صفحة الكاتب : نجاح محمد الكاتب

وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ
نجاح محمد الكاتب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد أن أيقنت أن صمتى جريمة – للأسف – لايعاقب عليها القانون، فلو حسبنا على صمتنا لن يكفينا عمرنا لتنفيذ العقوبة..
أتعلم – عزيزى القارئ -.. لماذا نصمت حينما نرى شخصا يظلم؟ لماذا نصمت حينما نرى شخصا يحصل على رشوة؟ ولماذا نصمت حينما يطلب القادة او الساسة او البرلمانيين المزيد لانفسهم؟ لماذا نصمت على هذه الفضائح ؟ لماذا؟ لماذا؟….أسئلة كثيرة تحزم حول صمتنا الغريب الذى لم يعد له سبب يبرره.
لا شك إن الإسلام جاء والمجتمع الجاهلي يعجّ بطبقية واسعة ذات امتيازات اجتماعية معروفة، كما يعج بعوامل انتشار الفقر بين اكثر الطبقات.
فكان أول ما عمله أن عمد إلى ذلك التفاوت فقلص من ظلاله بما شرّع لهم من نظم، وما وضع عليهم من ضرائب، ثم عمد إلى امتيازاته فألغاها.
وقام بعد ذلك باتخاذ إجراءات لها أهميتها في الحد من انتشار الفقر، ثم في التخفيف من حدة الشعور به.
قال الامير علي بن ابيطالب (ع) : ما رأيت نعمة موفورة إلا والى جانبها حق مضيّع.
بعدما جاء الإمام إلى الحكم وجد نفسه مسؤولاً عن اتخاذ إجراءات حازمة للقضاء على الظلم الجماعي بجميع صوره، والعودة إلى التشريعات الإسلامية الأولية.
فكانت أولى خطواته أن عمد إلى هذه الامتيازات الطبقية الجديدة على الإسلام فألغاها.
وهنا يجب أن نؤكد إن الإمام لم يلغ الطبقية بمفهومها الاجتماعي، كما لم يلغها الإسلام من قبل، وان قلّل من تفاوتها، وإن الإمام اعترف بحق الملكية للفرد، وبحق الحرية في العمل، وما دامت حرية التملك والعمل قائمتين فالطبقية حتماً موجودة، ولكن الطبقية المعتدلة ليست هي أساس الظلم، وإنما الأساس في إعطائها امتيازات في الدولة أو في البيئة الاجتماعية قد يكون من أيسر معطياته هو الشعور بالدونية لدى اكثر الطبقات.
وقد كان الإمام صريحاً في إلغائها حين خطب أولى خطبه التي أعلن فيها منهاجه في الحكم ومما قال: (أيها الناس ألا لا يقولن رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا، فاتخذوا العقار، وفجّروا الأنهار، وركبوا الخيل الفارهة، واتخذوا الوصائف المرققة، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، اذ ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا.
ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله، يرى أن الفضل له على سواه لصحبته، فان الفضل النيّر غداً عند الله، وثوابه وأجره على الله، فانتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، ولا فضل فيه لأحد على أحد).
إنّ أحد القيم التي كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) ملتزماً بها بشدّة هي تقديم الضابطة على الرابطة، والمثال على ذلك هو قصّته مع أخيه عقيل و الحديدة المحماة التي سمعتموها مراراً, أين نجد في تاريخ البشرية أن سلطاناً مقتدراً وبيده اختيار الخزانة يتصرف مثل هذا التصرف مع أخيه من أجل حفظ العدالة ؟ إلهنا، وفقّ المسؤولين في حكوماتنا ليكونوا مثل أمير الأحرار ويتحركوا في أداء مسؤولياتهم من موقع تقديم «الضوابط» على «الروابط».
وفي كلام آخر له (ع) وقد طلب إليه أن يرعى عواطف ذوي الامتيازات ليأمن غائلتهم ويضمن إخلاصهم له:
أتأمرونني أن اطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟! والله لا أطور به - لا أقاربه - ما سمر سمير - مدى الدهر - وما أمّ - قصد - نجم في السماء نجماً! لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله!! إلا وان إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة...
وهذا الامتياز لم يكتف الإمام بإلغائه، بل تعدى إلى كل ما لها من امتيازات سابقة فشجبها، وأوقف مختلف الطبقات أمام النظم الإسلامية على صعيد واحد.
وفي سبيل تحقيق هذا الجانب من عدالته الاجتماعية ما كان يأمر به عماله من المساواة بين رعاياهم، وحرمان خواصهم، وأقربائهم، من كل حق يمس هذه المساواة، فهو يكتب لأحدهم: (انصف الله وانصف الناس من نفسك، ومن خاصة اهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إن لا تفعل تظلم!! ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده... وليس شيء ادعى إلى تغير نعمة الله، وتعجيل نقمته، من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد...).
فمن اجل علاج هذا الجانب النفسي، وتأكيد الروابط بين الرعية وحكامهم، آمر ولاته بالتحبب إليهم، والرأفة بهم، ومن ذلك قوله (ع): (... واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبّعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه...).
