صفحة الكاتب : كريم السيد

الكاريزما الثقافية
كريم السيد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ذهب ذلك الزمن الذي كان يميز فيه المثقف من غيره بين شرائح المجتمع من خلال مظهره الخارجي والكاريزما الظاهرية والهيئة, اذ ابرزت طبيعة المجتمع العراقي في فترة نشوء الدولة العراقية او ما قبلها (مرحلة الحكم العثماني) بشريحة من المتعلمين كانوا يسمون بـ(الافندية) وأغلبهم من الطلبة الذين تلقوا التعليم في بلدان اوروبا ليعودوا الى العراق متلبسين بطابع الغرب الذي يطغى علية اقتناء اللباس الاوروبي المتمثل بالبنطال والجاكيت والحذاء اللماع وتسريحة الشعر وحلق اللحى وتهذيب الشوارب فضلا عن الطرابيش او القبعات شأنهم شأن طبقة الافندية التي راجت في مصر وغيرها من الدول العربية في النصف الاول من القرن العشرين في قبال المشهد الاجتماعي الذي كان يطغى عليه الملبس الديني والزي الشعبي المتمثل بالثوب الطويل واليشماغ العربي بعقاله او ما دون ذلك. 
هذا الزمن الذي مثّل مرحلة احتكاك الشباب العربي بالثقافات الغربية من خلال طريقة الكلام والبحث عن التشكيك في الموروثات والانفتاح على افكار عصري التنوير والنهضة الاوربية جعل البعض منهم يتكلم بلغة تحيد عن لغة الجمهور (آنذاك) والذي كان ينظر لهذا اللون بحذر شديد لان اغلبهم كانوا منخرطين بالوظائف العامة للدولة ويختزلون الطيف الثقافي وقتئذ من خلال الادب ومختلف الفنون في وقت كانت فيه مخالفات الامية العثمانية هي ابرز نتاجات تلك المرحلة, فكانت مرحلة استعلاء الافندية والمتعلمين طاغية وبادية للعيان من خلال انتقاء العبارات والمجالس الخاصة بهم والاهتمامات الفكرية والعلمية المواكبة في العالم الخارجي, حتى ان شيوخ العشائر حين كانوا يقدمون الى العاصمة يحاولون قدر الامكان تقليد تلك الطبقة المتحررة نسبيا من قيود الدين والاعراف.
هذا المشهد الذي ضلّ مسيطرا لفترة ليست بالقليلة على الصورة النمطية للمثقف بدأت تنكسر حواجزه بعد انشاء المدارس والجامعات ودخول الاحزاب والحركات في الحياة الاجتماعية حتى بدأت مرحلة تهشيم (مظهر) المثقف بصورة تدريجية ومسايرة طبيعة وذوق المجتمع.
بعد ذلك وفي اعقاب توالي الحكومات واحداث تغييرات أنثروبولوجية على الواقع بدا التداخل فيما بين المثقف ومجتمعة واصبح المثقف يمثل لونا من طبقة تساوي مختلف الطبقات العاملة والبسطاء حتى انهم شاركوهم ضنك العيش والملبس وبدت تلك الصورة تهتز وتنثر ذرات اطرافها وبات من الصعوبة تمييز المثقف وغيرة من خلال المظهر الخارجي وطريقة المأكل والملبس كما كان سائدا, وبالتالي اصبح تمييز المثقف يقتصر على نتاجه الابداعي (كمعيار) دون غيره خصوصا مراحل القمع والسجون التي جمعت بين مختلف الالوان فجعلت المثقف وغيرة في زنزانة واحده, هذا ما جعله بعد التغيير يبدو طبيعيا اجتماعيا واقعيا بدرجة كبيرة لا يميزه عن اي مواطن الا في حفنة الكتب التي يحملها ربما خصوصا بعد ان اختلط مفهوم المثقف بالمتعلم وصار اي حامل لشهادة يدعي الثقافة كتحصيل طبيعي للشهادة التي نالها من جامعة او معهد.
ولكي لا يطول الحديث ويصبح مملا اود ان اشير الى هناك محاولات المسها من الواقع تبدو فيها الرغبة واضحة بعزل المثقف وتمييزه عن غيره من خلال وضعه بكيفية معينة كالاعتياد لشارع المتنبي مثلا او حضور المحافل الثقافية والاصرار على انتقاء ملبس مختلف والاحتكاك بين الجمهور والمثقف من خلال التقنيات الحديثة المتمثلة بالأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حتى بدت تطفو الى سطح الكيان الاجتماعي وان المثقف مختلف تماما (ظاهريا) عن اي فرد عادي فيما الحقيقة ان المثقف انغمس بتلك الظاهرات وبات لا يختلف عن الاخرين الا فيما يفكر ويفعل من قول او سلوك.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم السيد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/06/20



كتابة تعليق لموضوع : الكاريزما الثقافية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net