صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح95 سورة الانعام
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{154}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 
1- (  ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) : يشير النص المبارك الى ان الله تعالى قد اتى موسى (ع) كتابا ( التوراة ) , ثم يذكر مواصفاته وخصائصه : 
أ‌) (  تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ ) : تمام النعمة على من احسن القيام به . 
ب‌) (  وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) : بيانا لكل شيء قد يحتاج اليه الفرد والمجتمع . 
ت‌) (  وَهُدًى ) : هدى ودلالة على الطريق المستقيم , و ما يوجب الابتعاد عن الطرق المنحرفة . 
ث‌) (  وَرَحْمَةً ) : رحمة لمن تمسك به واتاه حقه .            
2- (  لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ) : الضمير في ( لعلهم ) يشير الى بني اسرائيل , لعلهم يؤمنون بلقاء الله تعالى يوم البعث والنشور .         
 
وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{155}
تشير الاية الكريمة الى القرآن الكريم , بعد ان اشارت سابقتها الكريمة الى التوراة , وفيها يلاحظ : 
1- (  وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ ) : انزله الله تعالى على رسوله الكريم محمد (ص واله) , وهذا النص بمثابة المصادقة والتصديق على ان ما جاء به الرسول الكريم (ص واله) هو من عنده جل وعلا . 
2- (  مُبَارَكٌ ) : فيه خير كثير . 
3- (  فَاتَّبِعُوهُ ) :  امر مباشر بأتباع ما جاء فيه , اوامره ونواهيه . 
4- (  وَاتَّقُواْ ) : واتقوا ما سواه من كفر وظنون , وما تمليه الاهواء . 
5- (  لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) : من مستلزمات نزول الرحمة , التمسك والعمل بالقرآن الكريم .            
 
أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ{156}
الاية الكريمة في محل ابطال حجة ( احتجاج ) من حجج مشركي العرب , (  أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا ) , اليهود والنصارى , (  وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ) , لذلك عدة اوجه , نذكرها على سبيل الطرح : 
1- الاعم الاغلب من العرب لم يكونوا يعرفوا القراءة والكتابة , لذا لم يتسنى لهم الاطلاع على كتب الامم السابقة . 
2- لم يكن لدى العرب المام بلغات اليهود والنصارى , الا ما ندر , في عين الوقت , كان لدى اليهود والنصارى المام باللغة العربية , الماما جيدا . 
3- انشغال العرب بالغزوات والتقاتل فيما بينهم , والتجارة واهتمامهم الكبير بالكعبة المشرفة والاوثان التي كانت فيها وغير ذلك من انشغالات , جعلهم في غفلة مطبقة ! .       
 
أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ{157}
الاية الكريمة في محل ابطال حجة اخرى لمشركي العرب , نستقرأها كما يلي : 
1- (  أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ ) : عرف العرب بالفصاحة والبلاغة , بالشعر والادب , بالذكاء والدهاء , حتى تفوقوا على الامم الاخرى بذلك , قد يقول قائل منهم ( انا لو انزل علينا كتابا كما انزل على اليهود او النصارى , لكنا اشد تمسكا به , واكثر استقامة , لما لدينا من النضوج الفكري والعقلي ) . 
2- (  فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ) : يرد النص المبارك على مثل تلك الحجج , فقد جاءتكم بينة ( دلالة ) منه جل وعلا , وهدى ورحمة لمن اتبعه . 
3- (  فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ) : يتوعد النص المبارك الذين يكذبون بأيات الله تعالى و يعرضون عنها بنوع من انواع العذاب (  سُوءَ الْعَذَابِ ) , ويلاحظ في النص المبارك كلمة ( صدف ) تكررت ثلاث مرات ! .             
 
