صفحة الكاتب : سردار محمد سعيد

طق طق ططق ، طق ططق طق ، ططق طق طق
سردار محمد سعيد

إلى الذين قد تشل أجسادهم ولكن عقولهم لن تشل ، إلى الذين قد تخبو خلايا أجسادهم ولكن آخر خلية ستبقى تشهق تكمن في قحوفهم النقية ، واستجابة لدعوة أخيتي الأديبة القاصة سنية عبد عون أقدم هذه الحكاية .

 ولما استباح ضميرَ الصبيّ النهار،توجه تلقاء نبع البياض، فرأى فيه وجهه .

نمت في راحتيه غصون الإختيار .

حين كان الصبية أترابه يمرحون ويلعبون ويتمازحون ، وفيما بعد يعبثون بجدائل المراهقات ، كان يتفكر كيف يلعق الأفق .

وجدته في شرفة القصر البهي ينتظر البدر كي يدخله في زجاجة أحضرها معه .

لم يكن إنسيا ًفأمه منّا نحن معشر الجان ، ولكنها تخلت عن ميزتها فتزوجت إنسيا ً .

إذن هو نصف إنسان ونصف جان  .

عليّ أن أسبت لسنوات كعادتنا ، وقد أجده مل ّمن الإنتظار وعرف أن البدر بعيد .. بعيد جدا ً كبعد الطغاة عن الجنة ، ولربما يكون قد غادر الشرفة ، ولكني سأبحث عنه ولابد أن أجده ولو كان في حافات السماء .

أخيرا ً وجدت الذي فاح من وجنتيه ريح الإنتماء ،مددت له ساعدي لأسنده

وكان مصرّا ًعلى مصارعة برد الشوارع .

شوارع ازدحمت بالسابلة والمارة ، إنتشرت في جوّها أنفاس كريهة، وتناثر على أرصفتها بصاق الضعاف ،وقيء الحشاشين والمخمورين .

غض جفونه ، وكنت سأحزن لوسبقني إليه أحد ، وستفقد غمامات الجفون صبرها لوسبقتني أنثى .

هن يجهلن أوائله من أواخره كالحلقة المفرغة .

مادت بي الأرض وسرت في ّرعشة الأمل ،وشعرت كما لو كنت نيزك عام في تيه الفضاء .

أوصلته لبائع العكازات .

- كأضلاع الصغار الجياع ، متشابهة جميعا ً.

وما زال يغض الجفون ، رغم سهام النظر التي تخترق المناطق الناتئة من جسدي وتتركز في السفوح ، و تضخمت العضلات المفتولة حتى كادت تتفجر ، واهتزت الشوارب ذات النهايت الذربة الشبيهة بنهايات خناجر اللصوص .

هزها نبض الذكورة ، ورغم فحولته ظل يغض الطرف .

إختار أرخصها ثمنا ً ، وجاوزني ولم يعرني أدنى انتباه ، وراح يقرع الإسفلت :

 

طق ططق طق ، طق ططق ، طق ططق طق  .

إختفى بين الناس كطير فر من صائده .

ألفيته قائما ً في سوق الصفّارين يتطلع إلى مطرقة صفّار ينقش ماعونا ً نحاسيا ً يقدم فيه السلاطين الطعام للفقراء في المناسبات التي يتذكرون الله فيها .

كادت أهداب مرتادي السوق ترقص لصوت الطرقات المتقاطعة .

 

ططق طق طق  ، ططق طق طق  .

ركز نظره كمتطلع من وراء حجب على سفائن في قرارة الماعون تتصدى بصدرها

للموج العنيف .

ذاب مع عكازه كما الملح في ماء المحيط . 

لجج البحر تعلو وتهبط والسفائن تفلقها .

عليها عسكر عظيم .

صوت تفلق لجج البحر متناغم مع طبول الحرب .

 

طق طق ططق ، طق طق ططق ، طق ططق .

يبدو أن مارد الحرب يستفيق بقرع الطبول .

لكن ضمائر الطغاة لا تستفيق أبدا ً.

تعودوا على خشخشة ورق الدولارات وشجاهم صوت خرير النفط ، ولا يأبهون لفوران دموع الثكالى على ترائب الصبية ونحور الكتب المقدسة .

