صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح74 سورة المائدة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ{58}
مما يروى في نزول الاية الكريمة , ان اثنين من المشركين وهما ( رفاعه وسويد ) , تظاهرا بأعلان اسلامهما , لكنهما التحقا بشريحة المنافقين , وكان لبعض المسلمين صحبة معهما , ويظهرون لهما المودة , فنزلت الاية الكريمة لتنهاهم عن ذلك . ( مصحف الخيرة/علي عاشور العاملي ) . 
 
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ{59}
مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة , لما قال اليهود للنبي محمد (ص واله) بمن تؤمن من الرسل ؟ , فقال (ص واله) : (  آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ ) , فلما جاء الى ذكر عيسى (ع) , قالوا عندها ( لا نعلم دينا شرا من دينكم ) ( تفسير الجلالين / السيوطي ) . 
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة محاور : 
1- (  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ ) : سؤال , لا يقتصر على زمان ومكان النبي (ص واله) , بل يعمم على كافة الازمان والاماكن , حيثما وجد من يمقت الاسلام والمسلمين من اهل الكتاب .
2- (  آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ ) : اجمل النص المبارك ضروريات الاسلام , في ثلاثة مقاطع : 
أ‌) (  آمَنَّا بِاللّهِ ) . 
ب‌) (  وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا ) . 
ت‌) (  وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ ) .   
3- (  وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ) : يذهب النص المبارك الى ان الاعم الاغلب من اهل الكتاب كانوا فاسقين , ويستدل منه ايضا على وجود ثلة مؤمنة بينهم , والا لكان سياق النص ( وان جميعكم ( كلكم ) فاسقون ) او ما شابه .          
 
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ{60}
نستقرأ الاية الكريمة في عدة محاور : 
1- (  قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم ) : يأمر النص المبارك النبي الكريم (ص واله) , ان يخبر المؤمنين خاصة , و الناس عامة . 
2- (  بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ ) : المثوبة هي بمعنى اجرا وجزاءا ( مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي ) , او انها ( ثوابا بمعنى جزاء ) "تفسير الجلالين / السيوطي" , اما الجزاء فكان :
أ‌) (  مَن لَّعَنَهُ اللّهُ ) : الطرد من الرحمة . 
ب‌) (  وَغَضِبَ عَلَيْهِ ) . 
ت‌) (  وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ) : يذهب السيوطي في تفسيره الى انهم اليهود , اما كتب التاريخ وقصص الانبياء , فتروي ان بني اسرائيل قد مسخوا الى قردة وخنازير وغير ذلك .              
3- (  وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ) : يرى السيوطي في تفسيره الجلالين ( الشيطان بطاعته ) , اما علي عاشور العاملي فيرى في مصحفه ( كل مطاع في معصية الله ومنه الشيطان ) . 
4- (  أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً ) : جهنم كلها دار عقاب , وفي دركاتها صنوفا وانواعا مختلفة من العذاب , فكيف سيكون شرها من حيث الموقع الجغرافي فيها ! , وقانا الله تعالى كل ذلك . 
5- (  وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ) : سواء السبيل طريق الحق , فكان هؤلاء اشد بعدا عنه في الحياة الدنيا , لذا في الحياة الاخرة لن يكون لهم هدى , كشفيع او محام او عمل صالح من شأنه ان ينقذهم مما هو واقع بهم , او حتى يخفف عنهم ! .     
يلتفت المتأمل الى التفاتة ذكرها السيوطي في تفسير الجلالين , ينبغي الوقوف عندها والتأمل فيها , نوردها كما هي ( وذكر شر وأضل في مقابلة قولهم لا نعلم دينا شراً من دينكم ) , اشارة الى ما جاء في سبب نزول الاية الكريمة ( 59 ) .
 
وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ{61}
الاية الكريمة في طور الكشف عن فئة امنت ظاهرا , ولم تؤمن فعليا , وتوضح انهم (  قَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ ) , فيتساءل المتأمل من هم هؤلاء ؟ , هل هم المنافقين ام اليهود ؟ , ام كلاهما معا ؟ ! .     
النكتة اللطيفة في الاية الكريمة , ان هؤلاء اظهروا الاسلام , واخفوا الكفر , يتصورون انهم يخدعون النبي الكريم (ص واله) بذلك , فغاب عن اذهانهم انه (ص واله) مؤيدا من قبله عز وجل الذي لا تخفى عليه خافية , (  وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ) .    
 
وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{62}
تصفهم الاية الكريمة بأنهم :  
1- (  يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ ) : المعاصي . 
2- (  وَالْعُدْوَانِ ) : الاعتداء على احكام الله تعالى , وايضا الظلم . 
3- (  وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ) : المال الحرام .      
الملفت لنظر المتامل , ان الاية الكريمة وصفتهم بـ ( يُسَارِعُونَ ) , ولذلك عدة معاني :  
1- يتعجلون . 
2- سرعة الوقوع بالمعصية , لعدم توفر الرادع . 
ويلاحظ ايضا ان الاية الكريمة اختتمت بــ ( لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) , ساء عملهم واعتدائهم .
 
لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ{63} 
تشرح الاية الكريمة ان بين بني اسرائيل ربانيون ( وهم عباد اليهود المنقطعون لله تعالى علما وعملا )  واحبار ( الرؤساء الدينيون والعلماء ) لم يكونوا ينهون قومهم عن تلك الاثام والمعاصي والمعاملات المحرمة .   
يلاحظ في الاية الكريمة , انها اختتمت بـ (  لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ) , بتركهم النهي عن ذلك , كما يتوجب عليهم وينبغي .   
ويلاحظ ايضا في ختام الاية المباركة ومقابلتها بما ختمت به سابقتها الكريمة , فساء العمل لعامة اليهود , بينما ساء الصنع للربانيون والاحبار ! . 
 
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ{64}
نستقرء الاية الكريمة في عدة محاور : 
1- (  وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ ) : كان لدى تجار اليهود وأغنياءهم الكثير من المعاملات التجارية التي حرمها الاسلام , لعل ابرزها الربا ودفع الرشا , مما اثر على تجارتهم سلبا , فقلت وارداتهم , فأتهموا الله تعالى بذلك , حيث ان مغلولة تعني مقبوضة عن العطاء , مما يعني ان الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا بخيلا . 
2- (  غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ) : جاء الرد عليهم سريعا , وفي نفس الاية الكريمة وفي محورين : 
أ‌) (  غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ) . 
ب‌) (  وَلُعِنُواْ ) .     
3- (  بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) : يستمر رده جل وعلا عليهم , ويلاحظ فيه (  يَدَاهُ ) , بينما قالت اليهود (  يَدُ ) , ذلك فيه اشارة الى كرم وعطاء الباري عز وجل , أي ان السخي من يعطي بكلتا يديه , فيستفاد من (  يَدَاهُ ) بيانا لسخائه ووفرة عطاءه جل وعلا . 
4- (  وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ) : يبين النص المبارك , ان كثيرا من اليهود يزدادون طغيانا وكفرا بما انزله الباري عز وجل على رسوله الامين محمد (ص واله) . 
5- (  وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) : لذلك عدة مضامين ورد بعضها في كتب التفسير , بينما يلاحظ البعض الاخر في علاقتهم فيما بينهم في الوقت الحاضر , نكتفي بذكر رأيين : 
أ‌) تفرقهم الى فرق مختلفة في الرأي والسلوك و المنهج . 
ب‌) حالة التباغض تنتاب اليهود في كل عصر ومصر , قد تكون خافية وغير ظاهرة للعيان , لكنها مدفونة في صدورهم . 
6- (  كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ ) : اوقد اليهود الكثير من نيران الحروب , لكن الله تعالى كان لهم بالمرصاد , حتى صار يعرف ويقال ( ما من فتنة في العالم , الا وكان من وراءها اليهود ) ! . 
7- (  وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) : يكون ذلك بطريقين : 
أ‌) تبني الفساد وركوب المعاصي والذنوب . 
ب‌) العمل على نشر الرذيلة والاخلاق الذميمة في ارجاء المعمورة .           
يلاحظ المتأمل امرا جديرا بالوقوف عنده , حيث يمني اليهود انفسهم بأنهم ( شعب الله المختار ) , فأحبطت الاية الكريمة تلك الاماني الواهية , فبعد ان وصفتهم (  وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ) ,  قررت (  وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ! .  
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/12/06



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح74 سورة المائدة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net