صفحة الكاتب : نعيم ياسين

غاياتهم ووسائلهم
نعيم ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    عرف في الادب والسياسة والحياة العامة عبارة الغاية والوسيلة , او الهدف والاليات , ويقصد بها ما يوضع ويتبع من وسائل ومناهج وخطوات تقرب او تنجز وصول صاحب الغاية الى تحقيقها وانجازها ولو بنسبة معينة . وللمناهج والعقائد , بل والاشخاص مواقف مختلفة من الغاية والوسيلة , فالمنهج المكيافيلي لايرى اية غضاضة او سلبية في اتباع اية وسيلة من اجل تحقيق الغاية , كما لايرى اية غضاضة ان تكون الغاية منحطة ولا انسانية اذ اكد شارحو فكر ميكافلي انه دعا الى تحقيق الغاية المنشودة ولا عبرة في الوسيلة الموصلة اليها , وتبع مكيافيلي في تنظيره هذا كثير من الحكام والسياسيين من اجل اعتلاء سدة الحكم او البقاء فيه , فلا مانع من قتل الخصوم واخذ البريء بجريرة المتهم كما كان يصنع معاوية وعامة خلفاء بني امية ومن على شاكلتهم وهم عاشوا قبل ميكافيلي بقرون , اما تنظيمات القاعدة وواجهاتها فقد اتبعت المنهج نفسه , فهي على الرغم من انحطاط وشذوذ اهدافها تمارس اخس الوسائل لتحقيق اهدافها وغاياتها , فاشاع الزرقاوي مثلا عند استهدافه المدنيين والابرياء نظرية التمترس , وهي جواز التعرض للمدنيين والمسالمين وسفك دمائهم وتخريب ممتلكاتهم وضياع اموالهم اذا كان ذلك يوصل ولو جزئيا الى الهدف المطلوب , ان مقولة الغاية تبرر الوسيلة ونظرية التمترس الزرقاوية بعيدة كل البعد عن خلق الاسلام ومبادئه , فما عرف في الاسلام المحمدي الاصيل قتل البريء المسالم وصولا الى الكافر المشرك , بل كانت التوجيهات النبوية في كل الغزوات عدم التعرض لبريء وترويعه لكي لا تتحول حركة الاسلام الى حركة مناهضة للحياة الانسانية منزوعة الاخلاق , وقد وصف القران الكريم اصحاب الوسائل المعوجة بانهم ظالمون ملعونون " الا لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا .... " .  

     من هذه المقدمة حول الغاية والوسيلة يبرز تساؤل على جانب من الاهمية مفاده : هل تعمل كتلنا السياسية وسياسيونا اليوم بمنهج الغاية تبرر الوسيلة كما يراها ميكافيلي , هل يبغونها عوجا حسب لغة القران ؟ . 

     لقد تقوقعت الكتل السياسية العراقية , كل واحدة منها حول اهدافها وغاياتها الخاصة ولم تخرج - الا قليلا - باتجاه الصالح العام المشترك للعراق وشعبه , فالمتابع لكل ازمة ولكل جدل عقيم حول القوانين لا يمكنه الا ان يؤشر على الاهداف التي تخص تلك الكتلة اوهذه وحدها , فالجدل الذي عطل اقرار قانون الموازنة العامة للدولة على سبيل المثال كان في طروحات الكتلة الكردستانية هي استحقاقات الشركات النفطية العاملة في الاقليم , وتمويل ميليشيات ( البيش مركه ) التي لم تنضوِ تحت سلطة وزارة الدفاع , ولما اقر قانون الموازنة بالاغلبية , وهي الية دستورية في تصويت مجلس النواب قامت قيامة النواب الكرد , وسلقوا الحكومة ورئيسها بالسنة حداد فلم يوفروا شيئا من اوصاف الدكتاتورية والتهميش والاقصاء وغيرها الا الصقوه بالحكومة ورئيسها وبكتلته دولة القانون , ثم عمدوا الى الوسيلة المفضلة لدى خصوم الحكومة ورئيسها بان اوقفوا عمل وزرائهم في الحكومة ومقاطعة جلسات مجلس الوزراء , وهي بلاشك وسيلة غير شريفة من اجل تحقيق غاية ضبابية وجزئية , ونصفها بغير الشريفة لانها تعطل المصلحة العامة للشعب العراقي , كما انها وسيلة لن توصل السياسيين الكرد الى غاياتهم المعلنة. 

