صفحة الكاتب : ا . د . حسن منديل حسن العكيلي

انتهاك حقوق الألقاب العلمية في أداء دورهم القيادي في الجامعات
ا . د . حسن منديل حسن العكيلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

-   خلاصة:

    الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين  وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد...

 

    فإنّ مصادرة حقوق حملة الألقاب العلمية العالية المتميزين، في أداء دورهم القيادي في الجامعات ومفاصلها، هو انتهاك للنزاهة الأكاديمية، وذلك من أخطر الآفات التي تواجه الجامعة، مما ينبئ بمستقبل غامض لمؤسساتنا العلمية الأكاديمية ومكانة علمائها، وللمستوى العلمي فيها، وتحويلها الى مؤسسات إدارية تقليدية روتينية تابعة للعملية السياسية. مما يؤدي الى تقييد البحث العلمي الذي لا ينهض إلا بالحرية العلمية والانفتاح. فالعلم لا يمكن أن ينهض إلا إذا كان حرا مستقلا، والعالم لا يعد عالما إلا إذا كان مستقلا في علمه وعمله. ومن ثمّ الاعتماد على الكفاءات المستقلة المبدعة في ضوء معايير علمية رصينة لتحقيق نهضة شاملة في جميع ميادين المجتمع العراقي ومؤسسات الدولة تكون الجامعة مصدر الاشعاع والاصلاح والتقدم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مدخل:   

      على الرغم من كثرة الجوانب الايجابية المشرقة التي تزدان بها مؤسساتنا العلمية الأكاديمية، وعلى الرغم من أداء دورها أداء رصينا، الا أنها بحاجة الى المراجعة والاصلاح العلمي الشامل، ذلك أن الجامعات لا تنأى عن بعض التراجع الذي يشهده البلد والتداعيات السياسية. فضلا عن عدم الشفافية في التوزيع العادل للمواقع على وفق المؤهلات الرصينة والمعايير العلمية والتقاليد الجامعية ونقاط الترشيح في ضوء المصلحة العامة.

     إنّ السعي تجاه الإصلاح وتعزيز ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد الاداري، تبدأ خطواته الأولى بالذين يتصدون للمسؤولية في مفاصل الجامعة ولاسيما المسؤولية العلمية، فكم من مسؤول في الجامعة والوزارة شغل مكان غيره من غير حق، مستفيدا من عدم تطبيق المعايير العلمية والتعليمات في التصدي للمسؤولية، وهو يعلم أن هناك من أولى به وأكثر نفعا لو طبقت المعايير العلمية والتقاليد  الجامعية والتعليمات المعممة.

 

       النقد ضربان : نقد يروم البناء والإصلاح، ونقد لأجل النقد والهدم. أتناول هنا نقد الجانب السلبي في صروحنا العلمية من أجل الإصلاح لا النقد من أجل النقد فحسب، بغية ترسيخ الجانب المشرق منها والمحافظة على الانجازات الكثيرة. ولنفصل الزبد عما ينفع الناس ليمكث. وأروم بذلك تنبيه من يهمه الأمر الى الخطر الذي يواجه مستقبل المؤسسات الأكاديمية جراء تهميش حملة الألقاب العلمية العالية  وانتهاك حقوقهم في تأدية دورهم القيادي في الجامعة.

 

     ولا يخلو مجتمع من المجتمعات قديمها وحديثها من مظاهر الفساد الإداري بما فيها مجتمع الإسلام على الرغم من الروحية والشفافية التي ميزت الفكر الإسلامي على مر العصور، وعلى الرغم من حث القرآن الكريم والحديث الشريف الى مكارم الأخلاق، ذلك أن للفساد جذورا وتراكمات تاريخية وانحرافات عن المسار العلمي والإسلامي السليم، عبر التأريخ والحاضر هو وليد الماضي. سببها الرئيس تغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة والأطماع الدنيوية وحب الجاه والصراع على السلطة و" سوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة "[1].  ، ولا تخلو بعض مؤسساتنا العلمية من بعض تلك المخاطر، وهي التي ينبغي لها أن تتنزه عن أدنى فساد لكونها تعنى بالبحث العلمي والتعليم العالي. وأن تتصدى لإصلاح الواقع ونشر ثقافة النزاهة. 

