صفحة الكاتب : السيد يوسف البيومي

الإنسان: بين الفرد والمجتمع
السيد يوسف البيومي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الإنسان مثل معظم الكائنات المعقدة التركيب كائن اجتماعي بطبعه. ولكن بطريقة فريدة من نوعها فهو بارع كل البراعة في استخدام أنظمة التواصل لكي يعبر عن ذاته وحتى يتبادل الأفكار وينظم حياته. ويقوم الإنسان على تنظيم هياكل اجتماعية معقدة بالمشاركة مع مجموعات متعاونة ومتنافسة بدءا من تأسيس العائلات وانتهاءا بالأمم.

فإن التفاعل الاجتماعي بين البشر نتج عنه ظهور العديد من المعايير الاخلاقية المتنوعة والواسعة، وكذلك قيم اجتماعية، وبما أن الإنسان هو مخلوق كريم وعزيز عند الله وقد جعله خليفة في أرضه، فقد أرسل له الأنبياء والرسل لهدايته لما هو خير له ويقع في مصلحته، ولكن الفساد الذي يطال كل المجتمعات فإن خلافات قد وقعت فيما بينهم، ومن هنا اختلفت العقائد الدينية واختلفت الطقوس الدينية التي تعتبر أسس كل مجتمع إنساني كلٌ بحسبه.

 كذلك يتميز الإنسان بحسه الجمالي وتقديره وتذوقه للجمال وهو ما يبعث في الإنسان الحاجة للتعبير عن الذات والابداع الثقافي في الفن والأدب. وبات معروفاً أن البشر لهم الرغبة في الفهم والتأثير على محيطهم البيئي وحاجتهم للبحث والاستفسار عن الظواهر الطبيعية ومحاولة فهمها ومعرفة القوانين التي تضبطها من هنا ظهرت العلوم والفلسفة والميثولوجيا والدين. وتميز الإنسان بالنظر للامور بنوع من الفضول والتبصر أدى به إلى اختراع الادوات الدقيقة وتطوير مهاراته ونقلها للآخرين عن طريق التبادل الثقافي. بالإضافة يعتبر الإنسان الكائن الحي الوحيد الذي يقوم بإشعال النيران وطهي طعامه والكائن الحي الوحيد الذي يقوم بارتداء الملابس واعتماد عديد من التقنيات التي تساعده على زيادة فعالية ما يقوم به من أعمال.

فإن طبيعة الحياة الاجتماعية للإنسان تقتضي أن ترتبط حياته بالمجتمع الذي يعيش فيه، ولكن هناك أبحا عديدة عن نوع هذه العلاقة وحقيقتها وما هو شكلها، وهناك الكثير من النظريات  المختلفة وسوف نذكر بعضها بنوع من الاختصار.

أولاً: خاصية الفرد

المراد بـ "خاصية الفرد" هو أنّ الحياة الاجتماعية والعيش بصورة جماعية ينبغي أن تكون بطريقة لا تتعارض مع حياة الفرد وأموره الشخصية، وأن لا تعارض الحياة الاجتماعية وتشكل مزاحمة أو مضايقة لوجوده وحرّياته الفردية، وليس المجتمع ـ وفقاً لهذه النظرية ـ في الواقع إلاّ مجموعة من الأفراد، وانّ العامل الأساسي والسبب الرئيسي لهذا الاجتماع وهذه العلاقات والحياة الاجتماعية هو تأمين وتلبية متطلبات وحاجات الفرد، والوصول إليها في ظل الحياة الاجتماعية لا غير.

وإذا ما أقدم الإنسان على سن سلسلة من القوانين والمقرّرات لتوفير النظام الاجتماعي والخضوع لها، فانّما يفعل ذلك لسبب أساسي وهو انّه يبغي من خلال هذه المقررات والرضوخ لها الوصول إلى مصالح أكبر ومنافع أفضل.

إذن وفقاً لهذه النظرية يكون فساد المجتمع هو في الحقيقة وليد فساد الفرد، كما أنّ إصلاح المجتمع يتحقّق من خلال إصلاح الفرد لا غير.

