صفحة الكاتب : إيزابيل بنيامين ماما اشوري

شيء أغرب من الخيال ، ولكنه حقيقة لا يُشاركني فيها احد. لقد اختفى ((أبونا)). (1)
إيزابيل بنيامين ماما اشوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 
تفاقمت الامور ولابد ان يظهر بعض ما في صدري. 
كانت زوجة عمي معلمتي الأولى في الحياة قبل المدرسة حيث جئت لها صغيرة في عمر السنتين لأسباب عائلية. وكانت زوجة عمي مسيحية متشددة تحافظ على الصلوات والتسبيحات والمناولة وتواضب بالحضور على القداس، وكانت تعتكف امام صليبها بضع ساعات يوميا . مع ان زوجها كان خمّارا يبيع الخمر في محل يقع في مدينة مسلمة برمتها . في حماية نظام دموي حوّل العراق إلى حانة . إلا أني كنت اتوسم فيها خيرا كثيرا كانت امرأة صالحة بحق لم يخالط الكذب لسانها. 
دأبت زوجة عمي على تعليمي الكتاب المقدس وتحفظني يوميا بضع اسطر منه ولما بلغت السادسة من العمر كنت اختم العهد الجديد بكامله ((الانجيل)) فنذرت زوجة عمي نذرا إن أنا اكملت الكتاب المقدس كله تعطي زوجها ثمن عشرة قناني خمر ((زحلة)) لكي يوزعه على فقراء المسلمين مجانا. طبعا من وجهة نظرها ان الخمر حلال وانها مقدسة لأن الخمر كان اولى معجزات الرب يسوع حيث صنع الخمر من الماء ووزعه مجانا. 
وفعلا لم اكمل العاشرة من عمري إلا وكنت احفظ الانجيل كله ، وثلاث ارباع التوراة العهد القديم. وعندما كنا نذهب للقداس في الكنيسة في بغداد كانت زوجة عمي تتفاخر كثيرا بإنجازها حيث تستعرضني امام القساوسة لأقرأ لهم الكثير من الفقرات المقدسة على ظهر الغيب .فكنت موضع اهتمام ((ابونا)) حيث كان يغدق علي عطاياه وهداياه لكوني بنت معجزة ولربما سوف اكون قديسة يوما ما ولكنه قال لي يوما : انك ((كهنوتية متمردة)) ولم اكن افهم كلامه يومها لصغر سني . 
ولكن الذي حدث لا يمكن تصديقه بسهولة ، ولكنه حدث ((لإيزابيل)). 
كنت يوما عند صديقتي المسلمة في بيتها . اجلس وسط اهلها فقالت لي صديقتي يوما : لماذا لا تقرئي القرآن يا إيزابيل فصوتك جميل حيث ــ كانت تسمعني اقرأ ترتيلا من مزامير داود بصوت جميل حزين ــ 
ارجوك اقرئي لنا شيئا منه ثم جلبت القرآن ووضعته في حجري ، فقلت وبسرور نعم سأقرأ .ولم أكن اعرف يومها طريقة تجويد القرآن. وفتحت القرآن المقدس على اول صفحة وكانت سورة الفاتحة. فقراتها بصوت جميل هادئ جدا انتزع صوتي الطفولي دمعة من والد صديقتي وناحت امها في الغرفة وترقرقت دمعة في عين ((زينب)) صديقتي. لقد قرأت الفاتحة على طريقة المزامير الجميلة بهيهفونها الرائع الذي تعودت عليه كلما اقرا في القداس على أنغام الارغن الجميل، ولما اتممت الفاتحة كلها ، حدث اضطراب وحركة في عقلي لا أدري بالضبط ماهو ولكنه يشبه سحب السلسلة على لوح نحاسي وكأن عقلي يُريد أن يُغادرني .. 
ولكن من يومها لم اعد اذكر ولا حرفا من الكتاب المقدس لقد تبخر ما حفظته خلال (12) عاما في ثواني معدودة. 
وفي يوم الاحد وكالعادة ذهبت إلى بغداد برفقة العائلة وكنت محرجة للغاية وحاولت جاهدة ان اتذكر حرفا واحدا من الكتاب المقدس ولكن بلا فائدة . فتعجب الحضور وتعجب ((أبونا)) ثم سألني فيما بعد : ماذا جرى لك ؟ لقد احضرت لك هدية جميلة . قلت له لا أدري . فقال : انك لا تكذبين . فأخبرته بما حدث لي في بيت صديقتي. فجلس (أبونا) على الأرض واجهش بالبكاء ثم أخذ يتمسح بثيابي.وأنا حائرة مما يجري . ومن يومها لم اره في الكنيسة ، لقد اختفى (( ابونا)). 
إيزو صادقة فيما تقول .
 