 

    ان الجامعة تعنى بالتعليم والبحث العلمي وهو الركن الركين الذي يستند اليه الاصلاح وتقدم المجتمع وتطوره ونزاهته. ولاسيما ان القوة في القرن الحادي والعشرين، لم تعد تعني السلطة المطلقة أو القدرة الباطشة. لقد أضحت تعني قوة المعرفة قبل كل شيء والقدرة على تطويعها، والتوظيف المناسب لها، وأن تنمية الموارد البشرية هو العامل الرئيس في معادلة صناعتها، ذلك أن هذه الموارد المعدّة إعدادًا جيدًا، تكون قادرة على إنتاج منافس، وابتكار ملفت، وريادة أكيدة[2].

 

    ودونك بعض المظاهر التي ينبغي علاجها:

- كثير ممن يتحمل المسؤولية في الجامعة  شخصيات تقليدية تستطيع فقط ان تدير الأمور الروتينيه بكفاية، لكن لا تستطيع أن تتعامل مع الأمور المستجدة بروح الابداع فضلا عن افتقاده القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة في الأمور التي هي في صلب اختصاص دائرته والتقاليد الجامعية، ويكون دوره فقط وفي أحسن الأحوال دور شرطي المرور الذي ينظم سير المعاملات فقط ، تلك تذهب هنا وتلك تذهب هناك اذا لم نذهب ابعد من ذلك ونعتبره شريكا ومتواطئا في قضايا الفساد التي تمر عليه عبر الشكاوى التي يقدمها منتسبو التعليم الى دائرته التي يقوم بتسويفها والتغطية عليها وعلى مفسديها. بل أن شغله للمنصب خلاف التعليمات والتقاليد الجامعية والمعايير العلمية، مما يعد مخالفة يعاقب عليها القانون.

- الاستحواذ على المناصب العلمية لغير مستحقيها بحسب المحاصصة والمحسوبية لا بحسب المعايير العلمية والادارية الرصينة. مما ينتج تشكيل شبكة من المتنفذين لترسيخ واقع يثبت مواقعهم، ويخالف التعليمات والقوانين. ويسخّر الصلاحيات للبقاء في المنصب أطول مدة أو الى الأبد ، وكأنه لا يوجد بديل منه في الجامعة كلّها.

- تعطيل المصالح بسبب عدم تحمّل المسؤولية أو الجهل الاداري والخبرة العلمية التقليدية المستهلكةوالروتين. وضعف التشجيع العلمي بل انعدامه أحيانا للمتميزين في انجازاتهم العلمية. كمنح الشكر والاشادة بل حتى التنويه.

- وغير ذلك مما يمكن أن نطلق عليه بالفساد الخفي لكثرة ممارسته في دوائر الدولة ومؤسساتها. من غير مساءلة من الجهات المعنية، على الرغم من أنها لا تقل خطورة عن الانحرافات الجنائية, وأهمها : الرشوة . واختلاس المال العام . والتزوير وغيرها.  وهي من مظاهر الفساد التي تعد جرائم جنائية تختص بها الجهات الأمنية والقضائية.

 

 

 

تطبيق النظام الديمقراطي :

    إنّ المكاسب والمنجزات التي انجزت بعد سنة 2003  في العراق كثيرة، أهمها النظام الديمقراطي وحرية التعبير والمساواة بين أبناء الوطن، لكن المخاض لمّا يكتمل بعد ولم تتم ولادة العراق الجديد، فالمخاض ما يزال يغربل ويفصل المخلصين عن أصحاب المآرب الضيقة. وقد استغل الكثير من غير المؤهلين الفرصة لشغل مواقع غيرهم، ثمّ عملوا على تكريس واقع جديد ينأى بأصحاب التخصص والكفاءات عن أخذ دورهم في بناء بلدهم.

