صفحة الكاتب : حسن يوسف

تونس المبادئ والقيم ... ومثقفي الشيعة !
حسن يوسف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يبدو أن حمّى الشيخ أحمد البطران في "الگوريز" التي أصابتني ستجعلني أگورز كثيرًا من تونس إلى حيث أشاء ، أو من ثورة البوعزيزي إلى القضايا التي تثيرني والانحرافات التي تزعجني ...

ها هي تونس اليوم تصفق لبطلها البوعزيزي وترقص على أنغام الفرح والانتصار ، في حين تغفل عن البكاء على الأرواح التي زهقت ، والدماء التي سالت على أرض تونس الخضراء ، أو ربما تتغافل متعمدة عن ذلك !
وإن بكت عليهم سيكون بكاء تونس غناءً على المجد وتطبيلا باسم الثورة وتبججا بين العرب بانتصارها الفريد والسبق التاريخي الذي حققه أبناء أبي القاسم الشابي على الظلم والاستبداد ، ها هي المبادئ تملك وتسيطر ، والقيم تحكم ، والدكتاتور يسقط ، وجبابرة العرب تزبد وترعد بالأثر ... فالبوعزيزي وقتلى الانتفاضة التونسية قتلى المبادئ والحرية ، قتلى الثورة والحياة ... إنهم ليسوا أجسادا حُرقت أو تمزقت أو دماء سالت نبكي عليها ، إنهم صناع البلاد ورموز تونس المستقبل ، بل وقدوة العرب كلهم ...
لم يتفجع أحد على دم سال وجسد حرق فالمسألة ليست مسألة أجساد نبكي عليها ، إنها مسألة انتصار وعزة ، ربما تبكي الأسر قليلا على ضحاياها ثم تفخر بهم ، لأنهم صناع المجد ، بنوا تونس بسواعدهم وكتبوا صفحة جديدة في كتاب التاريخ بدمائهم ! (شيء من المغص بدأ ينتابني p; ) ... ولا يهم ماذا يجري عليهم اليوم في قبورهم أهم في نعيم أم في عذاب ، المهم أن تُخلع عليهم ألقاب البطولة والفداء هنا بين الأحياء !
هكذا كل الثورات في العالم وكل انتصارات "الدم على السيف" ، وهكذا كل مخلص ثائر صاحب مبادئ يموت وتعلق صورته على الجدران وتبقى أفكاره حقبة من الزمن ، وما أسرع أن تُزال صورته وينسى اسمه ، ومعها تضيع مبادئه ورسالته وتقضي الأيام على كل شيء فليس هناك ما يدعو للبقاء مادامت الحياة متغيرة والزمان يتغير ... الرموز تتغير أيضا مع الأيام ... وتبقى أسماء الثوار لدروس التاريخ في الاعدادية ، أو لأسئلة المسابقات التلفزوينية !
الأشخاص حتمًا يقتلهم التاريخ إذا لم يقتلهم السيف لأنهم لم يأتوا من السماء ؛ أما المبادئ فتموت وحدها بعد أن تبلغ من الكبر عتيًا وتبتلى بالشيخوخه وينال الضعف منها أقصى مراده فتموت غير مأسوف عليها بعد أن تشكل عالا على المجتمع !
فالحرية التي ينادي بها التوانسة وأحرق البوعزيزي نفسه من أجلها سيأتي في الغد من يبكي بسببها مطالبا بالحد من الحريات وفرض قيود دينية وأخلاقية ؛ لأن الحرية ستكون غدا سبب الفساد والدعر وتحرير المواقع الإباحية من قيود الرقابة ... وهكذا ؛ ثم يأتي الثوار بعد حقبة زمنية أخرى منادين برد الحرية فقد غصت النفس بما ابتليت به من كبت ومنع ولا يوجد من يحق له أن يؤدي دور الوصي على الناس فالإنسان على نفسه بصيره ، وكل إنسان ألزم طائره في عنقه ! وهكذا تدور دوامة الحرية التالفة ... حتى تحيض عليها العاهرات ثم ترتع منها البهائم الجلالة وتلحق في مناهج الفلسفة السياسية فلا شيء ثابت من القيم والمفاهيم مطاطة !
وإن الديمقراطية التي ثار من أجلها البوعزيزي وانتفضت تونس لأجلها وأريقت الدماء بالأثر ، سيأتي - في الغد القريب - اليوم الذي يلعن التوانسة هذه القيمة ويأملون أن يحكمهم دكتاتور عادلا (كما يُحكى عن دكتاتور عمان) ، لأن الديمقراطية مبنية على التعددية واحترام آراء السفهاء وعوام الناس وهذا ما سيقودهم حتما إلى الفساد ! فهي (الديمقراطيه) اليوم محاولة ارضاء المستضعفين الفاشلة والحل في الغد هو الدكتاتورية العادلة ... التي ستبكي عليها عمان غدا بعد رحيل قابوس ! وندور في نفس الحلقة الفارغة !!!
هذه هي دوامة المفاهيم المعاصرة ! فلا قيم ثابة ولا مفاهيم خالدة وكل شيء يموت ، ولا يبقى منهج حياتي خالد ورسالة خالدة وقيم إنسانية ومبادئ تستحق البقاء وتصلح لكل زمان ومكان غير ما ورد في القرآن الكريم ، وهذا أحد أوجه إعجازه وتحديه للخلق ... وهاك الطرائق كلها ففتش عن ندٍّ له في ذلك طول عمرك فلن تجد !
وما يحكى عن مفاهيم رنانة يتغنى بها المثقفون من قيم ومبادئ وأخلاقيات كلها لا تصلح إلا للغناء واستجداء العواطف ، أو موضوع إنشائي في الثانوية يصححه مدرس لغة عربية مصري (أو تونسي) يعاني انهزاما داخليا يفرغه في اختبارات المدارس !
على كل حال ، تبقى مسألة البوعزيزي مسألة إنسانية ومطلبا شعبيا تونسيا اليوم له قيمته في هذا الظرف الذي نعيشه ، والمتوقع من التونسيين التصفيق والاحتفال نتيجته ... لأنه مطلبهم اليوم وقد حققوه بدمائهم !
هذه هي ثورة تونس ، وهذا البوعزيزي لا أكثر ، لم نرفع حجرًا في الكويت ونشاهد تحته دما ، ولم تمطر السماء دما في بريطانيا ، ولم يتغير الأفق لأجله ... هذا شأن الثوار المخلصين وهذه نهايتهم ولا قيمة لهم أكثر من ذلك ...
 
