صفحة الكاتب : السيد يوسف البيومي

النواصب والروافض: حرب المصطلحات
السيد يوسف البيومي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هناك من ينشط في هذه الأيام ويلعب على المصطلحات والألفاظ لكي يخلط السم بالعسل، وبهذه الطريقة يستطيع من تمرير ما يريد من أفكار مغلوطة، ولكي يعمل على توسعة الشرخ القائم أصلاً في ما بين القطبين الأساسيين في الأمة الإسلامية ـ السنة والشيعة ـ من خلال تظهير هذه المصطلحات على أنها من الأمور الثابتة تاريخياً وعاملاً على تجهيل الأمة ولكي تطفو الدماء أكثر فأكثر..
من هنا، يجب أن نتعرف على هذين المصطلحين هل يمثلان السنة والشيعة، فهل أهل السنة هم "النواصب"؟! وهل الشيعة هم "الروافض"؟!.
من هم النواصب:
النواصب هو مصطلح قد أطلق على كل من يعادي الإمام علي بن أبي طالب وأهل بيته (عليهم السلام)، وتوجهوا بالأذى قولاً أو فعلاً، وهناك اتفاق فيما بين العلماء ـ السنة والشيعة الإثنا عشرية ـ  على الحد الأدنى بأن النواصب هم الذين يقولون بفسق الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أما من يقول بكفر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهم "الخوارج"، إلا أن الأصح هو: أن مصطلح النواصب يصلح لكي يشمل كل من أذى أهل البيت (عليهم السلام) سواءاً كانوا من الذين يعتقدون بفسق الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أو من الذين يعتقدون بكفر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكل هذا يقع تحت مسمى الأذى.
ومن هنا فإن جمهور العلماء من أهل السنة يرون "النواصب" جماعة ليست على حق، ولكن هناك من شذ عن هذه القاعدة وهم "الوهابية" لم يكفروا "النواصب" وويدعون أن السبب في ذلك هو أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حينما كفره الخوارج ومع ذلك فإنه لم يكفر "الخوارج"، إلا أن جمهور علماء أهل السنة يرون كفر الخوارج إلا من شذ.
لذلك، فإن أهل السنة بالنسبة للشيعة ليسوا هم "النواصب" لأن "أهل السنة" يعلنون حبهم لأهل البيت (عليهم السلام) وحبهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) على أنه الخليفة الرابع عندهم. ولكن "النواصب" للجميع هم الذين قد أعلنوا كرههم وحقدهم الأعمى وقد طبقوه سابقاً عبر التاريخ وحالياً من خلال ما قاموا به من تفجير المقامات المقدسة لأهل البيت (عليهم السلام) ولبعض الصحابة وهم يفتخرون بمثل هذه الأفعال، وهؤلاء هم "النواصب" بأعينهم.
 
من هم الروافض:
الرفض في اللغة هو: الترك. وقيل: "الرفض تركك الشيء".
أما في المصطلح فقد أطلقه البعض على محبي أهل البيت (عليهم السلام) من السنة والشيعة وخصوصاً من تعهد زيارة المراقد المقدسة فهم في نظرة هؤلاء هم "الروافض"، وأطلق على الشيعة جميعاً، أو على طائفة خاصة من الشيعة.
إن الأصل في هذه التسمية هو سياسي المراد منه إخراج طائفة مسلمة من الدين، ولكن يجب أن نبين من أين نشأ هذا المصطلح فقد قال ابن المنظور حيث عرف الروافض بأنهم: "جنود تركوا قائدهم وانصرفوا، فكل طائفة منهم رافضة، والنسبة إليهم رافضي"(1).
فالمصطلح "الروافض" يطلق على كل جماعة من الناس لم تقبل الحكومة القائمة، سواء أكانت على حق أو على باطل. والدليل على هذا حين وصف "معاوية بن أبي سفيان" شيعة عثمان ـ وهم الطلحة والزبير ومروان بن الحكم ـ بـ "الروافض" وقد كتب في رسالة إلى «عمرو بن العاص» وهو في منطقة "البيع" في فلسطين: «فإنّه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا (مروان ابن الحكم) في رافضة أهل البصرة وقدم علينا (جرير بن عبد اللّه) في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل أُذاكرك أمراً»(2).
إذاً فهذا المصطلح سياسي يطلق على كل من قعد عن نصرة الحكومة ولم يلتف حولها، وبما أن الحكومات التي مرت عبر التاريخ الإسلامي كانت ترى أنه من واجب هذه الجماعات أن تبايع للحكومة وتعامل معها على أنها الحكومة الحقة، ولكن هؤلاء لم يبايعوا لتلك الحكومة وتفرقوا عن نصرتها، فسموا لذلك بـ "الروافض".
ونصل إلى نتيجة وهي: إن مصطلح "الروافض" ليس من خصائص "الشيعة"، بل هو مفهوم عام يستعمل في كل جماعة لم تخضع للحكومة القائمة، وحيث أن "الشيعة" كفرقة منذ تكوينها لم تكن خاضعة لكل الحكومات التي قامت بعد رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله)، فمن هنا ألتصق مصطلح "الروافض" حسب الاصطلاح بـ "الشيعة".
ولبيان هذا المصطلح بشكل أوضح أنقل لكم هذه الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) حيث سأله أبو بصير قائلاً: «جعلت فداك أسم سمينا به، استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا». قال (عليه السلام):«وما هو؟».
 قال: «الرافضة».
 فقال الإمام الباقر (عليه السَّلام): «إنّ سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون، فأتوا موسى (عليه السَّلام) فلم يكن في قوم موسى أحد أشدّ اجتهاداً وأشد حباً لهارون منهم، فسمّاهم قوم موسى الرافضة»(3).
فإن الرواية أن كل من ترك الحاكم يطلق عليهم "الروافض"..
وأخيراً، وبعد أن ظهر للجميع حقيقة هذه المصطلحات وما يراد أن يبنى عليها لتكفير الناس بعضهم لبعض، ولكي يتقوقع كل مجموعة في خندق يقذفون بعضهم البعض لكي يستبيحوا دماء الأبرياء باتهامات قد بنيت على باطل، وقيل «كل ما بني على باطل فهو باطل». 
 