 

    وان تطبيق التجربة الديمقراطية في الجامعات أولى من تطبيقها في الأوساط الاخرى. ذلك ان التصدي للمنصب العلمي له خصوصية وقدسية. فلا بد من أن يكون التصدي مستقلا خاضعا لتقاليد جامعية علمية تتاح لكل من هو مؤهل لها من غير محسوبية أو تدخل من جهات خارجية فضلا عن تحقيق المصلحة العامة والعدالة في توزيع المهام. وثمة توصيات أو مقترحات أتقدم بها اسهاما في ارساء تقاليد جامعية علمية رصينة مستقلة:

-  استقلال الجامعة استقلالا تامّا شاملا علميا واداريا، عمليا واقعيا وليس قولا أو شعارا، والنأي بها عن التدخلات السياسية. فان السياسة مهما بدت رصينة فانها لا ترى خصوصية للمناصب العلمية في الجامعات. لذا ينبغي أن يكون دورها رعاية الديمقراطية العلمية من غير التدخل في خصوصيتها . من أجل هذا كله تتطلب الجامعة الاستقلالية التامة، لأن العلم لا يمكن أن ينهض إلا إذا كان حرّا مستقلا، والعالم لا يعد عالما إلا إذا كان مستقلا في علمه وعمله، فإن كانت السياسة تعترف بأن من وسائلها المشروعة تقريب وجهات النظر، فالعلم لا يعرف ذلك، فلا يتجه برأيه نحو جاه أو منصب أو غير ذلك من المظاهر غير العلمية.


-  الجامعات أولى من غيرها بتطبيق النظام الديمقراطي الانتخابي من رئيس القسم والوحدة العلمية فصاعدا كل سنتين أو ثلاث. وفي ذلك تتحقق المصلحة العامة والديمقراطية والعدالة، ووضع الشخص المناسب في مكانه المناسب، ناهيك عما سيحققه هذا الاجراء من قوة لمن سيتصدى للمسؤولية في التعليم العالي والبحث العلمي الى قوة المنصب ونفوذه وصلاحياته، وينأي به عن الصفقات والوساطات والاستحواذ على المناصب مدة طويلة، فبعض من يتصدى للمسؤولية في الجامعات والكليات قضى مدة طويلة في منصبه وكأنه الأوحد للموقع الذي يشغله أو كأنه الله تعالى خلقه لهذا المنصب، مستفيدا من عدم ممارسة التجربة الديمقراطية في اجراء الانتخابات الجامعية، وبعضهم تربّع على كراسي المناصب الإداريّة والعلمية بقرارات خارجيّة عليا وصفقات ومحسوبية. وهذه التعيينات الخارجية لا تدفع إلى هرم المناصب العلمية والإدارية الجامعية الأكفاء من الأساتذة المتميزين عقلا وحكمة ومعرفة وتخصصا وبحثا جادا، بل قد تدفع بعض الأشخاص غير الموهوبين وغير الجديرين إلى مثل هذه المناصب، تأسيسا على علاقات شخصيّة ليس لها علاقة بالقيم العلمية أو حضارية أو أكاديمية. مما يؤدي الى تخلّف التعليم العالي عندنا؟

-   إن بعض عمداء الكليات في هذه الجامعة أو تلك – ولا سيما غير المنتخبين منهم - يعتقد أنّه مطلق التصرف في كليته، ويرى أنّه سيدها وأهمّ عضو فيها، وأنّ على جميع أعضاء الكلية أن يقدّموا له ولاء الطاعة والاحترام والتبجيل، مما يتيح الفرصة للمتملقين والوصوليين والضعفاء علميا بالظهور على المخلصين. فبهذا تتشكل حاشية تساعد على التشبث بكراسيهم على الرغم من تجاوزهم المدة التشريعية التي نصت عليها الأنظمة والقوانين والتقاليد الجامعية. وتقصي من هم أكثر استحقاقا وكفاءة واخلاصا في التصدي للمسؤلية العلمية . 


