سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي يوجه رسالة مفتوحة لعلماء المسلمين يحذر فيها من أي خطاب لإثارة الفتنة الطائفية فيه
 بسم الله الرحمن الرحيم
((إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)) (الأنبياء:92)
أصحاب السماحة والفضيلة الأجلاء، علماء المسلمين في العراق أعزهم الله وأعز بهم الإسلام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
إن أحق من نرفع إليه همومنا السياسية هم علماء المسلمين... فهم أولى الناس بالحرص على الإسلام، والنظر في مصالح المسلمين، وتحمل المسؤوليات الصعبة في الظروف الصعبة التي تمر على المسلمين.
وها أنا أرفع إليكم هذه الرسالة المفتوحة، راجياً النظر فيها، والاهتمام بما تحمل من همومنا وقضايانا السياسية الكبيرة في العراق.
1- تشهد الساحة السياسية في العراق هذه الأيام توتراً شديداً وفتة طائفية، نسأل الله تعالى أن يقي شرها المسلمين، وأن يمكّن العراق وأهله من اجتياز هذه الفتنة التي تحرق أواصر المحبة والتعاون والعيش المشترك في المكونين الكبيرين للبيت الإسلامي الكبير في العراق (الشيعة والسنة).
لقد عاش المسلمون في العراق، شيعة وسنة، في أجواء البيت الإسلامي الواحد، بتفاهم وانسجام وعلاقات راشدة قائمة على التعاون، والمحبة، والعيش المشترك، في محافظات العراق جميعاً، سواء كانت الأغلبية السكانية فيها سنية أم شيعية.
والعراق بلد نموذجي في العالم الإسلامي عموماً، في التعاطي الإسلامي الحضاري الإيجابي بين الشيعة والسنة في أدوار التأريخ المختلفة، رغم كل الاستفزازات الطائفية التي كانت تمارسها العصابات الطائفية التي كانت تحكم العراق منذ حكومة آل عثمان إلى آخر يوم من حكومة صدام.
2- لقد حكم العراق هذه الفترة إلى آخر يوم من ولاية صدام عصابات طائفية متطرفة شديدة التطرف تمارس الطائفية السياسية ممارسة مكشوفة، تمييزاً، وتهميشاً، عدا فترات قصيرة جداً يشهد بذلك تأريخ العراق السياسي المعاصر، الذي دونه مؤرخون أمناء منصفون من السنة والشيعة.
وكانت هذه العصابات الحاكمة المتمرسة في الإفساد والاستبداد السياسي أدوات طيّعة لأنظمة الاستكبار العالمي في الغرب تمكنهم من نهب ثروات العراق، وبسط نفوذها السياسي والاقتصادي في هذا البلد.
3- وبعد انهيار نظام صدام سقط الحكم الطائفي الدكتاتوري في العراق، وشعر العراقيون من السنة والشيعة أن بوسعهم أن يقرروا مصيرهم بأيديهم، بعيداً عن المؤثرات والعوامل التي كانت تدخل في تقرير مصيرهم من وراء المحيطات.
وساهم الشيعة والسنة في إقامة حكومة ديمقراطية دستورية يفسح المجال لكل المكونات الإسلامية والوطنية في هذا البلد بالمشاركة والحضور دون تهميش وتمييز بموجب النسب السكانية المعروفة.
وساهمت المقاومة الإسلامية الشيعية والسنية صفاً واحداً، في إخراج الأمريكان المحتلين من العراق، مرغمين مقهورين.
4- وخرجت أمريكا من العراق مثخنة بخسائر جسيمة في الأرواح والأموال، وهي تخطط للعودة إلى العراق من خلال إرجاع العصابات التي كانت تحكم العراق إلى مواقعها من القرار والحكم والمال والإعلام من قبل.