المثقفون الشيعة ... والمثقفون اليوم لا يملكون من الثقافة سوى أناقة الثياب وكيفية الجلوس وشيئا من التكبر والفخفخة ، وربما بعض الكلمات الغربية المتكلفة على اللسان مضافا إلى تخبط فكري وذهن خاو وفهم أعوج ، اللهم إلا من شذ عنهم !
المثقفون الشيعة اليوم يريدون أن يجعلوا قضية كربلاء والحسين وعاشوراء ثورة كما فعلها البوعزيزي ؛ إنهم أغبياء ، يريدون أن يستبعدوا الجانب الغيبي الاعجازي وارتباط الأمر بالسماء ، يريدون أن يخاطبوا الغرب بلهجتهم البالية والكلمات الرنانة فلا يفهمون غير كلمتي مبادئ وقيم ، ويطبلون أن كربلاء : كربلاء القيم والمبادئ ، واسأل أي مثقف ماذا تستفيده من قيم كربلاء ؟ لن يكون الجواب شيئا مختلفا عن الذي يستفيده من البوعزيزي ... لأنه غبي جدًا !
ألم يكن الحسن المسموم سلام الله عليه شهيد القيم والمبادئ والعقيدة ؟ بل ألم يكن أئمتنا كلهم شهداء ذلك ؟ وإمامنا الغائب غائب من أجل الحق والعدل ؟! إذن لماذا فقط يكون الحسين كذلك ؟
إنهم يريدون أن يجردوا فكرة : أن الحسين خليفة الله في أرضه وحجته على خلقه كان يستغيث ... العطش فتت كبدي ... فلا يغاث ! ، حتى أثخنوه بجراحه فهوى إلى الأرض جريحا ونال من عظم الرزء ما لا يخطر على قلب بشر ، وهو ينادي ... إلهي رضا بقضائك لا معبود سواك !
يريدون أن يمحوا الجانب المأساوي من القضية لأن الحسين عليه السلام عندهم ليس بجسد فصل رأسه عن نحره الشريف ، والمسألة في الحسين ليست مسألة أشخاص وأفراد وأسرة هاشمية ظلمت ، بل هي مسألة إنسانية عادية ... خسئوا ، ولعنوا ! ...
وإذا كان الأمر كما يزعمون فلست أدري لماذا يتغير الكون من أجله ولا يجري لرسول الله ما جرى من أجله فكل ما للحسين من مبادئ وقيم لرسول الله ...
إنهم يعرفون أن الحسين قاتـَل طاغية عصره فيستلهمون منه مبدأ القتال ، لكنهم أغبياء لا يفهمون أن الحسين استمر على صلح الحسن مع معاوية لعنه الله حتى هلك معاوية !
فالحسين ليس فقط قتال الظالمين وثورة كما يسمونها ، بل هو أيضا صبر وأناة وصلح وحقن دماء !
ما الفرق بين الحسن والحسين في الأمر ؟ الفرق أن الحسين جرى عليه من القتل والتنكيل ما لم يجر على غيره حتى ذبح كما يذبح الكبش !!! ولم يذبح غيره من المعصومين بهذه الطريقة ... فأصبح ثار الله والوتر الموتور !
إن هذا الدم الشريف سكن في الخلد واقشعرت له أظلة العرش ؛ وهل دم كل الثوار وأصحاب المبادئ يسكن في الخلد وتقشعر له أظلة العرش ... هيهات هيهات ... بل هو الحسين ريحانة رسول الله وحبيب قلبه ، وبضعة منه ...
فهو مقدس في نفسه وفي آبائه وأهل بيته ... أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم ، ورفعهم وشرفهم على سائر الخلق ، فلا شبيه ولا نظير لهم ، ولا يقاس بهم أحد ، بهم يجبر المهيض ويشفى المريض وعندهم ما تزداد الارحام وما تغيض ، وهم سبب الله المتصل بين الأرض والسماء ...
على هذا القتيل نبكي ونلطم ونجزع ، ولا نبكي على القيم والمبادئ كما يقولون لأن الناس تفرح بانتصار الدم على السيف ولا تبكي ... تبكي على الأجساد المضرجة بالدماء ...
 
