صفحة الكاتب : رسول الحجامي

الشيعة من الوعي بالذات الى الوعي بالعالم
رسول الحجامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تمظهر التشيع بعدة مظاهر تكوينية خلال تاريخه ، لكنه ظل يعبر عن جوهر قار في كل مراحله عبر الأحداث والزمن ، وهو حماية الرسالة الإسلامية الأصيلة وحملها سواء كانت قرانا أو سنة،  نبوة أو إمامة ، غير إن عودة فلول قريش من الطلقاء ( اللذين استسلموا للإسلام في نهاية العهد النبوي ) ، والمؤلفة قلوبهم ( الذين كان تدفع لهم الأموال خشية انقلابهم على مدنية الإسلام الوليدة ) .
هؤلاء عاد والى الحكم بلباس واقنع إسلاميه ، وعندها بدا العالم الإسلامي يعيش بين تجاذبات قوتين احدهما تنظر الى الإسلام من منظور الرسول وأهل بيته ، والأخرى تنطلق من منظور قدسية الصحابة ، وهو مصطلح فضفاض مشكل وغير منطقي يخالف القران الذي اتهم البعض بالنفاق والبعض بالخيانة والبعض بالفسق ويصادر كل بديهيات المنطق والحجج العقلية في الفروق الفردية والتمييز القيمي ، فهو يحيل مرحلة زمنية في تاريخ الإسلام بكافة ما احتوت من شخصيات الى منطلق  للتشريع الإسلامي ولقراءته لأسباب سياسية تتعلق بتمرير شرائح وفئات كانت معادية للإسلام ودخلت في مستسلمة لقوة الإسلام الذي قلع حصون جهلها ومعاقل إشراكها المتخلف ، فقامت بسلسلة ردات وانقلابات استطاعت من خلالها ان تتسلل الى مركز القرار العليا في الإسلام .
وحينما استفاقت الأمة بالثورة على سياسة الدولة في عهد عثمان كانت مقاليد القوة العسكرية والاقتصادية كلها بيد أعداء الإسلام مما أدى الى قيام الحكم الأموي ، فكانت الدولة الأموية ، ولم تستسلم الأمة فقد شهدت ثورات وانتفاضات شيعية متواصلة انتهت بثورة شعبية عارمة أطاحت بالحكم الأموي بعد ثمانين عاما من المقاومة والصمود . 
وانتصرت الأمة على جبابرة بني أمية وهي ترفع شعار الرضا لآل محمد (ص واله) ، غير انه تم سرقة انتصار الجماهير من بعض الانتهازيين ، وكانت الدولة العباسية ، وسار الشيعة في طريق مواجهة طغاة بني العباس ، وتنمية آفاق الحضارة الإسلامية في جميع العلوم والفنون ، وفيها أعادت القوى الشيعية ترتيب أوراقها واستطاعت أن تبني مؤسساتها وشهدت ظهور مدارس سياسية وعقائدية متنوعة داخل النسيج الشيعي مكنها من التحرك بحيوية في جسد الأمة .
ولم يأتي منتصف القرن الخامس حتى حكم الشيعة العالم الإسلامي من المحيط الأطلسي الى بلاد الهند بقيام عدة دول منها الدولة الفاطمية ، والدولة الادريسية والدولة الحمدانية والدولة البويهية ، وفي بغداد عاصمة التشيع ( بعد تراجع دور الكوفة في العصر العباسي ) قاد البساسيري ثورة شعبية في بغداد والفرات الأوسط والبطائح في جنوب العراق وواسط وسامراء والموصل التي ضلت منذ قيام الدولة الإسلامية وحتى ذلك الوقت معقلا شيعيا عصيا على السلطات الحاكمة ( والى الآن ما يزل الشيعة يقنطون عدة قرى حول الموصل وفي مدينة تلعفر ) ، وكان من نتائج هذه الثورة إسقاط الحكم العباسي لمدة عام والدعوة الى السلطان الفاطمي والحكم على السلطان العباسي بالسجن .
غير إن الثورة اندحرت بعد سنة على أيدي برابرة السلاجقة الذين أعادوا الحاكم العباسي كدمية ، وبدءوا حربا وحشية ضد الوجود الشيعي الذي لم يكن موحدا في جبهة سياسية ولا فكرية مما أدى الى تقهقر شيعي سقطت فيه الدولة الفاطمية والدولة الحمدانية والدولة البويهية ، واعتلت منصات السلطة حكومات وسلالات طاغوتية لا تؤمن إلا بالتمييز الطائفي وتصفية وجود الآخر ، فتعرض الشيعة الى مجازر تاريخية كبرى في تاريخ الدولة الأيوبية والتاريخ العثماني الأسود المقيت ومما زاد النقمة على الشيعة هو وجود العلويين - وهم اكبر طائفة في بلاد تركيا القديمة معارضة للسياسات العثمانية - والتنافس على النفوذ مع الدولة الصفوية في إيران ، إضافة الى ثورات العشائر في وسط وجنوب العراق لرفضها للاستعمار العثماني بتوجيه من مراجع الدين في سامراء حيث كانت سامراء مدينة الإمامة الشيعية ومستقر المرجعية الى أوائل القرن الماضي .
أما في اليمن فقد انتشر التشيع منذ زمن حكم أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وكان احد المقترحات المطروحة قبيل خروج الإمام الحسين الى العراق ، واعتنق الكثير من أهل اليمن المذهب الزيدي وساهموا مساهمة فاعلة وبناءة في مجالات الحياة .
