صفحة الكاتب : معمر حبار

زوروا الاستعجالات من فضلكم
معمر حبار
 من أراد أن يقف على حقيقة النعم التي يتمتع بها، دون غيره من البشر، فليقف ساعة واحدة، في مصلحة الاستعجالات، لأقرب مستشفى له، ليدرك عن قرب، أن الله فضله بِنِعَمٍ، ومتّعه بالكثير منها، لكنه لم يشعر بحلاوتها وأهميتها، إلا بعد أن يقف على فاقدها وطالبها، والساعي إليها.
 
هذه فتاة، يحلم بها العرسان والفرسان، تخرج من قاعة الماسح الضوئي، ممدودة لاتستطيع تحريك الشفتين، مشلولة الأعضاء، وكأنها أخرجت من قاعة حفظ الجثث، وعبثا يحاول أخاها، أن يتحدث إليها، فكان الجسد الرقيق الممدود، أبلغ في الإجابة، من أي آهات تخرج منها دون إرادتها.
 
وبينما هو ينتظرفي البهو، نتائج التحاليل، للأم الغالية، إذ بهذا الجمال الصامت المشلول، يمرّ أمامه، ممدودا على سرير، وإذ بالدموع تغلبه وتسبقه، ورعشة اجتاحت الجسد كلّه، وهو الذي لم يراها من قبل، ولم يعرفها قط .. فعلم حينها، أن الجسد القائم نعمة، وأن القائم بجسده، يتنعم بهذه النعمة، وأن الجمال نعمة، يتغافل عنها، الماشي والراكب والجالس، ويدركها جيدا، من مُنع الحركة، وأرغم على معانقة السرير.
 
ومن قبل، عجوز أثقلتها الأيام، تنتظر دورها، لتدخل على طبيب الأمراض النفسية، إذ بها فجأة تخرج من القاعة، تبحث عن ابن لها، لتعيده للطبيب، ويرفض طلبها بعد توسّل العجوز، ويفضل الجلوس خارج قاعة الانتظار .. ابنها هذا، طويل القامة، قوي البنية، لايقدر على تحريكه الرجال، فكيف بالعجوز، لكنه فاقد العقل، رُفع عنه القلم منذ أمد، تُعامله العجوز، معاملة الصبي، تسترضيه بقطعة حلوى، وتترجاه بكلمة، تقال عادة للصغار، وتخشى أن يتلفظ، بما يفرّق الجمع. 
 
والمرء في مثل الحالات، يحمد ربه، أن ملّكه العقل السوي، والجسد الكامل. والعجوز علّمتها الأيام، أن فقدان عقل الابن، يرهق جسد الكبار ويهده، وأن الاولياء الذين رزقوا أبناء أصحاء، يتمتعون بنعم، ظلّ الولد الذي يفتقدها، والوالد الذي يسعى إليها، يتمناها ويحلم بها. 
 
وبعدها بيومين، ينقل للأسماع، أن شابا في 37 من عمره، شلّ لسانه، فلايستطيع التحدث و لا الأكل. وبعد مشقة، نصحه الطبيب، أن يتناول العصائر والمشروبات، دون غيرها من المأكولات، وهو الذي يملك مصانع التغذية، في الداخل، وفي العاصمة، وفي اسبانيا، ولايستطيع أن يغذي نفسه، ولايستطيع أن يطلب مايريد، لأن لسانه مشلول، وهو الذي يسعى إليه الغني والمسكين.
 
ولأول مرة، يدرك أن نعمة اللسان، وراءها نعم .. نعمة الكلام، ونعمة الأكل، وكلامها نعم من نعم التمتع، إذا حرم منها الناطق، حرم الكلام والأكل، فأصبح من يومه، أصم جائع، ولو ملك المصانع والأموال. 
      
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


معمر حبار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/07/05



كتابة تعليق لموضوع : زوروا الاستعجالات من فضلكم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net