صفحة الكاتب : محمود محمد حسن عبدي

في مهب رياح الصحو / أرض الصومال
محمود محمد حسن عبدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

لم أتصوّر في يومٍ من الأيام، أنني  سأجدني مجبرًا على كتابة أسطر كهذه، لكنني ومنذ اللحظة أراني مدفوعًا بهاجس الخوف على المستقبل مما يشوبه من الغموض والحيرة والتحيّز!

"أرض الصومال" ذلك الحلم الذي، انبثق على غفلة من الزمن، ليغيّر نظرة الكثيرين إلى أنفسهم، ويغيّر أولوياتهم، في سعيهم الحثيث باتجاه النجاة من تكرار تجربة الاضطهاد والمعاناة، قد استحال إلى قصة أخرى مختلفة، صادمة في فجاجتها وسرعة ما تم به استبدال القيم النقيّة الأولى، التي كانت رايتها في البدايات، حماية ذات المستقبل الذي نخشى عليه في لحظتنا هذه، في سبيل تحقيق سلام يشمل تلك البقعة التي كانت في يوم من الأيام، جزءًا من إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.
لكن ماذا حدث؟!

كيف أمكن لمن كان ضحية أن يتحوّل إلى جلّاد؟ وكيف تصبح القيم التي تجعل المستضعف مخوّلًاً بكل ما هو حق له، إلى راية تبيح كل أنواع التجاوز والإساءة؟ وكيف يصبح السعي نحو الأمان، مجرّد إدمان آخر للخوف؟ ليمكن به لجم الملايين التي لم يعوّضها أحد عمّا خسرته، سوى بالتخويف من زوال نعمة السلام الذي تحقق بسعيها هي إليه، وإرادتها الصادقة و جهدها الأسطوري،  باكرًا من قبل أن تكون تلك الملايين مطيًة للوهم، أو أداة لتجّار السياسة من أبناء جلدتها.

اليوم وفي وقد تقاصر ظلُّ الوهم، تتردد في الآذان صيحات همجية، مخيفة تصرخ "وا مقدّس"..."وا مقدٍّس"، لتدفع الجميع هناك للتدحرج نحو هاوية الصراع حتى الفناء، بعد أن بدت في العيون ملامح التوجّس من ضياع الفرصة، في تحقيق ما كان يتغنى به أساطين السياسة، من أن بيننا وبين "الاعتراف" خطوة واحدة، خطوة تلتها خطوة تلتها سنة، ليتلوها العقد، ويليه العقد الثاني، وتزيد عليه سنتان، ولا اعتراف ولا جواب، فقط أسر وقيد وفرار من الوطن نحو المتوسط لتبتلع رمال الصحراء الكبرى فتيانًا وفتيات، لم يجنوا من أحلام الآباء سوى البطالة والضياع.

والمذهل الداعي للأسى حقيقة، أن فكرة الدولة المقدّسة، التي لم تكتمل سيادتها حتى على ما تدعيه من أرض، أصبحت أيقونة يشعل الجيل الجديد شموعه حولها، بل قل يشعلون نيران الشهوة البدائية للانتقام، فكيف يمكن لعاقل أن يربط مصيره بحكاية لا ينتهي الفصل المرير منها، إلّا ليبدأ فصل آخر ينثر في طريق الازدهار مزيدًا من التكاليف والأحمال؟ دون أن يكون له نهاية منظورة، أو خاتمة يمكن الوثوق بوجودها، خارج حكايات السمر الطويل، ولحظات الغيبة المريرة، والنميمة التي لا تني تأكل الأرواح حتى النخاع.
إنه الصمم حلّ على فئات واسعة، تصلي أضلعها بجمر المرارة التي يغذيها الاستعصاء، والدهاقنة والكهنة يدورون بجثث الضحايا الذين سقطوا في سنين الظلم الدامي، ويعلّقون صور الدمار من حولهم، حتى أصبحت النفوس هناك لا ترى فيما تحقق، سوى مسلّمة تذكّر بأنه كان ممكنًا أن يكون هناك أكثر، قبل ربع قرن!

الخوف هو سيد الموقف، وطبول الحرب التي تُقرع في القلوب والهلع يعمي البصائر، فكل شيء أصبح مباحًا، نعم لم تحدث الفرقعة الأولى التي تسبق الانفجار الكبير بعدُ، لكنها تجتمع وتتكاثف مع أنفاس الكراهية، وفحيح العداوة التي تهتف بها أصوات الجهل والتضليل، "وا مقدّس".."وا مقدّس"، ولأجل الحلم الذي قد ضاع منذ زمن طويل، لقد غدى أن لا بأس أن تنتهك القيم والشرائع، لا بأس أن تندّس.

الآن قد تخلّت كل حبال الأمل الذائبة عن أكف الحزانى، وأصبح واردًا أن ينتقل العرش الصغير، ليصبح أحدى أرائك العرش الكبير هناك في "مقديشو"، والحجّاب والسعاة يتحفّزون، يركبون الطائرات دون سابق إنذار، ولا أحد يدري هل تم استدعؤهم من قبل موظفي جلالة الملكة، أم ذهبوا ليطلبوا مهلة يستطيعون بها أن يجمعوا ما خفّ، ليغربوا عن وجه الشمس، التي ستسطع عمّا قريب، لتكشف عورة كذبهم، نعم هل سيحصلون على تلك البرهة التي قد تعني حياتهم أو نهاية آجالهم، بعد أن ينفلت عقال الجنون الذي ملؤوا به عقول الملايين.
قد يكون الرهان اليوم كل الرهان، على من تبقى من العقلاء، الذين يدركون أن القادم ليس وحدة، بل تفككًا حقيقيًا، يقود لاندماج حتى التفتت، كيف لا والفاتورة ستكون باهظة بقدر الخيانة من داخل البيت، وأن ما سيكون قربانًا لها أن ينقسم البيت الواحد، ويحمل الأخ السلاح في وجه أخيه ، بين من أصبح عنوان وجوده "المقدّس"، وبين من سينظر في حسرة لما ضاع، فيحكمه المزيد من الخوف مرّة أخرى على ما تبقى، ليعرضه سريعًا بسعرالتصفية، علّه يخرج من بحر الخسائر ولم يبتلّ أنفه، وقد هبّت رياح الصحو من بعد غفلة!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمود محمد حسن عبدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/02/24



كتابة تعليق لموضوع : في مهب رياح الصحو / أرض الصومال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net