صفحة الكاتب : الشيخ جهاد الاسدي

الشبهة .. تحديد المفهوم والمعالجة
الشيخ جهاد الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم 

لا تسجل المادة مائزا وجوديا للإنسان بعد أن كان يلتقي مع كل مفردات هذا العالم في ذلك.    

كذا لا تشكل الحيونة فارقا وجوديا له بعد أن كانت بعدا مشتركا بينه وبين سائر الحيوانات.    

إنما الإنسانية هي المنعطف فهي الفارق والمائز وهي نقطة الامتياز والقوة حيث إن الامتياز هذا يقع في خط عامود الوجود لا في افقه. فهو يعبر عن افتراق في الكمال توفر عليه الإنسان وحرم منه الآخرون. 

الادراك يمثل اهم عناصر المكون الانساني ، القدرة على مشارفة الواقع واكتشافه واكتناهه  

والنقطة هذه قلقة غير ساكنة تتجاذبها وجهتان متضادتان: العودة والانكفاء نحو الحيونة وقد أسوء، وبالتالي التخلي عن كثير من خصائصه الوجودية. أو التسلق والتعمق في الوجود متحولا من إنسان بالقوة إلى إنسان بالفعل، ومن إنسان مهدد في إنسانيته إلى إنسان مضمون الإنسانية.    

هذا من جانب ومن جانب اخر فان السعي نحو الواقع والحقيقة امر لا شك في فطريته ولا يحتاج الى اثبات والدليل عليه لا يمكن للانسان ان يترك الحقيقة فان السؤال عنها مركوز في لب فطرته وتكوينه ...

من هنا كان من المهم تسليط الضوء على كيفية تسوير الادراك وضمانة عدم تورطه في اكثر من مطب قد يؤدي به الى فقدان قدرته على الايفاء بدوره كمحقق اساسي لانسانية الانسان 

الشبهة هي المهدد الاساسي لدور الادراك في المركب الانساني ومن هنا كان لابد من الوقوف على كيفية تحديد او ازالة دور الشبهات.

الشبهة تعني التزييف عملية خلط الحقيقة بغير الحقيقة بحيث يتم ايجاد فرد جديد يشبه الحقيقة ولكنه لا يملك خصائصها ومقوماتها مثل ان نقوم بصنع ورقة نقدية مزورة هي تشبه الواقعية ولكنها لا تملك خصائصها ومقوماتها ، طبعا توصف بانها مزورة حين يتم تسويقها على انها الحقيقية  اما لو تم تسويقها على انها مجرد مثال وصورة لا تكون حينئذ مزورة وصف التزوير ماخوذ فيه ان يتم افتراض غير الحقيقة حقيقة كما ان ليس من التزوير حين يكون هناك جهل وعدم معرفة بالحقيقة لانه كما قلت لا يوجد افتراض لغير الحقيقية بانها هي الحقيقة . 

ظاهرة التزييف ظاهرة متاصلة في هذا العالم نجد الى جانب كل حقيقة او امر حقاني نجد الى جانبه امر مزيف يحاول الالتصاق به نجد ايضا في كل حقيقة ظاهرة امكانية ان يتم تلبيسها بحيث لا تبدو كما هي بل تبدو وكانها باطلا مزيفا 

هذا هو قدر عالمنا عن علي  ( عليه السلام ) : (فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه )

عنه ( عليه السلام ) : كم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب الله كما يزخرف الدرهم النحاس بالفضة المموهة ( 6 ) .

يقول امير المؤمنين : ( فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين . ولو أن الحق خلص من لبس الباطل لانقطعت عنه ألسن المعاندين ولكن  يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان ، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى ) .

هناك اذن مزج للحق بالباطل فليس ثمة حق الا وكان الى جانبه نسخة مزورة تحاول ان تضع نفسها في موضعه . مااريد التاكيد عليه هنا هو ان من سنن هذا العالم اختلاط الحق بالباطل وعدم خلوص الحق دائما . 