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ{158}
نستقرأ الاية الكريمة في عدة موارد : 
1- (  هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ ) : تأتيهم الملائكة لقبض ارواحهم , عندها تبدأ اول مرحلة او الخطوة الاولى في الحياة الاخرة .  
2- (  أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ) : امره جل وعلا بالعذاب . 
3- (  أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) : علامات قيام الساعة ( اليوم الموعود ) . 
4- (  يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ) : عندما تأتي هذه العلامة , لا ينفع احد يؤمن بعدها , ما لم يكن قد امن من قبل ان تأتي , فلا ينتفع بتوبته او ندمه , علامات يوم القيامة كثيرة , ومنها طلوع الشمس من مغربها , فلعل النص المبارك يشير الى هذه العلامة , كما اشار الى ذلك السيوطي في تفسير الجلالين .   
5- (  قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) : انتظروا مجيء تلك الاية ( الايات ) , عندها يعرف الحق واصحابه , والباطل واذنابه ! .                
 
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ{159}
تشير الاية الكريمة الى ان دين التوحيد دين واحد , لا اختلاف فيه ولا تشتت , هكذا كان ابراهيم (ع) والذين سبقوه , وكذلك من اتى بعده , جميعهم يدعون الى دين واحد هو ( الاسلام ) , اما الذين تفرقوا واصبحوا فرقا متعددة وهم اليهود والنصارى , (  لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) لا تتعرض لهم , (  إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) .      
 
مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{160}
تبين الاية الكريمة مقدار رحمته جل وعلا في خلقه , يضاعف ( للمؤمنين ) الحسنات (  مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) , ومن ركب سيئة فلا تتضاعف , ويجزى بها فقط (  وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ) , ثم تختتم بدلالة من مداليل العدل الإلهي (  وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) .       
 
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{161}
تخاطب الاية الكريمة الرسول الكريم محمد (ص واله) ان يقول لقومه ما ورد في سياقها , ونلاحظ ختامها (  مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) , فيؤكد النص المبارك على ان ابراهيم (ع) لم يكن من المشركين , في ذلك توبيخ وتعنيف لليهود والنصارى , الذين ينسبون ما لديهم الى ابراهيم (ع) , فأشركوا , ولم يكن (ع) مشركا ! .      
 
قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162}
يستمر الخطاب الموجه للرسول الكريم محمد (ص واله) في الاية الكريمة . 
(  َنُسُكِي ) : عبادتي و ذبحي لله وحده .   
 
لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163}
الخطاب مستمر , وفيه ثلاثة مواقف للتأمل : 
1- (  لاَ شَرِيكَ لَهُ ) : لا شريك له جل وعلا , وحده تعالى المتفرد بالربوبية .
2- (  وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ) : بهذا الدين امرني ربي ( التوحيد ) . 
3- (  وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) : يروي النص المبارك ان الرسول الكريم محمد (ص واله) هو اول المسلمين . 
 
قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{164}
يستمر الخطاب في الاية الكريمة , نستقرأها في عدة محاور : 
1- (  قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) : اغير الله تعالى اطلب ربا , وهو جل وعلا خالق ومدبر ومالك كل شيء ! . 
2- (  وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ) : لا تدان نفس الا بما كسبت فقط . 
3- (  وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) : لا تحمل اثام كسبتها نفس نفسا اخرى . 
4- (  ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) : الجميع عائد اليه جل وعلا في يوم القيامة , وفي ذلك اليوم تكشف الحقائق .           
 
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{165}
يستمر الخطاب في الاية الكريمة , ونجد فيه : 
1- (  وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ ) : يخلف بعضكم بعضا . 
2- (  وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ) : بالاخلاق الكريمة والثقافة , بالمال والجاه وغير ذلك .  
3- (  لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) : ليختبركم , حيث ان الدنيا دار اختبار وامتحان . 
4- (  إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ ) : لمن عصى وتولى وكفر . 
5- (  وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) : وهو جل وعلا غفور رحيم لمن امن وعمل صالحا .             

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/03/11



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح95 سورة الانعام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net