وأمريكا تجد في هذه العصابات البوابة العريضة التي تدخل منها إلى مفاصل القرار والحكم في العراق، وبذلت أمريكا جهداً عظيماً لإضعاف الحكومة التي انتخبها الشعب، وإحباطها؛ لاستبدالها بولاية العصابات السياسية مرة أخرى.
واستخدمت لهذه الغاية غير الشريفة كل وسائل التخريب والتفجير لسلب الأمن من الناس في ظل النظام الحاكم الذي انتخبه الناس، وإثارة البلبلة الأمنية والسياسية وإحباط المشاريع الاقتصادية والعمرانية في العراق.
وكانت حصة المحافظات الشيعية من عمليات الرعب والإرهاب والقتل أوسع الحصص، وقد حصدت منهم الأيدي الآثمة عشرات الآلاف من دون أي مبالغة، وأظلمت بيوتاً كانت عامرة وآهلة برجالها، وخلفوا وراءهم أضعاف هذا العدد من الأيتام والأرامل في بيوت خاوية يخيم عليها البؤس والحزن والكآبة واليتم والترمل.
وقرأت الساحة الإسلامية بكل مكوناتها هذه الرسالة الأمريكية الإرهابية بتمامها، ولملمت جراحها وصمدت بوجه الإرهاب ومارست الدولة مسؤولياتها في حفظ المواطنين من الإرهاب الذي يصنعها صناع الموت والرعب، بقدر الوسع والإمكان، وأحياناً بقيمة تعطيل المشاريع العمرانية والاقتصادية.
5- ولم تحقق صناعة الرعب والموت غاياتها في إسقاط النظام وإحباط المشروع السياسي للعراق، وإن كان لها دور كبير في تعطيل المشاريع الأمنية والاقتصادية والعمرانية وإثارة البلبلة.
فبادرت أمريكا إلى استخدام الورقة الأخيرة لإسقاط النظام العراقي، وإحباط المشروع العراقي السياسي، وإعادة حكومة العصابات مرة أخرى إلى مواقع القرار والحكم... وهي ورقة الفتنة الطائفية، واستخدمت أمريكا لهذه الغاية النفوذ والأموال القطرية والسعودية والتركية، في إشعال نار الفتنة الطائفية في العراق استخداماً واسعاً... ودخلت هذه الأنظمة الثلاثة المرتبطة بالعجلة الأمريكية في إشعال الحريق بشكل سافر مفضوح، لا يمكن التستر عليه.
ونجح التخطيط الأمريكي هذه المرة، وخرجت مسيرات وقامت اعتصامات بشعارات وخطابات طائفية استفزازية واسعة للأسف، وأخذت تتمدد في أكثر من محافظة بسرعة، وقد كنا نتوقع من خلال قراءة تأريخنا الإسلامي المعاصر والقديم: أن الفتنة الطائفية سريعة الاشتعال، سريعة التمدد، صعبة الاخماد، تسلب في كثير من الأحيان الاعتدال والوسطية حتى من ناس معروفين بالعقل والاعتدال.
لقد كانت الفتنة الطائفية ظاهرة بارزة في هذه المسيرات بالشعارات المرفوعة، والخطاب الطائفي المتشنج، والصور والأعلام المرفوعة في هذه المسيرات، والكلمات السيئة التي لا نريد أن نكررها هنا.
ولم يكن الشعب العراقي من السنة والشيعة الذين يشاهدون هذه المسيرات على صفحات التلفاز بحاجة إلى تأمل وتوقف كثير ليقرؤوا فيها الفتنة الطائفية المتشنجة الملتهبة.
6- إن لأنظمة الاستكبار الغربي تجارب ناجحة في استخدام الفتنة الطائفية في تحقيق أهدافها وغاياتها، وإذا لم يتعامل البيت الإسلامي الكبير في العراق الذي يتألف من الشيعة والسنة مع هذه الفتنة، بتعقل وحكمة ومسؤولية فإن هذه الفتنة لا تبقي ولا تذر على شيء، وتحول العراق إلى مقاطعات طائفية ملتهبة يكون الخاسر الأول فيها العراق والرابح الأول الاستكبار الأمريكي وعملاء أمريكا في المنطقة وفي داخل العراق (عصابات حزب البعث).