هنا تساؤل يطرح مفاده ما الداعي لان نتعب انفسنا في استخلاص الحقيقة ونفي ما يعتريها من الباطل ما الداعي ان نحقق ما اذا كانت مسالة ما بين ايدينا هي الحقيقة بعينها او انها تشبه الحقيقة ؟! نحن على سبيل المثال حين لا يمكنا شراء ساعة ذات ماركة اصلية نشتري ساعة ذات ماركة تقليد ، حين لا نتمكن من شراء الحلي الحقيقية نشتري حليا كاذبة ؟ لماذا نبحث عن الحقيقة لنكتفي بشبيهها ؟؟ 

الجواب هناك فرق بين امرين : ان نسعى نحو الحقيقة لانها تلبي حاجة معينة ولكن نجد غيرها يلبي نفس تلك الحاجة مثلا في الحلي المطلوب من الذهب الحقيقي هو الزينة ولكن الزينة مثلا تتحقق بالحلي الكاذبة فنكتفي بها لان لا شئ لنا نطلبه بعد ذلك ولكن ليس كل الحاجات على هذا النحو مثلا حين نتعرض لمرض ما لا يمكن ان نقبل باستعمال الدواء المزيف لان الغرض من الدواء لا يتحقق من المزيف وهو الشفاء ، حين اقصد مكانا معينا مثلا واشتبه بالطريق لا يمكني ان اسلك طريقا يشبه الطريق الحقيقي بحجة ان فيه كثيرا من الشبه تريبه وارصفته وطريقة بناءه تشبه الطريق الحقيقي ببساطة لان الطريق غير الحقيقي يمثل امرا مرفوضا بل لابد من سلوك الطريق الحقيقي ومن هنا ندرك ان الاثار التي نطلبها من الحقيقة لا تتوفر اطلاقا الا فيها دون غيرها مما يشابهها وهذا يبرر السعي نحوها وتحصيلها . 

الموقف من ظاهرة الشبهة كيفية التعاطي معها في ثلاث نقاط : 

هناك عدة فروض مسلمة من وجهة النظر الدينية : 

اولا : الانسان في هذا العالم وجد للبقاء ، وهو في حركة دائمة نحو غاية سوف يبلغها ( انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ) ومن هنا كان لابد من ان يعرف الحقيقة ويطمئن اليها كي يضمن وصوله الى غايته المرضية ( انا هديناه النجدين اما شاكرا واما كفورا ) وهذه حقيقة لا مراء فيها ولا شك . والى جانب هذه الحقيقة حقيقة اخرى هي ان الحقيقة خلطت بالتزييف والباطل ما يعني ان على الانسان دائما ان يسعى لازالة التزييف ورفع اللبس لان الطريق الحقيقي يتطلب ذلك ومن دونه لن يضمن الانسان لنفسه نجد الشكر

ثانيا : الانسان كائن مختار يعني ان له القدرة على تغيير طبيعة ذاته وتطويرها واكتشاف التزييف فيها شريطة ان تتوفر لديه شرائط هذا النمط من النشاط .الاختيار يستبطن وجود طرق متعددة وييستبطن وجود امكانية ترجيح احدها على ما سواها ويسنبطن توفر مقومات ذلك الترجيح على ارض الواقع 

 

ثانيا: طبيعة الانسان تفضي الى الاختلاف لانه مركب من عدة قوى تتفات سيطرتها وهي العقل والشهوة والغضب 

تركيبة الإنسان عبارة عن خليط من القوى المتعددة العمياء التي يضغط كل منها عليه في تلبية متطلباتها كاملة ومن دون هوادة.  المشكلة التي سوف نقف عندها هنا هي التباس الحقيقة بغيرها وظهور التزييف في الوعي ما يتطلب وقفة عند هذه المسالة الخطيرة من خلال معرفة اسبابها وكيفية معالجتها من وجهة النظرالاسلامية : 

اسباب التزييف : 

هناك اسباب تقف وارء عملية التزييف نفسها ومن هنا ينبغي ان يتم الانتباه اليها بغية تجنب الوقوع في فخ التزييف 

يقول امير المؤمنين في بيان الركائز التي تعتمدها عملية التزييف : 

 ( والشبهة على أربع شعب : إعجاب بالزينة ) أي إعجاب المرء بالزينة الدنيوية أو القلبية من الأمور التي اخترعتها النفس بالرأي والاستحسان مع استعانة الوهم والخيال فأعجبت بها لكونها من عملها .