ويمضي أمير المؤمنين ليبرز الركيزة القويمة في شخصية والي الأمة فيقول: \"أأقنع من نفسي بأن يُقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها، أو أترك سدى، أو أهمل عابثاً، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة\"
وبالطبع كان لهذه الامتيازات الطبقية رواسب نفسية في أعماق العامة تبغض لهم هذه الطبقات، كما تنفرهم من الحكام; لحمايتهم لها.
لقد جعل الله المال فتنة للناس، ومحكًا لتمييز المخلص في دعوته من غيره، وكم رأينا من الناس من كان‏ ‏في ‏‏حال العسر يرفع عقيرته بالشكوى من أوضاع باتت تلفه وتلف غيره، ويشتهر بين الناس بالعمل في سبيل الله ، حتى إذا تحول إلى حيث جاء الرزق رغدًا، وطلَّق الفقر؛ خفت صوته بل تلاشى، ولفه ثوب الكسل، وأصبح النشاط الذي كان بالأمس أثرًا بعد عين.
من يدري؟ ! فربما تكون نفسه قد أقنعته أنه الآن - في حالته ‏‏الحاضرة - قد وجد ثمرة جهاده ونتيجة صبره! مع أن أوضاع المواطنيين في أغلب العراق لا ترضي، ومشاكلهم متشابهة، وأينما اتجهنا وجدنا التهديدات التي تهدد مصيرهم، والأخطار التي تزيدهم ضعفًا. وتبديد ثروات المسلمين على ما لا يفيد؛ وإخضاع الإسلام في مجال الدعاية للأشخاص والأهواء...
وأما الحرص على حطام الدنيا فقد كان له أثره المدمر,فكم من مسؤول , عالم بالحلال والحرام ألجمه حب المال عن قول كلمة حق في موقف يحتاج إليها فيه! وكم من أناس تفضل الله عليهم بنعمة العلم والفقه يغضون الطرف عن كثير من المنكرات والمخالفات خوفًا من انقطاع جرايةٍ أو مرتب، أو ذهاب امتيازات مادية يتمتعون بها، وقد يخدعهم شيطانهم بإقناعهم أن هذه الامتيازات‏‏ هي‏ ‏حقٌ يستحقونه اصحاب القرار ، وأنهم أولى بها من غيرهم، ويغفلون أو يتغافلون عن الجانب الآخر من القضية وهو أن هذه الامتيازات ما هي إلا رشوة لهم على سكوتهم، وجائزة لهم لالتزامهم الأدب والسلوك الحسن,اذا ف ( ويل لكل همزة لمزة,الذي جمع مالا وعدده,يحسب أن ماله أخلده,كلا لينبذن في الحطمة,وما أدراك ما الحطمة,نار الله الموقدة......) .
اذا\" لابد من تضافر الجهود والافكار, ليس على مستوى الرؤساء , بل على مستوى الاعضاء أيضا خاصة فيما يتعلق بكافة مؤسسات القيادات الثلاثة وميزانيتها و البرلمان وميزانيته وكذلك بالنسبة لامانته العامة وميزانيتها وعدم صرف رواتب المسؤولين عامة والبرلمانيين خاصة ما لم يكونوا \"ذوي فائدة لوطنهم\".
فان الشارع العراقي يرى أن التهافت على عضوية البرلمان في الغالب ليس سوى وسيلة لجني المال لا حبا في خدمة الوطن والمواطن معتبرين أن الطمع غلب نداء الواجب.
أن الجماهير العراقية لطالما حذرت المسؤولين العراقيين من الاستمرارفي حياة الترف تلك، بينما يبحث العراقي عن قوت يومه فلا يجده وتبث الفضائيات ذلك ويشاهده العالم يوميا\"من على شاشات التلفزة.
تنتاب الحسرة أطفال( ايتام ) العراق وهم يشاهدون سواهم من أطفال العالم عبر شاشات الفضائيات يمرحون ويلعبون ويتسوقون مع ذويهم , في حين لا تتوفر لهم حتى أساسيات الحياة , ايها البرلمانيين والساسة , يا اصحاب القرار اين :
الحرية
الضمير
المحبة
الوجدان
المروءة
المساواة
الشرف
مما يجري في العراق الحبيب من مأساة و مرارة الحرمان والفقر وأنتم حينئذ تنظرون وتطلبون المزيد لانفسكم.
كنا نامل ونحلم بوجود مسؤول يمتلك الجرأة ويعترف بتقصيره ويعلن اعتذاره للجمهور ويعقبها باستقالته... فهل سيفعلها مسؤول او عضو برلماني ويقول انني استقيل من منصبي فلا يشرفني فشلي في اداء هذه المهمة او ذاك الواجب وعجزي عن حماية الناس وتطوير البلاد و توفير المتطلبات الاساسية والعيش الكريم للمواطن ومكافحة الفساد...؟ إن ما يحدث حالياً لهو أدل دليل على أن هذا الشعب يشعر ويتألم ويعبر وينتفض ويثور كالبركان عندما تهدد كرامته ولقمة عيشه ويضيع حقه فى الحياة، فالصمت لن يظل لغة أبدية للإنسان على وضعه المحزن البائس الكئيب اليائس.
وصلى الله على نبينا الأمي الذي آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، فهدانا - بهداية الله له -إلى أحسن السبل، وعرفنا مواطن الخير بأقصر عبارة وأجلاها، ونسأله - تعالى -أن يجعلنا من (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) [الأحزاب: 39].


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح محمد الكاتب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/19



كتابة تعليق لموضوع : وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net