- احياء التقاليد الجامعية وهي تقاليد عادة تنشأ من خلال المسيرة العلمية والتعليمية والبحث العلمي، يمليها الواقع العلمي الرصين الذي يعايشه علماء الجامعة فتتحول الى تقاليد علمية مستقلة تمليها المسيرة العلمية والادارية الرصينة فيتمسك بها منسوبو الجامعة والبحث العلمي لأنها التقاليد الأفضل. فهي كالأعراف الاجتماعية التي يتمسك بها المجتمع وان لم تنص عليها القوانين.

-  اتاحة التصدي للمسؤولية لكل من يمتلك الجدارة والمؤهلات لها، من خلال تفعيل تقاليد من شأنها تتيح التصدي للمسؤولية لكل الكفاءات المتميزة كل سنتين أو ثلاث، أو غير ذلك من التقاليد التي يعمل بها في كثير من الجامعات العالمية، وفي ذلك جوانب ايجابية كبيرة للمصلحة العامة منها تنمية الشعور بالانتماء للبحث العلمي الحر، فضلا عن تحقيق العدالة ، ذلك أن في التصدي للمسؤولية امتيازات علمية ينبغي ألا تقتصر على بعض دون بعض، ناهيك عن الامتيازات المادية. ، والعودة الى نظام الانتخابات الذي صودر لمصالح شخصية وحزبية. ففي ذلك احترام لحقوق الاستاذ في انتخاب من يرأسه من القسم العلمي فصاعدا.

-  الاستاذ الجامعي الذي يبلغ درجة علمية عالية بكثرة بحوثه ونظرياته وكتبه وتأثيره العلمي في مسيرة البحث العلمي لتخصصه، ينبغي أن تجعل الدولة منه قدوة للمجتمع وواجهة للبلاد وتاجه الأزهى، لأنه قائد أمين الى التقدم والامن والسلام ... وعلى المسؤولين اشعاره بأهميته والاعتزاز به والمفاخرة به. لا الخوف من ظهوره عليهم. والشعور بعقدة النقص اتجاهه وهو أحق بالامتيازات لمسيرته العلمية الحافلة، لكونه قائدا ايضا للمجتمع نحو التقدم والبناء.


-  تشكيل لجنة محايدة سرية من الأساتذة المشهود لهم بالموضوعية والنزاهة لتقصي الحقائق ووضع معايير للحلول والعلاج ولجنة متابعة وتنفيذ ... فان من تتضرر مصالحهم سيستخدمون نفوذهم مستغلين المناصب باجهاض مثل هذه الأفكار بصورة غير المباشرة، وقد يعدونها تجاوزا على مكانتهم لا وسيلة من وسائل حرية التعبير أو مطالبة بالحقوق فضلا عن تحقيق المصلحة العامة. وكأن المنصب ملك لا يحق لغير شاغله. 

-   مساءلة الذين استغلوا الفرص للارتقاء الى المناصب العلمية من غير حق وباستغلال الوساطات والمجاملات على حساب العدالة في منح الفرص لمستحقيها.

 

- غير ذلك مما يعد فسادا علميا واداريا يحاسب عليه القانون. فثمة من يرقى علميا بغير حق باستغلال منصبه في التأثير على الموظفين. ومن يقدم خدمات لجهات نافذة فتكون المنفعة متبادلة. مستغلين مراكزهم للمصلحة الشخصية فتوجه المسؤول الى غير واجبه والابتعاد عن تخصصه كالصفقات السياسة والتجارية. 