 
(1) لسان العرب، ج7 ص157، أصل كلمة "الرافض".
(2) وقعة صفين، ص29.
(3) بحارالأنوار، ج65، ص97 الحديث رقم3. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد يوسف البيومي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/06/06



كتابة تعليق لموضوع : النواصب والروافض: حرب المصطلحات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : السيد يوسف البيومي ، في 2013/06/07 .

الأخت الكريمة ( إيزابيل بنيامين ماما آشوري) دمتم موفقين..
أما بعد..
إن ما نقلتيه هو صحيح لا لبس فيه، وقداستعملت هذه التسمية فقط لإنقاص من حقوق من رفضوا الحكومات الظالمة، ولكي تستعمل هذه التسمية كوسيلة لكل شيء بشع..
إضافة إلى ذلك فقد قاموا بتجنيد الكثير من الرواة الوضاعين المشهورين بكذبهم وكرههم لآل البيت (عليهم السلام) فقط من أجل دثر كل ما يتعلق بهم صلوات الله عليهم أجمعين..
نسأل الله التوفيق وحسن العاقبة..
وأشكركم على متابعة ما تخطه يداي..
العبد الفقير إلى الله..
السيد يوسف البيومي..

• (2) - كتب : إيزابيل بنيامين ماما آشوري ، في 2013/06/07 .

شكرا استاذ يوسف على هذا البحث الجميل .
انا بحثت في هذه المفردة فرأيت العجب العجاب في محاولة صرفها إلى غير وجوهها كما في قول ابن تيمية في منهاج السنة ((من زمن خروج زيد بن علي افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما، رفضه قوم فقال لهم: رفضتموني. فسُمّوا رافضة لرفضهم إياه، وسُمّي من لم يرفضه من الشيعة زيدياً لانتسابهم إليه)). (1) ما هو مصدر ابن تيمية الذي استقى منه هذا الخبر ثم كيف توصل إلى ذلك ؟ ثم أن زيدا هنا قال لهم : (رفضتموني) . فهؤلاء لم يرفضوا خلافة ابي بكر وعمر وإنما رفضوا زيدا . فكيف اصبحوا فيما بعد شيعة رافضة.
ثم كيف يستقيم هذا مع قول الامام الباقر الذي توفى قبل ثورة زيد بن علي بأكثر من ثمان سنوات تقريبا حيث كانت كلمة رافضة متداولة في عصره وهذا يدل على ان هذه المفردة كانت موجودة قبل عصر الباقر كما في الرواية التالية : ((روى أبو الجارود عن ألامام محمد الباقر : إنّ رجلاً يقول إنّ فلاناً سمّانا باسم، قال : وما ذاك الاسم؟ قال : سمّانا الرافضة. فقال الامام ـ مشيراً بيده إلى صدره ـ : وأنا من الرافضة وهم مني)). (2)
ثم هل كان الصحابي الكبير سعد بن عبادة رافضيا لأنه رفض خلافة الشيخين ولم يُبايعهم حتى وفاته ؟ وسعد هذا من اهل بدر المغفور لهم. فلماذا لم يكن سعد رافضيا وغيره رافضي .
اما الفرق الجوهري بين كلمتي رافضي وناصبي .
أن الأولى : (الرفض) هي رفض للظلم من حيث انه ظلم لا من حيث نتائجه، وهو موقف سياسي لا يلجأ للعنف فإن الذين رفضوا بيعة ابي بكر وعمر لم يشهروا سيفا ولم يهرقوا دما بل صبروا واعلنوا رفضهم بصمت. بل هم من تعرض للقهر والقتل حتى هذا اليوم.
أما الثانية : (النصب) فهو البغض والكره المصحوب بسفك الدم مع الايغال في الأذى . فخط النصب منذ وفاة الرسول عليه الصلوات بدأ بسفك الدم والضرب والقهر وامتد حتى يوم الناس هذا كما نراه على ارض الواقع في كل انحاء الدول الاسلامية من ذبح وتفخيخ وتسفيه وشتم وهتك للأعراض وسلب للأموال. بينما لا نرى من الطرف الثاني (الرفض) مثل هذه الافعال . وكل من زعم بغير ذلك عليه تقديم الدليل . وقد المحت إلى ذلك في بحثي شيعة الناصري ، المنشور على هذا الموقع .
وكما تفضل الاستاذ الشيخ يوسف البيومي فإن أول من استخدم كلمة روافض هو معاوية في وصفه لشيعة عثمان. فقد كان المعروف ان من لم يُبايع يُقال له (تخلف) كما في قولهم لعلي أنه : تخلف عن بيعة ابي بكر.
ولا أدري هل اصبت او لا ؟
1- منهاج السنة النبوية لابن تيمية الجزء الأول الصفحة 35.
2- بحار الأنوار المجلد ٦٥الصفحة 97.





حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net