أما البحرين وعبر تاريخها الإسلامي ، والذي يشمل البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية فقد كانت وما زالت بلاد ذا أغلبية شيعية ، فشلت معها كل محاولات الترغيب والترهيب لمحو هويتها الفكرية والعقائدية والثقافية ، وبالرغم من الاستئصال الوهابي الذي امتد لأكثر من مائتي سنة وما يزل الى الآن يفعل فعله لتغيير ديمغرافية الإنسان والعقيدة في هذه المنطقة الا ان البحرين اليوم حاضرة بقوة بثورتها المتقدة التي تعد انموذجا للثورات من حيث السلمية والمطالبة بالحقوق في ظل نظام دكتاتوري .
اليوم وبعد هذه الومضة التاريخية لنتسائل كيف يعي الإنسان الشيعي نفسه ؟ 
هذا السؤال بحجم امة لكن الوعي يلجا دوما الى الكلمات ليعبر عن الأمة التي ينتمي لها ، وهو محمل بهاجس الهوية ، فالهوية عند الإنسان الشيعي لا تعني قوالب أو صفات نمطية يشذب على أساسها الإنسان أو يحشر بالقوة في داخلها أو يحملها نتيجة لانتمائه القومي أو العرقي أو الوراثي ، فالتشيع ليس عنصريا ولا انغلاقيا ولا مسورا للهوية ، بل هو طريقة للتفاعل الصحيح مع أصل نقي ( الرسالة الإسلامية ) .
وهذا ما جعل للتشيع خطابا فكريا وفلسفيا وثقافيا وعلميا متقدم ومنفتح ، وهو في أحلك عصور الظلمة كان يفتح باب الاجتهاد أمام كل أبواب الحياة ، وعندما نوميء الى خاصية التفاعل في هوية التشيع فإننا نعرف بذلك الإرث الروحي والعرفاني الذي ينطلق من عتبة الإنسان ليحيل حتى عملية الانتقاد الى تفاعل في مستوى العقل والعاطفة .
هذه الهوية الشيعية جعلت الفرق الأخرى التي تعاني من أزمات كبيرة في وجودية الهوية واتجاه الخطاب والانغلاقية والتحجر ومصادرة الفكر ، من الشعور بالخطر من إيمان الأمة وتحولها إليه ، وهم يدركون في القراءات التاريخية إن أي ضعف يصيب السلطات الدكتاتورية سواء كانت سياسية باطشة أو دينية قاهرة سيؤدي ذلك الى تحرك الأمة صوب التشيع ، لا لأنه الطريقة المثلى لاستلهام الإسلام ، بل أيضا لتعطش الأمة لاكتساب هويتها الحضارية المدنية بعيدا عن التحجر الجاهلي والنكوص الغرائزي .
إن خصوم الشيعة اليوم من الجماعات الظلامية يعيشون أقسى حالات الفوبيا بدليل نكوص خطابهم الفقهي وتحوله الى عواء للموت من خلال فتاوى التكفير المتواصلة ، والمتزايدة بشكل يجعلها طوفانا من الدم والحقد والكراهية ، حتى أصبحت فتاوى التكفير تتراكم مع دقائق الزمن وتحولت الدعوات التحريضية على التفخيخ والتفجيرات الإرهابية وفقه ذباحة الأطفال وفتاوى حلية الاغتصاب وتدمير الحضارة ومنشآتها في مؤسسات الدول وغيرها من الأعمال اليومية ، وبدلا من أن توارى سوءة خطاب الموت والجريمة ونفث سموم الحقد ، نراه قد تحول الى نشرات الأخبار ولا ندري الى أي حضيض يمكن أن يغوص هذا الخطاب الفقهي ، ولا ندري الى أي دين يروج له ، حتى أصبحت تلك الفتاوى مثالا للانحطاط الإنساني ونكوصا الى التوحش البربري الذي عاشته بعض البشرية في أدوارها البدائية من قطع للرؤوس ( للذة ) واكل للأكباد  ( للتفاخر ) .
إن التفوق الشيعي اليوم ليس كامنا في جوهره الإسلامي الإنساني الحضاري المدني في مقابل الجاهلية التعصبية الوحشية المتحجرة ، بل هناك له امتدادات فاعلة في أحداث الواقع العالمي المعاصر وهي : 
1- إن الشيعة اليوم موحدين فكريا وعقائديا وسياسيا ، وما يضنه الآخرون من اختلافات هي مظاهر لحيوية التكوين الشيعي وقدرته على الحفاظ على الجوهر من خلال الجذب لا الانصهار والذوبان .
2- إن الشيعة اليوم هم نسغ الأمة الحي الذي يتقبل الآخر ويؤمن بالاختلاف ويدعو الى التعايش السلمي ، ويحاول في الكثير من الدول الى تأسيس الدولة المدنية ، لذا فهو يشكل عنصر قابل للمؤازرة من قبل كل القوى التي تريد البناء والسلام على مستوى المجتمعات والدول ، أو في البعد العالمي .
إن الشيعة اليوم مدعوين الى مزيد من الوعي بالذات  ،الهوية والتاريخ وامتداداتها في الواقع المعاصر من إمكانيات وقدرات ، وهذا الوعي يمكن أن نعده مقدمة صحيحة لنجعل العالم يعي الوجود الشيعي بأبعاده الفكرية والاقتصادية والثقافية والتاريخية ، وبالتالي ليعيد إنتاج مواقفه السياسية تجاه ذلك الوعي . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رسول الحجامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/05/27



كتابة تعليق لموضوع : الشيعة من الوعي بالذات الى الوعي بالعالم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net