 

دور علماء الجامعة:

      من هنا يبدو واجب علماء الجامعة واضحا ومفهوما، لكنه يتطلب ارادات قادرة على تحويل الطاقات الكامنة لدى العلماء الى حزم متراصّة من الوعي الذي ينبغي أن يُبث على نحو متواصل للمجتمع، وهو عمل واجب ولا مناص منه، لذا (يجب على العلماء والمثقّفين في كل زمان أن يسعوا إلى إزالة الحجب عن وجه الحقّ والحقيقة، وأن يبيّنوا الحقّ ويعرّفونه للناس، فهذا الأمر من أوجب الواجبات، لأنه سبيل هداية الناس وسعادتهم). ولن تكون هذه المهمة سهلة، وعلى أهل العلم (أن يتحلّوا بالصبر، وأن يصمدوا ولا يتوانوا أبداً، وأن يبذلوا قصارى جهدهم في هذا المجال، وعليهم أيضاً أن يعطوا الأولوية في ممارسة الهداية إلى جيل الشباب). وألا ينعزلوا عن المجتمع والواقع (يجب على العلماء والمثقفين اليوم أن يعرفوا مسؤوليتهم المهمة والخطيرة جيّداً. فمسؤولية أهل العلم هي التمييز بين الحق والباطل، وتبيين ذلك وتعريفه للناس كافّة، وكذلك مسؤوليتهم تعريف الإسلام الحقيقي المتمثّل بإسلام النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين للبشرية كلّها)[3].

 

   وعلى مؤسسات الدولة أن تعنى بالعلماء عناية كبيرة ذلك انهم ثروة وطنية ينبغي الحفاظ عليها، وقد حبا الله العراق بعلماء ومفكرين متميزين الا ان غيرهم أخذ مواقعهم وشغلوا أماكنهم في مؤسسات الدولة حتى المؤسسات العلمية والأكاديمية والاعلامية  بل استهدفوا استهدافا لعزلهم عن الواقع الجديد. فظهرت طبقة من أنصاف المتعلمين يحتكرون الاعلام والفضائيات لينشروا ثقافة سقيمة هزيلة غير خالصة.

 

     تسليط الأضواء على علماء العراق والكفاءات واتاحة الفرص أمامهم، وتشجيعهم في الظهور والنشر أسوة بالدول الأخرى. فان وسائل الإعلام ومنها التابعة للدولة تعنى بالسياسي عناية تفوق العناية بالعلماء. وأحسب أن هذا حق من حقوق الأستاذ الجامعى المتميز، لنهيئ له المكانة اللائقة به. ونتيح له الامتيازات العلمية والمادية لكل من يستحقها على وفق معايير عادلة دورية تشمل الجميع ومن يرغب فيها.

     قال الغزالي لقد طلبنا العلم لغير الله فأبى الا أن يكون لله. وكان الله تعالى يأمر الأنبياء والصالحين وأهل العلم بمحاربة المفسدين بعد محاولة اصلاحهم على الرغم من الخوف من بطشهم. قال الله تعالى للنبي موسى عليه السلام: ( اذهب الى فرعون أنه طغى ) وقال تبارك وتعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله: ( يا أيها المدّثر قم فانذر)....

 

         من هنا يتبيّن دور أساتذة الجامعات بصفتهم علماء البلد وعماد المجتمع. ومن خلال تنظيميهم في مؤسسات علمية تسعى الى تحقيق الأهداف المنشودة في تحويل المجتمع من حالة الى أخرى أسمى. ومحاربة المفسدين والطغاة.

     

       ان من أهم أهداف العلوم أن تسعى الى خدمة المجتمع. لذا  فمن الضرورة ألا يغيب هذا الهدف لدى المشتغلين بالعلوم – دراسة وتدريسا – وعدم انعزالهم عن الواقع. وقد برهنت التجارب العالمية الحديثة أن أكثر الاستثمارات فاعلية وأهمية في حياة الأمم وتقدم المجتمعات والشعوب ونموها وتطورها، هي التي تعنى بالتعليم بمختلف مستوياته الأولية والعليا والبحث العلمي.