يقول أحد الهالكين : "إنَّ الثورة الحسينية قد تحوّلت بفعل التأكيد على الجانب العاطفي إلى ثورة على الذات بتعذيبها بالصراخ، ولطم الصدور، وضرب الظهور، وجرح الرؤوس ... بدلا من أن تكون ثورًة على الباطل الذي ثار الإمام الحسين (ع) عليه ؛ وأصبحت مسألًة من مسائل المأساة التاريخية، بدلا من أن تكون مسألًة من مسائل الإطلالة على مآسي الواقع الذي يتحدّانا في كل يوم بآلامه وفظائعه"
يقول دكتور علم الاجتماع الحليق : "إن الحسين (ع) يشتاق لتنفيذ أفكاره أكثر من عطشه للماء ، أسفا أنهم يعرضون جراحه أكثر من أفكاره ويصورون العطش أكبر همه ، تعالوا لنقيم العزاء له يومين سنويا ونطبق أفكاره على مدار العام" !!
يقول فضل الله : "إنَّ عاشوراء التي تستترف دموعنا، لابدَّ أن نحرّكها من أجل أن تحرّك عقولنا ، لأنَّ الإنسان عندما يستغرق في العاطفة، ويجعل حياته كّلها حركة عاطفية ؛ فإنَّ العاطفة قد تقوده إلى الهلاك والخسران"
 
