صفحة الكاتب : عباس ساجت الغزي

أنا وأمي والأجهزة القمعية
عباس ساجت الغزي
نخلة شامخة هي أمي نبتت في ارض أجدادي الخصبة وسقيت من انهار الجنة ماء عذب وأثمرت ثمار خير وعطاء . جمال أمي لا تدركه الأوصاف إلى في حضرة الأدباء والفنانين  .
وجهها من ضوء القمر ألبدري في ليلة ربيعية و خصلات شعرها سعف نخلة سومرية تعانق أشعة الشمس الذهبية وعيناها نجوم تتلألأ في سماء ليلة محاقية وقلبها الكبير سفينة تبحر في مياه الحرية وصوتها هدير مياه ندية بشجون نغمة أوريه ..
أمي تعني لي كل شئ في الكون هي نفسي وروحي التي بين أضلعي لها صورة ملئ ذاكرتي كيف أتصور يوم أن تضام وأنا أتنفس الهواء كانت تلك نظرتي لها .
لكن ونحن نعيش تحت سطوت أنظمة ديكتاتورية  وأجهزة  قمعية يعمل فيها أناس غلظت قلوبهم فكانت كالحجارة بل اشد قسوة فان المثل العليا ترمى على الأرض بقوة البنادق وتتجرد من اعتباراتها تحت قسوة الجلاد ..
في صباح يوم شتائي كنت برفقة أمي لشراء بعض احتياجاتنا من السوق الذي كان مكتظا بالمتسوقين ذلك اليوم كانت الساعة تقارب التاسعة صباحا والسوق في ذروته في هذا الوقت .
السوق كان يقسمه شارع إلى نصفين وانسيابية السير في ذلك الشارع بطيئة بسبب عربات الباعة المتجولين وعربات نقل البضائع وزحام المارة وبعض السيارات الصغيرة .
كانت أمي تسير عن يميني تحمل بيدها سلتها من البلاستك زرقاء اللون تحملها معها في كل مرة تذهب إلى السوق . فجأة سمعت صرختها أدرت نظري سريعا وجدها مرمية على الأرض وسيارة خلفنا أسرعت لمساعدتها على النهوض من الأرض ونفض التراب عن عباءتها  السوداء .
كانت السيارة نوع تويوتا لاندكروز بيضاء اللون يقلها شخصان يرتديان معاطف عسكرية اعرف أنها تعود للقوات الخاصة وكنت اعلم بان هذا النوع من السيارات يعود للأجهزة الأمنية في الدولة .
صرخ السائق بصوت عالي ونبرة سلطوية ..عمه حتى عمه ..كنت انفض التراب عن أمي فأجبته ..من الأعمى نحن أم أنت الذي تقود السيارة .. حينها فتح الباب وأسرع نحونا كان طويل القامة ويرتدي دشداشة تحت المعطف العسكري ، هام عليّ لضربي حالة أمي بيني وبينه فقام بدفعها على الرصيف ..
وجاء ليمسك بي لم أتمالك نفسي حينها رغم كوني كنت شاب  صغير ضعيف البنية حينما امسك بيدي ضربته براسي على جبهته تدفق الدم من جبهته بغزارة وتبادلنا اللكمات باليدين ، فأسرع  الشخص الذي كان معه في السيارة ليمسك بي تملصت من الأول وبدأت الشجار معه كنت اخف منهم حركة والناس التي تجمهرت من حولنا  كانت تحول بيني وبينهم في بعض الأحيان .
كنت اسمع صرخات أمي وأحس بيدها تسحبني من المعركة لكن النزال كان حتميا لا مفر منه  ،كانت لحظة غضب لاشعورية وقتها كنت أتمنى الموت على أن تضام أمي وإنا بقربها .
أسرع الرجل الأخر إلى السيارة وحمل بيده بندقية واخذ يطلق النار وتفرق الناس معلنا بذلك نهاية المعركة الغير متكافئة ، وقام بتوجيه البندقية عليّ ، كانت أمي تصرخ ، سحبني الأخر إلى داخل السيارة ولم تنفع المقاومة حينها ..
وانأ في السيارة لم استطع النظر إلى أمي وهي مرمية على الأرض لشدة اللكمات التي توجه لي منهما ، ثم انطلقت السيارة مسرعة بعد أن تفرق من كان في الشارع  خوفا من الرصاص . 
كان السائق يمسك المقود بيد وكان في اليد الأخرى مسدس وكان يضربني بمقبضه على راسي وحين أحاول تجنب الضربة يضربني الأخر من الجهة المقابلة حتى تدور الدنيا بي وأحس باني فارقت الحياة كنت أفكر بأنها لحظاتي الأخيرة كنت اردد آيات من القران بحركة الشفتين دون إصدار صوت خوفا منهما .
كانت السيارة تمشي ببطء وهما يتهامسان لم أكن لأسمع كلامهما ولكن الخوف من القادم المجهول كان يسيطر على ّ ثم صرخا بصوت واحد اليوم أخر يوم في عمرك وتوجها بالسيارة  إلى مكان خارج المدينة كان المكان عبارة عن ارض مهجورة تحيط بها تلال وسواتر ترابية كنت اعرف المنطقة فهي تقع خلف الطريق المؤدي إلى بيت جدي وكانت تسمى أبو جداحة نسبة إلى فيضان كان قد أصاب المنطقة وعمدت الناس إلى عمل ذلك الساتر الترابي .
كانت السيارة تمشي في ارض وعرة وراسي يرتطم بكل الجهات لأن يداي كانتا موثقتان إلى بعض ... توقفت السيارة في منطقة فيها أشواك زرع يابسة وجذع نخلة يابس فارق الماء منذ سنين وقال من كان يقود السيارة ... هذا مكان مناسب هيا انزله هنا لننتهي منه ، نزل من السيارة فتح الباب وسحبني إلى الخارج حينها تلوت الشهادة ، كان يسحبني نحو الجذع وسمعت صوت سحب الأقسام من البندقية كانت نوع كلاشنكوف نصف أخمص شعرت بخوف شديد حينها لم أتمكن من بلع ريقي .
قال من كان يحمل البندقية ... اربطه إلى جذع النخلة .. تذكرت دعاء سيدنا موسى عليه وعلى نبينا محمد (ص) أفضل الصلوات في الآية الكريمة " وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي " كنت اردده فانفجرت بالبكاء فقلت لهما اقتلوني لكن لن تفلتوا  لان أمي والناس تعرفوا عليكم وسجلوا رقم السيارة وان والدي يعمل بحماية المحافظ  وسوف يجدونكم سريعا ولن يخفى شيّ ..
أسرعا نحوي وضرباني حتى فقدت الوعي وحين أفقت وجدت نفسي في السيارة وهي ترجع في نفس الطريق أحسست حينها باني نجوت من الموت المحقق  ببركة الآية الكريمة ودعاء أمي التي كانت دموعها تنهمر كالمطر حين تركتها  ..
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس ساجت الغزي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/13



كتابة تعليق لموضوع : أنا وأمي والأجهزة القمعية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net