     وفيما يتعلق بالقائمة العراقية , وهي لم تعد قائمة متماسكة الا في ذهن ولسان ميسون الدملوجي , وانما قوائم متعددة , قائمة علاوي , وقائمة النجيفي , وقائمة المطلك , والحرب الاعلامية والمنافسة الانتخابية بين هؤلاء على اشدها , هذه القائمة في حرب مع الحكومة ورئيسها منذ وضعت الانتخابات البرلمانية السابقة اوزارها عام 2010 وقيام التحالف الوطني كاكبر كتلة نيابية انيطت بها مهمة تشكيل الحكومة , اذ ترى العراقية ان حقها في تشكل الحكومة اغتصب منها غصبا , واذا لم تستطع استعادته فعلى الاقل ان تعمل على افشال الحكومة وتعطيلها , وكانت وسائلها متنوعة من اجل هذه الغاية منها اعتماد اللغة الطائفية , التنسيق مع قوى اقليمية معادية للتجربة العراقية الجديدة , اكثار الشكوى من غياب التوازن الوطني المزعوم , محاولات محمومة لتكوين جبهة معارضة في البرلمان مع الاحتفاظ بمشاركة وزرائها في الحكومة والعمل على سحب الثقة , التورط في عمليات وتصفيات ارهابية لكادر الدولة والقوى الامنية كما هو حال طارق الهاشمي وحماية رافع العيساوي , تعليق حضور وزرائهم في مجلس الوزراء لشل عمل الحكومة , وكل هذه الوسائل وما تثيره من انقسام بنيوي وسياسي واجتماعي بين ابناء العراق لم تتورع او تتردد القائمة العراقية من اتباعها من اجل غاياتها الخاصة . 

   اما التحالف الوطني فهو وكما يبدوا على اطرافه مشتت , وانه تحالف قام من اجل تشكيل الحكومة وليس من اجل انجاز برنامج حكومي لاربع سنوات , او من اجل دور ريادي في قيادة التجربة العراقية الجديدة , فكل مكون من مكوناته يغنّي على ليلاه مع الفارق بين اغنية واغنية , وصوت وصوت , وكلمات وكلمات , فثاني طرف في التحالف الوطني من حيث عدد المقاعد النيابية بدا عصيا على الفهم في مواقفه , فانت ان نقبت وتتبعت مواقفه بالنقد والتحليل لا تجد لها مايبررها سوى انه يطمح بالتفرد بالقرار السياسي الشيعي من خلال مواقف نابية وناتئة , فليس له ما يعد ازمة حقيقية مع الحكومة , بل كل ازماته مفتعلة افتعالا , فليس لديه مشاكل مع الحكومة تشبه مالدى القائمة الكردستانية , وليس لديه مشاكل تشبه مالدى القائمة العراقية , وهذا يجعل المراقب يقرر باطمئنان ان مواقف هذا الطرف هي مناغمة لحلفاء طارئين في مواقفهم يستهدف منها دعاية انتخابية او فوزا برئاسة الحكومة لو سحبت الثقة من رئيسها الحالي , وكانت وسيلة ثاني اطراف التحالف الوطني المزعوم مقاطعة جلسات مجلس الوزراء لسبب لا يستحق هذه الخطوة التي تعطل مصالح الشعب وتضر به , وهو سبب تاجيل الانتخابات في محافظتي نينوى والانبار . 

      تعيش الحكومة اليوم مقاطعة وزراء ثلاث كتل , وكل كتلة لها سبب خاص بها اعلنته واخفت غيره , لكنها توحدت في الوسيلة , وهي المقاطعة التي رافقتها ايضا مقاطعة جلسات مجلس النواب , وتوحدت في الهدف الغاطس , وهو افشال وتعطيل عمل الحكومة ان لم يكن بالامكان اسقاطها , لانهم يرون في الافشال او الاسقاط وسيلة ايضا لتحقيق ما يهدفون اليه وهي اهداف شتى لا يجمعها جامع . 

     ان الشعار الذي ينبغي رفعه من الجميع هو " شرف الغاية يقتضي شرف الوسيلة " وليس شعار " الغاية تبرر الوسيلة " , واشرف الغايات اليوم اخراج العراق مما الم به من ازمات وليس اصطناع الازمات , فالذين يصطنعون الازمات , ويعطلون مصالح الناس من اجل مصالحهم لن يحصدوا غير الشوك وسوف يُسألون .            


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نعيم ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/03/27



كتابة تعليق لموضوع : غاياتهم ووسائلهم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net