أما دكتور علم الاجتماع فهو بالنهاية لم يضع على رأسه عمامة ، ويعتمد في فهمه للحادثة على شيء تعلمه في سلم أكاديمي ، ولا يفقه شيئا من : (قال الصادق وقال الباقر ...) وعندما يهرج فذلك متوقع منه ، وعندما يخلط بين أفكار الحسين ومظلومية الحسين سلام الله عليه فهذا ما تعلمه في الأكاديميات ولم يتعلمه في الحوزة !
مع ما التمسناه له من تسويغ لضلاله وغيه فلا مفر من القول أن كلامه يوحي بالغباء ، واشتياق الحسين لتنفيذ أفكاره وقيام دولة الحق وأن لا يبقى على الأرض شخص يعبد غير الله هو نفس اشتياق رسول الله لذلك ، ونفس الفكر الذي دعا له أمير المؤمنين عليه السلام ... لكننا نبكي على عطشه وجراحته ورزيته التي لم تمر على جده وأبيه سلام الله عليهم ...
لذلك أفرد العلامة التستري كتابا باسم "الخصائص الحسينية" لأن الحسين سلام الله عليه مختص بخصائص تميزه عن غيره من الأنبياء والأوصياء ... والخصائص هذه ليست الدعوة إلى الحرية ومحاربة الظلم والطغيان فهذه ليست بخصائص جديدة على بيت النبوة !
أما فضل الله فقصة ضلاله قصة أخرى ، لكنني أظنه مات وبعد لم يجد حلا لهذا الحديث : "يا بن شبيب ان بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك، غفر الله لك كل ذنب اذنبته صغيراً كان او كبيراً، قليلاً كان او كثيراً"
وكيف له أن يفهم وهو يخشى على الإنسان الحركي أن يستنزف دموعه ، فيخسر ويهلك !!!
 
حتى هذه العبارة : (الحسين عَبرة وعِبرة) لا أدري من أين جاءت ومن خلع عليها هالة القداسة ، ولم أجد لها أثرا في تراث أهل البيت صلوات الله عليهم ، وجدت كلمة لسيد الشهداء عليه السلام يبدو أنهم حرفوها ! وهي : " أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر" ... أما العِبرة ، فكلهم صلوات الله عليهم عِبرة وكل قيمهم خالدة معجزة كالقرآن الكريم ...
النصوص التي تتحدث عن كربلاء كلها دموع وبكاء ، وقرح جفون وخمش وجوه وجزع وهلع ونياحة ... كلها دموع ... ثواب لا يحصى للدموع ... تجلس ووتنشد في الحسين بيتا وتبكي ولك الجنة ؛ هكذا العروض بهذا السخاء ... الشفاعة مهر الزهراء ، وأمير المؤمنين قسيم الجنة والنار ، ويحق لهم أن يدخلوا الجنة من يواسيهم في مصابهم ...
 
يجب أن نلتفت للجانب الغيبي في القضية ، لأن القضية كلها غيب ... لأن الحسين سلام الله عليه جسد مزقته السيوف ونشبت فيه الرماح ... وليس سبب بقائه أنه ثائر مخلص كما يقال ... بل لأنه الشهيد المظلوم وسيد الخلق وخير من وطأ الثرى ...
 
ولولا ذلك فلن يفرق فضل الله وشريعتي وأمثالهم ومن سار على ضلالهم بين "كربلاء" و"سيدي بوزيد" !!!
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن يوسف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/19



كتابة تعليق لموضوع : تونس المبادئ والقيم ... ومثقفي الشيعة !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net