صفحة الكاتب : نعيم ياسين

مصر .. الثورة المستمرة
نعيم ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

 
     كنت وما زلت من المعجبين بثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر كونها ثورة شعبية حقيقية لم تشهد مصر مثلها في تاريخها الحديث , وكونها ثورة ضد نظام دكتاتوري تفنن في كيفية البقاء في السلطة , فحسني مبارك وريث السادات وهذا وريث جمال عبد الناصر , والجميع جاء من المؤسسة العسكرية , والجميع لم يقدم حلولا حقيقية لمشكلات مصر في الامن القومي او في التنمية , فعبد الناصر استهلك نفسه واستهلك مصر معه في الخطاب القومي وخسرت مصر في ظل نظامه سيناء بكاملها لصالح اسرائيل في حرب 1967 , فيما استهلك السادات نفسه في خطاب الانفتاح على الغرب فتحول الاقتصاد المصري الى اقتصاد مشوه ليس راسماليا وليس اشتراكيا وانما نمت فيه طبقة من الطفيليين , وماتحقق للجيش المصري في حرب تشرين 1973 لا يكفي لتامين مصر من عدوان اسرائيلي , فلم تعط معاهدة الصلح مع اسرائيل اي حق لمصر في دخول جيش ومعدات عسكرية مهمة الى سيناء , ولم يكن مبارك افضل ممن سبقه وانما عظم الفساد في مصر وتردى الاقتصاد وازداد الطفيليون ثراء والفقراء فقرا , وكان القمع السياسي والتهم الجاهزة لقوى المعارضة لازمة ثابتة لجمهورية عبد الناصر والسادات ومبارك . استعاد الشعب المصري حيويته في ( ثورة 25 يناير) بعد اكثر من نصف قرن , فاسقط نظام مبارك دون اراقة الدماء كما هو حال الثورة الليبية وانحاز الجيش الى الشعب فاثبت مهنية عالية بانه جيش للدفاع القومي وليس اداة للقمع . 
     ونجحت الثورة التي شاركت فيها كل اطياف الشعب المصري الاجتماعية والسياسية وكان الهدف اسقاط النظام ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة كما هو الحال في ثورة الشعب الايراني في 1979 , فالقوى العلمانية والليبرالية في جانب والقوى الاسلامية في جانب اخر وسرعان ما ظهر الخلاف بين الفريقين بعد سقوط مبارك , ومع ان الشباب كانوا هم وقود الثورة ومادتها لكنهم لم يظهروا بشكل فاعل في ترسيخ ثورتهم كما ظهر الاخرون , الامر الذي اضعف الثورة وابعدها عن ملامسة الواقع المصري , وجرت الانتخابات لرئاسة مصر فاسفرت عن فوز مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي ولكن بفارق قليل عن احمد شفيق فاظهرت النتيجة ان المصريين من منقسمين بين التيار العلماني الليبرالي وبين التيار الاسلامي , وكان متوقعا فوز مرشح الاخوان لاسباب كثيرة منها قدرتهم على الحشد والتنظيم ومنها رفعهم للشعار الاسلامي وسط شعب مسلم متدين ومنها انهم جدد ولم يجربهم الشعب المصري وهم في السلطة بقدر ما سمع خطابهم الاسلامي منذ عقود من الزمن , ومضى اكثر من عام على تسنم الاخواني محمد مرسي رئاسة مصر وطبقا للعبة الديمقراطية كان على قوى المعارضة ان تسلم بالفوز وتعد نفسها لجولة قادمة وان تكتفي باحصاء اخفاقات مرسي والاخوان ولكن لم تاخذ التطورات مسارها الطبيعي هذا فظل الشارع المصري محتقنا متأهبا حتى اندلعت ثورة التصحيح في ( 30 يونيو 2013 ) ونزلت الملايين الى ميدان التحرير في القاهرة وفي مدن اخرى وسقط بعض القتلى وعشرات الجرحى في مواجهات دامية بين قوى العلمانية التي خسرت انتخابات الرئاسة من جهة وبين وتيار الاخوان والقوى الاسلامية من جهة اخرى , وبخلاف الثورة الاولى هدد الجيش المصري بالتدخل لحسم الموقف وايقاف ما سماه بالفوضى التي تضرب مصر وتهدد امنها في الصميم . 
