صفحة الكاتب : ابو فاطمة العذاري

وقفات بين يدي الإمام الحسن العسكري ( ع ) .... الحلقة الثانية
ابو فاطمة العذاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الإمام قضى طيلة حياته تقريبا في مواجهة مع طواغيت بني العباس فقد ولد الإمام العسكري عليه السلام في الثامن من الربيع الأخر سنة232هـ وذلك في أواخر ملك الواثق بن المعتصم (227ـ132هـ) وبويع بعده لأخيه بالمتوكل لست بقين من ذي الحجة سنة232هـ ، وكان عمر الإمام العسكري عليه السلام نحو ثمانية أشهر ونصف وتولي بعده ابنه المنتصر السلطة لستة اشهر ومات سنة248هـ ، فتولي بعده المستعين سنة248هـ ، وخلع نفسه بعد فتنة طويلة وحروب كثيرةسنة251هـ ، وتولي بعده المعتز وفي حكمه استشهد الإمام علي الهادي عليه السلام بعد مضي سنتين ونصف من حكم المعتز في الثالث من رجب سنة 254هـ ، ثم تولى الإمام العسكري الإمامة الإلهية. 

ثم جاء الي السلطة المهتدي بعد خلع المعتز وقتله سنة 255هـ ، وحكم نحو سنة واحدة ، ثم قتله الأتراك سنة256هـ ، وتولي المعتمد حتى قتل سنة 279هـ ، وهكذا استغرقت حياة العسكري عليه السلام الأيام الأخيرة من حكم الواثق ، ثم تمام حكم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي وبقى اربع سنين من حكم المعتمد ، حيث استشهد إمامنا عليه السلام في الثامن من ربيع الاول سنة260هـ .
كان هذا العصر بداية لضعف الدولة العباسية وزوال هيبتها لأسباب كثيرة منها استيلاء الأتراك سلطويا وانفلات أطراف الدولة واستيلاء الولاة عليها وانصراف الخلفاء الى اللهو والمجون وقد وصف بعض الشعراء حالة الخلافة العباسية في زمن المستعين مع امراء الجند الاتراك ومنهم وصيف وبغا بقوله : 
خليفة في قفص بين وصيف وبغا
 يقول ما قال له كما تقول الببغـا  
فضلا عن استعمالهم بيت المال لخدمة مصالحهم الخاصه وحرمان الأغلبية فقد كان رجال الدولة ينفقون الأموال الكثيرة لاتفه الأمور منها مثلا بناء القصور والجواري والمغنين والمجون و يسرفون في البذخ على الشعراء فتفشى التفاوت الطبقي بين أبناء الأمة وخصوصا الغالبية مسحوقة مما ولد حالات الشغب والاضطراب وكثرة الثورات الداخلية وعلي رأسها ثورة الزنج والخوارج .
في المقابل كانت السلطة تشعر بالخوف من الإمام وتأثيره في الأمة الإسلامية حتى وصل الأمر الى درجة خانقة فتعاملوا مع الإمام بحصار ورقابة ضده وضد أصحابه وشيعته .
ونحن نعلم ان الإمام العسكري عليه السلام رافق أباه في رحلته من المدينة المنورة الي سامراء وكان صبيا حينما استدعي الإمام الهادي عليه السلام من قبل المتوكل الى العاصمة ليكون مراقبا ومعزولا عن عموم الأمة وعن شيعته خصوصا حتى استشهد الهادي في سنة (254هـ) .
كان من اشد الخلفاء بغضا لأهل البيت ( ع ) وقال ابن الاثير : « كان المتوكل شديد البغض لعلي بن ابي طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه انه يتولي عليا وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث ، وكان يشد علي بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون ، قد اقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين ، يحكي بذلك عليا عليه السلام والمتوكل يشرب ويضحك.)) 
و كان ينادمه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي وعمرو بن الفرج الرخجي ، وابو السمط من ولد مروان بن ابي حفصة .
كان المتوكل حريصا على وضع الإمام الهادي عليه السلام تحت الرقابة وعزله عن الناس لهذا كتب بأشخاصه مع اهل بيته من مدينة جده صلى الله عليه و اله الى سامراء. 
ذكر الشيخ المفيد انه لما ابا الحسن عليه السلام سعاية عبد الله بن محمد به ، كتب الي المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه ويكذبه في ماوشي به اليه ، فتقدم المتوكل بإجابة الإمام عليه السلام بكتاب دعاه فيه الي حضور العسكر علي جميل الفعل والقول . 
وكان جواب المتوكل الذي استدعي بموجبه الامام عليه السلام الي سامراء هادئا لينا ، تظاهر فيه بتعظيم الامام عليه السلام واكرامه ، و وعده فيه باللطف والبر ، وذكر فيه براءته مما نسب اليه واتهم به من التحرك ضد الدولة ، وانه امر بعزل الوالي الذي سعي به ـ وهو عبد الله بن محمد ـ عن منصبه و ولي محله محمد بن الفضل ، وادعي في أخر الكتاب انه مشتاق الي الإمام عليه السلام ، ثم أفضى الي بيت القصيد وهو ان يشخص الإمام عليه السلام الي سامراء مع من اختار من أهل بيته ومواليه ، وان يرافقه يحيي بن هرثمة الذي أرسله لأداء هذه المهمة علي رأس الجند. 