1- كلمة ابونا نطلقها على القس في الكنيسة . فهو بمثابة الأب ، والراعي .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


إيزابيل بنيامين ماما اشوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/05/28



كتابة تعليق لموضوع : شيء أغرب من الخيال ، ولكنه حقيقة لا يُشاركني فيها احد. لقد اختفى ((أبونا)). (1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 10)


• (1) - كتب : إيزابيل بنيامين ماما آشوري . ، في 2016/03/19 .

شكرا لكم اخي الطيب محمد والاخ فلاح على هذه المشاعر الطيبة .
في حقيقة الامر ان لكل انسان تجارب يمر بها ولربما بعض المواقف ينفرد بها من حيث الغرابة بحيث انه يخشى لو عرضها على الاخرين لرفضتها العقول . ورفض العقول لها يأتي من : عدم هضمها ، او استيعابها أو لأنه لم يشاهد مثلها او هو غير قادر على الاتيان بمثلها ، ولكن هذا لا ينفي أن تكون هذه المواقف صحيحة ومرّ بها البعض ، فهناك في هذا العالم وهذا الجسد اسرار اهملها الانسان ولم يلتفت إليها ، ولو أولى الانسان نفسه وكشف اغوارها وفك طلاسمها واسرارها بدلا من ركضه وراء حتفه لربما وصل إلى علم يتقدم على ما هو عليه الان باشواط واشواط والشاعر اجاد حين قال :
وتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر .
في الحقيقة اقول ان الله خلق الانسان من عناصر هذه الكون قبل تشضيه وتشكله على شكله الحالي ، فالإنسان يحمل بين جنبيه كل اسرار هذا الكون ، لا بل هو اقدم من الكون وأن الكون طفلا يحبو بين يدي الانسان عندما اكتمل عقله المذهل الخلاّق. لو تمكن الانسان من تسخير كامل طاقته العقلية والانشغال باسراره ، لأصبح الآن يتنقل في الحواف اللانهائية للكون ولأصبح (الكونور) كله بين يديه يلج من هذا إلى ذاك ومن ذاك إلى هذا.
كمسيحية اعيش في عالم وثقافة ودين يُغاير بقية الأديان والاصرار في السعي نحو الحقيقة المجردة من دون الالتفات إلى انتمائها . هذا السعي اوصلني في زمن قياسي إلى أن اقطع اشواط لا اجازف بحجمها ومقدارها ، ولكنها في زمن مبكر اعطتني ما اريد ودربت عقلي ومعه جوارحي والكامن خلفها على ان تصل إلى الحقيقة من اقصر الطرق حتى بات ما اتمنى ماثلا امام عيني سهل التناول بلا تعقيد تنفتح منه ابواب وابواب وفي كثير من الاحيان اقف عاجزة عن اللحاق بفيض المعلومات التي لا أعرف من أين تأتي . ولكنها حقيقة ماثلة امامي ولقياس ذلك ، فأني لو اردت ان اتفرغ يوما واكتب لاستطعت ان اكتب اكثر من عشر مقالات كاملة التحقيق موثقة المصادر في اكثر من موضوع ولربما تكون من المواضيع الغريبة الغير مسبوقة وكل مقال من ستة صفحات او اكثر .
طبعا كل ذلك وراءه اسرار واسرار ، خصوصا الجهة التي تمدني بذلك وتفيض علي من بركات وجودها وحضورها .
شقشقة .