 

      فالعلماء ورثة الأنبياء، وطلبة العلم يحفهم الله بملائكته، وكلا يرفع الله درجات. ولا مناص من تأدية واجبهم تجاه المجتمع. من خلال رعاية الدولة لهم وتشجيعهم، ذلك انّ الجامعة أولى المؤسسات بالعناية والرعاية من لدن الدولة. فهي وجه البلد ومقياس تطوره حضاريا وسبب تقدمه لكنها تراجعت بعد تدخل الأحزاب والتسييس وحلت المصلحة الشخصية محل المصلحة العامة. فارتقى للمسؤولية غير المناسبين.

 

      وعلى ما يبدو أن الإدارة الأميركية تفضل الفائزين بجائزة نوبل في المجالات المختلفة، فالرئيس أوباما نفسه حصل على هذه الجائزة، كما حصل عليها أيضاً وزير الطاقة الحالي، وكذلك مرشح حديث لتولي وظيفة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وعلى الرغم من أن المستشار العلمي للبيت الأبيض "جون هولدرين" لم يفز شخصياً بجائزة نوبل، فإنه يرأس منظمة فازت بها. وهناك أكثر من عشرة فائزين بجائزة نوبل بالحكومة الامريكية[4]. وهذا يبدو السبب في قوة الولايات المتحدة في المجالات كافة. والسبب نفسه في تراجعنا وضعفنا لأننا نقدّم الرجل غير المناسب ونقصي العلماء.

 

 

 

 

 

خاتمة:

    إن النزاهة ليست تخصصا مستقلا بل فلسفة وثقافة عامة ونظام فكري, وخطاب يستمد وجوده وأهميته من علوم كثيرة ولا سيما الفلسفة وعلم الأخلاق وعلوم الدين والشريعة , والاعلام , و لإدارة , والقانون , والسياسة., وعلم الاجتماع , وعلم النفس , والأدب وعلم الاقتصاد والقضاء وغيرها من التخصصات والعلوم التي تتألف منها الهيكلية العلمية في الجامعات.

    كل العلوم والاختصاصات العلمية يمكن إن تسهم في خلق ثقافة عامة للنزاهة، اذا كانت أهدافها كلها هدفا واحدا هو بناء فكر وفلسفة وخطاب شامل لتحويل المجتمع من حالة الى حالة أفضل، والرقي به وبمؤسسات الدولة والنهوض بهما نهضة شاملة.

 

     لذلك ينبغي أن نعتمد منهاجا  للنزاهة الأكاديمية تستند في عملها وبرامجها الدراسات العلمية الرصينة والتخطيط  الدقيق المتواصل, والاختبارات العلمية والعملية على وفق ستيراتيجية طويلة الأمد, وأن تمد الجسور مع الجامعة بتخصصاتها العلمية المختلفة، وان تعتمد على أبناء البلد المتميزين المبدعين, والعلماء المخلصين, وأن تسعى الى ذلك سعيا حثيثا وتجعله من أولوياتها فتبحث عنهم وتدعوهم وتشركهم في تحمل المسؤولية, وجعلهم العمود الفقري لبناء البلد، ذلك إن المفسدين يسعون دائما الى إقصاء هؤلاء وتهميشهم في مؤسسات الدولة، لأنهم يرون فيهم خطرا على مصالحهم وسببا لفضح  الفساد. ( فلولا العلماء والمفكرون الأخيار لهوى المجتمع واندثرت اثأر التقدم واضمحل كيان الحضارة وساد الخمول وخيم الجهل )، وفقدان العلماء نقص في الأرض ونقص في الحياة كما أشار الباري عز وجل في كتابه العزيز: (  أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ)(الأنبياء: من الآية44).

