صفحة الكاتب : صالح الطائي

تاريخ العراق بين حكم الأزمة وأزمة الحكم
صالح الطائي
 [قراءة في كتاب حكم الأزمة للأستاذ الباحث رائد عبد الحسين السوداني]
لا يجد من يتتبع آثار التاريخ العراقي منذ أن اتخذ الإمام علي عليه السلام الكوفة عاصمة لحكم العالم الإسلامي في أواخر عام 35 هجرية ولغاية هذه الساعة وقتا للسلم التام بمعناه الأشمل؛ فهو حتى مع فترات الهدوء النسبي والسلم القلق كان بؤرة للحراكات الثورية وميدانا لعمل المعارضة والمتكلمين.
وربما لهذا السبب ـ فضلا عن أسباب كثيرة أخرى ـ بادر الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان ما إن دخل الكوفة فاتحا وبعد أن سار إليها بمائة وثلاثين ألف مقاتل على اختلاف الروايات وبعد أن عقد معاهدة الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام؛ بادر إلى نقل كوادر العاصمة الإدارية والمالية والعلمية والفنية إلى عاصمته المؤقتة الشام لتصبح عاصمة العالم الإسلامي بعد المدينة والعراق، فأفرغ العراق من مهاراته، وخلف عليه ولاة امتازوا بالغلظة والشدة والعسف بدأ من المغيرة بن شعبة الذي تولى الترويج لفتنة سب الإمام علي عليه السلام على منابر الجمعة مرورا بالمتحذلق القاسي خالد بن عبد الله القسري ومن ثم الدموي السفاح الحجاج بن يوسف الثقفي وأشباههم من الولاة الغلاظ القساة الجفاة الذين استفزوا العراقيين ودفعوهم إلى الثورة عنوة بحثا عن الكرامة والاستقرار والعيش الرغيد، حتى أصبحت مفاهيم المعارضة والثورة والاحتجاج منهجا ربت عليه الأجيال ومضربا للأمثال.
وقد اجتمعت كل تلك العوامل لتجعل من العراق مرجلا؛ ولكن وقوده نار من القصب ما إن تتقد ويرتفع لهبها إلى عنان السماء فتمنح الناس أملا بمستقبل واعد وحياة فضلى حتى تخمد وتنطفئ قبل أن تترك أثرا يذكر؛ إلا من حيث زيادة معاناتهم وقهرهم، وهو ما زاد حلكة ليل العراقيين سوادا على مر التاريخ.
النكاية الكبيرة أن الباحث المتتبع لتاريخ العراق المعاصر في الأقل خلال القرنين المنصرمين لا يجد فرقا أو اختلافا كبيرا بين الماضي والحاضر، بل يجد تلك الثقافة المورثة نفسها فاشية بين الحكام وبين المحكومين، بين القادة المحليين أو المستعمرين وبين الشعب المظلوم المغلوب على أمره، فكان الشعب الذي يحمل على كاهله تاريخ البشرية الأروع يخرج من مصيبة كأداء ليدخل مصيبة أقسى وأمّر تماما كالمستجير من الرمضاء بالنار.
ولقد غامر الأستاذ رائد السوداني؛ وغامر بنا أيضا يوم قادنا مخيرين وبإرادتنا الحرة ودونما إكراه إلى متاهة هذا العالم المرعب المخيف المليء بطقوس السحر الأسود والمؤامرات والجرائم والمهاترات عبر كتابه القيم (حكم الأزمة، العراق بين الإحتلالين البريطاني والأمريكي) بادئ ذي بدء من خلال الحديث المسهب عن أواخر حكم الاستعمار العثماني وصولا إلى تتويج الملك المستورد من دول الجوار المرحوم فيصل الأول مع إشارات وتلميحات إلى القومية العربية ونشأتها وإسقاطاتها على ما يمر به العراق اليوم من أزمات سياسية، وقد نجح الباحث المقتدر في رسم صورة واقعية لكثير من الأحداث والأحاديث التي كانت خافية علينا فأجاد وافاد.
يمثل هذا الكتاب الذي صدر عن دار ضفاف للنشر في الشارقة بحلة قشيبة وإخراج جميل الجزء الأول من سلسلة بحوث قد تصل إلى خمسة أجزاء أو أكثر يعكف الأستاذ السوداني على كتابتها لتكون مرجعا للباحثين وخزينا فكريا للقادمين وإرثا حضاريا للعراقيين.
وأنا بعد تمتعي بقراءة الطبعة الجديدة للكتاب لا يسعني إلا أن أقول: مبروك للأستاذ السوداني كتابه القيم هذا وندعو صادقين ومخلصين أن يتمكن من إنجاز باقي الأجزاء. 
ومبروك لدار ضفاف للنشر نجاحها في إخراج الكتاب بهذا الشكل الرائع. 
وأمنية بقراءة ممتعة لمن يحصل على نسخة من هذا الكتاب. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/28



كتابة تعليق لموضوع : تاريخ العراق بين حكم الأزمة وأزمة الحكم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net