خلاصة القول: إن الفاعل والمحرك في جميع الميادين هو إرادة الفرد وميوله ورغباته ومصالحه، وانّه انّما يقوم بإنشاء نظم وقوانين ليتسنّى له من خلالها وتحت غطائها الوصول إلى مقاصده وميوله الشخصية الكبرى.

ثانياً: خاصية المجتمع:

المراد من  "خاصية المجتمع" أنّ الحياة الفردية للإنسان تابعة وخاضعة للمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وذلك لأنّ الإنسان إذا كان خاضعاً للمحيط الطبيعي الذي يعيش فيه من عدّة جهات، فلا ريب أنّه كذلك يقع تحت قبضة المحيط الاجتماعي من عدّة جهات أيضاً.

وبعبارة أوضح: انّ الشيء الذي له تحقّق وواقعية وعينية في الخارج هو المجتمع والإنسان الاجتماعي لا الإنسان المستقلّ عن الآخرين، وانّ ما نراه في الواقع هم الناس الاجتماعيون الذين تربطهم علاقات وروابط اجتماعية ويحيون بصورة جماعية.

وبعبارة أُخرى: كما أنّ النظام الطبيعي تشكّل فيه الظواهر الطبيعية جزءاً من النظام العام وليس لها استقلالية خاصة، فعلى سبيل المثال الأرض تعتبر جزءاً من المنظومة الشمسية وانّ ظواهر الأرض داخلة ضمن النظام العام لتلك المنظومة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الإنسان فإنّ كلّ فرد من أفراد النوع الإنساني إنّما هو جزء من المجتمع وتابع له، وإذا ما كانت للفرد رؤية أو إرادة أو غنى أو ما شابه ذلك، فليس ذلك إلاّ انعكاساً لصدى المجتمع والعوامل الاجتماعية.

إنّ مثل الفرد في المجتمع الإنساني مثل الخلية في الجسم، إذ من الصحيح انّ للخلية حياة ونشوءاً وشكلاً خاصاً بها، ولكنّها في نفس الوقت تابعة وخاضعة في حالات الاعتدال والانحراف والصحّة والمرض إلى البدن التي تُعد جزءاً منه، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الفرد في المجتمع حيث إنّه يسير ويتحرك بالاتجاه الذي يسير ويتحرك فيه المجتمع.

إنّ أصحاب هذه النظرية يذهبون تارة ما إلى حدّ بعيد جداً حيث يرون أنّ الفرد تابع للمجتمع وخاضع له بدرجة مائة بالمائة، وانّه لا سبيل أمامه إلاّ الحياة ضمن إطار المجتمع، وأنّ إصلاح الفرد وسداده لا يتم، إلاّ من خلال إحداث انقلاب وتحوّل في المجتمع، فإذا ما أردنا أن نصلح الفرد فلابدّ من إحداث انقلاب في النظام الفاسد أوّلاً لكي يتسنّى لنا من خلال ذلك إصلاح الفرد.

نعم هناك نظرية ثالثة يمكن طرحها هنا. وهذه النظرية في الواقع تمثّل منهجاً معتدلاً بين النظريتين السابقتين، وهذه النظرية تؤيدها روح التعاليم الإسلامية، ويمكن أن نطلق عليها أنّها مزيج من "أصالة الفرد وأصالة المجتمع".

إنّ القرآن الكريم يؤكد أنّ للمجتمع الإنساني ـ وبالإضافة إلى البعدين المذكورين ـ بُعداً ثالثاً، وهو ما نطلق عليه اسم "البعد العالمي" أو "البعد الإلهي".

وخلاصة ذلك: إن عالم الوجود لا يقف موقف اللا مبالاة من عمل الإنسان وتصرّفاته، بل انّ عمل الإنسان وتصرفه يستدعي ردة فعل مناسبة من قبل عالم الوجود فالعمل الصالح يستدعي ردة فعل حسنة، والسيّئ ردة فعل سيّئة، فالحسنة تجزى بالحسنة والسيّئة بالسيّئة(1).

______________

(1) مباحث قرآنية في علم اجتماع، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)، مقالات حرة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد يوسف البيومي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/06/14



كتابة تعليق لموضوع : الإنسان: بين الفرد والمجتمع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net