بلد اسلامي وجزء من دار الاسلام, والامريكان كفار محتلون فما هو موقف المرجعية الدينية ورايها ودورها في هذه القضية الحساسة المهمة
واليك التوضيح:

موقف المرجعية الدينية من الاحتلال
مرّ العراق بعد سقوط النظام بظروف صعبة سياسية وامنية واقتصادية. وكان الامريكان قد دخلوا العراق باليات عسكرية كثيرة ومتطورة. ولم تكن يومئذ للعراق حكومة ذات سياده حقيقية على وجه الارض, وإنما كانت هناك تشكيلة بعنوان (مجلس الحكم). إلاّ ان مجلس الحكم لم يكن يملك سيادة واقعية على وجه الارض... وكان الاحتلال الامريكي هو القوة الضاربة في العراق.
في هذه الظروف كان رأي المرجعية الدينية, متمثلة, في الإمام السيستاني حفظه الله: ان الظروف الحاضرة الفعلية غير ملائمة لان تتصدى المرجعية الدينية لمقاومة الامريكان, وتعلن الجهاد على الامريكان, على مستوى المقاومة المسلحة... من دون ان يصدر من المرجعية الدينية منع ولو بكلمة واحدة عن عمليات المقاومة التي كانت تجري على الارض.
وكان رأي سماحته(دام ظله) في تلك الظروف ضرورة احتواء ومصادرة المشروع الامريكي لاحتلال العراق من خلال المطالبة بتدوين دستور للعراق, يشارك فيه كل الاطراف العراقية, ويصوت عليه كل العراقيين.
ثم بعد ذلك الدعوة الى انتخابات نيابية عامة للعراق يشارك فيها كل العراقيين بشرائحهم المتعددة, وانتخاب حكومة وطنية من خلال هذه الانتخابات.
وكان من رأي المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف أنّ هذا المشروع الوطني (تدوين الدستور واجراء الانتخابات) يطوق الاحتلال ويؤدي الى افشال خططه في التحكم بمصير الشعب العراقي وتغيير هويته الثقافية.
وخلال هذه الفترة رفض الإمام السيستاني حفظه الله أي لقاء بالمحتلين الامريكان على كل المستويات, فضلا عن التفاهم والحوار. ولم يصدّر منع من المرجعية للمقاومة التي كان يمارسها بعض الشرائح الاسلامية في العراق.
هذه خلاصة عن مشروع المرجعية الدينية في ظروف الاحتلال للتعامل مع الاحتلال.
ولم يمر على ذلك زمن طويل, ولا تزال هذه النقاط ثابته في ذاكرة جمهور العراقيين والمسلمين المعنيين بالشأن العراقي في ظروف الاحتلال.
ولإصحاب الرأي أن يوافقوا المرجعية الدينية في رأيها وموقفها, ولهم ان يناقشوه وينقدوه, وليس في شيء من ذلك باس.
ولكن ليس لأحد, اطلاقاً طبقاً للموازين الشرعية, أن يتهم المرجعية بإيثار العافية في تجنب الاصطدام بالأمريكان ومقاومتهم ومصانعتهم.

يتبع...

المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء: ح1 - تسقيط المؤسسة الدينية 
المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء: ح2 - القيمة العلمية لكتاب (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/07/22



كتابة تعليق لموضوع : المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء: ح3 - موقف المرجعية الدينية من الاحتلال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net