 

     إن من أخطر مظاهر الفساد في العراق إقصاء النزيهين والكفاءات بشتى الوسائل القانونية وغير القانونية. الأخلاقية وغير الأخلاقية. ولا أقصد بالعلماء حملة الشهادات العليا فان بعضهم لا يرقى الى صفة العالم، وان من بعض العلماء لا يحملون الشهادات العليا وهم الذين يعوون دورهم اتجاه وطنهم والمجتمع الذي ينتمون اليه الذين يسهمون في بناء الحضارة. ونحن بحاجة الى اصلاح علمي خطوة هامة نحو الاصلاحات الاخرى ومكافحة الفساد.

 

 

 

 

التوصيات:

  بدأت ارهاصات الاصلاح تفرض نفسها.  والحاجة الى الاصلاح الحقيقي لا الروتيني الاعلامي.

    ان المؤسسات العلمية تمثل الركائز الأساسية التي تعول عليها الشعوب في بناء حضارتها وتقدمها. لذا من الواجب علينا التنبيه الى أي سلبية وعرضها تحت الأنظار مهما كان حجمها ودرجة تأثيرها. والسعي الى معالجتها.

-      تشكيل لجان متخصصة لدراسة الواقع الفعلي للمستوى العلمي ومعوقاته بعيدا عن الجانب الرسمي والادارات والمجاملات.

-      الوقوف على الصلة الواقعية بين أعضاء الهيئة التدريسية والعمادات. وانتخاب ممثل للتدريسيين في مجالس الجامعات والكليات.

-      انتخاب من يتصدّى للمسؤولية في الجامعات. ونشر ثقافة الانتخاب بشفافية وعدم الخوف منها. والعدالة  في توزيع الفرص.

-      احترام الرأي والرأي الأخر وتشجيع الاعلام الحر والحق في المطالبة بإقالة المسؤول بعد ثبوت تقصيره في أداءه الوظيفي الخدمي ...

-      انطلاقا من سعي الدولة الى بناء البنية التحتية العلمية والثقافية.  برزت العناية بمنظمات المجتمع المدني ضرورة ومنها المنظمات المهتمة بالشأن العلمي والثقافي والأدبي ليكون لها دور ايجابي في عملية بناء الثقافة العراقية. شريطة أن تكون مستقلة ومهنية وغير مسيسة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر:

-      أميركا هل يديرها حائزو نوبل؟ ، زكاري آيه. جولد فارب- كاتب ومحلل سياسي أميركي، خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"  29 أكتوبر 2010

-      - التدريس الجامعي وانتقاء عضو هيئة التدريس.  د. سعاد سالم السبع ، موقع المدارك.

-      سلسلة " ثقافة    جامعية " ، "أخلاقيات مهنة التعليم الجامعي" للأستاذ الدكتور رياض عزيز هادي.

-      شجون علمية، .د. حسن منديل حسن.

-      مسؤولية المثقفين والعلماء تجاه الأجيال الصاعدة، شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/آب/2011 - 3/رمضان/1432

-      نظرات في النزاهة والاعلام، أ.د. حسن منديل حسن العكيلي.

-      ورقة عمل دور هيئة النزاهة ومجلس النواب في مكافحة الفساد، أ.د. حسن منديل حسن.


[1] - ينظر:  الفساد الإداري والمالي 1: 1

[2] -  مجلة جسور الالكترونية، مكتب التربية

[3] -   مسؤولية المثقفين والعلماء تجاه الأجيال الصاعدة، شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/آب/2011 - 3/رمضان/1432

 

[4] -  ينظر: أميركا... هل يديرها حائزو نوبل؟ ، زكاري آيه. جولد فارب-كاتب ومحلل سياسي أميركي خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"  29 أكتوبر 2010

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . حسن منديل حسن العكيلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/02/14



كتابة تعليق لموضوع : انتهاك حقوق الألقاب العلمية في أداء دورهم القيادي في الجامعات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net