      والسؤال المهم لماذا اندلعت ثورة التصحيح ؟ اليس من المفترض ان تكون القوى العلمانية والليبرالية من اكثر المدافعين عن نتائج الانتخابات كيفما كانت النتيجة ؟ اذا كان مبارك دكتاتورا وللثورة عليه مشروعية مقبولة لدى الجميع فمرسي رئيس منتخب جاء بعد فوزه على مرشح التيار العلماني احمد شفيق ولم يعط الفرصة الكافية لتطبيق برنامجه الانتخابي ليحكم عليه الاخرون بالفشل او النجاح , فلماذا الثورة عليه ؟ اليس ازاحته بغير الانتخابات وليس عبر صناديق الاقتراع اجهاض وانقلاب على الديمقراطية يقودها التيار العلماني ؟ . 
     اسئلة حائرة ويصعب القطع في الجواب عنها , ولكن بعض ما اظهره مرسي والاخوان امر لا ينسجم مع مصر وطبيعة شعبها المعروف بالوسطية والاعتدال ويمكننا الاشارة الى ماياتي : 
1 – في اول ايام رئاسته لاحق مرسي منافسه في الانتخابات احمد شفيق بتهمة الفساد وصدرت بحقه مذكرة قبض مما اضطره الى مغادرة مصر , ومثل هذا الاجراء يثير الشكوك في تعامل الاخوان مع منافسيهم 
2 – اعتبر مرسي نظامه واعتبر مصر معه حامية اهل السنة وهذا لايليق برئيس منتخب يمثل عشرات الملايين لدولة عرفت بتعدديتها الدينية والمذهبية , فالرئيس مصري انتخب على اساس برنامج سياسي تنموي ولم ينتخب لحماية اهل السنة , ان هكذا خطاب يمكن قبوله لو صدر من الازهر وليس من رئيس دولة . 
3 – تورط مرسي في خطاب طائفي مقيت بان جعل من رئاسة مصر جبهة ضد الشيعة والتشيع مع ان مصر تضم اكثر من مليون مصري شيعي , وتصريحه هذا لايختلف عن تصريح اي متعصب طائفي من متعصبي السلفية والوهابية , وكان من نتيجة تصريحه هذا في تجمع لشيوخ التعصب الطائفي في القاهرة ان وقعت حادثة مقتل الشيخ حسن شحاته وبعض رفاقه وبطريقة تمت الى عصور الظلام , وهذا الخطاب والحادث هز صورة مصر الوسطية المعتدلة لدى المسلمين المتنورين ولدى المجتمع الدولي . 
4 – في المؤتمر نفسه اعلن مرسي قطع العلاقات الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع سوريا وطلب من المصريين التوجه الى سوريا لما اسماه بالجهاد والتحرير , ولم نعرف رئيسا وجه هكذا خطابا لشعبه يدعوه الى الغوص في المستنقع السوري غير مرسي , هل من مهمة الرئيس لشعب بالملايين الافتاء بالجهاد ؟ هل زحف مرسي السياسي ليأخذ مكان مشايخ الافتاء ؟ علما ان سوريا وبغض النظر عن النظام الحاكم فيها تعد اهم ركائز الامن القومي المصري كما عبر عن ذلك محمد حسنين هيكل وليس من حق اي رئيس مصري التفريط بالامن القومي لمصر . 
     اعتقد ان هذه المواقف وغيرها للرئيس الاخواني محمد مرسي اثارت مخاوف الشعب المصري وقواه السياسية المعارضة , ولمنع مرسي من الوغول في هذه المواقف وتحويل مصر الى دولة طائفية اندفعت هذه القوى في ثورتها التصحيحية في ( 30 يناير 2013) . 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نعيم ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/07/03



كتابة تعليق لموضوع : مصر .. الثورة المستمرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net