( وتسويل النفس ) أي تزيينها للأمور الباطلة بحسب المادة أو الصورة مع شوب الحق وعدمه فإن النفس بإستعانة الوهم قد تزين الأمور الباطلة الصرفة كما تزين الباطل الممتزج بالحق 

( وتأول العوج ) التأول هنا بمعنى التأويل أي تأويل العوج وتفسيره بوجه يخفى عوجه ويبرز استقامته

فيظن أنه مستقيم كما فعل أهل الخلاف في كثير من أحاديثهم الموضوعة .

( ولبس الحق بالباطل ) وإخفاء الواقع بخلاف الواقع كما يلبس طائفة حدوث العالم بقدمه

وطائفة خلافة علي ( عليه السلام ) بخلافة الثلاثة الباطلة وأمثال ذلك أكثر من أن تحصى .

( وذلك بأن الزينة تصدف عن البينة ) أي تصرف النفس عن البينة الشرعية والعقلية التي

يحكم بصحتها النص الصحيح والعقل الصريح .

( وأن تسويل النفس تقحم على الشهوة ) أي تزيين النفس للباطل يقحم على الشهوة الداثرة

الجسمانية واللذة الحاضرة النفسانية ويورث الدخول فيها والعكوف عليها .

( وأن العوج يميل بصاحبه إلى الباطل ميلا عظيما ) يتعسر معه الرجوع إلى الحق وإنما لم يقل

تأول العوج إما للاقتصار اكتفاء بما سبق ، أو للتنبيه على أن تأول العوج أيضا عوج ( وأن اللبس ) أي

لبس الحق بالباطل وان كان واحدا . ( ظلمات بعضها فوق بعض ) ظلمة الباطل وظلمة القلب ، وظلمة الأعمال المترتبة عليه ، وظلمة يوم القيامة.

وفي نصوص اخرى نجد ان ثمة اسباب تذكر لمسارب تسلكها الشبهات الى الوعي فتعيده وعيا مزيفا مثل : 

اولا : اتباع الهوى : 

فان لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون اهواءهم ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين . القصص : 50 

الهوى شريك العمى 

رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن إبليس قال : أهلكتهم بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار ، فلما رأيت ذلك

أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون 

 

ثانيا : الحب 

النبي : حبك للشئ يعمي ويصم ، امير المؤمنين : عين المحب عمية عن معايب المحبوب واذنه صماء عن قبح مساويه ، ايضا امير المؤمنين : من عشق شيئا اعشى بصره وامرض قلبه فهو ينظر بعين غير صحيحة ويسمع باذن غير سميعة قد خرقت اشهوات عقله واماتت الدنيا قلبه وولهت عليها نفسه فهو عبد لها ولمن في يده شيئ منها .. ) 

ثالثا: العجب والكبرياء : 

واما الذين كفروا افلم تكن اياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ، وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين . 

العجب صارف عن طلب العلم داع الى الغمط والجهل 

من اعجب بفعله اصيب بعقله 

يابني اعلم ان الاعجاب ضد الصواب وافة الالباب 

اول اعجاب المرء بنفسه فساد عقله . 

رابعا:الطمع 

اكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع 

الامام الكاظم : ياهشام اياك والطمع فان الطمع مفتاح الذل واختلاس العقل وختلاق المروات . 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ جهاد الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/12/26



كتابة تعليق لموضوع : الشبهة .. تحديد المفهوم والمعالجة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net