عند الساحل رأيته مع الفتى الأحمر وهو يخطب بالجند بعد حرق السفائن .

عكازه انقلب رمحا ً مثقفا ً.

خطبة عصماء بعد خمسين سنة فقط من تعلم البربر العربية ونحن لا نعلم كم من السنين مرت على فتق رتق العربية في أرضنا وقادتنا لايعرفون الأحرف المشبهة بالفعل .

وتهاوت الأسياف كتهاوي الكواكب في ليل معتم .

نقلوه إلى خيمة قريبة من ساحل المعركة ، وفي صدره جرح غائر .

 مسحت الدم المتخثر برقة ، وشعرت كأني أهوي لقاع لا قرار له ، ولم يرمش جفنه وأنا أسقيه شرابا ً مرّا ً .

كان سعيدا ً بجرحه الغائر الذي يشعره بلذة الفوز .

لايدرك الناس معنى لذة الموت ويجلسون يرقبون النهاية بألم ، في حين يتلذذ المقبل عليه بسعادة غامرة . لابرهان لأثبات ذلك .

 الجرحى كثر كما لو عصف بهم إعصارفجعل أجسادهم كأنقاض جدران البنايات  وجراحاتهم كالنوافذ المحطمة .

- أراك ِ تولينه عناية تفوق غيره .

- هو يا أمي ، إنه هو الذي قلت لك أنه

    سيأتي مع الأفق البهي .

    سيأتي الذي عجنت معه من طين واحد يوم سالت أول الغيمات بالبراءة .

    سيأتي فأفرش له الشغاف سجادة عشق .

    سيأتي الذي تنمو الجبال بقدومه ، وتتفرع عنها السهول والوديان .

    سيأتي الذي يمتص النحل من رضابه شهد الحياة .

- تفتأين تحلمين بكأس الحب الدهاق ورقائق خبز يحملها زاجل رحل برحيل مقل النهار .

السذج من الصبية وحدهم يصدّقون مقولة الطغاة : حب الوطن من الإيمان ، ولغاية اللحظة لم نعرف معنى الإيمان .

 عندما يكونون بحاجة لمزيد من حطب الحرب يصدحون بها .

لله كم أناني هذا الوطن ، يحبه البسطاء ولا أعرف مثالاً لوطن أحب مرة .

 - الحب يا أمي منازل ودرجات ، ولن أكون غبية كغيري تصدق أنه يحبني أكثر من روحه ، ولو قالها مرة ، لعدت لعالم الجن ولا أحزن حينذاك .

سأكتفي بقوله : أحبك . فقط أحبك ، فذلك كثير إن كان صادقا ً دون حاجة لمعرفة درجته .

- هذا هو الذي انتظرتيه دهورا ً ؟

- طفت البلاد فمللت مما تضمره النفوس ويطفوعكسه على سطح الجلود .

   النخل يسقى من ماء واحد ولكن حلاوة ثماره مختلفة .

- وهل ذقت ثمره ؟

- ذقته ... عندما قطع ثوبه نصفين ، ستر بالنصف الأول عورته ، وجعل من النصف الآخر كفنا ً لأبي ذر .

   ذقته ... عندما عانقني بضراوة لحظة اقتحامنا مع الثوار سجن الباستيل .

   ذقته ... يوم سرق الطعام من رحلة الشتاء مع رفاقه الصعاليك ووزعها على المدقعين  .

   ذقته ...عندما قال : إن المادة لا تفنى .

في لحظة محددة غادر.

الطفل الصغير هذا الذي يتأمل في عكّاز والده المغادر صار يعقل .

- أماه .. هل كان أبي إنسيا ً أم من الجان ؟

- الذي أعرفه أنه كان من الطيبين .

- لقد حلمت به أمس ، كطير وقف عند نافذتي .

- وماذا قال لك ؟

- لم يقل شيئا ً ، وراح ينقر الزجاج

 

طق طق ططق  ، طق ططق طق .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سردار محمد سعيد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/01/14



كتابة تعليق لموضوع : طق طق ططق ، طق ططق طق ، ططق طق طق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net