إن البيت الإسلامي الكبير في العراق بمكونيه الشيعي والسني قادر لوحده على حل كل إشكاليات الاستحقاقات السياسية، دون حاجة إلى اشعال الفتنة الطائفية والجو الطائفي المتوتر المتشنج، ودون الحاجة إلى اللجوء إلى مصادر الفتنة في الإقليم خارج الحدود في قطر والسعودية وتركيا.
إن العراق من أعرق مراكز الحوار الإسلامي الوطني الحضاري في العالم الإسلامي والعربي، والعلاقة بين المكونين الإسلاميين العريقين، الشيعة والسنة، علاقة عريقة وأصيلة ومستقرة، رغم كل الاستفزازات الطائفية التي مرت على العراق في فترات حكومات العصابات الطائفية في العراق.
إن البيت الإسلامي الكبير في العراق لوحده قادر على حل كل المشاكل العالقة من خلال الحوار واللجوء إلى المعايير الشرعية والدستورية.
إن أي خطاب أو شعار طائفي يثير الفتنة بين المسلمين، الشيعة والسنة، من أية جهة كان، بمثابة صب الزيت على النار، يتحمل عامله ورافعه مسؤوليته الكاملة بين يدي الله تعالى يوم القيامة... فاتقوا الله في هذه الأمة.
وكل من يساهم بأي حدٍّ وحجم ومقدار في إطفاء نائرة الفتنة بين المسلمين من أبناء الأمة الواحدة فسوف يلقي الله تعالى راضياً عنه.
يقول تعالى: ((إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)) (الأنبياء:92)
((وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)) (المؤمنون:52)
وإن أولى من يحمل شعار الوحدة والتقريب والتفاهم بين المسلمين علماء الإسلام الذين يعون وعياً دقيقاً: كم يحب الله تعالى وحدة هذه الأمة وتلاحم الصف الإسلامي أمام تحديات الكفر والاستكبار العالمي.
((إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)) (الصف:4)
وكم يمقت الله الذين يفرقون الكلمة ويثيرون الخلاف والشقاق بين المسلمين.
((ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم)) (آل عمران: 105)
إن إخماد الفتنة الطائفية، وإحباط محاولات بث الفرقة والفتنة بين المسلمين، وتوجيه المسلمين من الأمة الواحدة إلى الاعتصام بحبل الله، ونبذ التراشق والتقاطع، وإلى إقامة جسور المحبة والمودة والتعاون فيما بينهم، من أعظم ما يحبه الله تعالى ويوجبه على علماء المسلمين، وسائر المسلمين.
وعيون المسلمين في كل شدة ومحنة وهم، من هذا القبيل، مشدودة إلى العلماء العاملين الصالحين الواعين الذين يعرفون جيداً خطر الفتن الطائفية على أمة رسول الله (ص).
نسأل الله تعالى أن يقي العراق شر هذه الفتنة، وأن يمكّن العراق من تسديد علماء الإسلام ورجال السياسة من كلا المكونين الكبيرين للتعامل مع المشاكل السياسية من خلال موازين الشريعة والفقه الإسلامي أولاً والدستور ثانياً بالحوار والتفاهم والتعاطي الإسلامي الحضاري الإيجابي، كما علمنا الله تعالى في كتابه من الاعتصام بحبله تعالى في الأزمات الصعبة:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (آل عمران:102-105)
 
محمد مهدي الآصفي
النجف الاشرف في 27 صفر 1434

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/01/11



كتابة تعليق لموضوع : سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي يوجه رسالة مفتوحة لعلماء المسلمين يحذر فيها من أي خطاب لإثارة الفتنة الطائفية فيه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net