سألت جاري : انت شيعي أم سنّي ؟!
عراقي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد عشر سنين قضيتها في أحد أحياء بغداد وخالطت فيها الجيران في مفردات حياتهم اليومية إلا أني تفاجأت وأنا أجد نفسي أجهل هوية بعض الجيران ، ليس هوية الاسم ولكن هوية الانتساب ، لقد وجدت نفسي مجبرا على الإجابة عن تساؤل ما كان يخطر على بالي من قبل ، سؤال لم أبحث عن جوابه سابقا لأني لم أعتقد أن يوما سيأتي ليطرح علي هذا السؤال ، وقد كنت معتقدا ومقتنعا – كسائر جيراني الآخرين – أن البحث عن هذه المعلومة لا تخدم حسن الجوار بل تضره.

فبعد أن جاء الاحتلال فرض علينا أنماطا من الحياة لم نكن نريدها أو نبحث عنها ، فقد أتانا الاحتلال – فضلا عن القتل والدمار – أتانا بالفرقة والتقسيم ، وبعد أن كنا عراقيين فقط أجبرنا الاحتلال على التخلي عن هذه الهوية والانتساب إلى الهوية القومية والطائفية ، نعم نحن عرب وأكراد وسنة وشيعة ومسلمين ومسيحيين ووو ، لكننا جميعا عراقيون ، وكنا إذا طلب منا بيان قوميتنا أو مذهبنا نقول (أنا عراقي كردي) أو (أنا عراقي شيعي) أو (أنا عراقي سني) ، فجاء الاحتلال ليشطب على الصفة الأولى من هويتنا ليبقي على الصفة الثانية فقط .

وبسبب هذا الواقع المؤلم وجدت نفسي تتساءل: (هل جاري الفلاني سني أم شيعي ؟ عربي أم كردي ؟) ، واستطعت الجواب على هذا فيما يخص أغلب جيراني من خلال نسبهم القبلي (الدليمي والموسوي) أو انتسابهم الجغرافي (كربلائي ونجفي والكبيسي والتكريتي) ، لكن بقي واحد من جيراني لم أستطع تمييز انتمائه المذهبي ، ولم تسعفني ما أحفظ من معلومات عنه لتحديد ذلك الانتماء ، ورغم العشرة الطويلة معه ومشاركته بعض خصوصيات حياته إلا أن ذلك لم يشفع لي للإجابة عن هذا السؤال .

فقد حاولت أن الاستعانة بما أعرف عنه من اسم ونسب وتصرفات لتكون دليلا على مذهبه ، لكن كل ذلك لم يكن نافعا ، فمن جهة الاسم الذي يحمله وهو (علي) لم يصلح لي كدليل ، فالسنة والشيعة يحملون هذا الاسم وهو ليس حكرا على طائفة دون أخرى ، أما كنيته (أبو حسين) فلا تصلح كدليل كذلك لأن العراقيين يكنون كل (علي) بـ (أبو حسين) وكذا العكس ، حتى غير المتزوج يكنوه بذلك سنيا كان أم شيعيا وحتى بعض المسيحيين العرب ، فالاسم من الأسماء العربية الشهيرة حيث يعتز به كل العرب ، وازداد اعتزاز المسلمين به لارتباطه بـ(علي بن أبي طالب) ابن عم رسول الله (ص) وسلم وزوج ابنته (ع) وما له من مكانة ودور في الإسلام ، وخلا النواصب – الذين لا وجود لهم في العراق – جميع المذاهب تحب الإمام علي وأبنائه وآل البيت (ع) ، وعليه لم يكن الاسم دليلا على تحديد مذهب جاري هذا .

أما نسب جاري فقد اعتقدت أن ربما يصلح كدليل لكن اكتشفت أن نسبه (الجبوري) كذلك لا يخدم بحثي عن هوية جاري المذهبية ، فعشيرة (الجبور) عشيرة كبيرة تنقسم إلى قسمين ، منهم الشيعي وفيهم السني ، وهكذا الحال في الكثير من العشائر العراقية التي ينتسب أبناؤها إلى كلا المذهبين (الخزرجي والشمري والزبيدي والسعدي والخالدي ووو) .

