صفحة الكاتب : حميد آل جويبر

هل نحن بقية داحس والغبراء
حميد آل جويبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 نردد وبشىء من النرجسية والتباهي بمحفوظاتنا ، ما صدحت به حنجرة الكبير مظفر النواب منذ خمسين سنة : "... قتلتنا ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده " . ولعمري انها لو نسبت لنبي من انبياء بني اسرائيل لما استبعدت ذلك . فهي من نوع الماثور من القول الذي يفضح بعبارة موجزة ما نحن عليه اليوم من خواء و منذ داحس والغبراء من دون سراب يحسبه الظمآن ماءً . وليس ذاك بمستبعد من النواب فهو ذائب حد المحو في عظمة علي وادب علي وسماحة علي ، فكافأه ابو تراب بان اجرى على صدره ينابيع بلاغته وتجليات فصاحته . ولم يقلها النواب "شافاه الله" حين قالها لان الوزن و القافية جرتاه الى ذلك جر النوق للعطن . فالقصيدة وهي من المطولات لم تلتزم العمود التقليدي انما منظومة على نمط التفعيلة والشاعر فيها محرر الى حد بعيد من سلاسل الفراهيدي و تحكمات الاخفش رحمهما الله . قالها شاعرنا البغدادي المولد - الاهواري المنشأ "يعني تربية معدان" وهو يعني كل حرف من حروفها ، والنواب من التفجر اللغوي بمكان بحيث لا تضيق بمعانيه مباني القصيدة بما في ذلك الشعر العمودي ، وحسبك قصيدة "تعلل فالهوى علل ... وصادف انه ثمل" . المثاليون والمثاليات اعلاميون واعلاميات من الذين اتيحت لاقلامهم الفرصة للتعبير عبر اجهزة التضليل مرئيها ومسموعها ومقروءها ، او الفيسبوك وذلك اضعف الاعلام ، يتحاشون بكل ما اتيح لاقلامهم والسنتهم من قدرة في مخادعة المتلقي والضحك على ذقنه باننا موحَدون وان العصبة التي جاءت على ظهر الدبابة الاميركية "كم هو طاقم الدبابة ؟ " هي التي فرقتنا شيعا و بثت كل هذه الفرقة بين نفوس الشعب الواحد ، وهم يتشبثون باي فوز كروي باعتباره دليلا دامغا على وحدة هذا الشعب . من نافلة القول ان المجتمع الذي توحده "لاستيكة مستديرة" حتى لو خطف كاس العالم من انياب كواسر المانشافت فان وحدته ستتفكك مع اول نفخة في صور الحكم وهو يعلن نهاية المباراة . من جهل اننا عندما نقول "شعب واحد" نفترض ان لا خلاف ولا اختلاف فيه ، فنردد قاتلتي كلمة "كلنا اخوة" بشكل رتيب ومفتعل يثير الغثيان . الشعب الاميركي يعادل الشعوب العربية مجتمعة من حيث النفوس وفيه تركيبة من الاثنيات والديانات اضعاف ما في "الامة العربية" والجميع يقرون بوجود خلاف على كل شيء بدءا من لون البشرة والانتماء الحزبي المتشدد وليس انتهاء بالمعتقد ، وهذا الشعب، كما يعلم الجميع ، خليط شعوب زحفت في الاساس نحو بريق الذهب Gold Rush طمعا في الثراء السريع بولاية كاليفورنيا ، ثم تناسلت واسست وفق عقد اجتماعي مجتمعاتها المدنية التي تختلف في كل شيء ، لكنها تتفق على التعايش معا لان البديل هو الموت الجماعي كاغبياء كما يقول الاسطورة مارتن لوثر كينغ . واحدنا يعلم علم اليقين ان في العائلة الواحدة المكونة من ثلاثة اشخاص وهو الحد الادنى - ولا اظنه موجودا الا من رحم - تمر ايام بل شهور عليهم وهم يتبادلون شزرات الذئاب باعينهم ، واذا كان ثمة استثناء رومانسي فانه لا يتعدى حدود الاستثناء الذي عمره ما شكل قاعدة . اما اذا توسعنا وخرجنا الى نطاق الاسرة فان فيها من التباغض ما يذكر بيوم القيامة عندما يفر المرء من اخيه وامه وابيه . اِبدأ بالخلافات والاختلافات المحتدمة في هيئة رئاسة الدولة العراقية نزولا الى اصغر تركيبة في المجتمع العراقي العشائري المولد الحضاري الظاهر . ستجد نموذجا مصغرا لداحس والغبراء في كل فقرة من فقرات هذا المجتمع ، في الدائرة والمكتب والملعب والفريق الرياضي ولعبة المحيبس والمدرسة والادارة واتحاد الادباء ونقابة الفنانين والشبكة والحزب والحركة والائتلاف والكتلة و عش الزوجية والمربد و...و...و... لا أتحدث هنا عن الخلاف والاختلاف الطائفيين فتلك الطامة الكبرى التي ما بعدها طامة و طوق الموت الذي ليس منه فكاك ، انما اتحدث عن تركيبات مجتمعية متوافقة ويفترض بها ان تكون منسجمة . هل هذا كله من صنع الاحتلال البغيض ؟ والله انا في شك يلامس تخوم اليقين لاننا لو تيقن ذلك ، فاننا سنوجه آلم صفعة مهينة على خد شعب عمره 7 آلاف سنة حينما ياتيه اليانكي فيبدل سوسنه عوسجا في عشر سنوات ... يا ناس !!! يا عالم !!! انه ارث التاريخ ولعنة الجغرافية فلم الهبل الذي يعقد من حل مشاكلنا المستعصية . اذا كان الامام علي عليه السلام دعا ربه قبل نحو 14 قرنا بان يبدل العراقيين بشر منه وان يبدله بخير منهم ، فماذا عساه ان يقول اليوم ؟ طوبى لك رقدتك القدسية يا ابا الحسن فهي اهون عليك من امرتنا التي ما جرت الا ندما و ما أعقبت الا سدما ... وطني ، هل انت بلاد الاعداء ؟ وطني ... هل انت بقية داحس والغبراء ؟

 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد آل جويبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/07/15



كتابة تعليق لموضوع : هل نحن بقية داحس والغبراء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net