• (2) - كتب : محمد حسب النبي جلال ، في 2016/03/16 .

كم تتمتعين بشفافية لئن قطرة منها سقطت ببحر الأنا الذي يملأ العالم بالأسى تعصبا وحقدا لبات بالصفاء ذاخرا

• (3) - كتب : فلاح الغالبي falah alghaleby ، في 2015/11/07 .

ارى ان الحقيقه تكحل عينيها بصدقك والحياة ستكون اكثر جمالا وصفاءً بصفاء روحك ويستقيم كل اعوج بمعول اخلاصك
انك تنتصرين للحقيقه من اي دين اومذهب كانت فطوبى لك واسال الله ان يحرسك ويسددك ويحميك ويديمك بلسما لآلام الباحثين عن الحق والحقيقه

• (4) - كتب : إيزابيل بنيامين ماما آشوري ، في 2014/08/14 .


كلمة الحق ثقيلة على الاسماع ، وكلمة الصدق تمجها الاذواق فهناك الكثير من الناس ممن اعمت اعينهم الماديات إن لم يدركوا شيئا انكروه ، هناك الكثير الكثير من الاسرار في هذه الحياة لا يفهمها الانسان ولكنها موجودة شاخصة باحداثها امام عينيه ، ولكن علينا ان نقول الحقيقة وإن لم تعجب البعض ، وان نصحر بالصدق وإن مقته البعض .
شكرا اخي الطيب الأسد على صدق مشاعرك . ولا انسى الدكتور بهجت في كلماته العفوية الطيبة . واعرج في طريق ثنائي على الاخ مشتاق الياسين فاشكره على استحسانه ، كما اتمنى للجميع كل الخير .

• (5) - كتب : ألآسد ، في 2014/08/02 .

وما لي لا أبكي ..أبكي لضيق لحدي..أبكي لسؤال منكرآ و نكيرآ إياي..إذ الخلائق في شأنآ غير شئني...لكل أمرء يومئذً شئنٌ يغنيه...هنيئآ لكي سيدتي الجليله وجعلكٍ الله من أنصار القائم *ع* ومن شفعائنا ..آمين رب العالمين

• (6) - كتب : د. بهجت عبد الرضا ، في 2013/06/11 .

ما أروعها من حادثة وما أروع صدقك وشفافيتك يا أختنا ايزابيل.
لا أجد شيئا أباركك به غير أن أدعو الله سبحانه وتعالى لك بالتوفيق والسلامة
بحق محمد وآله صلى الله عليهم وعلى جميع الأنبياء وسلم وأن نسمع قريبا
اعتناقك للإسلام لأن بداخلك صدقا واخلاصا للحق يتماشى مع مبادئ الإسلام الأصيل.
أخوك د. بهجت وسابقا كنت اكتب باسم كاتب صريح. تحياتي



• (7) - كتب : مشتاق الياسين ، في 2013/06/06 .

مقال في منتهى الروعة , سدد الله خطاك .. وجعلك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

• (8) - كتب : إيزابيل بنيامين ماما آشوري ، في 2013/06/01 .

الصافي يرى كل شيء زلالا. صفاء انفسكم يراني هكذا .
شكرا .

• (9) - كتب : علي جابر الفتلاوي ، في 2013/05/30 .

الاخت ايزابيل السلام عليكم
انت امرأة طاهرة اختارك الرب لتكوني شعلة ايمانية تنير الدرب للاخرين ، هنيئا لك ولك التوفيق من الرب .
اخوك علي الفتلاوي

• (10) - كتب : أحمد سميسم ، في 2013/05/29 .

لقد تأملت كثيرا في مقالتك ولم أرَ فيها سوى الصدق والعفة والبرائة ............ شكرا لله تعالى على ما منحك من طهر وعفة ...اللهم بحق زينب أحفظ الاخت ايزابيل .....




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net