ان المتوكل لم يكن صادقا فيما وعد ، فحينما دخل يحيي بن هرثمة المدينة فتش دار الإمام عليه السلام حتى ضج أهل المدينة ، ولما وصل ركب الامام عليه السلام الي سامراء احتجب عنه المتوكل في اليوم الأول ، ونزل عليه السلام الإمام في خان الصعاليك ، وأمر بتفتيش داره في سامراء مرات عديدة ، ولم يمض مزيد من الوقت حتى عزل محمد بن الفضل وولي مكانه محمد بن الفرج الرخجي المعروف بعدائه السافر لأل البيت عليهم السلام .
ورافق العسكري أباه الهادي عليهما السلام في رحلته من المدينة الي سامراء مع أهل بيته وبعض مواليه سنة 234هـ و عمر الإمام العسكري عليه السلام حينما غادر المدينة نحو سنتين .
فرض العباسيون على الإمام العسكري عليه السلام الإقامة الجبرية لتقليص حركته بل أوجبوا عليه ان يركب الى دار الخلافة أسبوعيا في كل اثنين وخميس .
فقد جاء في الرواية: « حد ثني ابي ، انه كان يغشي ابا محمد عليه السلام بسر من راي كثيرا ، و انه اتاه يوما فوجده وقد قدمت اليه دابته ليركب الي دار السلطان ، وهو متغير اللون من الغضب ، وكان يجيئه رجل من العامة ، فاذا ركب دعا له وجاء باشياء يشنع بها عليه ، فكان عليه السلام يكره ذلك... » 
وبلغت درجة الحيطة لديه عليه السلام انه أوصى بعض أصحابه ان لا يسلم عليه او يدنو منه فقد خرج التوقيع منه عليه السلام إليهم : « الا لا يسلمن علي احد ، و لا يشير الي بيده ، ولا يومئ ، فأنكم لا تامنون علي أنفسكم ». 
و نادى عليه السلام يوما حمزة بن محمد بن احمد بن علي بن الحسين بن علي ، وقد اراد الاقتراب منه حينما خرج مع السلطان وأحس منه خلوة : « لا تدن مني ، فان علي عيونا ، وانت ايضا خائف ». 
و من بين تلك الإجراءات الاحترازية ما روي انه كان يضع بعض كتبه في خشبة مدورة طويلة ملء الكف كأنها (رجل باب) ليرسلها الي العمري .
وكان الوكلاء يحتاطون كثيرا في الوصول الى الإمام عليه السلام فمثلا تجد أوثق وكلائه عثمان بن سعيد العمري السمان يتاجر بالسمن حتى كان الشيعة إذا حملوا الى الإمام عليه السلام شيئا أنفذوها إليه فيجعلها في جراب السمن وزقاقه .
وتستمر الضغوط العباسية حتى تعرض العسكري عليه السلام خلال خلافة المعتز والمهتدي والمعتمد إلى السجن أكثر من مرة ، ومن أساليبهم أنهم كانوا يوكلون به أشخاصا من ذوي الغلظة والعداء لأهل البيت عليه السلام من أمثال : علي بن اوتامش ، واقتامش ، ونحرير ، وعلي بن جرين حتى ان العباسيون يدخلون علي بعض مسئولي السجن ومنهم صالح بن وصيف فيوصونه بان يضيق عليه حتى في الاعتقال كانت الرقابة بدس الجواسيس بين أصحابه في السجن . 
يذكر أبو يعقوب إسحاق بن أبان حراسة السجن الذي يودع فيه الإمام عليه السلام بقوله : « ان الموكلين به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه عليه السلام بالليل والنهار ، وكان يعزل الموكلون ويولي آخرون بعد ان تجدد عليهم الوصية بحفظه والتوفر علي ملازمة بابه » .
وكان موقف الإمام عليه السلام من السجن والسجانين يتمثل في إقامة الحجة عليهم من خلال أقواله وأفعاله وعبادته وصلاحه وقد استطاع هداية بعضهم و يفرض هيبته علي غالبيتهم حتى ان بعضهم يزداد خوفا بمجرد ان ينظر اليه فقد قال بعض الأتراك الموكلون به حينما كان في سجن صالح بن وصيف : « ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لانملكه من انفسنا » .
وحينما كان في سجن علي بن اوتامش الذي كان شديد العداوة لأهل البيت عليه السلام لكنه تأثر بالإمام عليه السلام و أخلاقه ، فوضع خده علي الارض تواضعا له ، وكان لا يرفع بصره اليه اجلالا ، وخرج من عنده وهو أحسن فيه قولا .
وحينما أوصى العباسيون صالح بن وصيف عندما حبس ابو محمد الحسن العسكري عليه السلام عنده بان يضيق عليه ، قال لهم صالح وهو يلعن اعتذاره وعجزه عن هذا الامر : « ما اصنع به وقد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه ، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام الي امر عظيم ». 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابو فاطمة العذاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/09



كتابة تعليق لموضوع : وقفات بين يدي الإمام الحسن العسكري ( ع ) .... الحلقة الثانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net