فقلت في نفسي ربما أستطيع معرفة مذهب جاري هذا من خلال معرفة مذهب زوجته ، إن كانت سنية فهو كذلك وإن كانت شيعية فهو أيضا ، لكنني تذكرت أن العراقيين قبل الاحتلال لم تنحصر مصاهراتهم في ذات المذهب ، فكم من شيعي تزوج سنية وكم من شيعية تزوجها سني ، والكثير من العوائل – ولا سيما في المدن الكبيرة والمشتركة المذاهب – لم يكن أهلها يشترطون اتحاد المذهب أو القومية عند الزواج ، بل كان الناس يسألون عن الأخلاق والتربية وربما القدرة المالية.

فحاولت أن أستذكر بعض تصرفات جاري السابقة لعلها تكون سببا في معرفتي لانتمائه الذي طالت حيرتي فيه ، فماذا كان يفعل ؟ لقد كان يزور مراقد أئمة آل البيت (ع) ، وهل هذا منحصر في مذهب دون آخر ؟ فجميع مسلمي العراق يفعلون ، وكنا نرى الناس – سنة وشيعة – يقدمون النذور لآل البيت (ع) ، وصغيرهم وكبيرهم يحلف بـ (العباس أبو راس الحار) ، وقد كان جاري يرقص في أفراح أهل الحي جميعا – سنة وشيعة وأكرادا ومسيحيين - ، وكان يعزي أهل الحي إن مات أحد أقاربهم ، ويهنئ بالمولود والنجاح وسائر المسرات ، وكل هذه التصرفات لا يمكن أن تدلل على الانتماء المذهبي وحتى الديني لأحد ، فأهل العراق – قبل الاحتلال – كانوا يدا واحدة في الأفراح والأتراح ، يشد أحدهم عضد الآخر لمجرد أنه عراقي مثله.

وبعد أن عجزت عن الإجابة بنفسي عن هذا الموضوع توجهت إلى جاري بكل شجاعة وسألته هذا السؤال (هل أنت سني أم شيعي ؟) ، ففتح فاه مبهورا من هذا السؤال ، وبانت على وجهه آثار الصدمة لوقوع ما لم يتوقع ، وبعد لحظات استطاع أن يستجمع تركيزه ليسألني بدوره (لماذا هذا السؤال ؟) ، فقلت له : ليس تفرقة يا جاري ، ولا تعصبا مني ضد مذهب دون آخر ، ولكن هو الواقع الذي فرض علينا معرفة هوية بعضنا التي كانت خافية من قبل .

فأجابني قائلا : خيبت ظني فيك يا جاري ، وما كنت أعتقد أنك في يوم من الأيام ستستجيب للاحتلال ومؤامراته ، فمهما طالت الأيام فلابد أن يرجع الاحتلال لبلاده ويتركنا لبعضنا البعض ، وعندها سترحل معه كل مؤامراته وأذنابه ، وسنبقى نحن أهل العراق وسنعود لأصولنا وتقاليدنا ، وسيرحل هذا الواقع الذي فرضه الاحتلال مخذولا بإذن الله ، إن كان ولابد أن تسأل عن جارك يا أخي فاسأل (هل أنت مع الاحتلال أم ضده ؟) ، ومن الجواب ستعلم أن الذي يرفض الاحتلال هو عراقي أصيل ، وعندها ضع يدك بيده لتدفع مؤامرات الاحتلال ولتبني معه ما دمره الاحتلال وأذنابه ، وسواء أكنت شيعيا أم سنيا فأنا أنتمي لهذا البلد أنا

(عراقي)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عراقي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/05/17



كتابة تعليق لموضوع : سألت جاري : انت شيعي أم سنّي ؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net